أخيراً .. وبعد عشر سنوات من الإعداد والتخطيط .. هاأنا أحقق حلمي ...
المجد .. الشهرة .. التاريخ .. كل ذلك ..سأحجز فيه مكاناً وسيفخر أبنائي وأحفادي بي .. يا إلهي كم سعادتي غامرة...
جالت هذه الخواطر في ذهن الضابط الإنجليزي "روبرت ف سكوت" أحد ضباط البحرية الملكية البريطانية وهو على متن باخرته "تيرا نوفا" وهي تمخر عباب البحر متجهة إلى "ملبورن في أستراليا" .
ستكون هذه آخر محطة له قبل أن ينطلق نحو حلمه الذي أخذ منه عشر سنوات من التحضير .. ألا وهو أن يكون أول إنسان يصل إلى القطب الجنوبي للكرة الأرضية ...
لم يكن في بال"سكوت" إلا منظر العلم الإنجليزي مغروساً في النقطة التي تمثل ذروة الكرة الأرضية الجنوبية .. فهذا هو ما وعد به الملك والشعب ...
في مساء الثاني عشر من أكتوبر 1910 وصل الكابتن "سكوت" إلى ملبورن ومعه حملته التي يقودها نحو هذا الهدف ...
سبق للكابتن سكوت أن اتجه نحو القارة المتجمدة الجنوبية في عام 1902 في رحلة تجريبية وأنشأ كوخاً صغيراً سيعتبر نقطة انطلاق له نحو القطب في منطقة اسمها"روس آيلند" ، كما تم إنشاء مجموعة من المخازن الصغيرة للرحلة المقبلة في عدة مناطق تم اكتشافها على طول الطريق نحو القطب الجنوبي وهذه المناطق هي الجبال المنتقلة الجليدية وتجمع البطاريق وأرض الملك إدوارد السابع ...
وفي أوائل عام 1909 عاد "سكوت" مع مجموعة من زملائه البحاثة ليحاولوا الاقتراب أكثر من القطب حيث وصلوا إلى المنطقة الواقعة عند الدرجة 88.23 درجة جنوباً أي على بعد حوالي 97 ميل من نقطة القطب ..
كانت الرحلة التجريبية مفيدة لسكوت ليأخذ احتياطاته ويتدبر أموره استعداداً لخطوته الكبرى نحو القطب ..
في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1910 أبحر الكابتن "روبرت سكوت" من نيوزيلندا لينهي ما بدأه من الحلم ...
وصلت الباخرة "تيرا نوفا" إلى القارة المتجمدة الجنوبية في الرابع من يناير عام1911 أي بعد حوالي الشهر من انطلاقه ...
هاهي "روس آيلند" من جديد تنهد الكابتن ومشاعر الفرح تغمره .. ثم انطلق هو وأصدقاؤه لإنشاء المخيم الذي سينطلقون منه ويجهزون التجهيزات التي ستوضع في المستودعات على طول الطريق نحو القطب من كيروسين للتدفئة ومواد غذائية وما إلى ذلك ...
ها قد حل شهر إبريل .. أي أن الشتاء القطبي قد أتى .. ولن تشرق الشمس في القارة المتجمدة الجنوبية حتى شهر أغسطس.. وستسبح القارة المتجمدة في ظلمة ليل حالك يلف بياض الثلج..
راح سكوت ينظر إلى المهور السيبيرية التي جلبها معه لتساعدهم في التنقل وجر الزلاجات .. ففي الرحلة السابقة كانت الكلاب المستخدمة لجر العربات مفيدة إلا أنها تتعب بسرعة .. أما هذه المهور فهي قوية ومعتادة على الجو البارد .. لكنها قد تتجمد حتى الموت إن أقدم على المسير الآن .. لذلك يجب أن يؤخر انطلاقه حتى شهر نوفمبر في أواخر الربيع القطبي ..
وحان الوقت .....
أقبل شهر نوفمبر من عام 1911.. وتجمع الرجال الأربعة عشر الذين يشكلون الحملة وأخذوا يشقون طريقهم نحو الجنوب ..
وكلما وصلوا إلى مستودع من المستودعات قاموا بذبح أحد المهور وتخزين لحمها لرحلة العودة..وهكذا تم ذبح آخر مهر من المهور في التاسع من ديسمبر عام 1911 كما ذكر سكوت في مذكراته ...
