أسرار كسوف الشمس والقمر
إن الإعجاز في حديث النبي عليه الصلاة والسلام لا يقل أهمية عن الإعجاز في القرآن، لأن الكلام الذي جاء به هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم هو وحي من عند الله تبارك...
يقول تبارك وتعالى في حق نبيه الأعظم صلى الله عليه وسلم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:1-5]. هذا النبي الكريم حدثت ظاهرة في زمانه، حيث انكسفت الشمس، فأسرع الناس وبدؤوا يقولون إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام، فقد تصادف في ذلك اليوم أن ابن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو إبراهيم مات في نفس اليوم الذي انكسفت فيه الشمس.
ومن عادة القدماء أنهم ينسبون أي ظاهرة إلى أساطير وخرافات، فكانوا عندما تنكسف الشمس يقولون إنها انكسفت لموت إنسان عظيم، وكانوا أحيانا يقولون إن هذا دليل على أننا سنخسر هذه المعركة أو أن ذلك الملك سيموت أو سيزول ملكه.
من الأشياء المضحكة التي كان بعض الناس يعتقدون بها كما في الصين القديمة كانوا يعتقدون أن الشمس عندما تنكسف كأن هنالك تِنِّيناً ابتلع هذا الشمس فكان يضربون على الطبول، ويقذفون بالأسهم إلى السماء لإخافة هذا التنين، ثم يقولون إن هذا التنين خاف وقذف بالشمس وهرب، وكان بعض الناس يعتقد أن الشمس إذا انكسفت فهذا يدل على أن هنالك حدثاً عظيماً سيحدث، لأنهم كانوا يربطون الشمس بالآلهة. هذه المعتقدات كانت بالنسبة لذلك الزمن معتقدات يقينية، ولكننا نحن اليوم ننظر إليها على أنها مجرد أساطير.
وعندما جاء الناس إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا لقد انكسفت الشمس بسبب لموت إبراهيم، ماذا قال لهم؟ هل أقرهم على أخطائهم أم أنه صحَّح لهم المعتقدات؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) حديث صحيح رواه الإمام البخاري والإمام في مسلم رحمهما الله تبارك وتعالى. نستطيع أن نستنتج من هذا الحديث الشريف عدة معجزات ينفرد بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسوف نرى بأن هذا النبي عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان وبوحيٍ من الله طبعاً يضع أساساً صحيحاً لدراسة علم الفلك.
ربما من أهم الآثار التي يخلفها كسوف الشمس الاضطراب لدى بعض الحيوانات والطيور، الطيور تتوقف عن التغريد، بعض الحيوانات تظن بأن الليل قد خيّم فتأوي إلى أوكارها، الزهور التي عادة ما تنفتح في النهار وتنغلق في الليل فإنها بمجرد أن يحدث الكسوف فإنها تنغلق على نفسها لأنها تظن أن الليل قد خيم. وهنالك نتائج المدّ والجزر ونتائج كثيرة.
كيف تحدث هذه الظاهرة؟ وما هي أسبابها؟ وما هي نتائجها؟
الأرض التي نسكن عليها تدور حول الشمس دورة كاملة كل سنة، والقمر يدور حول الأرض، ويستغرق شهراً قمرياً كاملاً حتى يُتمّ دورته. إذاً لدينا الأرض يدور حولها القمر، وتدور الأرض مع القمر حول الشمس، ويتصادف أن يقع القمر في وجه الشمس، وتكون الشمس مشرقة وترسل بأشعتها باتجاهنا وأثناء دوران القمر فإنه في أوقات محددة يقع أمام الشمس تماماً فيحجب ضوء الشمس فنقول إن الشمس قد كُسفت.
