التلسكوب هو واحد من الاختراعات البشريّة الأكثر أهمية، حيث قام بتقريب صور العديد من الأشياء، رغم بساطته في البداية، إلّا أنّه ومع تطور الأزمان وما فيها تأثّر وانعكس هذا التطوّر على التلسكوب، حتّى شمل تقريب صور عديدة للفلك الذي يسبح به كوكبنا الصغير الأرض.


إن فضل اختراع التلسكوب يعود إلى صانع النظارات الهولندي هانز يبرشي أو يبرهي (Hans Lippershey) الذي ولد عام 1570 في فيسيل غرب ألمانيا، وتوفي عام 1613، فقد كان يبرشي أوّل شخص يتقدّم بطلب للحصول على براءة اختراع للتلسكوب، والتي استمرت لمدّة 30 عاماً، ومنح حوالي 900 فلورين.


جاءت فكرة تصميم التلسكوب عندما قام هانز يبرشي بمراقبة طفلين كانا في متجره، حيث كانوا يرفعون عدستين بحث إحداهما تعمل على تقريب صورة الأخرى، وقد كان تلسكوب يبرشي الأصلي يتكوّن من عدستين محدبتين لإعطاء صورة مقلوبة أو عدسة محدّبة مع عدسة مقعّرة لإعطاء صورة مستقيمة، علماً بأنه اتُهم بسرقة الفكرة من يانسن صانع النظارات عام 1608.


عاش كلاً منهما أي يانسن ويبرشي في نفس البلدة، حيث كانا يعملان في مجال الأجهزة البصرية، لكن الفضل يعود ليبرشي في اختراع التلسكوب نظراً لطلبه براءة الاختراع، مع العلم أنّ يانسن هو من اخترع المجهر المركّب. قام غاليليو غاليلي عام 1609 بإضافة بعض التحسينات على التصميم الأولي للتلسكوب، وهذا ما ساعده على أن يصبح محاضراً في جامعة بادوا، وكان غاليليو غاليلي أول من استخدم التلسكوب لتقريب الأجرام السماوية، بحيث يمكنه رؤية الجبال والحفر التي تتواجد على سطح القمر، فضلاً عن رؤية ما يعرف بدرب التبانة.


استخدم الأثنوغرافي وعالم الرياضيات البريطاني توماس هاريوت التلسكوب لمراقبة القمر، كما قام العديد من علماء أوروبا وفي جميع أنحائها باستخدام التلسكوب، حيث قام يوهانس كبلر بدراسة البصريات وتصميم تلسكوب بعدستين محدّبتين، الأمر الذي جعل الصور تَظهر رأساً على عقب، وقام البعض الآخر باستخدام المرايا بدلاً من العدسات في بناء التلسكوب العاكس وذلك كان عام 1668.


ساعد ظهور وتطوّر الراديو في دراسة الإشعاع الكهرومغناطيسي، فقد قام المهندس الأمريكي الذي يدعى بكارل جانسكي باكتشاف إشعاع الراديو من الفضاء عام 1931، وتمّ بعد ذلك إنشاء ما يعرف بالتلسكوبات اللاسلكية التي ساعدت في اكتشاف نظرية الانفجار الكبير. أبحر التلسكوب الفضائي هابل عام 1990 في الفضاء، وهو المزوّد بالعديد من الكاميرات الرقمية والاتصالات الفضائية.


ومن أكثر أنواع التلسكوبات شهرةً هو التلسكوب العاكس الذي يستخدم تحديداً كمرآة لجمع وتركيز الضوء في بقعة واحدة، علماً بأنّ له مزاياً عديدة، فهو لا يشكّل أي انحراف لوني، لأنه سيعكس جميع الأطوال الموجية بنفس الطريقة، لكن أنبوبه العاكس يكون مفتوحاً للخارج، ممّا يتطلّب ضرورة تنظيفه باستمرار.

