صباحي متأزم كعادته..
صباحكم ما شئتم..
مقال جميل للدكتور عبدالله الحراصي .. اتمنى المرور عليه .. لا لشئ وانما لزيادة الفهم
صباحكم ما شئتم..
مقال جميل للدكتور عبدالله الحراصي .. اتمنى المرور عليه .. لا لشئ وانما لزيادة الفهم
http://harrasi.blogspot.com/
حول ضرورة حوار المختلفين في الثقافة العمانية المعاصرة
الثقافة العمانية المعاصرة ثقافة حيّة ثريّة بمختلف التوجهات الفكرية، بمعنى أن العناصر النشطة في هذه الثقافة تمثل تيارات فكرية متعددة، كثيرة التباين فيما بينها، وهو مصدر ثرائها. غير أن الإشكال الرئيس الذي تعاني منه هذه الثقافة هو غياب المنابر التي يمكن من خلالها لهذه العناصر الفكرية والثقافية أن تتناقش مع بعضها البعض، لا من أجل التوصل إلى أوضاع تختفي فيها الاختلافات فيما بينها، بل، وهو الأهم، أن تبرز وبصورة هادئة ومسؤولة طبيعة تلك الاختلافات مع تقصي الأسس التي أنتجتها وما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج محتملة.
من هم "المختلفون" فكرياً؟ هم العناصر الفكرية والثقافية التي تتبنى رؤية فكرية أو ثقافية (اجتماعية، سياسية، اقتصادية ... الخ) حول ظاهرة أو موضوع معين تختلف اختلافاً كبيراً عن رؤى فكرية أو ثقافية أخرى، والسؤال الآخر، هل يوجد لدينا مختلفون؟ لأننا مجتمع بشري طبيعي حيّ فان لدينا عدداً كبيراً من المختلفين فكرياً وثقافياً، وإن لم يقم هؤلاء المختلفون بإنتاجات فكرية ثقافية تكشف عن اختلافاتهم، إلا أن الحياة في المجتمع العماني تكشف كشفاً واضحاً عن اختلافات كبيرة بعض أمثلتها ما يلي: الحداثة مقابل التقليد، الدخول في عالم العولمة مقابل الالتزام بالثوابت المحلية التقليدية، المنادون بحرية التعبير الكاملة مقابل المنادين بالمسؤولية الفكرية والاجتماعية، المنادون بالتغيير الاجتماعي وخصوصاً في الزواج مقابل المنادين بالثبات الاجتماعي، المنادون بتعزيز النمط الاقتصادي الصناعي مقابل المنادين بالانماط الاقتصادية التقليدية مثل الزراعة والصيد التقليدي، المنادون بفتح باب السياحة مقابل القلقون من تأثيراتها، وهلم جرّا.
سأضرب مثالاً واحداً هنا على المختلفين فكرياً، وهو الاختلاف شديد التأزم الذي يشهده الفكر الديني العماني المعاصر بين تيارين: تيار جديد يمثل خميس العدوي وخالد الوهيبي رمزين من رموزه، وهو تيار قدم طروحات جديدة لم تألفها المدرسة الدينية العمانية التقليدية المعاصرة، ويقابلهم من يختلف مع تيارهم من المحافظين في فكرهم الديني والذين يرون في هذا التيار خللاً كبيراً في المنطلقات وفي النتائج والعواقب. أعاد التيار الجديد النظر في عدد من المسلمّات الراسخة في فهم بعض النصوص الدينية وقدم نظرات جديدة في فهمها تنطلق من منطلقات غير تلك التي ينطلق منها التيار التقليدي، وقد عبّر التيار الجديد عن نفسه في عدد من الأعمال الفكرية المتعددة، كتباً ومقالات، لعل أبرزها كتاب خميس العدوي وخالد الوهيبي "الايمان بين الغيب والخرافة". أما التيار الآخر فقد مثلته الردود على التيار المغيّر، وجاء أبرزها كتاب سماحة المفتي الشيخ أحمد الخليلي الذي يحمل عنوان "العقل بين جماح الطبع وترويض الشرع" والذي حذر فيه بقوة من ما يعده مخاطر التيار التغييري، بل أن سماحته يشير إلى حدوث "حوار" بينه وبين أحد ممثلي التيّار الأول "فكم جلست إليه وأفضيت اليه بما في نفسي ومحضته النصح وأقمت عليه الحجة وكان في كل مرة يتظاهر بالقبول وإسلاس القياد ويتعهد على أن لا يعود الى ارتكاب هذه الأخطاء ولكنه مع ذلك يظل مع زمرته سادرا في غيه غارقا في ضلاله يستخف بالنصح والناصح"، ويقول سماحته أن رده من خلال الكتاب جاء "لأنه يمس ديننا الذي ائتمننا الله عليه، وعقيدتنا التي ندين بها، فلا مجال للمساومة والمجاملة على حسابهما على أننا إن لم نقف بكل قوة وحزم أمام المتلاعبين بالدين؛ لم يقفوا عند حد وسينقضون في كل يوم عروة من عراه، حتى نصبح بلا دين والعياذ بالله". ويضيف سماحته "وأنت اذا تأملت الى الذين ينادون بهذا الفكر القذر في عالم اليوم وجدتهم جميعا شواذا تنكروا للاسلام وقد التقطتهم الأيدي المنظمة لحركتهم من مزابل الأفكار والأخلاق".
