أيها الإنسان الباحث عن وطن لا تساوم فيه الحرية لمعتقد أو مذهب أو عرق... وطن يسموا فوق كل تفرقة، وفوق كل حدود مصطنعة ... وطن يمتد من الخليج إلى المحيط، تتطهر فيه النفس من أحقادها وأطماعها... وطن يغتسل فيه العقل من الجهل والتخلف والأمية، ومن كل العقد النفسية التي تحول دون الإبداع والإنتاج فيه... وطن تُمسح فيه دموع الأشقياء، والمعذبون في الأرض، والنازحون في شتى بقاع الأرض.

وطن تحلق فوق سمائه أفئدة الصالحين والمناضلين والمصلحين، وأولئك المستشهدين على محراب الحرية البيضاء ممن ساروا على خطى العظماء... وطن يتحدى صيرورة التاريخ القسري... وطن يبعثر أشلاء أشباح الخوف والانكسار، ويلملم رموز الشجاعة والانتصار... ينّبش في ذاكرة التاريخ عن الخالدون في التاريخ، وينقب تحت آثار أعمدة التنوير... عين على الماضي تجتر عوامل النهوض، وعين على الحاضر لغرس الثقة، وعين على المستقبل لبناء صرح التقدم.
وطن يكفي أن نسجد فيه لإله واحد وإن تعددت شكليات السجود، وطن يكفي أن ينبض فيه قلب الإنسان بحبه، ويبيع الروح من أجله، لنستشعر الأمن بين جنباته... وطن نريده بلا أقنعة... بلا شعارات زائفة، أو بطولات مصطنعة، وطن لا تكسر فيه الأقلام، ولا تكمم فيه الأفواه، ولا تغتال فيه الأحلام، وطن ليس فيه يمين أو يسار، أصوليا أو ليبراليا، رأسماليا أو اشتراكيا، نريده وطن لنا جميعا، وإن اختلفت توجهات أفكارنا "ذات اليمين وذات الشمال".
وطن المرأة فيه ليست منشغلة بطرح قضية المساواة مع الرجل، فهي في ذاتها وطن لكل الرجال...، غير منشغلة بآخر موضة في الأزياء والأصباغ، وقصة الشعر والحلي، وطن المرأة فيه "شقائق الرجال" ومربية للأجيال، دونما حاجة أن تزاحم الرجال في الأسواق والمقاهي، ودور الأفلام، وطن المرأة فيه لا تباع كسلعة رخيصة بدعوى التحرر والانفتاح.
وطن تتكامل فيه صور الحياة، بشروق الشمس، ولون التراب، وطموح لا يعرف المستحيل، وكفاح يتخطى حدود ظلمة الواقع... يجتاز الأسوار المغلقة... يقفز فوق هامات المحن، وطن يرضع من ثدي الأمل، وينثر في صحرائه وواحاته مصابيح الإخلاص في العمل.
وطن لا تباع فيه الذمم بدولارات بخسة، ولا تشترى فيه الكرامة بمصالح ذاتية آنية، وطن لا مكان فيه للكراسي المذهّبة، أو حفنة من البشر تستأثر بخيراته.