علماء الغرب يعترفون: العولمة سببت ظلما اجتماعيا.
- الضريبة تمس الدخل فقط أما الزكاة فتمس الثروة والدخل معا.
- الإسلام هو الطريق الثالث الذي يبحث عنه العالم.
- المسلم الآن مهدد في أمنه، والزكاة تأمين له ضد هذا التهديد.

العالم يحتاج الآن إلى الطريق الثالث الذي هو غير النظام الرأسمالي وغير النظام الاشتراكي.. إن حجم المشكلات التي تولدت عن الرأسمالية منذ التسعينات كان الناس لا يمكن أن يتصوروا أنها يمكن أن تحدث في قرون، إن الرئيس الأمريكي السابق كلينتون استخدم عبارة الطريق الثالث كما استخدمها توني بلير رئيس وزراء بريطانيا واستخدمها أيضا كثير من الساسة الفرنسيين.

وهؤلاء هم الذين ابتدعوا النظام العالمي الجديد وهم الذين يريدون أن يطوروه، لكن ماذا يريدون من الطريق الثالث؟ وهل في الإسلام إجابة على ذلك؟

هكذا بدأ د. رفعت العوضي أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر بحثه عن 'الزكاة والنظام العالمي الجديد' وقال إن الفرض العلمي الذي نضعه هو أن الإسلام يمثل فعلا الطريق الثالث.. وهذه حقيقة.. ونحن – المسلمين- نقصر لو لم نوصل الإسلام للناس لأنه هو بالضبط ما يبحثون عنه.

إن الموضوع الذي نطرحه هو أن الإسلام يقدم حلولا للمشكلات التي نتجت عن العولمة التي طبقت خلال أقل من 15 سنة.. ويمكن أن نضع هذه الحلول ضمن الطريق الثالث الذي نطرحه ويبحث عنه العالم.

إن كلمة النظام العالمي فيها إبهام.. وطوال التاريخ، فإن كل نظام يعلن عن هويته بصراحة ما عدا النظام الذي بدأ عام 1990 فقد أخفى هويته لأن الذين صاغوه لم يقولوا لنا إذا كان رأسماليا أو اشتراكيا، كما أنهم يقولون: 'العولمة' وهي كلمة مبهمة أيضا فهل هي عولمة السوق الحرة أم عولمة لنظام اقتصادي للدولة فيه دور كبير.. الخ.


الأسس الفكرية للعولمة


إن الفكرة الرئيسية في العولمة والنظام العالمي الجديد هي صراع الحضارات وهي فكرة ليست خاصة بصمويل هنتنجتون صاحب كتاب صراع الحضارات ولكنها تيار فكري عام في الغرب، وترى أن عصر القوميات انتهى وأن الصراع القادم هو صراع الدين والثقافة. وتمثل الحضارة الإسلامية العقبة الرئيسية للحضارة الغربية حتى تنفرد بالعالم بعد أن تكون قد حسمت صراعها مع الحضارة الصينية.

والفكرة الثانية في العولمة هي أن الإنسانية قد انتهت في كل تجاربها مع النظم الاقتصادية حتى الآن إلى أن النظام الرأسمالي هو النظام الوحيد الذي يصلح للبشرية وبالتالي فلا بد للنظام العالمي الجديد أن يصطبغ بالرأسمالية فهي هويته وشعاره.. وقد عبر عن هذه الفكرة فوكوياما في كتابه 'نهاية التاريخ' .. وهي ليست فكرة خاصة به ولكنه تيار قوي يجتاح الغرب الأناني الذي يريد أن ينفرد بالعالم ويقوده ويتحكم فيه. لكننا نسأل: أي نوع من الرأسمالية يريد الغرب؟

ويجيب على هذا السؤال المفكر الأمريكي الكبير 'بول كينج' عن منازل القوى في العالم وكيف تتعامل معها أمريكا ضمن كتابه 'المدخل للقرن الواحد والعشرين'.. ويعيد إحياء نظرية روبرت.. وهكذا فإن العولمة المعاصرة تتبني النظام الرأسمالي من مدخل مالتس الذي ظهر كتابه عام 1789 تحت اسم 'رسالة في السكان ' وأسس نظرية مالتس تقول إن هناك موارد اقتصادية وسكان، والسكان أكبر من الموارد الاقتصادية، وأن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية بينما تزيد الموارد بمتوالية عددية، وهذا يعني أن هناك صعوبة بالغة في إمكانية توفير الغذاء للجنس البشري، ومن وجهة نظر مالتس أنه لا بد أن يتم التخلص من جزء من السكان الموجودين على الأرض، ومن أجل ذلك نادى بالحروب وعدم مواجهة المجاعات، فأفضل شيء يمكن تقديمه للفقراء ليس هو الإعانات بل أن نتركهم يموتون جوعا.