تكشف الاقتباسات أعلاه من كتاب سماحة المفتي عن عِظم الاختلاف بين الرؤيتين، وهو نموذج ليس إلا لتبرير ما أدعو إليه هنا من ضرورة حوار المختلفين فكرياً في الثقافة العمانية المعاصرة، وسأتحدث هنا عن بعض فوائد الحوار بين المختلفين. أول تلك الفوائد يتمثل في أمر مهم وهو الشفافية المجتمعية حيث يعترف المجتمع أنه حضن لتيارات ورؤى مختلفة، وليس تيار ورؤية واحدة ترفض ما عداها. كما أن مثل هذا الحوار يؤدي إلى ترسيخ قيمة تعلو على الاختلاف حول القضايا المختلف حولها، وهي قيمة العيش الفكري المشترك، بحيث يصبح تبني الفكر، على اختلاف ألوانه ومشاربه، حقاً مشروعاً لا يلغيه طرف لمجرد أنه لا يستسيغ فكر الطرف الآخر لسبب من الأسباب. كما أن الحوار بين المختلفين سيؤدي إلى خروج التيارات من شرنقة ذاتها، فإيضاح التيارات الفكرية لأفكارها المختلفة بهدوء سيكشف عن مواضع الاختلاف ومنابته، لأن الحوار يتيح فرصة ليقدم كل تيّار فكره تقديماً تفصيلياً يمكّن المجتمع من فهمه ومساندته أو الاختلاف معه (إن كان هناك ضرورة للمساندة أو الاختلاف). ولأن غياب الحوار هو الذي يثبّت حالات الخلاف والاختلاف المتأزم، ويرسخ التنافر بين الأطراف المختلفة، فإن الحوار سوف يؤدي إلى إعادة ترتيب الثقافة والفكر، مما يجعل التيارات المختلفة تعيد النظر في فكرها مما يؤدي بلا شك إلى التحرك من حالة الاختلاف الحالية إلى أوضاع فكريّة جديدة، وربما تيارات جديدة، تنتج من الحوار ذاته.
سؤال آخر: أين يمكن لحوار المختلفين أن يوجد؟ الجواب البسيط هو أن الكون فسيح للغاية ولا شك أنه سيتسع لحوار بين تيارين في الثقافة العمانية المعاصرة. بمعنى آخر يمكن لهذا الحوار أن يتم بطريقة مباشرة عن طريق النقاش المباشر بين العناصر الفكرية والثقافية المختلفة، مثل أن يتبنى النادي الثقافي أو أي منتدى ثقافي آخر مجلساً متخصصاً لحوار المختلفين (ويمكن أن يحمل هذا المجلس اسم "مجلس الحوار") تدعى إليه العناصر المختلفة فكرياً لتقديم تياراتها الفكرية ومناقشة آراء التيارات الأخرى التي تختلف معها. كما يمكن أن يتم مثل هذا الحوار في وسائل الاعلام بشتى أشكالها لمناقشة رؤاها المختلفة كبرامج التلفاز والاذاعة، ويمكن أن يتم من خلال مقالات الاختلاف في الجرائد والمجلات.
