اعلم أن هذه القصة طويلة جدا، وهذا السيناريو هو ما يحدث في عمان،بلد الخير والعطاء، ولكني كتبتها للتنفيس عن الكرب ، وأنا أعلم بأنه لن يبالي بها المسئولين في وزارتنا الموقرة ، فاقرؤها أيها المعلمون ونفسوا عن كربكم...
لقد انتظر المعلمون طلب التقاعد المبكر، منذ سنوات عديدة ، فقد مل المعلمون من عملية التدريس ومن الأنشطة ، ومن مسابقة النظافة ، ومن الأوامر المسلطة على رؤوسهم من قبل الوزارة، فكل من استلم مقعدا في الوزارة وحصل على مسمى وظيفي جديد ، أخذ ينمي طموحه ويصعد ويخطط ليحصل على مركز أعلى على حساب من هو أقل منه دون أن يراعي الجوانب الأخرى :- كإمكانيات مديريات التربية المادية والموارد البشرية، ونفسية المعلمين والتي أصبحت مهملة تماما في هذا البلد، وإمكانيات المدارس وقدرات المعلمين ، ويقومون بفرضها كأوامر صادرة ويجب تنفيذها ، وفي أغلب الأحيان تأتي هذه الأوامر الصادرة ، في وقت متأخر وقد لا تتمكن بعض المدارس من استلام النشرات بسرعة في بريدها ، أو إرسالها في أوقات المراقبة لدى المعلمين ووجوب الانتهاء منها ، وعندما تصلها يجب الانتهاء منها في وقت ضيق ويجب تسليمها مثلما حصل هذا العام وأعوام أخرى قد سبقتها، وهو إرسال استمارات التحصيل مع بداية الفصل الدراسي الثاني 2009، فمتى يستطيع المعلم تنفيذها، وهو يحمل على كاهله أعباء كبيرة لا يستطيع الانتهاء منها ، فهو معلم و يتحمل مسؤولية تعليم الطلاب مع الالتزام بالانتهاء من المنهج الدراسي ، الذي يتخلله الإجازات الرسمية، والمناسبات ، وتقييم الأنشطة التي ليس لها هدف سوى تضييع الحصص ، فهل من المعقول تقييم الأنشطة في الحلقة الأولى ، وكلنا يعلم بأن الجهد الأكبر يقع على عاتق المعلم وأولياء الأمور في إعداد الأنشطة ،والكابوس الأكبر وهي مسابقة النظافة، وتقييمها على المستوى المحلي، وعلى مستوى السلطنة ؛ حيث تقوم الدنيا وتقعد إذا حانت هذه المسابقة التي يتلقى فيها المدراء والمعلمون التهديدات والوعيد إذا لم يستعدوا لها جيدا من مدراء العموم في المديريات ، وما الهدف من هذه المسابقة إلا صيانة وتنظيف المدارس على حساب المعلمين، لأن الوزارة غير قادرة على توفير الإمكانيات اللازمة لصيانة وتنظيف المدارس، ويا ليت بعد هذا يحصل كل معلم بذل الجهد والمال وحصل على مراكز متقدمة أن يكرم بالطريقة اللائقة بتكريمه كما حدث في إحدى المديريات في السلطنة حيث اجتمع المدير العام وطبعا التهديد والوعيد للمدارس التي سوف تقع عليها القرعة ولن تظهر بالمظهر اللائق سوف تتلقى الإنذارات، ثم شكر المدارس الفائزة بالعام الماضي وتم تكريمهم داخل الاجتماع علما بأنه عندما فازت هذه المدارس كادوا أن يطيروا من الفرح ، وتمت الوعود بالتكريم اللائق بهم وهذا ما سمعناه، وورد لنا من مصادر من أحد الزملاء الذين حضروا في ذلك الاجتماع مما أدى الى احباط نفسية باقي المدارس في الاستعداد للمسابقة ، والله ولي العلم ،وقد سمعنا أيضا بما حدث في العام الماضي في إحدى مديريات المناطق التعليمية التي قامت بمهاجمة إحدى المدارس بزيارة مفاجئة نتيجة لشكوى