وبعد يومين من ذلك أمر الكابتن سكوت اثنين من رجاله بإعادة الكلاب إلى مخيم الانطلاق حيث ستبدأ المرحلة التي سيعتمد فيها على الجهد البشري ...
انطلق الرجال الباقون سائرين وفق الخطة المحكمة التي وضعها "سكوت"...
في المرحلة التالية سنصل إلى النقطة "85درجة" جنوباً وعندها سيبقى ثمانية رجال فقط يتابعون الرحلة بينما يعود الآخرون نحو نقطة الانطلاق ...وقف سكوت معلناً بين رفاقه وهم يتابعون المسير .....
وصل الفريق إلى النقطة المنشودة في الثاني والعشرين من ديسمبر 1911 وعاد أربعة رجال وبقي ثمانية رجال ليتابعوا المسير "وفق الخطة المحكمة.."..
وفي بداية يناير من عام 1912 وصل الفريق الثماني إلى النقطة "87درجة جنوباً" .. وهنا سيتم "وفق الخطة المحكمة" اختيار أربعة رجال من قبل سكوت وسيعود الثلاثة الباقون غير سكوت أدراجهم نحو نقطة الانطلاق ...
الأربعة الذين وقع عليهم الاختيار لمواصلة رحلة المجد نحو مركز القطب الجنوبي هم :
إدوارد ويلسون،وهنري بورز، ولورنس أوتس ، وإدغار إيفانز...
انطلق الرجال الخمسة يسبقهم أملهم نحو الهدف المنشود وكلُّ يضع نصب عينيه حلماً سيعيشه واقعاً عند عودته ....
وبدا الحلم أكثر وضوحاً عندما أخبرهم سكوت أنهم على وشك الوصول إلى مركز القطب .... وواصلوا المسير .... واقتربوا أكثر من مركز القطب .. من ذروة الأرض ... ووصلوا في السابع عشر من يناير عام 1912 وهناك كانت الصعقة التي عصفت بحلمهم وخيبت أملهم .....
علم النرويج يرفرف فوق نقطة مركز القطب ..... يا إلهي .... متى وصل النرويجيون إلى هنا ؟؟؟ كان ذلك يدور في خلد سكوت وقلبه يكاد يتفطر من شدة الحزن .. ففي لحظة واحدة تجمد حلمه "لأنه من المستحيل أن يتبخر في درجة حرارة –43 مئوية" ...
كيف حصل هذا ؟ نظر سكوت داخل الخيمة المنتصبة هناك ليجد رسالة قد كتب فيها ما يلي :
" عزيزي الكابتن سكوت .. من المحتمل أن تكون أول إنسان يصل بعدنا إلى هذه المنطقة ..فأطلب منك أن تخبر الملك "هاكون" السابع ملك النرويج بأننا قد وصلنا إذا تكرمت .. ولا تتردد في أن تستخدم ما شئت من الأغراض التي في الخيمة ، كما أننا تركنا زلاجة في الخارج قد تكون مفيدة لكم..مع أخلص تحياتي وتمنياتي لك بعودة آمنة ...راولد آموندسن"..
بالفعل كان آموندسن قد وصل إلى القطب الجنوبي في الرابع عشر من ديسمبر 1911 أي قبل سكوت بحوالي الشهر ...
بقي سكوت وزملاؤه بضعة أيام في تلك المنطقة يأخذون القياسات ويتأكدون من نقطة القطب ...
ثم بدأت رحلة العودة .. وكان يتوجب على الفريق أن يصعد الجبال المتحركة ويسير ضمن النهر الجليدي "بيردمور" وحين عبورهم النهر سقط "إدغار إيفانز" وأصيب بشج عميق في رأسه ... وكان يعاني من لسعة البرد فتوفي بعد 15 يوماً من إصابته في الخيمة وذلك في السابع عشر من فبراير عام 1912.
وتواصل المسير نحو أول مستودع متوضع على الطريق حيث الطعام والكيروسين اللازم للتدفئة ... وحين وصل الأربعة إلى المستودع ... لم يجدوا الكيروسين ووجدا علباً معدنية فارغة ومتحطمة ...
لايمكن ذلك .. هل ذلك يعني أن عليهم أن يتحملوا البرد القارص بدون تدفئة وبدون نار...!!
اضطر الفريق أن يأكل اللحوم النيئة ويبقى داخل الخيمة للحفاظ على الدفء قدر المستطاع ...