عندما تنكسف الشمس فإن هذه الظاهرة خطيرة جداً لان الشمس هي السراج الذي يبث الضوء وتبث الإشعاعات الخطيرة، ومن أخطر هذه الإشعاعات الأشعة تحت الحمراء. والأشعة تحت الحمراء هي أشعة تبثها الشمس بشكل دائم، ونتلقاها ولكنها لا تضر بنا لأننا لا ننظر للشمس مباشرة، ولكن أثناء الكسوف يقع القمر أمام الشمس فيحجب جزءاً منها ويبقى جزء ظاهر ويسمى هذا الكسوف الجزئي، وعندما ينطبق قرص القمر تماماً أمام قرص الشمس ويحجب ضوءها بالكامل فهذا هو الكسوف الكلي حيث تختفي الشمس وتظلم الدنيا فجأة لمدة دقيقة أو دقيقة ونصف ثم تعود.
عندما يمرّ القمر أمام الشمس يحجب جزءاً من ضوئها، فإذا نظرنا إلى الكسوف في هذه اللحظة فإننا نستطيع أن ننظر إلى الشمس ولكن لا نرى الأشعة تحت الحمراء التي تأتينا فبمجرد النظر لمدة ثوانِ قليلة فإن شبكية العين تصاب بجروح وقروح خطيرة، وقد تسبب هذه الأشعة العمى المؤقت أو الدائم، ولذلك فإن العلماء يقولون: لا يجوز النظر إلى الشمس أثناء الكسوف لأنها تبث كميات كبيرة من الأشعة تحت الحمراء.
إن القمر لا يبث أي أشعة، والله تبارك وتعالى وصفه بدقة قال: (وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61]، ليس فيه ضياء، وليس فيها إشعاعات، إنه يعكس هذه الإشعاعات فيصلنا من الإشعاعات ما هو سليم ومفيد لنا، لذلك شبه الله تعالى القمر بأنه جسم منير، وجسم يبث النور، بينما الشمس هي ضياء وسراج. ولذلك عندما ننظر إلى القمر أثناء الكسوف فهذا ليس فيه أي مشكلة.
والظاهرة الثانية هي خسوف القمر أو كسوف القمر، فالقمر يعكس أشعة الشمس باتجاهنا فنراه في السماء قمراً منيراً كما حدثنا الله تبارك وتعالى عن هذه الآيات الكونية بقوله: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان:61]. الذي يحدث أن الأرض تقع في الوسط بين القمر وبين الشمس، فتحجب ضوء الشمس عن القمر، فنرى القمر في ليلة الخسوف وكأنه قرص نحاسيٌ باهت، هذا ما يُسمّى بكسوف القمر أو خسوف القمر.
إن هذا الكسوف يحدث على الأرض، ولكن أيضا هنالك كسوف يحدث على جميع الكوكب ومعظم الكوكب في الكون لها أقمار تدور حولها وهذه الأقمار أحياناً تمر أمام الشمس وتحجب ضوء الشمس عن هذا الكوكب، فيصاب هذا الكوكب بالكسوف، وقد صوّر العلماء كسوفاً كبيراً حدث على كوكب المشتري، الصورة التقطها مرصد هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا، والبقعة السوداء تمثل ظل القمر التابع للمشتري أثناء كسوف الشمس بالنسبة له.
نستطيع أن نستنتج من كل هذه المعلومات والحقائق العلمية: أن الشمس والقمر يسيران بنظام محكم ودقيق، وأن عملية الكسوف هي عملية طبيعية جدا ليس فيها آلهة وليس لها علاقة بموت أحد من الناس ولا بحياة أحد. والآن نأتي إلى الحديث الشريف، لنحلل هذا الحديث ونتأمل كمية المعجزات التي احتوى عليها:
المعجزة الأولى
أن النبي عليه الصلاة والسلام صحح المعتقدات عندما قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى) آية كونية تسير بنظام محسوب (الشمس والقمر بحسبان) في هذا الحديث عندما أكد النبي عليه الصلاة والسلام أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فهذا يعني أنه وضع أساساً لعلم الفلك ولم يدرك العلماء هذه الحقائق إلا حديثاً، ففي أوربا حتى عهد قريب كان الناس يعتقدون أن ظاهرة الكسوف ظاهرة ترتبط بالآلهة! ولكن تبين فيما بعد يقينا أن هنالك نظاماً مقدراً ومحسوباً، حتى إن العلماء اليوم يضعون الجداول التي تمتد لعشرات السنين يحددون بدقة كبيرة موعد الكسوف وتوقيته ومكان حدوثه ونوعه.
