صباحُ الخيرِ يا وطناً..
ولدتُ على خريطتهِ بدونِ هويِّةٍ
ومشيتُ دونَ هويِّةِ
ودُفنتُ كالرَّقمِ
وظلَّ القلبُ في صدري..
يدقُّ على ترابِ القبرِ كاللغمِ

وكنتُ أنا
أحاولُ أنْ أقولَ : أنا
بآخرِ طلقةٍ أو شهقةٍ..
بالحَرفِ أو بالسَّيفِ..
باليدِ..
بالجبينِ..
برجفةِ الأضلاعِ..
بالقَدَمِ
أحاولُ أنْ أصيحَ : أنا
لأدفعَ عنْ وجودي تُهمةَ العَدَمِ

صباحُ الخيرِ يا حُزني..
صباحُ الخيرِ يا ألمي
صباحُ الخيرِ يا أوراقي البيضاء..
يا حبري ويا قَلمي

صباحُ الخيرِ يا لغةً..
تُقطِّعني بسينِ السَّيفِ والسِّكِّينِ..
والسَّاطورِ والبِسطارِ..
مِنْ رأسي إلى قَدَمي

صباحُ الخيرِ يا جُرحاً بِدائيّاً..
تفجَّرَ مِنْ صُخورِ السُّهدِ والسَّقمِ
صباحُ الخيرِ يا أشلاءَ ذاكرةٍ..
مُبعثرةٍ على الألواحِ والرُّقمِ

صباحُ الخيرِ يا دَمعي..
الذي ينسابُ فوقَ يديَّ كالحِمَمِ
صباحُ الخيرِ يا صَمتي..
وصَمتي صرخةٌ..
تَعلو على صَممي

أأكتبُ..؟
أم أُريقُ دمي
ليكتبَ آخرَ الكَلِمْ

صباحُ الخيرِ يا وطناً..
أسافرُ فيهِ كالمنفيِّ..
أبحثُ عَنهُ في الأوراقِ..
أرسمهُ على الجُدرانِ كالحُلُمِ
هنا عَلَمٌ وسَاريةٌ..
وطابورٌ مِنَ الأطفالِ..
يبتسمونَ عندَ تحيّةِ العَلَمِ
هنا بيتٌ ونافذةٌ..
وأحداقٌ..
تُطلُّ على بلادِ الشَّمسِ والقِممِ
هنا صحفٌ نُصدِّقها..
وتاريخٌ يُصدِّقنا..
وشِعرٌ لا نُرَّقعهُ..
ليستر عورةَ الألَمِ
ودِينٌ لا نُحوِّلهُ..
إلى قُبَلٍ تُزيِّنُ جَبهةَ الصَّنمِ
وفِكرٌ لا يُحوِّلنا..
إلى خَدمٍ
لدى الخَدمِ
وعصرٌ لا يُقسِّمنا..
إلى أُممٍ
تعيشُ على فُتاتِ موائدِ الأُممِ

صباحُ الخيرِ يا وطناً..
غَزلتُ قميصهُ بالشِّعرِ..
لكنْ ظلَّ كالحلُمِ
حرثتُ رِمالهُ كالثَّورِ..
لكنْ ظلَّ كالحلُمِ

جمعتُ حروفهُ..
كانتْ بلونِ الجَّمرِ
حَرِّ الجَّمرِ
تأكلُ مِنْ رؤوسِ أصابعي وفَمي

كتبتُ الواوَ..
فالتفَّتْ على عُنقي كمشنقةٍ..
كتبتُ الطَّاء..
طارتْ من يدي كالطَّيفِ..
حطَّتْ في يدِ العَدَمِ
كتبتُ النُّونَ..
فانقلبتْ إلى " منفى "..
وآلافٍ مِنَ الأجسادِ والخِيَمِ

...وللوطن بقيه