التلسكوب

التلسكوب، أو المقراب، أو الراصد، يستخدم لرؤية الأجسام البعيدة، فهو يرسم صورة مقرَّبة للأجسام بتجميع الضوء، وله نوعين، تلسكوب عاكس، وتلسكوب كاسر، وتتكوّن التلسكوبات من مجموعة من العدسات المحدبة، والمرايا المقعرة أو المستوية، على حسب مدى التلسكوب ودقّته، وتستخدم التلسكوبات بالغالب لرصد الأجرام السماوية، ومنها ما يوضع على سطح الأرض، على سفوح الجبال أو في الصحاري وهي على نوعين تلسكوبات ترصد الضوء المرئي مثل مرصد كيك، وتلسكوبات تقيس الأشعة الراديوية مثل مرصد أريسيبو، وأخرى تحملها أقمار صناعيّة خارج الغلاف الجوي وهي على نوعين أيضاً، تلسكوبات ترصد الأشعة السينية مثل مرصد شاندرا، وتلسكوبات ترصد أشعة جاما مثل مرصد بيبوساكس، وأبسط أنواع التلسكوبات هو التلسكوب الكاسر المكوّن من عدستين، عدسة صغيرة قريبة للعين وتسمّى عدسة عينيّة، وعدسة أكبر في الجهة المقابلة تسمى عدسة شيئيّة أو عدسة جسميّة، وهو ما سيتم شرح طريقة صنعه.


طريقة صنع تلسكوب بسيط
الأدوات اللازمة لعمل تلسكوب

عدستان محدّبتان، إحداهما صغيرة، والأخرى كبيرة، -يمكن الحصول عليها من محال بيع النظارات الطبيّة-.
كرتون مقوّى.
مقص.
شريط لاصق.
غراء.
مسطرة.
قلم.
فرجار.


خطوات صنع تلسكوب بسيط

أمسك بالعدسة الصغيرة واجعلها بالقرب من عينك، وأمسك العدسة الكبيرة وضعها بشكل موازٍ للعدسة الصغيرة ولكن بمسافة بينهما، وانظر خلالها إلى شيء معيّن في الغرفة، وغير بعد العدسة الكبيرة بالنسبة للصغيرة حتى تتضح الرؤية، وتصبح ترى من خلالها بدقة.
بالمسطرة، خذ قياس المسافة بين العدستين.
ضاعف المسافة التي قستها بين العدستين، فمثلاً إن كانت الرؤية واضحة عندما كانت العدسة الكبيرة تبعد عن الصغيرة بـ 12 سنتيمتراً، عيّن مسافة 24 سنتيمتراً بين العدستين في التلسكوب، أي أن يكون قياس مجموع أطوال الكرتونتين التي ستستخدمهما في صنع الأنبوبين هي 24 سنتيمتراً.
لُف الكرتون المقوى على شكل أنبوب بنفس قطر العدسة الصغيرة، ثمّ افعل نفس الشيء للعدسة الكبيرة.
ضع العدسة الصغيرة على قطعة من الكرتون وارسمها، وكذلك الكبيرة، ثمّ قص الدائرتين الناتجتين وفرغهما باستخدام الفرجار ذو الرأسين المدببين، بحيث تبقي سمك سنتيمتر للأطراف.
على طرف الأنبوبة الصغيرة ضع القليل من الغراء وألصق العدسة، ثمّ ثبتها بحلقة الكرتون المفرغة، وافعل نفس الشي بالعدسة الكبيرة، لكن على طرف الأنبوب الأكبر قطراً.
ضع الأنبوب الأصغر بداخل الأنبوب الأكبر بحيث ينزلقان على بعضهما، إن كانت المسافة بينهما كبيرة، يمكن لف الأنبوب الصغير بالشريط اللاصق لزيادة قطره، ويجب الانتباه إلى أن مركزي العدستين على نفس الاستقامة، وإلا لن تكون الرؤية واضحة، أو لن تتمكن من الرؤية حتى.

الآن أصبح التلسكوب جاهزاً ويمكن استخدامه، لكن إياك أن توجّهه إلى الشمس أو للقمر وهو بدر.


