تسونامي..
كلمة لم تكن ذات معنى لمعظم سكان العالم قبل زلزال سومطرة عام 2004 والذي تسبب في أمواج مد عالية قضت على حياة ما يوازي 300 ألف شخص في أندونيسيا والهند وتايلند وما جاورها..
بعد ذلك العام انتبه العالم إلى ضرورة الاستعداد لمثل هذه الاحداث، وتم التنسيق للعمل المشترك بين مراكز إنذار الزلازل في مختلف دول العالم وتم تركيب محطات رصد الامواج العالية وغيرها من الاجهزة في المناطق التي يمكن أن تتأثر بمثل هذه الامواج..
في الواقع كلمة تسونامي مركبة من كلمتين يابانيتين: تسو وتعني المخيف ونامي وتعني الموج، بمعنى الامواج المخيفة، وبالطبع كون الكلمة يابانية الأصل ينبهنا إلى أن اليابان والجزر القريبة منها في المحيط الهادي هي الأكثر تعرضاً لهذه الحالات ويكفي ما حصل عام 2011 كدليل على ذلك..
قبل أن ندخل في تسونامي لنأخذ جولة سريعة بسيطة في جيولوجيا الأرض، تتكون القشرة الارضية من مجموعة من الصفائح التي تلامس بعضها البعض بعدة أشكال: مناطق الاحتكاك الجانبي بين صفيحتين، وهذه المناطق أقل عرضة للزلازل، ومناطق التباعد وهي المناطق التي تحدث فيها البراكين بشكل أكبر، ومناطق التصادم وهي الاكثر عرضة للزلازل، وتكون بطريقتين، إما التصادم وجهاً لوجه إن كانت الصفيحتان من نفس الكثافة، وينتج عنها الجبال العالية (جبال الهيملايا مثلاً)، أو غوص الطبقة الاكبر كثافة تحت الطبقة الاقل كثافة وتسمى في هذه الحالة (subduction) وأقرب مثال لنا هو اخدود مكران الذين يقع في بحر عمان في الحدود البحرية بين عمان وإيران وباكستان والهند..
نعود إلى تسونامي، تنتج الأمواج العالية بثلاث طرق أهمها الزلازل وهذا ما يحدث تقريبياً: نتيجة لحركة الطبقة السائلة تحت القشرة بشكل دائم تبدأ الطبقة الكثيفة في الغوص فجأة مسببة ارتفاع الطبقة التي فوقها ارتفاعاً مفاجئاً رافعةً معها كتلة كبيرة من الماء متوسط سماكتها 4000 متر وعرضها يزيد عن مئات الكيلومترات، ونتيجة لذلك العمق تتحرك الموجة بكل الاتجاهات حيث تصل سرعتها في عمق 4000 متر إلى حوالي 700 كيلومتر في الساعة، ولكنها تكون عريضة لا يحس أحد بها في عمق البحر، وتبدأ قوتها التدميرية في الظهور حين تصل إلى المناطق الضحلة، حيث أنها لتعوض النقص في عمقها ترتفع إلى أعلى عشرات الأمتار وتنخفض سرعتها إلى حوالي 50 كيلومتر في الساعة قبل أن تصطدم بالسواحل مسببة ما تسببه من دمار..
ماذا عن أخدود مكران؟
يبلغ طول أخدود مكران حوالي 900 كيلومتر، وهي مسافة تعد قصيرة بالنسبة للأخاديد الأخرى حول العالم.. لهذا كان الاهتمام بعيداً عن هذه المنطقة حتى ثبت بالبحوث التاريخية أنه قد حدث زلزال تسبب في أمواج تسونامي عام 1945 ووصلت هذه الأمواج إلى ولاية صور -بوجود شهود عيان أكدوا أن مياه البحر قد دخلت إلى المنازل من النوافذ- ولكنها لم تسبب أي وفيات في صور لأن المنطقة التي حدث فيها الزلزال بعيدة نسبياً عن سواحل السلطنة (شاهد الصورة رقم 1 حيث اللون الأزرق يمثل وصول الموجة الرابعة من تسونامي بعد ساعة ونصف وبعد الحسابات تبين أنه وصل ارتفاع الموج إلى أكثر من متر وبسرعة تتراوح بين 30 إلى 50 كيلومتر/ الساعة) ..