من أحد أولياء الأمور- حيث بات أولياء الأمور يتطاولون على المعلمين نتيجة لشكوى من أطفالهم الذين يدرسون في المدرسة من معلم أو زميل لهم فتثور ثائرتهم ، دون التحقق من صحة أقوال أبنائهم ومعرفة الأسباب - وقدمت الشتائم للمعلمين أمام طلابهم ، وجعلتهم مهزلة، أمام الطلاب ،دون التحقق من معرفة الأسباب هذا الذي قرأته في النت والله أعلم ، وهناك ايضا ما يحدث في المديريات العامه للتربية والتعليم في جميع مناطق السلطنة الاخرى الكثير من هذه الأمور و، التي لا اعلم عنها ، كذلك الدورات التدريبية للمعلمين ، والمشاغل التدريبية التي دائما تتعارض مع أوقات الدراسة التي تسبب دائما تعطيل المعلمين والطلاب، وتسبب الضرر للمدرسة بأكملها ، حيث يقوم معظم الموجهين بإقامة هذه المشاغل لكي تضاف إلى تقاريرهم السنوية ، وتكون في أغلب الأحيان معادة عشرات المرات أو قد نسخوها من الانترنت أو ممن سبقوهم في اعدادها ، ثم ينسبوها لأنفسهم مما يبعث الملل في نفوس الحاضرين . أتعرفون إلى ماذا يحتاج المعلم ؟... انه يحتاج إلى برامج البرمجة العصبية ، لكي ترتاح نفسيته ويستطيع من خلالها توسيع مداركه الذهنية ،والعقلية . وهناك أيضا المشاريع الجديدة التي تضعها الوزارة والتي لها دور، كبير في تأخير تدريس المنهاج الدراسي والانتهاء منه في الوقت المحدد ، والتي تزيد من ثقل الأعباء على المعلمين، فكل موظف في الوزارة يجلس على كرسيه وفي مكتب مكيف ، وعلى كوب من القهوة والشاي وتتوارد لديه الأفكار ، ثم يصدر نشرة بضرورة تنفيذها وبأقصى سرعة دون أن يفكر في غيره ، وما هي الأشياء التي سوف تترتب على قراره والذي هو في النهاية ، سوف يعود لصالحه ، والوزارة خلال هذه الأعوام بدأت تركز على المهارات الأخرى كالموسيقى والرسم والألعاب الرياضية والمسابقات الأنشطة ، وفي هذا العام ظهرت مشكلة أخرى حيث أصبحت كرة القدم هي الهاجس الوحيد للطلاب ، بعدما رأوه في كأس الخليج وفوز المنتخب بالكأس حيث أصبح اللاعبون في يوم ليلة من أغنى أغنياء البلاد، وهم في الحقيقة يستحقون كل الدعم والتقدير، فهم رفعوا رأس كل عماني عاليا ،ولكن هذا ولد لدينا مشكلة أخرى، وهي عزوف الطلاب عن الدراسة ،والاتجاه لاحتراف كرة القدم ، كما أن المعلم لديه مسؤوليات أخرى ، وهي إعداد خطط علاجية لمعالجة من لديهم ضعف في المادة ، ولديه خطط إثرائية للمتميزين ، وخطط أخرى يتم إعدادها للموهوبين ، فكم من الورق يستنزفه المعلم لإعدادها اذا كان يدرس ثلاثة أو خمس صفوف على الأقل ، وأعرف أن بعضهم يدرس عشرة صفوف ، فاحسبوها أيها المسئولين في الوزارة كم رزمة يحتاج كل يوم ، اذا أراد أن يملأ ملف طلابه ، وإذا كان أحدكم في هذا الوضع فهل ستسكتون أم تتذمرون ، وكم من الحبر يحتاج، وميزانية المدرسة لا تحتمل كل هذه المصاريف، فيضطر المعلم لشرائها من جيبه الخاص ، وإلا سوف يحاسب على ملف الطالب ، ناهيك عن كونه مشرف للأنشطة التي تقام في المدرسة ، ومسؤوليات أخرى تظهر بين الحين والآخر من قبل إدارة المدرسة ومن المديرية ومن الوزارة ، وإذا لم يتم إعدادها وبقى ملف الطالب