إذاً النبي عليه الصلاة ولسلام في قوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى) وضع أساساً علمياً لعلم الفلك الحديث، وعندما قال عليه الصلاة والسلام: (لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) إنما أبعد الخرافات عن عقول البشر، فالناس في ذلك الزمان كانت عقولهم تمتلئ بالخرافات والأساطير ولكن هذا النبي الرحيم الذي وصفه الله تبارك وتعالى بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لا يريد لنا أن نعتقد بهذه الخرافات! يريد أن يصحح لنا هذه المعتقدات.
المعجزة الثانية
أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطانا علاجاً لهذه الظاهرة لندرأ خطرها عن أنفسنا، فالعلماء يؤكدن على ضرورة أن نبتعد عن النظر إلى الشمس أثناء الكسوف، وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام عندما أمرنا أن نلجأ إلى الصلاة والدعاء وذكر الله تعالى.
ويمكن أن أذكر لكم بعض الأساطير التاريخية هناك شعوب كانوا يعتقدون أن النظر إلى الشمس أثناء الكسوف هو أمر جيد وأمر يجعلك عظيماً ولكن النبي صلى الله عليه وسلم هو الروؤف الرحيم بنا لم يرد لأشعة الشمس تحت الحمراء أن تؤذي أعيننا فقال: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة)، ماذا يعني أن نفزع إلى ذكر الله؟ ينبغي أن نُسبّح ونوحد الخالق، نقول دائماً عندما نرى أي ظاهرة كونية: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) ينبغي أن ندعو الله تبارك وتعالى في هذه اللحظة أن يقينا شر هذا الكسوف.
ينبغي علينا عندما يحدث هذا الكسوف أن نلجأ إلى الدعاء وإلى ذكر الله تبارك وتعالى وإلى الصلاة، وهذا أحوط بالنسبة لنا أن نخرج وننظر إلى الشمس، مع العلم أيها الأحبة أن الخروج إلى الشارع يوم الكسوف ليس فيها أي مشكلة، المشكلة في أن تنظر إلى الشمس وهي تنكسف بالعين المجردة ولكن هنالك ما يسميه العلماء بعض النظارات الشمسية المخصصة لمراقبة الكسوف هذه يمكن أن يضعها الإنسان وينظر بأمان إلى الكسوف، أما أن يخرج وينظر بالعين المجردة فإن عينه ستتلقى كميات كبيرة من الأشعة تحت الحمراء ويؤدي به ذلك إلى العمى المؤقت أو العمى الدائم.
ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام عالج هذه الظاهرة، عالجها بأن جعلنا نذهب طيلة هذا الكسوف إلى بيت الله أو إلى ذكر الله أو إلى الصلاة، حتى لو كان إنسان يمشي في الطريق وحدث هذا الكسوف فالأفضل أن يدعو الله تبارك وتعالى ويزيد من رصيده في الحسنات، لأن المؤمن دائماً في حالة تفكر في خلق الله، وقد مدح الله تبارك وتعالى أولئك أولي الألباب، ماذا قال في حقهم؟ قال تبارك وتعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) ما هي صفاتهم؟ من هؤلاء أولوا الألباب؟ يتابع البيان الإلهي: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وبعد ذلك ماذا يقولون؟ (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191].
هذا هو حال المؤمن في كل لحظة من لحظات عمره، تجده يذكر الله تبارك وتعالى. حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام من رحمته بنا لم يرد لأي ظاهرة كونية أن تمر أمامنا إلا أن نتذكر الله، ينبغي علينا دائماً عندما نرى أي ظاهرة كونية أن نقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ينبغي أن نكون في حالة ذكر ودعاء لله تبارك وتعالى.
