الإمام جعفر الصادق (83-148) هـ
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السَّلام )، كني بأبي عبدالله .
اشتهر الإمام الصادق بغزارة العلوم ولا سيما في الطب والكيمياء وخلف آثارا عجيبة من ذلك (طب الصادق) و(أماليه). هذا بالإضافة إلى علم الكلام والفقه والحديث و قد روي جابر بن حيان الكيمياوي العربي الشهير الشيء الكثير من الآراء الكيمياوية في مؤلفاته عن الإمام جعفر الصادق.
مناظرة الإمام مع الطبيب الهندي
حضر أبو عبد اللّه عليه السلام مجلس المنصور يوماً وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطبّ فجعل أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام ينصت لقراءته، فلما فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد اللّه أتريد ممّا معي شيئاً ؟ قال: لا، فإن معي ما هو خير ممّا معك، قال: وما هو ؟ قال: اداوي الحار بالبارد والبارد بالحار، والرطب باليابس واليابس بالرطب، وأردّ الأمر كلّه الى اللّه عزّ وجل، وأستعمل ممّا قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، واعلم أن المعدة بيت الداء وأن الحميّة هي الدواء، واعوّد البدن ما اعتاد، فقال الهندي: وهل الطبّ إِلا هذا ؟ فقال الصادق: أفتراني عن كتب الطبّ أخذت، قال: نعم، قال: لا واللّه ما أخذت إِلا عن اللّه سبحانه، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟ فقال الهندي: لا بل أنا، فقال الصادق عليه السلام: فأسألك شيئاً، قال: سل.
قال: أخبرني يا هندي لِمَ كان في الرأس شؤن ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل الشعر عليه من فوقه ؟ قال: لا أعلم.
قال: فلِمَ خلت الجبهة من الشعر ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل العينان كاللوزتين ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل الأنف فيما بينهما ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ كان ثقب الأنف في أسفله ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ جعلت الشفّة والشارب من فوق الفم ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ احتدَّ السنّ وعرض الضرس وطال الناب ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعلت اللحية للرجال ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ خلت الكفّان من الشعر ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان القلب كحبّ الصنوبر قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الرئة قطعتين، وجعل حركتها في موضعها ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الكبد حدباء ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللوبياء ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل طيّ الركبتين الى خلف ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ تخصّرت القدم ؟ قال: لا أعلم، فقال الصادق عليه السلام: لكنّي أعلم، قال: فأجب.
قال الصادق عليه السلام: كان في الرأس شؤن لأن المجوّف إِذا كان بلا فصل أسرع اليه الصداع، فاذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان الى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه، ويردّ الحرّ والبرد عليه، وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصبّ النور الى العينين وجعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس الى العين قدر ما يميطه الانسان عن نفسه وهو كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه، وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليردّ عليهما قدر كفايتهما منه، وجعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين الى كل عين سواء، وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل وما وصل اليها دواء ولا خرج منها داء، وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المتحدّرة من الدماغ ويصعد فيه الأراييح الى المشام، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ولا وجد رائحة، وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ الى الفم لئلا يتنغّص على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه، وجُعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الاُنثى، وجعل السنّ حادّاً لأنه به يقع العض، وجعل الضرس عريضاً لأنه به يقع الطحن والمضغ، وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان كالاسطوانة في البناء، وخلا الكفّان من الشعر لأن بهما يقع اللمس، فلو كان فيهما شعر ما درى الانسان ما يقابله ويلمسه، وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج يقبح وقصّهما حسن فلو كانت فيهما حياة لألم الانسان قصّهما، وكان القلب كحبّ الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروّح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ بحرّه، وجُعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروّح عنه بحركتها، وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ويقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار، وجعلت الكلية كحبّ اللوبياء لأن عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة، فلو كانت مربّعة أو مدوّرة احتبست النقطة الاُولى الى الثانية فلا يلتذّ بخروجها الحي، إِذ المني ينزل من فقار الظهر الى الكلية، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً فأوّلاً الى المثانة كالبندقة من القوس، وجعل طيّ الركبة الى خلف لأن الانسان يمشي الى ما بين يديه فتعتدل الحركتان ولولا ذلك لسقط في المشي، وجُعلت القدم مخصّرة لأن المشي اذا وقع على الأرض جميعه ثَقل ثُقل حجر الرحى، فإذا كان على طرقه دفعه الصبي، واذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل.
فقال له الهندي: من أين لك هذا العلم ؟ فقال عليه السّلام: أخذته عن آبائي عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن جبرئيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله الذي خلق الأبدان والأرواح، فقال الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إِله إِلا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه وعبده وأنك أعلم أهل زمانه
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السَّلام )، كني بأبي عبدالله .
اشتهر الإمام الصادق بغزارة العلوم ولا سيما في الطب والكيمياء وخلف آثارا عجيبة من ذلك (طب الصادق) و(أماليه). هذا بالإضافة إلى علم الكلام والفقه والحديث و قد روي جابر بن حيان الكيمياوي العربي الشهير الشيء الكثير من الآراء الكيمياوية في مؤلفاته عن الإمام جعفر الصادق.