نبذة تاريخية

ماذا تعني كلمة تلسكوب؟ التلسكوب: جهاز مصمم لمراقبة الاجسام البعيدة عن طريق تجميع الاشعة الكهرومغناطيسية. وكلمة تلسكوب " Telescope" ماخوذة من كلمة اغريقية "tele" يعني بعيد و "skopein" رؤية وكان جاليليو اول من اسنخدم هذا المصطلح في عام 1611 ميلادي وقبلها كان يطلق على التلسكوب كلمة ""perspicillum وكلتا الكلمتين تعني منظار.

وكان اول من تحدث عن خواص العدسات ومقدرتها على تكبير الاشياء هو رائد علم البصريات العالم والفيلسوف الكبير ابن الهيثم في سنة 1020 ميلادي في كتابه المناظر. لكن اول ظهور للتسكوب على الصورة المعروفة عليه حاليا كان من النوع الكاسر وقد سجل في هولندا في بداية القرن السابع عشر 1608 ميلادي على يد خبير صناعة النظارات (Hans Lippershey ) وشهد نفس العام ادعاءات من اشخاص عدة بختراع التلسكوب منهم (Zacharias Janssen ) و (Jacob Metius). وكان اول منظار مكون من عدسة شيئيىة محدبة وعدسة عينية مقعرة وقد صمم بطريقة لاتقلب الصورة ووصلت قوة تكبيره الى ثلاثة اضعاف.
ان كثير من المنصفين وعلماء الغرب عندما يتحدثون عن اختراع التلسكوب يرجعون الفضل الى العالم ابن الهيثم ويطرحون تساؤل عن السر في عدم تمكن اي من المهتمين خلال خمسة قرون منذ بداية القرن الحادي عشر الى القرن السابع عشر لتصميم مايعرف بالتلسكوب مع وجود المعرفة وتوفر انواع العدسات. بل ان بعضهم يذهب الى ابعد من ذلك حيث ينسب اختراع التلسكوب الى ابن الهيثم وربما ضاع كما ضاع كثير من التراث العربي القديم او اخفي عمدا لسبب من الاسباب. ويستدل بذلك بعلماء ومهتمين ذكروا في مؤلفاتهم الى انهم توصلو الى عمليت تقريب الاجسام البعيدة عن طريق اصطفاف العدسات استنادا الى ما أخذوه من علم ابن الهيثم لكن لم يسجل التاريخ لهم هذا الاختراع.

في عام 1609 ميلادي سمع جاليليو بختراع الهولنديين عندما كان في البندقية وفي اليوم التالي لعودته لي بادوفا قام بصنع اول تلسكوباته بقدرة تكبير وصلت الى ثلاث اضعاف وبعدها بايام الى ثمانية اضعاف واخر تعديل له وصل الى تحسين تلسكوبه ليصل الى ثلاثة وثلاثين ضعفا بعد حوالي السنة. وتمكن بواسطه التلسكوب من اكنشافات عظيمة في وقتها وهي اكتشف اقمار المشتري في عام 1610 ميلادي وبقع الشمس واطوار كوكب الزهرة وتلال ووديان القمر. وادى اكتشافه لاقمار المشتري وحركة دورانها الى ثورة في قلب مفاهيم حركة الاجرام السماوية.

بعدها اشارة كبلر (Johannes Kepler ) في عام 1611 ميلادي الى امكانية عمل تلسكوب بستخدام عدستين محذبتين. وفي عام 1616 شهد ظهور اول تلسكوب عاكس على يد (Niccolأ² Zucchi). لكن اول من صنع هذا النوع من التلسكوبات التي اشار اليها كبلر يعود الى (Christoph Scheiner) سنة 1630 ميلادي. وشاع انتشار استخدام تلسكوبات كبلر في منتصف القرن السابع عشر وتفوق على تلسكوب جاليليان بسبب اتساع مجال الرؤية فيه. واول تلسكوب من نوع كلبريان (Keplerian ) بمواصفات قوية تم صنعه على يد (Christiaan Huygens) بقطر عدسة شيئية 2.24 بوصة (57 ملم) وبعد بؤري بطول 3.7 م وكتشف بواسطته المع اقمار زخل (Titan) في عام 1655 ميلادي ونشر بعدها بعام اول شرح حقيقي يفسر حلقات كوكب زحل.