بعد عدة دراسات ثبت أن أخدود مكران ينقسم إلى 3 مقاطع وأن أكثر حوادث الزلازل حصلت في المقطعين رقم 2 و3 من الصورة رقم 2.. ولكن المقطع الأول لم تسجل فيه حالات زلزالية لا تاريخياً ولا بحثياً نظراً لوجود كمية كبيرة من الترسبات فوقه تمنع امتداد الموجات الزلزالية إلى سطح القشرة، وهذه تعتبر مشكلة في حد ذاتها، حيث أنه فيزيائياً يجب أن يفرغ الأخدود الطاقة عن طريق الزلازل حتى ولو كانت بسيطة وإن لم يحدث هذا فربما يتسبب ذلك في حدوث زلزال مدمر لتفريغ الطاقة الكبيرة التي اختزنها طوال الفترة الماضية..
في الصورة رقم 3 تم تجربة نموذج زلزال يحدث في بداية الاخدود قريباً من محافظة مسندم بقوة 9.0 على مقياس ريختر، وعن طريق المحاكاة وجد أن الأمواج الناتجة قد تُغرق مسافة تصل إلى 5 كيلومترات من السواحل بأمواج يصل ارتفاعها إلى 5 أمتار، وهذا في زمن لا يتجاوز 25 دقيقة من حدوث الزلزال.. بمعنى أنه لا يوجد زمن للإجلاء والإخلاء، ويجب أن ينطلق التحذير من السلطات في فترة لا تتعدى الـ5 دقائق كحد أقصى، ليتبقى لسكان تلك المناطق أقل من 20 دقيقة للهروب إلى أماكن مرتفعة كالتلال والجبال المجاورة والابتعاد عن المباني التي يحتمل أنها لن تصمد أمام قوة المياه التدميرية.. والخطر وارد بشكل كبير، حيث ان الترسبات التي تغطي الاخدود من جهة بحر عمان تحتوي على شقوق عرضية (أخاديد مصغرة) قد تزيد من ارتفاع الامواج أكثر وقد تنبيء بحدوث تفريغ للطاقة المختزنة بقوة أكبر..
عن ماذا تحدثت ورشة العمل؟
تم خلال ورشة العمل التحدث عن مركز الانذار المبكر الذي سيكون الجهة المسؤولة عن متابعة الوضع وإصدار القرار والتحذير، وتم كذلك الخروج بعدة توصيات منها العمل على إيجاد آليات سريعة لإبلاغ المواطنين بالحادثة خلال 3 دقائق.. وخلال يومين تم استعراض تجارب اليابان وأندونيسيا وجزر هاواي في مواجهة تسونامي حيث كثفت اندونيسيا جهودها لتثقيف الناس بأهمية التوجه إلى المرتفعات مباشرة بعد سماع إنذار لأي زلزال خوفاً من أن يتسبب في أمواج المد العالي، كما تم التطرق إلى تقنيات اليابان في إيصال المعلومة خلال أقل من 3 دقائق ومنها جهاز لتشغيل التلفاز والراديو تلقائياً في المنازل أثناء بث التحذير، ورغم ذلك تسبب تسونامي اليابان عام 2011 في وفاة ما يقرب من 2500 شخص وخسائر مادية تعدت المليارات.. ركزت الورشة في مجملها على جانب التوعية الذي سيكون له الدور الأكبر في إنقاذ أكبر عدد من سكان المناطق الساحلية إلى جانب أنه إن توفر الوعي الكامل لدى الجميع
كلمة أخيرة: الزلزال لا يمكن توقع موعد حدوثه، هو يحدث فقط، قد يؤثر علينا، وقد لا يؤثر، قد يحدث في حياتنا وقد لا نشهد حدوثه، ولكن في النهاية لنتذكر قوله تعالى: "إنّا كُل شَيءِ خَلقناهُ بِقَدَر"، ما أجمله من تعبير، حين ندرك أنه لولا حدوث هذه الزلازل لتعذرت الحياة على سطح الارض!!