فارغا من الأنشطة اعتبر المعلم مهملا، فهناك مقولة بين المعلمين (املأ الملف بالأوراق والأنشطة – حتى وإن كانت بغير مصداقية - فأنت معلم كفؤ) فالتعليم الأساسي سياسته الأوراق والأحبار والاستنزاف ، حتى الدرجات التي تعطى للطلاب لاتحوي المصداقية أيضا ، كما أن عدم وجود نظام الترسيب أوجد حلا بالنسبة لسن الطلاب وبقائهم في تلك الصفوف مع من هم أصغر سنا منهم والمشكلة النفسية التي يعاني منها الضعاف في التحصيل والذي قد يعود في الغالب إلى الإهمال الأسري ،وأوجد مشكلة أخرى وهي إهمال أولياء الأمور لمتابعة أبنائهم دراسيا ، حيث يقوم الكثيرون منهم بتغييب أبنائهم عن المدرسة معتمدين على سياسة عدم الترسيب ، وتحميل المعلم مسؤولية فشل أبنائهم في الدراسة والتي يقوم المسئولون أيضا من التربية بتحميلهم إياها من جانب آخر، وهنا زاد العبء على المعلم ، وكأن ليس للمعلم مسؤوليات أخرى يقوم بها في منزله، ولا واجبات اجتماعية يؤديها بعد المدرسة، ولا أولاد يؤدي لهم واجباتهم الملقاة على عاتقه، حيث بالعكس يأتي من المدرسة ويصب جل غضبه على أولاده وأهل بيته من كثرة الضغوطات المدرسية التي تقع عليه من هنا وهناك ، فكم من حالات الطلاق انتشرت بين المعلمين، بسبب إهمال المعلمات لبيوتهن، وخاصة الحريصات منهن على أدائهن الوظيفي دون النظر إلى الواجبات الأخرى في المنزل واتجاه أزواجهن وأولادهن ،وعزوف الأزواج عن زوجاتهم والزواج بأخرى لاتعمل في سلك التربية والتعليم لكي يلقى الرعاية والاهتمام وقد يعمل المعلم أيضا عامل نظافة في المدرسة ، يقوم بالتنظيف لأن شركات النظافة لا تقوم بدورها الأكمل عندما يحين تقييم مسابقة النظافة ، ويعمل صباغا ، وكل ما يخطر بالبال من أعمال ، وهنا تنكشف خطة أخرى للتربية والتعليم فهي غير قادرة على دفع خدمات صيانة مدارسها ، فيقوم المعلمون بكل ذلك ، كذلك يقوم المعلم بتحفيز طلابه وتعزيزهم بالهدايا فلو كان المعلم لديه خمس صفوف والبعض أحيانا عشرة صفوف بحجة انخفاض نصاب الحصص لديه ، فكيف سيقدر على تحفيز وتشجيع صفوفه ومعالجة الضعف الذي لديه ،و اثراء الطلاب المتميزون بالأنشطة الاثرائية ، فأحسب كم جائزة سوف يقوم المعلم بشرائها خلال العام الدراسي مع ارتفاع الأسعار والغلاء المعيشي الذي نعيشه ، وبقاء راتب المعلم ثابتا كما هو مع انهيال الخصومات بسبب غيابه والذي لا أظنه لشيء إلا بسبب التعب والجهد المضني الذي يناله المعلم ، كم أن القرارات الجديدة التي تتخذ ضد غياب المعلمين ، وسببه بعض المعلمون الذين يتمادون في الغياب بسبب وبغير سبب ويحصلون على الاجازات المرضية ، وهم سبب هذه القرارات وكيفية حصولهم على الاجازات المرضية في أي وقت شاءوا،ولكن هناك أيضا من يحتاجون إلى هذه الإجازات المرضية، وقد تحصل لهم بعض الظروف الطارئة وهذا إجحاف في حق كل المعلمين ، فهذه القرارات لاتسري على باقي المؤسسات الحكومية ، بل على الذين يعملون في سلك التدريس ، حيث أرجو إعادة النظر في هذه القرارات قبل أن تنفذ ، ولو عرضت على جمعية حقوق الإنسان لتمت محاكمة من يقومون بوضع هذه القوانين.