أخيراً، لا يمكننا أن ندفن رؤوسنا في رمال التجاهل والإنكار، وأن لا نقر بوجود اختلافات فكرية يشهدها المجتمع العماني والثقافة العمانية في زمننا المعاصر، بل أن علينا أن نقرّ بوجود اختلافات كبيرة للغاية، وتماوجات ضخمة في أمور ومستويات عديدة، وإن لم يشهد هذا المجتمع وهذه الثقافة حوارات حول القضايا المختلف حولها فإن النتيجة ستكون بقاء المجتمع على ما هو عليه من صمت وسكون ظاهري، مع غليان وتلاطمات داخلية عنيفة في العمق.
من هم "المختلفون" فكرياً؟ هم العناصر الفكرية والثقافية التي تتبنى رؤية فكرية أو ثقافية (اجتماعية، سياسية، اقتصادية ... الخ) حول ظاهرة أو موضوع معين تختلف اختلافاً كبيراً عن رؤى فكرية أو ثقافية أخرى، والسؤال الآخر، هل يوجد لدينا مختلفون؟ لأننا مجتمع بشري طبيعي حيّ فان لدينا عدداً كبيراً من المختلفين فكرياً وثقافياً، وإن لم يقم هؤلاء المختلفون بإنتاجات فكرية ثقافية تكشف عن اختلافاتهم، إلا أن الحياة في المجتمع العماني تكشف كشفاً واضحاً عن اختلافات كبيرة بعض أمثلتها ما يلي: الحداثة مقابل التقليد، الدخول في عالم العولمة مقابل الالتزام بالثوابت المحلية التقليدية، المنادون بحرية التعبير الكاملة مقابل المنادين بالمسؤولية الفكرية والاجتماعية، المنادون بالتغيير الاجتماعي وخصوصاً في الزواج مقابل المنادين بالثبات الاجتماعي، المنادون بتعزيز النمط الاقتصادي الصناعي مقابل المنادين بالانماط الاقتصادية التقليدية مثل الزراعة والصيد التقليدي، المنادون بفتح باب السياحة مقابل القلقون من تأثيراتها، وهلم جرّا.
سأضرب مثالاً واحداً هنا على المختلفين فكرياً، وهو الاختلاف شديد التأزم الذي يشهده الفكر الديني العماني المعاصر بين تيارين: تيار جديد يمثل خميس العدوي وخالد الوهيبي رمزين من رموزه، وهو تيار قدم طروحات جديدة لم تألفها المدرسة الدينية العمانية التقليدية المعاصرة، ويقابلهم من يختلف مع تيارهم من المحافظين في فكرهم الديني والذين يرون في هذا التيار خللاً كبيراً في المنطلقات وفي النتائج والعواقب. أعاد التيار الجديد النظر في عدد من المسلمّات الراسخة في فهم بعض النصوص الدينية وقدم نظرات جديدة في فهمها تنطلق من منطلقات غير تلك التي ينطلق منها التيار التقليدي، وقد عبّر التيار الجديد عن نفسه في عدد من الأعمال الفكرية المتعددة، كتباً ومقالات، لعل أبرزها كتاب خميس العدوي وخالد الوهيبي "الايمان بين الغيب والخرافة". أما التيار الآخر فقد مثلته الردود على التيار المغيّر، وجاء أبرزها كتاب سماحة المفتي الشيخ أحمد الخليلي الذي يحمل عنوان "العقل بين جماح الطبع وترويض الشرع" والذي حذر فيه بقوة من ما يعده مخاطر التيار التغييري، بل أن سماحته يشير إلى حدوث "حوار" بينه وبين أحد ممثلي التيّار الأول "فكم جلست إليه وأفضيت اليه بما في نفسي ومحضته النصح وأقمت عليه الحجة وكان في كل مرة يتظاهر بالقبول وإسلاس القياد ويتعهد على أن لا يعود الى ارتكاب هذه الأخطاء ولكنه مع ذلك يظل مع زمرته سادرا في غيه غارقا في ضلاله يستخف بالنصح والناصح"، ويقول سماحته أن رده من خلال الكتاب جاء "لأنه يمس ديننا الذي ائتمننا الله عليه، وعقيدتنا التي ندين بها، فلا مجال للمساومة والمجاملة على حسابهما على أننا إن لم نقف بكل قوة وحزم أمام المتلاعبين بالدين؛ لم يقفوا عند حد وسينقضون في كل يوم عروة من عراه، حتى نصبح بلا دين والعياذ بالله". ويضيف سماحته "وأنت اذا تأملت الى الذين ينادون بهذا الفكر القذر في عالم اليوم وجدتهم جميعا شواذا تنكروا للاسلام وقد التقطتهم الأيدي المنظمة لحركتهم من مزابل الأفكار والأخلاق".