وفي الرابع عشر من مارس عام 1912 خرج "أوتس" الذي يعاني من لسعة البرد في رجليه إلى الخارج وادعى أنه ذاهب لبعض الوقت .. إلا أنه في الواقع ذهب لحتفه مضحياً..وذلك كي لا يشكل عبئاً على رفاقه ..
وبعد خمسة عشر يوماً ... مات كل من سكوت وويلسون وبورز في الخيمة متجمدين ضمن العاصفة الثلجية وبقي منهم فقط اسم رجل حاول مرة أن يصنع مجده ....
بعد هذه القصة الطويلة قد تتساءل .. ما علاقة الكيمياء هنا؟؟!!
في الواقع فإن سكوت أحكم خطته من كل النواحي إلا أنه أغفل جانب الكيمياء التي تسببت في القضاء عليه ...
فصفائح الكيروسين التي اصطحبها سكوت معه كانت للأسف ملحومة بالقصدير وبعضها كان من القصدير بشكل كامل ...
والمعروف في الكيمياء بأن القصدير يعاني في درجات الحرارة المنخفضة ما يعرف بـ"داء القصدير" وهو التحول الذي يطرأ على القصدير في درجات الحرارة التي دون 13.2 مئوية فيتحول من الشكل المتآصل بيتا المعدني إلى الشكل المتآصل ألفا الرمادي اللامعدني الذي يكون على شكل مسحوق وفق تفاعل ذاتي التحفيز أي أنه يبدأ ويستمر بشكل ذاتي .
وفي العصر الحديث يضاف الأنتموان أو البيزموت أو الفضة أو الإنديوم أو الرصاص إلى خلائط القصدير التي تستخدم في اللحام تجنباً لهذه الظاهرة ..
العجيب أنه في العصر الحديث أشير إلى أن سكوت لم يمت من البرد فحسب وإنما بسبب الغرغرينا وتوقف عمليات الاستقلاب أو التأيض داخل جسمه وأصدقائه بسبب انخفاض درجة الحرارة إضافة إلى عدة أمراض ومن أغربها اكتشاف أن الآنثراكس كان أحد أسباب الوفاة أيضاً .. ولا أحد يعلم مصدر هذا الأخير إلا الله عز وجل ...
أرجو أن تكون القصة ممتعة ....
منقول
المجد .. الشهرة .. التاريخ .. كل ذلك ..سأحجز فيه مكاناً وسيفخر أبنائي وأحفادي بي .. يا إلهي كم سعادتي غامرة...
جالت هذه الخواطر في ذهن الضابط الإنجليزي "روبرت ف سكوت" أحد ضباط البحرية الملكية البريطانية وهو على متن باخرته "تيرا نوفا" وهي تمخر عباب البحر متجهة إلى "ملبورن في أستراليا" .
ستكون هذه آخر محطة له قبل أن ينطلق نحو حلمه الذي أخذ منه عشر سنوات من التحضير .. ألا وهو أن يكون أول إنسان يصل إلى القطب الجنوبي للكرة الأرضية ...
لم يكن في بال"سكوت" إلا منظر العلم الإنجليزي مغروساً في النقطة التي تمثل ذروة الكرة الأرضية الجنوبية .. فهذا هو ما وعد به الملك والشعب ...
في مساء الثاني عشر من أكتوبر 1910 وصل الكابتن "سكوت" إلى ملبورن ومعه حملته التي يقودها نحو هذا الهدف ...
سبق للكابتن سكوت أن اتجه نحو القارة المتجمدة الجنوبية في عام 1902 في رحلة تجريبية وأنشأ كوخاً صغيراً سيعتبر نقطة انطلاق له نحو القطب في منطقة اسمها"روس آيلند" ، كما تم إنشاء مجموعة من المخازن الصغيرة للرحلة المقبلة في عدة مناطق تم اكتشافها على طول الطريق نحو القطب الجنوبي وهذه المناطق هي الجبال المنتقلة الجليدية وتجمع البطاريق وأرض الملك إدوارد السابع ...
وفي أوائل عام 1909 عاد "سكوت" مع مجموعة من زملائه البحاثة ليحاولوا الاقتراب أكثر من القطب حيث وصلوا إلى المنطقة الواقعة عند الدرجة 88.23 درجة جنوباً أي على بعد حوالي 97 ميل من نقطة القطب ..
كانت الرحلة التجريبية مفيدة لسكوت ليأخذ احتياطاته ويتدبر أموره استعداداً لخطوته الكبرى نحو القطب ..