المعجزة الثالثة
كما رأينا من خلال الحقائق السابقة النظر إلى الشمس ضار ومؤذٍ جداً عندما تنكسف الشمس. بينما النظر إلى القمر أثناء الكسوف ليس فيه أي مشكلة. ولذلك فإن النبي الأعظم حذّر من ظاهرة كسوف الشمس، لأنها هي الأخطر، فسبحان الله.
من خلال هذه المعاني نرى بأن هذا الحديث يحمل في طياته إشارة خفية تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام صادق في دعوته إلى الله وأنه لا يريد الدنيا ولا زينتها ولا شهرتها. فلو كان عليه الصلاة والسلام يريد شيئاً من الدنيا لأقرّ قومه على قولهم عندما قالوا: (إن الشمس انكسفت لموت ابن النبي عليه الصلاة والسلام)، فهذا الكلام يزيد من قيمته في نظر قومه، ويعزز مكانته بينهم، ولكنه لا يريد الدنيا، ولا يريد الشهرة، بل يريد وجه الله تبارك وتعالى، ويريد لنا أن نبني إيماننا على أساس علمي متين.
ما هي العبرة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا ذكر لنا بأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله؟ ولماذا أمرنا أن ندعو الله إن نلجأ إلى ذكر الله؟الهدف من ذلك: أن يُذكّرنا بقدرة الله تبارك وتعالى، وأن الله يرانا في كل حركة من حركاتنا، لذلك فإنه ينبغي علينا أن نذكر الله وأن ندعو الله في كل حركة من حركات هذا الكون، وألا نغفل عن الله لحظة واحدة ، وألا نكون من الذين قال الله فيهم والعياذ بالله (نسو الله فنسيهم)، نسال الله تبارك تعالى أن ينفعنا بهذا الحديث الشريف وأن يكون وسيلة نبني به إيماننا على أساس علمي متين.
ــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
إن الإعجاز في حديث النبي عليه الصلاة والسلام لا يقل أهمية عن الإعجاز في القرآن، لأن الكلام الذي جاء به هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم هو وحي من عند الله تبارك...
يقول تبارك وتعالى في حق نبيه الأعظم صلى الله عليه وسلم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:1-5]. هذا النبي الكريم حدثت ظاهرة في زمانه، حيث انكسفت الشمس، فأسرع الناس وبدؤوا يقولون إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام، فقد تصادف في ذلك اليوم أن ابن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو إبراهيم مات في نفس اليوم الذي انكسفت فيه الشمس.
ومن عادة القدماء أنهم ينسبون أي ظاهرة إلى أساطير وخرافات، فكانوا عندما تنكسف الشمس يقولون إنها انكسفت لموت إنسان عظيم، وكانوا أحيانا يقولون إن هذا دليل على أننا سنخسر هذه المعركة أو أن ذلك الملك سيموت أو سيزول ملكه.
من الأشياء المضحكة التي كان بعض الناس يعتقدون بها كما في الصين القديمة كانوا يعتقدون أن الشمس عندما تنكسف كأن هنالك تِنِّيناً ابتلع هذا الشمس فكان يضربون على الطبول، ويقذفون بالأسهم إلى السماء لإخافة هذا التنين، ثم يقولون إن هذا التنين خاف وقذف بالشمس وهرب، وكان بعض الناس يعتقد أن الشمس إذا انكسفت فهذا يدل على أن هنالك حدثاً عظيماً سيحدث، لأنهم كانوا يربطون الشمس بالآلهة. هذه المعتقدات كانت بالنسبة لذلك الزمن معتقدات يقينية، ولكننا نحن اليوم ننظر إليها على أنها مجرد أساطير.