كما يقوم المعلم مربي الصف بالالتزام بتهيئة القاعات التي يدرس فيها ، فالمعلم قد يكون لديه قاعة أو قاعتان أو حتى ثلاث في بعض المدارس يقوم بالتدريس فيهما ، فمعلم الحلقة الأولى لا يجد من يساعده في تنظيم هذه القاعات؛ نظرا لكون الطلاب صغارا في السن فيقوم بهذا الدور بنفسه ، بينما معلمو الحلقة الثانية يقومون بتوكيل هذه المهمة للطلاب وهنا تأتي الشكاوى من أولياء الأمور.
وناهيك عن الزيارات الإشرافية التي تقوم بها الوزارة ومندوبيهم والتي تقوم بها بين الحين والآخر ، فنحن لا نعترض على اشراف الوزارة على موظفيها في تأدية واجبهم فلهم الحق وكل الحق في زياراتهم ، ولكن نعترض على الكم والكيف في الزيارات التي يقومون بها، فمدير المدرسة له زيارتان في الفصل الأول وزيارتان في الفصل الثاني ، والمساعد كذلك والأخصائي والمعلم الأول له أربع زيارات أو أكثر ، والمشرف المقيم له أكثر من أربع أوخمس زيارات خلال العام الدراسي ( وفي خلال هذه السنوات قد يكون المشرف أو الموجه أو أي كان من الزائرين أقل خبرة في سنوات تدريسه كونه حاصلا على البكالوريوس والمعلم المزار مع خبرته الطويلة حاصلا على الدبلوم – وهنا أظن أنه يجب أن تعادل سنوات الخبرة لدى معلمي الدبلوم مع حملة البكالوريوس) ، ولجنة التحصيل ، والمدير العام ، والوزير والوكيل ولجان من الوزارة ، وكل منهم يريد القيام بهذه الزيارات ، فكل منهم سيحصل على علاوة وتذكرة مجانية وإقامة قد تكون في إحدى الفنادق وجاء الآن دورلجنة التطوير،و التي تحاسب المعلم على عمله لمدة يوم كامل حيث تقوم بإعداد معسكر لمدة أسبوع أو ثلاثة أيام على الأقل في كل مدرسة ، وهناك من المعلمين من له الباع والخبرة الكبيرة في التدريس ، وتحمل المسؤولية النبيلة والتي هي مهنة الأنبياء والرسل ،وهم ليسوا بحاجة لمراقبة من أحد، فالله وحده هو الرقيب وكل يعمل حسب ما يملي عليه ضميره ، فهي أيضا بذلك تزعزع الثقة في نفس المعلمين الذين لهم سنوات من الخبرة ، وتشعرهم بأن خبرتهم الطويلة في التي قضوها في التدريس ليست لها أهمية لدى المسئولين ، مع أنهم قد أخرجوا أجيالا يشهدون لهم بفضلهم عليهم في دخولهم الجامعات وتقلدهم المناصب الكبيرة ، فالمراقبة تكون على الذين يقصرون في عملهم ويبيعون ضمائرهم في سبيل الحصول على المال ، أصحاب الدروس الخصوصية مثلا ، والذين يكثرون الغياب بدون عذر مقبول والمهملون والمقصرون في تأدية واجبهم ، وكل مدير مدرسة ومشرف مقيم أعلم وأدرى بمعلميه ، والاتجاه غالبا ما يكون على المدارس التي تدرس فيها المعلمات و بخاصة الحلقة الأولى، بينما المشاكل والإهمال يقع على الأغلب في مدارس الحلقة الثانية ، من الإناث والذكور، وخاصة مدارس الذكور، ويقوم هؤلاء المسئولون بفتل عضلاتهم على المعلمات ، ويحاسبونهن على الشاردة والواردة ، بينما يتركون مدارس الذكور يلعبون على الغارب ( وعذرا أيها المعلمون في الحلقة