في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1910 أبحر الكابتن "روبرت سكوت" من نيوزيلندا لينهي ما بدأه من الحلم ...
وصلت الباخرة "تيرا نوفا" إلى القارة المتجمدة الجنوبية في الرابع من يناير عام1911 أي بعد حوالي الشهر من انطلاقه ...
هاهي "روس آيلند" من جديد تنهد الكابتن ومشاعر الفرح تغمره .. ثم انطلق هو وأصدقاؤه لإنشاء المخيم الذي سينطلقون منه ويجهزون التجهيزات التي ستوضع في المستودعات على طول الطريق نحو القطب من كيروسين للتدفئة ومواد غذائية وما إلى ذلك ...
ها قد حل شهر إبريل .. أي أن الشتاء القطبي قد أتى .. ولن تشرق الشمس في القارة المتجمدة الجنوبية حتى شهر أغسطس.. وستسبح القارة المتجمدة في ظلمة ليل حالك يلف بياض الثلج..
راح سكوت ينظر إلى المهور السيبيرية التي جلبها معه لتساعدهم في التنقل وجر الزلاجات .. ففي الرحلة السابقة كانت الكلاب المستخدمة لجر العربات مفيدة إلا أنها تتعب بسرعة .. أما هذه المهور فهي قوية ومعتادة على الجو البارد .. لكنها قد تتجمد حتى الموت إن أقدم على المسير الآن .. لذلك يجب أن يؤخر انطلاقه حتى شهر نوفمبر في أواخر الربيع القطبي ..
وحان الوقت .....
أقبل شهر نوفمبر من عام 1911.. وتجمع الرجال الأربعة عشر الذين يشكلون الحملة وأخذوا يشقون طريقهم نحو الجنوب ..
وكلما وصلوا إلى مستودع من المستودعات قاموا بذبح أحد المهور وتخزين لحمها لرحلة العودة..وهكذا تم ذبح آخر مهر من المهور في التاسع من ديسمبر عام 1911 كما ذكر سكوت في مذكراته ...
وبعد يومين من ذلك أمر الكابتن سكوت اثنين من رجاله بإعادة الكلاب إلى مخيم الانطلاق حيث ستبدأ المرحلة التي سيعتمد فيها على الجهد البشري ...
انطلق الرجال الباقون سائرين وفق الخطة المحكمة التي وضعها "سكوت"...
في المرحلة التالية سنصل إلى النقطة "85درجة" جنوباً وعندها سيبقى ثمانية رجال فقط يتابعون الرحلة بينما يعود الآخرون نحو نقطة الانطلاق ...وقف سكوت معلناً بين رفاقه وهم يتابعون المسير .....
وصل الفريق إلى النقطة المنشودة في الثاني والعشرين من ديسمبر 1911 وعاد أربعة رجال وبقي ثمانية رجال ليتابعوا المسير "وفق الخطة المحكمة.."..
وفي بداية يناير من عام 1912 وصل الفريق الثماني إلى النقطة "87درجة جنوباً" .. وهنا سيتم "وفق الخطة المحكمة" اختيار أربعة رجال من قبل سكوت وسيعود الثلاثة الباقون غير سكوت أدراجهم نحو نقطة الانطلاق ...
الأربعة الذين وقع عليهم الاختيار لمواصلة رحلة المجد نحو مركز القطب الجنوبي هم :
إدوارد ويلسون،وهنري بورز، ولورنس أوتس ، وإدغار إيفانز...
انطلق الرجال الخمسة يسبقهم أملهم نحو الهدف المنشود وكلُّ يضع نصب عينيه حلماً سيعيشه واقعاً عند عودته ....
وبدا الحلم أكثر وضوحاً عندما أخبرهم سكوت أنهم على وشك الوصول إلى مركز القطب .... وواصلوا المسير .... واقتربوا أكثر من مركز القطب .. من ذروة الأرض ... ووصلوا في السابع عشر من يناير عام 1912 وهناك كانت الصعقة التي عصفت بحلمهم وخيبت أملهم .....
علم النرويج يرفرف فوق نقطة مركز القطب ..... يا إلهي .... متى وصل النرويجيون إلى هنا ؟؟؟ كان ذلك يدور في خلد سكوت وقلبه يكاد يتفطر من شدة الحزن .. ففي لحظة واحدة تجمد حلمه "لأنه من المستحيل أن يتبخر في درجة حرارة –43 مئوية" ...