كلمة لم تكن ذات معنى لمعظم سكان العالم قبل زلزال سومطرة عام 2004 والذي تسبب في أمواج مد عالية قضت على حياة ما يوازي 300 ألف شخص في أندونيسيا والهند وتايلند وما جاورها..
بعد ذلك العام انتبه العالم إلى ضرورة الاستعداد لمثل هذه الاحداث، وتم التنسيق للعمل المشترك بين مراكز إنذار الزلازل في مختلف دول العالم وتم تركيب محطات رصد الامواج العالية وغيرها من الاجهزة في المناطق التي يمكن أن تتأثر بمثل هذه الامواج..
في الواقع كلمة تسونامي مركبة من كلمتين يابانيتين: تسو وتعني المخيف ونامي وتعني الموج، بمعنى الامواج المخيفة، وبالطبع كون الكلمة يابانية الأصل ينبهنا إلى أن اليابان والجزر القريبة منها في المحيط الهادي هي الأكثر تعرضاً لهذه الحالات ويكفي ما حصل عام 2011 كدليل على ذلك..
قبل أن ندخل في تسونامي لنأخذ جولة سريعة بسيطة في جيولوجيا الأرض، تتكون القشرة الارضية من مجموعة من الصفائح التي تلامس بعضها البعض بعدة أشكال: مناطق الاحتكاك الجانبي بين صفيحتين، وهذه المناطق أقل عرضة للزلازل، ومناطق التباعد وهي المناطق التي تحدث فيها البراكين بشكل أكبر، ومناطق التصادم وهي الاكثر عرضة للزلازل، وتكون بطريقتين، إما التصادم وجهاً لوجه إن كانت الصفيحتان من نفس الكثافة، وينتج عنها الجبال العالية (جبال الهيملايا مثلاً)، أو غوص الطبقة الاكبر كثافة تحت الطبقة الاقل كثافة وتسمى في هذه الحالة (subduction) وأقرب مثال لنا هو اخدود مكران الذين يقع في بحر عمان في الحدود البحرية بين عمان وإيران وباكستان والهند..
نعود إلى تسونامي، تنتج الأمواج العالية بثلاث طرق أهمها الزلازل وهذا ما يحدث تقريبياً: نتيجة لحركة الطبقة السائلة تحت القشرة بشكل دائم تبدأ الطبقة الكثيفة في الغوص فجأة مسببة ارتفاع الطبقة التي فوقها ارتفاعاً مفاجئاً رافعةً معها كتلة كبيرة من الماء متوسط سماكتها 4000 متر وعرضها يزيد عن مئات الكيلومترات، ونتيجة لذلك العمق تتحرك الموجة بكل الاتجاهات حيث تصل سرعتها في عمق 4000 متر إلى حوالي 700 كيلومتر في الساعة، ولكنها تكون عريضة لا يحس أحد بها في عمق البحر، وتبدأ قوتها التدميرية في الظهور حين تصل إلى المناطق الضحلة، حيث أنها لتعوض النقص في عمقها ترتفع إلى أعلى عشرات الأمتار وتنخفض سرعتها إلى حوالي 50 كيلومتر في الساعة قبل أن تصطدم بالسواحل مسببة ما تسببه من دمار..
ماذا عن أخدود مكران؟
يبلغ طول أخدود مكران حوالي 900 كيلومتر، وهي مسافة تعد قصيرة بالنسبة للأخاديد الأخرى حول العالم.. لهذا كان الاهتمام بعيداً عن هذه المنطقة حتى ثبت بالبحوث التاريخية أنه قد حدث زلزال تسبب في أمواج تسونامي عام 1945 ووصلت هذه الأمواج إلى ولاية صور -بوجود شهود عيان أكدوا أن مياه البحر قد دخلت إلى المنازل من النوافذ- ولكنها لم تسبب أي وفيات في صور لأن المنطقة التي حدث فيها الزلزال بعيدة نسبياً عن سواحل السلطنة (شاهد الصورة رقم 1 حيث اللون الأزرق يمثل وصول الموجة الرابعة من تسونامي بعد ساعة ونصف وبعد الحسابات تبين أنه وصل ارتفاع الموج إلى أكثر من متر وبسرعة تتراوح بين 30 إلى 50 كيلومتر/ الساعة) ..