تكشف الاقتباسات أعلاه من كتاب سماحة المفتي عن عِظم الاختلاف بين الرؤيتين، وهو نموذج ليس إلا لتبرير ما أدعو إليه هنا من ضرورة حوار المختلفين فكرياً في الثقافة العمانية المعاصرة، وسأتحدث هنا عن بعض فوائد الحوار بين المختلفين. أول تلك الفوائد يتمثل في أمر مهم وهو الشفافية المجتمعية حيث يعترف المجتمع أنه حضن لتيارات ورؤى مختلفة، وليس تيار ورؤية واحدة ترفض ما عداها. كما أن مثل هذا الحوار يؤدي إلى ترسيخ قيمة تعلو على الاختلاف حول القضايا المختلف حولها، وهي قيمة العيش الفكري المشترك، بحيث يصبح تبني الفكر، على اختلاف ألوانه ومشاربه، حقاً مشروعاً لا يلغيه طرف لمجرد أنه لا يستسيغ فكر الطرف الآخر لسبب من الأسباب. كما أن الحوار بين المختلفين سيؤدي إلى خروج التيارات من شرنقة ذاتها، فإيضاح التيارات الفكرية لأفكارها المختلفة بهدوء سيكشف عن مواضع الاختلاف ومنابته، لأن الحوار يتيح فرصة ليقدم كل تيّار فكره تقديماً تفصيلياً يمكّن المجتمع من فهمه ومساندته أو الاختلاف معه (إن كان هناك ضرورة للمساندة أو الاختلاف). ولأن غياب الحوار هو الذي يثبّت حالات الخلاف والاختلاف المتأزم، ويرسخ التنافر بين الأطراف المختلفة، فإن الحوار سوف يؤدي إلى إعادة ترتيب الثقافة والفكر، مما يجعل التيارات المختلفة تعيد النظر في فكرها مما يؤدي بلا شك إلى التحرك من حالة الاختلاف الحالية إلى أوضاع فكريّة جديدة، وربما تيارات جديدة، تنتج من الحوار ذاته.
سؤال آخر: أين يمكن لحوار المختلفين أن يوجد؟ الجواب البسيط هو أن الكون فسيح للغاية ولا شك أنه سيتسع لحوار بين تيارين في الثقافة العمانية المعاصرة. بمعنى آخر يمكن لهذا الحوار أن يتم بطريقة مباشرة عن طريق النقاش المباشر بين العناصر الفكرية والثقافية المختلفة، مثل أن يتبنى النادي الثقافي أو أي منتدى ثقافي آخر مجلساً متخصصاً لحوار المختلفين (ويمكن أن يحمل هذا المجلس اسم "مجلس الحوار") تدعى إليه العناصر المختلفة فكرياً لتقديم تياراتها الفكرية ومناقشة آراء التيارات الأخرى التي تختلف معها. كما يمكن أن يتم مثل هذا الحوار في وسائل الاعلام بشتى أشكالها لمناقشة رؤاها المختلفة كبرامج التلفاز والاذاعة، ويمكن أن يتم من خلال مقالات الاختلاف في الجرائد والمجلات.
أخيراً، لا يمكننا أن ندفن رؤوسنا في رمال التجاهل والإنكار، وأن لا نقر بوجود اختلافات فكرية يشهدها المجتمع العماني والثقافة العمانية في زمننا المعاصر، بل أن علينا أن نقرّ بوجود اختلافات كبيرة للغاية، وتماوجات ضخمة في أمور ومستويات عديدة، وإن لم يشهد هذا المجتمع وهذه الثقافة حوارات حول القضايا المختلف حولها فإن النتيجة ستكون بقاء المجتمع على ما هو عليه من صمت وسكون ظاهري، مع غليان وتلاطمات داخلية عنيفة في العمق.