وهكذا واكبت نظرية مالتس منذ مائتي عام ظهور الرأسمالية وصادفت هواها فاعتنقتها الرأسمالية، ثم ها هي الرأسمالية تعود مرة أخرى لتتبنى نفس النظرية من جديد مع بداية الثمانينات. والقضية الآن أن الأمم المتحدة تبنت نظرية مالتس أيضا مع بداية النظام العالمي الجديد عام 1990. ومؤتمر السكان في القاهرة ومؤتمر السكان والتنمية في كوبنهاجن ثم مؤتمر المرأة في بكين.

هذه المؤتمرات الثلاثة الكبرى تبنت المدخل الاستراتيجي لنظرية مالتس في السكان وهكذا فإننا لا يمكن أن نفهم المجاعات والحروب المشتعلة في العالم الآن بدون فهم المدخل الاستراتيجي والفكري للعولمة.


المراحل التي مرت بها الرأسمالية


وقال د. رفعت العوضي إن الرأسمالية مرت بثلاث مراحل رئيسية.. المرحلة الأولى هي رأسمالية أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وفي هذه الفترة انفردت الرأسمالية بالعالم ولم يكن هناك أي نظم اشتراكية واتسمت الرأسمالية خلال هذه الفترة بظاهرة الاستعمار حيث خرجت الدول الأوروبية الكبرى واستعمرت العالم، والاستعمار مقصود به نهب الثروات وصراع الحضارات.

وفي هذه الفترة عانت أوروبا مما تعانيه الدول المتخلفة الآن من وجود الضواحي المحرومة ومدن الصفيح وسوء توزيع الدخل، وكانت المرحلة الثانية للرأسمالية هي رأسمالية القرن العشرين، وقد قامت الشيوعية المناوئة في هذه الفترة، وابتداء من عام 1930 بدأت الأحزاب الاشتراكية تغزو العالم حتى أوروبا الغربية نفسها، وقد جددت الرأسمالية جلدها في هذه الفترة، فأهم شعار في الاشتراكية هو العدالة الاجتماعية حيث بدأت الرأسمالية ترفع نفس الشعار وتتخذ من السياسة ما يحققه.

وفي المرحلة الثالثة للرأسمالية والتي بدأت عام 1990 انفردت الرأسمالية مرة أخرى بالعالم لكنها خلعت الرداء الذي ارتدته خلال القرن العشرين تحت ضغط الصراع مع الاشتراكية وعادت إلى ردائها الطبيعي الذي كانت عليه خلال القرن التاسع عشر، ليس من خلال قوات عسكرية وإنما بتجنيد المنظمات الدولية لخدمة الرأسمالية الجديدة فيما يتعلق باستغلال العالم اقتصاديا، في حين غابت العدالة الاجتماعية بالكامل داخل البلاد الرأسمالية نفسها وهكذا غاب البعد الاجتماعي.


البعد الاجتماعي الغائب في العولمة


ويضيف د. رفعت العوضي أن اثنين من المفكرين الألمان أصدرا كتابا بعنوان 'فخ العولمة'.. وهو دليل على أن الفكر الغربي بدأ يعترف صراحة بغياب العدالة الاجتماعية التي ترتبت على العولمة.. وفي الكتاب وفي الأبحاث والدراسات الغربية إحصاءات وأرقام تؤكد ما نقول.. فهناك 358 شخصا في العالم يملكون ثروة تعادل ما يملكه 2.5 مليار نسمة، و 20% من دول العالم تملك 80% من الناتج العالمي وتستهلك أكثر من 80% من مجموع الاستثمارات.

وهكذا أصبحنا أمام منظومة 20% يملكون و 80% لا يملكون و 80% يعملون و 20% لا يعملون. والعولمة قائمة الآن كي تتعامل مع نسبة الـ 20% هذه وتخدم مصالحها.. أما نسبة الـ 80% فإن الصراع يدور فيهم وعليهم وحولهم فهم وقوده.
وهكذا فإن البعد الاجتماعي للعولمة والرأسمالية المعاصرة هو أخطر الأبعاد.


الزكاة هي خندق المسلمين لمواجهة العولمة

ثم وصل الباحث إلى الشق الثاني من حديثه وهو الزكاة فقال إن الزكاة خندق يجب أن يتخندق فيه العالم الإسلامي لمواجهة غياب العدالة الاجتماعية في العولمة المعاصرة.

وإذا نظرنا إلى الأموال التي تجب فيها الزكاة لوجدنا أنه يدخل في وعائها جميع الدخول والأنشطة الاقتصادية القائمة الآن في الاقتصاد المعاصر.