كيف حصل هذا ؟ نظر سكوت داخل الخيمة المنتصبة هناك ليجد رسالة قد كتب فيها ما يلي :
" عزيزي الكابتن سكوت .. من المحتمل أن تكون أول إنسان يصل بعدنا إلى هذه المنطقة ..فأطلب منك أن تخبر الملك "هاكون" السابع ملك النرويج بأننا قد وصلنا إذا تكرمت .. ولا تتردد في أن تستخدم ما شئت من الأغراض التي في الخيمة ، كما أننا تركنا زلاجة في الخارج قد تكون مفيدة لكم..مع أخلص تحياتي وتمنياتي لك بعودة آمنة ...راولد آموندسن"..
بالفعل كان آموندسن قد وصل إلى القطب الجنوبي في الرابع عشر من ديسمبر 1911 أي قبل سكوت بحوالي الشهر ...
بقي سكوت وزملاؤه بضعة أيام في تلك المنطقة يأخذون القياسات ويتأكدون من نقطة القطب ...
ثم بدأت رحلة العودة .. وكان يتوجب على الفريق أن يصعد الجبال المتحركة ويسير ضمن النهر الجليدي "بيردمور" وحين عبورهم النهر سقط "إدغار إيفانز" وأصيب بشج عميق في رأسه ... وكان يعاني من لسعة البرد فتوفي بعد 15 يوماً من إصابته في الخيمة وذلك في السابع عشر من فبراير عام 1912.
وتواصل المسير نحو أول مستودع متوضع على الطريق حيث الطعام والكيروسين اللازم للتدفئة ... وحين وصل الأربعة إلى المستودع ... لم يجدوا الكيروسين ووجدا علباً معدنية فارغة ومتحطمة ...
لايمكن ذلك .. هل ذلك يعني أن عليهم أن يتحملوا البرد القارص بدون تدفئة وبدون نار...!!
اضطر الفريق أن يأكل اللحوم النيئة ويبقى داخل الخيمة للحفاظ على الدفء قدر المستطاع ...
وفي الرابع عشر من مارس عام 1912 خرج "أوتس" الذي يعاني من لسعة البرد في رجليه إلى الخارج وادعى أنه ذاهب لبعض الوقت .. إلا أنه في الواقع ذهب لحتفه مضحياً..وذلك كي لا يشكل عبئاً على رفاقه ..
وبعد خمسة عشر يوماً ... مات كل من سكوت وويلسون وبورز في الخيمة متجمدين ضمن العاصفة الثلجية وبقي منهم فقط اسم رجل حاول مرة أن يصنع مجده ....
بعد هذه القصة الطويلة قد تتساءل .. ما علاقة الكيمياء هنا؟؟!!
في الواقع فإن سكوت أحكم خطته من كل النواحي إلا أنه أغفل جانب الكيمياء التي تسببت في القضاء عليه ...
فصفائح الكيروسين التي اصطحبها سكوت معه كانت للأسف ملحومة بالقصدير وبعضها كان من القصدير بشكل كامل ...
والمعروف في الكيمياء بأن القصدير يعاني في درجات الحرارة المنخفضة ما يعرف بـ"داء القصدير" وهو التحول الذي يطرأ على القصدير في درجات الحرارة التي دون 13.2 مئوية فيتحول من الشكل المتآصل بيتا المعدني إلى الشكل المتآصل ألفا الرمادي اللامعدني الذي يكون على شكل مسحوق وفق تفاعل ذاتي التحفيز أي أنه يبدأ ويستمر بشكل ذاتي .
وفي العصر الحديث يضاف الأنتموان أو البيزموت أو الفضة أو الإنديوم أو الرصاص إلى خلائط القصدير التي تستخدم في اللحام تجنباً لهذه الظاهرة ..
العجيب أنه في العصر الحديث أشير إلى أن سكوت لم يمت من البرد فحسب وإنما بسبب الغرغرينا وتوقف عمليات الاستقلاب أو التأيض داخل جسمه وأصدقائه بسبب انخفاض درجة الحرارة إضافة إلى عدة أمراض ومن أغربها اكتشاف أن الآنثراكس كان أحد أسباب الوفاة أيضاً .. ولا أحد يعلم مصدر هذا الأخير إلا الله عز وجل ...
أرجو أن تكون القصة ممتعة ....
منقول
تعليق