وعندما جاء الناس إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا لقد انكسفت الشمس بسبب لموت إبراهيم، ماذا قال لهم؟ هل أقرهم على أخطائهم أم أنه صحَّح لهم المعتقدات؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) حديث صحيح رواه الإمام البخاري والإمام في مسلم رحمهما الله تبارك وتعالى. نستطيع أن نستنتج من هذا الحديث الشريف عدة معجزات ينفرد بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسوف نرى بأن هذا النبي عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان وبوحيٍ من الله طبعاً يضع أساساً صحيحاً لدراسة علم الفلك.
ربما من أهم الآثار التي يخلفها كسوف الشمس الاضطراب لدى بعض الحيوانات والطيور، الطيور تتوقف عن التغريد، بعض الحيوانات تظن بأن الليل قد خيّم فتأوي إلى أوكارها، الزهور التي عادة ما تنفتح في النهار وتنغلق في الليل فإنها بمجرد أن يحدث الكسوف فإنها تنغلق على نفسها لأنها تظن أن الليل قد خيم. وهنالك نتائج المدّ والجزر ونتائج كثيرة.
كيف تحدث هذه الظاهرة؟ وما هي أسبابها؟ وما هي نتائجها؟
الأرض التي نسكن عليها تدور حول الشمس دورة كاملة كل سنة، والقمر يدور حول الأرض، ويستغرق شهراً قمرياً كاملاً حتى يُتمّ دورته. إذاً لدينا الأرض يدور حولها القمر، وتدور الأرض مع القمر حول الشمس، ويتصادف أن يقع القمر في وجه الشمس، وتكون الشمس مشرقة وترسل بأشعتها باتجاهنا وأثناء دوران القمر فإنه في أوقات محددة يقع أمام الشمس تماماً فيحجب ضوء الشمس فنقول إن الشمس قد كُسفت.
عندما تنكسف الشمس فإن هذه الظاهرة خطيرة جداً لان الشمس هي السراج الذي يبث الضوء وتبث الإشعاعات الخطيرة، ومن أخطر هذه الإشعاعات الأشعة تحت الحمراء. والأشعة تحت الحمراء هي أشعة تبثها الشمس بشكل دائم، ونتلقاها ولكنها لا تضر بنا لأننا لا ننظر للشمس مباشرة، ولكن أثناء الكسوف يقع القمر أمام الشمس فيحجب جزءاً منها ويبقى جزء ظاهر ويسمى هذا الكسوف الجزئي، وعندما ينطبق قرص القمر تماماً أمام قرص الشمس ويحجب ضوءها بالكامل فهذا هو الكسوف الكلي حيث تختفي الشمس وتظلم الدنيا فجأة لمدة دقيقة أو دقيقة ونصف ثم تعود.
عندما يمرّ القمر أمام الشمس يحجب جزءاً من ضوئها، فإذا نظرنا إلى الكسوف في هذه اللحظة فإننا نستطيع أن ننظر إلى الشمس ولكن لا نرى الأشعة تحت الحمراء التي تأتينا فبمجرد النظر لمدة ثوانِ قليلة فإن شبكية العين تصاب بجروح وقروح خطيرة، وقد تسبب هذه الأشعة العمى المؤقت أو الدائم، ولذلك فإن العلماء يقولون: لا يجوز النظر إلى الشمس أثناء الكسوف لأنها تبث كميات كبيرة من الأشعة تحت الحمراء.
إن القمر لا يبث أي أشعة، والله تبارك وتعالى وصفه بدقة قال: (وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61]، ليس فيه ضياء، وليس فيها إشعاعات، إنه يعكس هذه الإشعاعات فيصلنا من الإشعاعات ما هو سليم ومفيد لنا، لذلك شبه الله تعالى القمر بأنه جسم منير، وجسم يبث النور، بينما الشمس هي ضياء وسراج. ولذلك عندما ننظر إلى القمر أثناء الكسوف فهذا ليس فيه أي مشكلة.