بعد عدة دراسات ثبت أن أخدود مكران ينقسم إلى 3 مقاطع وأن أكثر حوادث الزلازل حصلت في المقطعين رقم 2 و3 من الصورة رقم 2.. ولكن المقطع الأول لم تسجل فيه حالات زلزالية لا تاريخياً ولا بحثياً نظراً لوجود كمية كبيرة من الترسبات فوقه تمنع امتداد الموجات الزلزالية إلى سطح القشرة، وهذه تعتبر مشكلة في حد ذاتها، حيث أنه فيزيائياً يجب أن يفرغ الأخدود الطاقة عن طريق الزلازل حتى ولو كانت بسيطة وإن لم يحدث هذا فربما يتسبب ذلك في حدوث زلزال مدمر لتفريغ الطاقة الكبيرة التي اختزنها طوال الفترة الماضية..
في الصورة رقم 3 تم تجربة نموذج زلزال يحدث في بداية الاخدود قريباً من محافظة مسندم بقوة 9.0 على مقياس ريختر، وعن طريق المحاكاة وجد أن الأمواج الناتجة قد تُغرق مسافة تصل إلى 5 كيلومترات من السواحل بأمواج يصل ارتفاعها إلى 5 أمتار، وهذا في زمن لا يتجاوز 25 دقيقة من حدوث الزلزال.. بمعنى أنه لا يوجد زمن للإجلاء والإخلاء، ويجب أن ينطلق التحذير من السلطات في فترة لا تتعدى الـ5 دقائق كحد أقصى، ليتبقى لسكان تلك المناطق أقل من 20 دقيقة للهروب إلى أماكن مرتفعة كالتلال والجبال المجاورة والابتعاد عن المباني التي يحتمل أنها لن تصمد أمام قوة المياه التدميرية.. والخطر وارد بشكل كبير، حيث ان الترسبات التي تغطي الاخدود من جهة بحر عمان تحتوي على شقوق عرضية (أخاديد مصغرة) قد تزيد من ارتفاع الامواج أكثر وقد تنبيء بحدوث تفريغ للطاقة المختزنة بقوة أكبر..
عن ماذا تحدثت ورشة العمل؟
تم خلال ورشة العمل التحدث عن مركز الانذار المبكر الذي سيكون الجهة المسؤولة عن متابعة الوضع وإصدار القرار والتحذير، وتم كذلك الخروج بعدة توصيات منها العمل على إيجاد آليات سريعة لإبلاغ المواطنين بالحادثة خلال 3 دقائق.. وخلال يومين تم استعراض تجارب اليابان وأندونيسيا وجزر هاواي في مواجهة تسونامي حيث كثفت اندونيسيا جهودها لتثقيف الناس بأهمية التوجه إلى المرتفعات مباشرة بعد سماع إنذار لأي زلزال خوفاً من أن يتسبب في أمواج المد العالي، كما تم التطرق إلى تقنيات اليابان في إيصال المعلومة خلال أقل من 3 دقائق ومنها جهاز لتشغيل التلفاز والراديو تلقائياً في المنازل أثناء بث التحذير، ورغم ذلك تسبب تسونامي اليابان عام 2011 في وفاة ما يقرب من 2500 شخص وخسائر مادية تعدت المليارات.. ركزت الورشة في مجملها على جانب التوعية الذي سيكون له الدور الأكبر في إنقاذ أكبر عدد من سكان المناطق الساحلية إلى جانب أنه إن توفر الوعي الكامل لدى الجميع
كلمة أخيرة: الزلزال لا يمكن توقع موعد حدوثه، هو يحدث فقط، قد يؤثر علينا، وقد لا يؤثر، قد يحدث في حياتنا وقد لا نشهد حدوثه، ولكن في النهاية لنتذكر قوله تعالى: "إنّا كُل شَيءِ خَلقناهُ بِقَدَر"، ما أجمله من تعبير، حين ندرك أنه لولا حدوث هذه الزلازل لتعذرت الحياة على سطح الارض!!
تعليق