بعدها تم التنواب على تطوير هذا النوع من التلسكوب على يد كثير من العلماء عن طريق عمل عدسات محذبة ذات ابعاد بؤرية كبير تصل الى 60 م وتم على اثرها اكتشافات فلكية عظيمة لكنها بالمقابل واجهت كثير من المعوقات لتطوير هذا النوع من التلسكوبات من اهمها عمل عدسات بابعاد بؤرية كبيرة ومشكلة الزيغ اللوني والذي يعطي صور غير واضحة التفاصيل وصعوبة الاستخدام عمليا لطوب التلسكوب.

في عام 1668 ميلادي طور اسحاق نيوتن (Isaac Newton) المنظار العاكس وصمم تلكسوب عبارة عن مراة مائلة مسطحة صغيرة تعكس الضوء الى العدسة العينية المركبة على جانب التلسكوب ولتصق تسميته باسمه حيث اطلق عليه نيوتونيان (Newtonian). وفي عام 1672 ميلادي صمم كاسنجر (Laurent Cassegrain) تلسكوب عاكس به مراة محدبة ثانوية لتعكس الضوء داخل التلسكوب الى فتحة في منتصف المراة الرئيسية.

وفي عام 1733 ميلادي طور (John Dollond) العدسات الا لونية (achromatic lenses) وقد بدأ استخدمها بكميات تجارية في صناعة التلسكوبات منذ 1758 ميلادي. والعدسات الا لونية تقوم بتصحيح الالوان في العدسات البسيطة في المناظير الكاسرة. ومابين عام 1765-1866 ميلادي بدأ ظهور تلسكوبات عاكسة بعدسات شيئية كبيرة ويعود الفضل الى (Peter Dollond) وبعدها بدءة مراكز الابحاث والمراصد تتسابق بعمل تلسكوبات باحجام كبيرة حيث وصل اكبر تسلكوب عاكس عدسته شيئية اكبر من 10 م.

ومع تطور تصنيع التلسكوبات الا ان اقصى حد عملي للتلسكوب الكاسر كان 1 متر (40 بوصة) ولذلك كان اكثر مراصد الابحاث التي بنيت منذ القرن العشرين هي مراصد عاكسة. وفي القرن العشرين تطورت التلسكوبات لتشمل اطوال موجية واسعة (غير مرئية) كالراديوية (radio) حيث وضع اول تلسكوب راديوي قيد العمل في سنة 1937. كما شملت اشعة جاما (gamma-rays) واشعة اكس (X-ray telescopes) وفوق البنفسجية (Ultra-violet telescopes) وتحت الحمراء (Infra-red telescopes).

ولكن اشهر التلسكوبات المصنعة كان من نصيب تلسكوب هابل (Hubble) الفضائي نسبة الى عالم الفلك الامريكية (Edwin Hubble) وبالرغم من انه ليس اول تلسكوب فضائي لكنه واحد من اكبرها واكثرها شهرة وهو نتاج تعاون بين وكالة الفضاء الامريكية ناسا ووكالة الفضاء الاربيية بميزانية بلغة 1.75 مليار دولار. وقد اطلق عام 1990 ميلادي بعد تاجيل دام سنوات عدة بسبب مشاكل تقنية حيث كان من المفترض اطلاقه في سنة 1983 ميلادي وتعود فكرة التلسكوبات الفضائية الى بداية القرن العشرين لكن ما ان تم اطلاقه حتى اكتشف وجود اخطاء تقنية بالتصنيع مما ادى الى اطلاق مهمة اخرى بعد ثلاث سنوات للقيام بتصحيح الخطء والى يومنا هذا عانى تلسكوب هابل الكثير يستخدم في رؤية الاجسام البعيدة جدا من المشاكل وهناك مخطط لاطلاق نسخة محسنة من تلسكوب هابل عام 2013 لكن لن تلغيه تماماً.