الثانية ، لأن هذا ما يحدث في الواقع في أغلب المدارس) ، وهو محاسب على سجلات وملفات ومشاريع الى آخرها ، وكأنه في دائرة الإتهام . وياليت تكون لهذه الزيارات مردود ايجابي ، بل يشعر المعلم وكأنه متهم ومراقب ولا يعمل بحرية بسبب هذا اليوم ، ويكون في قفص الإتهام والمساءلة والمعلمات ، يقفن بحياء بين أعداد من الموجهين الذكور قد يصل عددهم في بعض الأحيان إلى أكثر من عشرة موجهين أو مسئولين ، والذين ينظرون إليها وهي إما تقوم بالشرح للطلاب أو بإلقاء محاضرة ، والعيون ترمقها من كل حدب وصوب لانعرف ماذا يحملون في أنفسهم في ذلك الوقت ، فقد تتعرض لموقف محرج أمامهم ،فماذا عساها أن تفعل إذا حدث لها شيء لاقدر الله ، لاتقولوا لي بأن هذا مباح في سبيل العلم ، فالمرأة يمكن أن تعطي وتقدم ولكن مع بنات جنسها ، والذكور يمكن أن يحاضروا وأن يقدموا ما تقدمه النساء ولكن مع الذكور، فالإسلام قد حفظ للمرأة مكانتها ، وحياء المرأة هو نصف دينها ، أما إذا ارتضت بعض الإناث ذلك فهذا يعود لكل واحدة منهن، ولكن لايجب أن يعمم على الكل ؛ فما من هناك من أحد به ذرة حياء أو غيرة ، يتخيل فيها زوجته أو ابنته أو أخته في ذلك الموقف ، وأيضا كل إنسان له مشاعر وأحاسيس وكيان ، فسيكون المعلم في دائرة الإتهام في ذلك اليوم (معسكر التطوير ) على حد قولهم ، فقد لا تخدمه ظروفه الصحية ، أو قد يتعرض طلابه للرهبة والخوف في ذلك اليوم ، أو يتعرض لأي ظرف كان ، فيضيع عمله طوال العام الدراسي أو الأعوام السابقة ، التي أفنى فيها عمره وصحته وماله في سبيل العلم ، وهذه أيضا من الأسباب التي تنفر المعلمين، وخاصة القدامى منهم - وحتى الذين يتعينون في السنوات الأولى - من هذه المهنة النبيلة والتي هي أشرف مهنة وهي مهنة الأنبياء والرسل، والتي جعلتها وزارة التربية والتعليم بقوانينها وضغوطاتها على المعلمين والهيئات التدريسية ، مهنة ينفر منها الجميع،إلا من حكمت عليهم الظروف المادية ولم يجد وظيفة أخرى تناسبه، أو وفق العادات والتقاليد التي تفرض على المرأة بخاصة في هذه الوظيفة. والتي لو احترم فيها المعلم العماني ، ونال حقوقه كاملة كباقي البشر وكل الدول العربية منها ، والعالمية، لما نفر منها أو استجدى الأعذار لغيابه أو إهماله لعمله ، فكل من لديه أخت أو أقارب يعملون في هذه المهنة نفروا منها ، وأخذوا يبحثون عن أي تخصص آخر يبعدهم عن مهنة التدريس أو حتى أي مجال آخر يدخل في نطاق المدرسة . فالأعمال الثقيلة نالت حتى مدير المدرسة ومساعده والمشرف المقيم والأخصائي الاجتماعي والمعلم الأول ، وحتى وظيفة المنسق في المدارس و الذي كان الناس يتهافتون على الحصول على هذه الوظيفة لأن ليس لها دخل في التدريس ، لم يسلم من الأعباء حيث أن البرامج المحوسبة التي تقع على عاتقه ، باتت تثقل كاهله ، حيث يتحمل مسئولية المدرسة بأكملها و الملفات والأوراق صارت تعبئ أدراج وحقائب كل منهم .