والظاهرة الثانية هي خسوف القمر أو كسوف القمر، فالقمر يعكس أشعة الشمس باتجاهنا فنراه في السماء قمراً منيراً كما حدثنا الله تبارك وتعالى عن هذه الآيات الكونية بقوله: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان:61]. الذي يحدث أن الأرض تقع في الوسط بين القمر وبين الشمس، فتحجب ضوء الشمس عن القمر، فنرى القمر في ليلة الخسوف وكأنه قرص نحاسيٌ باهت، هذا ما يُسمّى بكسوف القمر أو خسوف القمر.
إن هذا الكسوف يحدث على الأرض، ولكن أيضا هنالك كسوف يحدث على جميع الكوكب ومعظم الكوكب في الكون لها أقمار تدور حولها وهذه الأقمار أحياناً تمر أمام الشمس وتحجب ضوء الشمس عن هذا الكوكب، فيصاب هذا الكوكب بالكسوف، وقد صوّر العلماء كسوفاً كبيراً حدث على كوكب المشتري، الصورة التقطها مرصد هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا، والبقعة السوداء تمثل ظل القمر التابع للمشتري أثناء كسوف الشمس بالنسبة له.
نستطيع أن نستنتج من كل هذه المعلومات والحقائق العلمية: أن الشمس والقمر يسيران بنظام محكم ودقيق، وأن عملية الكسوف هي عملية طبيعية جدا ليس فيها آلهة وليس لها علاقة بموت أحد من الناس ولا بحياة أحد. والآن نأتي إلى الحديث الشريف، لنحلل هذا الحديث ونتأمل كمية المعجزات التي احتوى عليها:
المعجزة الأولى
أن النبي عليه الصلاة والسلام صحح المعتقدات عندما قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى) آية كونية تسير بنظام محسوب (الشمس والقمر بحسبان) في هذا الحديث عندما أكد النبي عليه الصلاة والسلام أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فهذا يعني أنه وضع أساساً لعلم الفلك ولم يدرك العلماء هذه الحقائق إلا حديثاً، ففي أوربا حتى عهد قريب كان الناس يعتقدون أن ظاهرة الكسوف ظاهرة ترتبط بالآلهة! ولكن تبين فيما بعد يقينا أن هنالك نظاماً مقدراً ومحسوباً، حتى إن العلماء اليوم يضعون الجداول التي تمتد لعشرات السنين يحددون بدقة كبيرة موعد الكسوف وتوقيته ومكان حدوثه ونوعه.
إذاً النبي عليه الصلاة ولسلام في قوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى) وضع أساساً علمياً لعلم الفلك الحديث، وعندما قال عليه الصلاة والسلام: (لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) إنما أبعد الخرافات عن عقول البشر، فالناس في ذلك الزمان كانت عقولهم تمتلئ بالخرافات والأساطير ولكن هذا النبي الرحيم الذي وصفه الله تبارك وتعالى بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لا يريد لنا أن نعتقد بهذه الخرافات! يريد أن يصحح لنا هذه المعتقدات.
المعجزة الثانية
أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطانا علاجاً لهذه الظاهرة لندرأ خطرها عن أنفسنا، فالعلماء يؤكدن على ضرورة أن نبتعد عن النظر إلى الشمس أثناء الكسوف، وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام عندما أمرنا أن نلجأ إلى الصلاة والدعاء وذكر الله تعالى.
ويمكن أن أذكر لكم بعض الأساطير التاريخية هناك شعوب كانوا يعتقدون أن النظر إلى الشمس أثناء الكسوف هو أمر جيد وأمر يجعلك عظيماً ولكن النبي صلى الله عليه وسلم هو الروؤف الرحيم بنا لم يرد لأشعة الشمس تحت الحمراء أن تؤذي أعيننا فقال: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة)، ماذا يعني أن نفزع إلى ذكر الله؟ ينبغي أن نُسبّح ونوحد الخالق، نقول دائماً عندما نرى أي ظاهرة كونية: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) ينبغي أن ندعو الله تبارك وتعالى في هذه اللحظة أن يقينا شر هذا الكسوف.