والزكاة هي التشريع الذي يمثل لنا حصن الأمان لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية، وأهمية الزكاة أنه ليس هناك مال ولا نشاط لا يدخل في وعاء الزكاة، وآخر دراسة اقتصادية أكاديمية عن تقدير الزكاة في مصر نال بها أحد الباحثين درجة الماجستير تقول إن الزكاة لو جمعت في مصر مثلاً فسوف تكون في حدود مبلغ عشرة مليارات جنيه، وهو مبلغ لا يستهان به على الإطلاق، وهناك عنصر آخر في الزكاة وهو أنها تعمل على المستوى المحلي والمستوى الدولي، فهي تبدأ محليا على مستوى القرية والشارع والحي فإذا فاضت بعث بالفائض إلى المدن والمحافظات الأخرى في نفس القطر، فإذا فاضت بعثت إلى دول العالم الإسلامي الأخرى .

وأمامنا بيت الزكاة في الكويت دليل عملي على نقل الزكاة خارج القطر إلى بلدان العالم الإسلامي، وهو أنشط الهيئات في هذا المجال حيث يقدم الزكاة للمناطق المنكوبة والمحرومة والفقيرة في آسيا وأفريقيا، والزكاة هي أكفأ وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والعالم لن يتركنا إذا أعلنا تطبيق الزكاة وسيحدث ضغط خارجي علينا وعلى نفس المستوى لن يستطيعوا أن يقولوا لنا لا تجمعوا الزكاة لأننا سنرد أن هذا فرض ديني.

ومصدر الضغط أن الغرب يعلم أن الزكاة وسيلة خطيرة لتحقيق العدالة الاجتماعية وبالتالي حل مشكلات بلادنا وهذا أمر لا يسعدهم.

وإذا نظرنا لمصارف الزكاة لوجدنا أنها لأصناف ثمانية، ولو حللنا هذه الأصناف الثمانية لخرجنا بنتيجة مؤداها أنها لا توجد حاجة في المجتمع تخرج عن هذه الأصناف الثمانية، وهذا إعجاز يقف أمامه العقل البشري مشدوها. فلا توجد حاجة في المجتمع تخرج عن هذه الأصناف الثمانية فالفقير والمسكين والعامل على الزكاة يمكن تحديده بسهولة والوصول إليه، بينما يمكن أن يدخل في المؤلفة قلوبهم بالإضافة إلى من يرجى بعطائهم الإسلام ومن دخل حديثا في الإسلام، قوم من المسلمين في الثغور مثل المسلمين داخل البلاد المعادية، ومثل الأقليات الإسلامية، وسهم في الرقاب يدخل فيه كل مسلم سلبت إرادته السياسية مثل الأسير المسلم، والشعوب الإسلامية التي ترزح تحت الاحتلال، والأقليات الإسلامية.

وسهم ابن السبيل يدخل فيه ذو الحاجة وطالب العلم والمشردون واللاجئون ومن في حكمهم، بالإضافة إلى الغارمين وفي سبيل الله. وهكذا تغطي الزكاة كافة أنواع الاحتياجات التي يمكن أن توجد في المجتمع.

إن الضريبة في بلادنا تصل إلى 25% بينما الزكاة عشرها أي 2.5% لكن الزكاة تجمع أكثر مما تجمعه الضريبة، لأن الضريبة تمس الدخل فقط أما الزكاة فتمس الثروة والدخل معا، وهذا يعني أن الضريبة لا تمس ثروة الأغنياء، أما الزكاة فتتعامل معها وبالتالي تحقق وظائف ذات أثر مثل تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفوارق بين الناس وتحقيق أفضل حماية ممكنة للفقراء والوصول مباشرة إلى أموال الأغنياء.

واختتم د. رفعت العوضي قائلا إننا نكون مقصرين في حق الزكاة إذا قلنا إنها تحقق العدالة الاجتماعية فقط، لأنها تحقق شيئا آخر هو الأمن بمفهومه العام، وهو أكبر من العدالة الاجتماعية، وتصبح العدالة الاجتماعية أحد عناصر الأمن الذي تحققه الزكاة.

إن الفقير والمسكين والغارم وابن سبيل فئات تأخذ من الزكاة وهي قبل أن تأخذ من الزكاة محرومة من الأمن الاجتماعي وبعد أن تأخذها يتحقق لها هذا الأمن كاملا، كما يتحقق أمن الدعوة والدعاة وتحقيق أمن المؤلفة قلوبهم، كما يتحقق بالزكاة أمن الأرض الإسلامية بالدفاع عنها.

وغني عن البيان أن الأمن الاقتصادي يتحقق ابتداء بالزكاة، كما يمكن مواجهة الحملة الشرسة في الإعلام الغربي ضد الإسلام بالزكاة من خلال سهم المؤلفة قلوبهم باقتحام هذه الوسائل والدفاع عن الإسلام فيها، إن المسلم في العالم المعاصر مهدد في أمنه على جميع المستويات والزكاة تأمين له ضد هذا التهديد .