فبالله عليكم يا أصحاب القلوب ، إلى كم جزء يجب أن يتجزأ هذا المعلم المسكين ، والذي آل به الوضع أنه يريد تغيير وظيفته من معلم إلى أي وظيفة أخرى ، ولو قمنا بدراسة لحالات المعلمين، فسنجد أن الأغلبية الساحقة من المعلمين سوف يفضلون تغيير وظيفتهم إلى أي وظيفة حتى ولو كانت في أرشيف ، أو كاتب ، أو منسق ، أو مدخل بيانات ، أو الى أي شيء آخر يبعده عن التدريس والمدرسة وكوابيسها . ووزارتنا الموقرة، لم تحسب حسابا لهذا كله ،( فإذا أرادت أن تأخذ مردودا إيجابيا ، فيجب أن تعطي وتعزز ) وهناك أيضا جانب آخر ، المعلم ينفق ويعطي من جيبه الخاص وراتبه كما هو ، ولا يحصل على ترقيته إلا بعد أن يكون قد عانى الهوان والأمرين لسنوات طويلة ، والمعلم لا ينكر دور وطنه وما يجب عليه اتجاه هذا الوطن المعطاء ، والذي يجب على كل مواطن بذل النفيس في خدمته ، ولكن إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع ، فالمعلم بحاجة الى مراعاة حالته النفسية ، حاله كحال الطالب يجب أن يعزز ويكرم ، ولكن أغلب التكريم في الوزارة هو شهادات التقدير، أو رسالة تهنئة تبعثها الوزارة في يوم المعلم في جواله أو رسالات الشكر لبعض المعلمين ، فلو عددنا شهادات التقدير التي يحصل عليها المعلمون سنجدها بالعشرات فمنهم ممن يحتفظ بها لتقديمها لوظائف أخرى تبعده عن التدريس ومنهم من يضعها في داخل الأدراج ، والبعض الآخر يلقيها في سلة المهملات لكثرتها ، ولكن لو حسبنا التكريم المادي، فسنجد الذين يحصلون عليه ، عددا محدودا وقد تدخل فيها الواسطات و المحسوبيات ، ولو نظرنا لباقي الوظائف الأخرى ، فلن نجد من يصرف من جيبه الخاص على الوظيفة التي يعمل بها أكثر من المعلم ، والمعلم هنا حقه مهضوم من العلاوات والترقيات ، فإلى متى سيبقى المعلم العماني على هذه الحال ، حتى أن بعض مديريات التعليم في بعض المناطق والمحافظات تنفق الأموال من ميزانيتها المخصصة لها ،على الحفلات المبهرجة والمظاهر والديكورات والقاعات الضخمة ، متلاشية تكريم المعلمين الذين هم البنية الأساسية في العملية التعليمية ، ولو قامت الوزارة في سنة من السنوات بتكريم المعلم بمبلغ من المال في يوم عيده ،لكنتم رأيتم زيادة من التفاني والجد في العمل.
لذلك كله والأسباب السابقة ، التي يتعرض لها المعلم العماني ، كان العرض الذي قدمته وزارة التربية والتعليم مغريا ، (وهذه هي خطة أخرى من خطط الوزارة) للتخلص من قدامى المعلمين، وتوفير الفرص لمخرجات جامعات وكليات التربية التي لم تستطع توفير الفرص الوظيفية لهم.