ينبغي علينا عندما يحدث هذا الكسوف أن نلجأ إلى الدعاء وإلى ذكر الله تبارك وتعالى وإلى الصلاة، وهذا أحوط بالنسبة لنا أن نخرج وننظر إلى الشمس، مع العلم أيها الأحبة أن الخروج إلى الشارع يوم الكسوف ليس فيها أي مشكلة، المشكلة في أن تنظر إلى الشمس وهي تنكسف بالعين المجردة ولكن هنالك ما يسميه العلماء بعض النظارات الشمسية المخصصة لمراقبة الكسوف هذه يمكن أن يضعها الإنسان وينظر بأمان إلى الكسوف، أما أن يخرج وينظر بالعين المجردة فإن عينه ستتلقى كميات كبيرة من الأشعة تحت الحمراء ويؤدي به ذلك إلى العمى المؤقت أو العمى الدائم.
ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام عالج هذه الظاهرة، عالجها بأن جعلنا نذهب طيلة هذا الكسوف إلى بيت الله أو إلى ذكر الله أو إلى الصلاة، حتى لو كان إنسان يمشي في الطريق وحدث هذا الكسوف فالأفضل أن يدعو الله تبارك وتعالى ويزيد من رصيده في الحسنات، لأن المؤمن دائماً في حالة تفكر في خلق الله، وقد مدح الله تبارك وتعالى أولئك أولي الألباب، ماذا قال في حقهم؟ قال تبارك وتعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) ما هي صفاتهم؟ من هؤلاء أولوا الألباب؟ يتابع البيان الإلهي: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وبعد ذلك ماذا يقولون؟ (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191].
هذا هو حال المؤمن في كل لحظة من لحظات عمره، تجده يذكر الله تبارك وتعالى. حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام من رحمته بنا لم يرد لأي ظاهرة كونية أن تمر أمامنا إلا أن نتذكر الله، ينبغي علينا دائماً عندما نرى أي ظاهرة كونية أن نقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ينبغي أن نكون في حالة ذكر ودعاء لله تبارك وتعالى.
المعجزة الثالثة
كما رأينا من خلال الحقائق السابقة النظر إلى الشمس ضار ومؤذٍ جداً عندما تنكسف الشمس. بينما النظر إلى القمر أثناء الكسوف ليس فيه أي مشكلة. ولذلك فإن النبي الأعظم حذّر من ظاهرة كسوف الشمس، لأنها هي الأخطر، فسبحان الله.
من خلال هذه المعاني نرى بأن هذا الحديث يحمل في طياته إشارة خفية تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام صادق في دعوته إلى الله وأنه لا يريد الدنيا ولا زينتها ولا شهرتها. فلو كان عليه الصلاة والسلام يريد شيئاً من الدنيا لأقرّ قومه على قولهم عندما قالوا: (إن الشمس انكسفت لموت ابن النبي عليه الصلاة والسلام)، فهذا الكلام يزيد من قيمته في نظر قومه، ويعزز مكانته بينهم، ولكنه لا يريد الدنيا، ولا يريد الشهرة، بل يريد وجه الله تبارك وتعالى، ويريد لنا أن نبني إيماننا على أساس علمي متين.
ما هي العبرة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟
لماذا ذكر لنا بأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله؟ ولماذا أمرنا أن ندعو الله إن نلجأ إلى ذكر الله؟الهدف من ذلك: أن يُذكّرنا بقدرة الله تبارك وتعالى، وأن الله يرانا في كل حركة من حركاتنا، لذلك فإنه ينبغي علينا أن نذكر الله وأن ندعو الله في كل حركة من حركات هذا الكون، وألا نغفل عن الله لحظة واحدة ، وألا نكون من الذين قال الله فيهم والعياذ بالله (نسو الله فنسيهم)، نسال الله تبارك تعالى أن ينفعنا بهذا الحديث الشريف وأن يكون وسيلة نبني به إيماننا على أساس علمي متين.
ــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
تعليق