مناظرة الإمام مع الطبيب الهندي
حضر أبو عبد اللّه عليه السلام مجلس المنصور يوماً وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطبّ فجعل أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام ينصت لقراءته، فلما فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد اللّه أتريد ممّا معي شيئاً ؟ قال: لا، فإن معي ما هو خير ممّا معك، قال: وما هو ؟ قال: اداوي الحار بالبارد والبارد بالحار، والرطب باليابس واليابس بالرطب، وأردّ الأمر كلّه الى اللّه عزّ وجل، وأستعمل ممّا قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، واعلم أن المعدة بيت الداء وأن الحميّة هي الدواء، واعوّد البدن ما اعتاد، فقال الهندي: وهل الطبّ إِلا هذا ؟ فقال الصادق: أفتراني عن كتب الطبّ أخذت، قال: نعم، قال: لا واللّه ما أخذت إِلا عن اللّه سبحانه، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟ فقال الهندي: لا بل أنا، فقال الصادق عليه السلام: فأسألك شيئاً، قال: سل.
قال: أخبرني يا هندي لِمَ كان في الرأس شؤن ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل الشعر عليه من فوقه ؟ قال: لا أعلم.
قال: فلِمَ خلت الجبهة من الشعر ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان لها تخطيط وأسارير ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان الحاجبان من فوق العينين ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل العينان كاللوزتين ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل الأنف فيما بينهما ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ كان ثقب الأنف في أسفله ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ جعلت الشفّة والشارب من فوق الفم ؟ قال: لا أعلم، قال: فَلِمَ احتدَّ السنّ وعرض الضرس وطال الناب ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعلت اللحية للرجال ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ خلت الكفّان من الشعر ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ خلا الظفر والشعر من الحياة ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كان القلب كحبّ الصنوبر قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الرئة قطعتين، وجعل حركتها في موضعها ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الكبد حدباء ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ كانت الكلية كحبّ اللوبياء ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ جعل طيّ الركبتين الى خلف ؟ قال: لا أعلم، قال: فلِمَ تخصّرت القدم ؟ قال: لا أعلم، فقال الصادق عليه السلام: لكنّي أعلم، قال: فأجب.
قال الصادق عليه السلام: كان في الرأس شؤن لأن المجوّف إِذا كان بلا فصل أسرع اليه الصداع، فاذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد وجعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان الى الدماغ ويخرج بأطرافه البخار منه، ويردّ الحرّ والبرد عليه، وخلت الجبهة من الشعر لأنها مصبّ النور الى العينين وجعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس الى العين قدر ما يميطه الانسان عن نفسه وهو كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه، وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية، ألا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليردّ عليهما قدر كفايتهما منه، وجعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين الى كل عين سواء، وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل وما وصل اليها دواء ولا خرج منها داء، وجعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المتحدّرة من الدماغ ويصعد فيه الأراييح الى المشام، ولو كان في أعلاه لما نزل منه داء ولا وجد رائحة، وجعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ الى الفم لئلا يتنغّص على الانسان طعامه وشرابه فيميطه عن نفسه، وجُعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر ويعلم بها الذكر من الاُنثى، وجعل السنّ حادّاً لأنه به يقع العض، وجعل الضرس عريضاً لأنه به يقع الطحن والمضغ، وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان كالاسطوانة في البناء، وخلا الكفّان من الشعر لأن بهما يقع اللمس، فلو كان فيهما شعر ما درى الانسان ما يقابله ويلمسه، وخلا الشعر والظفر من الحياة لأن طولهما سمج يقبح وقصّهما حسن فلو كانت فيهما حياة لألم الانسان قصّهما، وكان القلب كحبّ الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروّح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ بحرّه، وجُعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروّح عنه بحركتها، وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة ويقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار، وجعلت الكلية كحبّ اللوبياء لأن عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة، فلو كانت مربّعة أو مدوّرة احتبست النقطة الاُولى الى الثانية فلا يلتذّ بخروجها الحي، إِذ المني ينزل من فقار الظهر الى الكلية، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً فأوّلاً الى المثانة كالبندقة من القوس، وجعل طيّ الركبة الى خلف لأن الانسان يمشي الى ما بين يديه فتعتدل الحركتان ولولا ذلك لسقط في المشي، وجُعلت القدم مخصّرة لأن المشي اذا وقع على الأرض جميعه ثَقل ثُقل حجر الرحى، فإذا كان على طرقه دفعه الصبي، واذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل.
فقال له الهندي: من أين لك هذا العلم ؟ فقال عليه السّلام: أخذته عن آبائي عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن جبرئيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله الذي خلق الأبدان والأرواح، فقال الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إِله إِلا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه وعبده وأنك أعلم أهل زمانه
تعليق