وعندما فتح باب التقاعد المبكر في النشرة الصادرة بناءا على الخطاب الوارد من مكتب سعادة وكيل الوزارة للشؤون الادارية والمالية رقم 64/4/513 بتاريخ 16/4/2008م والذي يتضمن القواعد وشروط الإحالة الى التقاعد المبكر براتب أساسي 100% إضافة الى منحة نهاية الخدمة بواقع (12) راتبا أساسيا على آخر راتب أساسي تقاضاه المعلم أو الذي يود تقديم الطلب والذي تنطبق عليه الشروط ، وقد تم إرفاق استمارة لتعبئة الطلب ومن ضمنها الموافقة على الإحالة إلى التقاعد المبكر، اعتبارا من 1/9/2008م ،ومع أن (12) راتبا أساسيا لا يعتبر كافيا للمعلم الذي قضى حياته وأفنى صحته ونصف ما يتقاضاه من راتبه ، اعتبره المعلم العماني عرضا مغريا ، وبابا للخروج من واقع التدريس في سلطنة عمان - مع أن كلمة التقاعد لها أثر بالغ وكبير في نفسية الموظف فهي تشعره بأنه قد كبر في السن وتقدم به العمر- ولكن ماذا يفعل العاملون في هذه الوزارة المحطمة للنفسيات ، فليس هناك من مخرج سوى هذا ، فشتان ما بين- التعليم في عمان في السبعينيات والثمانينيات مع قدم أساليب التدريس بها، فقد تخرج المعلمون الأكفاء والأطباء المخلصون ، والعاملون المجدون، والمهندسون البارعون ، والذي كان كل واحد منهم يحترم معلمه وكأنه شخص مقدس - كان للمعلم كل الهيبة والتقدير، و التعليم الأساسي الذي يثبت فشله يوما بعد يوم ، والذي لا يحترم فيه الطالب معلمه ، ويمر بجانبه وكأنه شخص غير مرئي ، والإهانات تنهال على المعلم من كل حدب وصوب ، ولو أردنا إثبات ذلك ، لرأينا عودة وزارة التربية والتعليم إلى التعليم القديم ، وهو المنهاج التكاملي، مع وجود بعض التطورات الحديثة حتى لا تلام الوزارة على فشل التعليم الأساسي، والذي رفضته معظم الدول المتقدمة في التعليم نتيجة لفشله واعتبر الطالب والمعلم العماني فئران التجارب للوزارة (واستميحكم عذرا لهذا اللفظ الجارح ) ولكنه الواقع الملموس ، ولو قارنا مكافأة نهاية الخدمة للمعلم العماني وباقي الدول الخليجية والعربية والعالمية – لا أقصد بها أيضا الدول الفقيرة وإنما الدول الغنية فقط ، لتبقى في المستوى الأدنى، وهنا قام من يريد التقدم لطلب التقاعد المبكر، بتعبئة الاستمارة بعد استيفائه للشروط و منهم لم يستوفوا الشروط ، أرادوا التقدم للطلب وقيل لهم بأنهم لم يستوفوا الشروط ، وأرادوا شراء سنوات الخبرة لديهم لتقديم الطلب ، والعدد الأكبر أرادوا التقدم بالتقاعد ولكن نتيجة لالتزاماتهم المادية ، لم يتقدموا به ، وعندما تم الاستفسار عن موعد التقاعد وقبوله ، قيل أن عدد المتقدمين كان أقل من العدد المطلوب ، هذا ما قيل للمعلمين ومقدمو الطلب والله أعلم ، وقد قام جميع من تقدموا بطلباتهم بتهيئة أنفسهم للتقاعد في الموعد الذي حددته الوزارة اعتبارا من 1/9/2008م ، وقام البعض بتوزيع الأشياء التي تخصهم من تحضيرات ومن أنشطة ومن وسائل تعليمية ، ونتاج خبراتهم السابقة على زملائهم للإستفادة منها حتى أن بعض زملائهم قد احتفلوا معهم في نهاية العام الدراسي 07/2008م بحفل توديعي.
