يسعى الإسلام بقيمه الأخلاقية ليس إلى تحديد الوجوه السليمة للقضايا التعبدية فحسب، بل وللقضايا المالية أيضا، وهو في هذا السياق يحرم الربا وما ينتج عنه ويبحث عن بدائل عملية أفضل له، كما أنه يحرم "أكل السحت"، أي الرشوة، ويذم تلك الممارسات في القرآن، فما هو "أكل السحت" وهل هناك نماذج حديثه له

يقال الصحفي والكاتب التركي علي بولاج، المعروف بتخصصه في الدراسات الفكرية الإسلامية، بمقال نشره في صحيفة "زمان" التركية إن القرآن يتحدث عن قضايا الرشوة والفساد في سورة المائدة قائلا: "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ" مضيفا أن "الكذب وأكل السحت عاملان مهمان في انحلال النظام الاجتماعي وانهياره. فالكذب هو إخفاء الحقيقة وتحريفها. أما السحت فهو أكل الحرام ويطلق على كل أنواع الكسب غير المشروع ويعني الهلاك والبلاء."

ويتابع بولاج بالقول إن السحت هو "إشارة إلى الرشوة المتفشية على وجه الخصوص" مضيفا أن الإمام أبو حنيفة، كان يرى "بطلان كل الأحكام الصادرة عمن يتلقى الرشوة كما يرى وجوب عزله عن منصبه من قبل من عيَّنه ويرى أيضًا أن من ثبت عليه أخذ الرشوة والفساد يُحرم من حق العمل في الوظائف الرسمية."

ويرى بولاج أن مما يدخل في هذا الباب "الكسب الناتج عن الربا والسرقة الموافقة للقانون والفساد والرشوة والاستغلال والغش والفحش-بيع الأعراض والخمر والمخدرات" مضيفا: "ليس من السهل اتخاذ حكم عادل بحق من يسيرون أعمالهم عن طريق الكذب والرشوة. فمهما حكم القاضي أو الحكَم بحكم سيرفضه الذين لا يحلو لهم ذلك الحكم.

ويلفت بولاج إلى أن عبد الله بن عباس، أحد أبرز الذين نسبت إليهم أحاديث في تفسير القرآن، كان يرى أن الآية المتعلقة بالسحت "من أشد الآيات في القرآن الكريم" كما يرى الضحاك أن هذه الآية هي أكثر آيات القرآن إخافةً.

أما الداعية السعودي، الشيخ عبدالعزيز الفوزان، فيرد على سؤال ورده حول حكم الرشوة بالقول: "أخذ الرشوة من السحت، ومن أشد الحرام، ومن أخبث المكاسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي ولعن الرائش.. واللعن يقتضي أن الرشوة كبيرة من أعظم كبائر الذنوب، وهي من السحت‏.‏"

من جانبه، يقول حسين شحاتة، الأستاذ بكلية التجارة جامعة الأزهر، والخبير الاستشاري في المعاملات المالية الشرعية، في بحث له حول الرشوة، إن هناك نماذج حديثه لـ"السحت" أو الرشوة يجب تجنبها، وتقوم على "تجميل" كلمة الرشوة عبر تسميات مختلفة مثل "الهدايا" و"الإكراميات" و"العمولة" و"مقابل الاستشارة" و"العمل بأجر" لدى الراشي، وغير ذلك من الحيل.



يعتبر المال وسيلةٌ مهمّةٌ للحصول على حاجات الإنسان الأساسيّة و الكماليّة ، فهو من زينة الحياة الدّنيا ، و كلّ إنسانٍ على وجه الأرض يسعى لكسب المال لتأمين قوته و قوت عياله و العيش بكرامة ، و قد كانت في قديم الزّمان تتمّ عمليات المقايضة بين النّاس ، فالذي يكون عنده قمحٌ و طعامٌ زائدٌ على سبيل المثال يبادله مع شخصٍ عنده فائضٌ في اللّباس و الأثاث ، أي تتمّ المبادلة بين النّاس وفق حاجة كلّ إنسانٍ للمواد المختلفة المتنوّعة ، ثمّ ظهرت العملات النّقدية و الورقيّة لتيسّر على النّاس وسائل شراء بضائعهم و حاجياتهم ، فالمال مهمٌ جداً في حياة الإنسان و لا يجب أن يخرج بحالٍ عن كونه وسيلةٌ ، فإذا تحوّل المال إلى غايةٍ أصبح الإنسان عبداً له أسيرا ، و لا يكون همّه إلا جمع المال و حيازته ، فابن آدم مجبولٌ على حبّ المال و لو كان له واديان من ذهبٍ لابتغى لهما ثالث كما وصف الرّسول صلّى الله عليه و سلّم ، فحبّ الإنسان للمال محكومٌ بضوابط تنظّم عملية اكتسابه و صرفه .


و يُسأل المرء يوم القيامة عن ماله ، كيف اكتسبه ، و فيم أنفقه ، فالكسب الحلال الطّيب و اجتناب الحرام هو طريق المسلم و ديدنه ، و المسلم حين يعلم أنّه محاسبٌ على ماله فإنّه يحرص على تحرّي الحلال من الرّزق ، و حتى لا يكون من آكلي السّحت و هو المال الحرام و قد بيّن الرّسول صلّى الله عليه و سلّم أنّ كلّ لحمٍ نبت من سحتٍ فالنّار أولى به ، فالمسلم حريصٌ على إطعام أبنائه المال الحرام وما خبث وقبح من المكاسب كالرشوة الربا رزقاً حلالاً طيباً بعيداً عن الرّبا و أكل أموال النّاس بالباطل .


و المسلم حريصٌ على إنفاق ماله في وجوه الخير المختلفة ، فتراه يزكّي ماله و يتصدّق به ، فقد بيّن الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أنّه لا حسد إلا في اثنتين رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقرأ منه آناء الليل و النّهار و رجلٌ أعطاه الله مالاً فأنفقه على هلكته في الحقّ .


و لا ريب أنّ الرّزق الحلال الطّيب هو من أسباب استجابة الدّعاء ، فالرّزق الحرام يكون مانعاً من ذلك ، و الله سبحانه لا يقبل المال الخبيث صدقةً أو زكاةً لأنّه طيبٌ لا يقبل إلا طيباً .