وهناك مرفق الدليل على تقديم الوزارة النشرة والتي فيها التاريخ الذي بموجبه يتم احالة المتقدمين لطلب التقاعد ، وهنا لم يجبر الموظفين بالوزارة على تقديم هذا الطلب ،وإنما الوزارة ولا أعلم من يكون فيها قد أقدم على ذلك ، ولو أراد هؤلاء الموظفون إقامة قضية على الوزارة ، لربحوها 100% لما نالهم من الضرر النفسي ، والمعنوي ، والمادي أيضا .
وعندما بدأ العام الدراسي 08/2009م ، وردت إشاعة بتأجيل التقاعد إلى بداية الفصل الدراسي الثاني ، فأدى ذلك الى عدة أشياء سلبية ، 1) عزوف المعلمين الذين قدموا الطلب الى التقاعس عن أداء واجباتهم بـأكمل وجه عكس ماكانوا عليه سابقا . 2)كثرة الغياب حيث أنهم استغلوا إجازاتهم الطارئة ،عقدوا آمالهم على التقاعد في النصف الدراسي الثاني ، ولن تحسب عليهم الخصومات إذا أحالوهم إلى التقاعد 3) تقديم إجازات بدون راتب ، والتي كانت من صالح وزارة التربية حيث يتضح من خلالها تخطيط الوزارة لهذا الموضوع بالذات ، حيث رفضت الوزارة تقديم إجازة لمدة شهر أو شهرين وإنما فرضت عليهم أخذ الإجازة لمدة فصل دراسي كامل أو عام دراسي كامل ، ومنها يتضح خطة الوزارة لفتح باب التقاعد ، حيث أن المعلم لن يتقاضى راتبه ، وثانيا سوف يدفع للوزارة مبلغ من المال تستفيد منه الوزارة في تشغيل معلمي الأجر اليومي ،وهي مخرجات الجامعات والكليات الذين تخرجوا من سنوات ولم يتم توظيفهم ، والبعض الآخر قام بتقديم استقالته وقد أخذوا يقبلونها بكل بساطة متناسين وبكل سهولة ، ما قدمه المعلم خلال كل السنوات من صحة ومال وجهد ..
بعد ذلك قام وزير التربية الموقر، بتفجير القنبلة في وجه المعلمين في اجتماع مجلس الشورى، وهو إلغاء نظام التقاعد المبكر بعد أن حطم نفوس المعلمين ومقدموا الطلب الذين لم يعودوا قادرين على العودة إلى ما كانوا عليه سابقا من العطاء والنشاط وجدية العمل ، حيث أصبحوا بحاجة الآن إلى إعادة تأهيل نفسي ، ومعنوي ، ومادي.
وأخيرا نقول حسبنا الله ونعم الوكيل ، فرجاء كل الرجاء ارحموا المعلمين العمانيين ، وراعوا قدراتهم النفسية والبدنية والصحية والمادية ، واتقوا الله فيهم ، واعطوهم حقوقهم ، وارأفوا بهم حتى يستطيعوا تربية أبنائكم ، وإخراج جيل قادر على خدمة وطنه ، بكل تفاني وإخلاص في العمل..
˒˒ارحموا من في الأرض ، يرحمكم من في السماء˓˓
وما ذكرته هنا إلا القليل مما يعانيه المعلم العماني.
وكان الله في عون كل معلم ، وكل موظف بالتربية والتعليم ، وما عليكم إلا بالصبر، و لاتخضعوا للضغوط النفسية التي تقوم بها وزارتنا الأم الحنون، فأجيال قابوس وأبناء عمان أمانة في أعناقكم ، حفظكم الله أيها المعلمون وأثابكم جزيل الثواب .. وكل عام وكل معلم عماني بألف خير .
وعذرا على وجود أية أخطاء لغوية أو املائية
وهناك ملف يحتوي على النشرة الصادرة لطلب التقاعد المبكر ..
تعليق