مقــال للكاتب محمد سعيد الفطيسي
في عام 1945 م وأثناء توقيع إمبراطور اليابان على وثيقة الاستسلام في الحرب العالمية الثانية, قال القائد الأميركي ماك آرثر لإمبراطور اليابان: إنكم اليوم توقعون على وثيقة الاستسلام لأننا هزمناكم في المعركة, فرد عليه الإمبراطور بابتسامة ساخرة قائلا: إننا لم نهزم في المعركة, ولكنكم هزمتمونا في المدارس, وبعد ستة أشهر عقد الإمبراطور الياباني اجتماعا لمجلس وزرائه وقال لهم: ان الخالق عادل وان الأطفال في جميع دول العالم يولدون بصفات واحدة, وان مشكلة اليابان كانت في التعليم الدراسي.
ونقول: بأنه ليس وحده الشعب الياباني الذي أدرك وفهم هذا السر, فهناك من بعده الشعب الماليزي وسنغافورة وكوريا الجنوبية والهند والصين, فما الذي فعلته تلك الدول والشعوب لتجعل من التعليم وثيقة دخولها الى المستقبل, وأصبحت بفضله دولا قوية تنافس الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا؟ بل ولتصبح تجاربها التعليمة نماذج صالحة للتصدير؟.
نعم .... ان سر عظمة تلك الشعوب وبلوغها هذا المستوى الحضاري في التقنية والصناعة والتعليم وغيرها من نواحي الحياة المدنية هو إصرارها على الاحتفاظ بهويتها القومية كاملة غير منقوصة, وعلى رأس هذه الهوية لغتها القومية, ونؤكد بان سر نجاح تلك الشعوب والدول سالفة الذكر هو ارتكاز تعليمها على اللغة الأم والثقافة والهوية القومية والخبرات الوطنية.
وللأسف الشديد - فإننا نكتب هذا الكلام بعد ان أصبحت اللغة العربية اليوم لغة ثانية في مؤسسات التعليم العالي العربية, وفي التجارة والثقافة والسياسة والطب ووالخ, نكتب هذا الكلام بعد ان فقد أبناءنا حبهم للتعليم لان التعليم اليوم قد أصبح مشروطا بالحصول على الوظيفة, نكتب هذا الكلام بعد ان تحول أبنائنا الى مقتدين ومقلدين لمشاهير المصارعة وكرة القدم والفنانين الغربيين, بعد ان تخلوا على اللباس الوطني والتراث الوطني والهوية الوطنية
فيا أيها المسؤولون عن التعليم: الم تدركوا السر بعد؟ أين بحوثكم ودراساتكم الميدانية التي توثقون من خلالها أسباب ضعف مستوى الكتابة وليس المحادثة باللغة العربية لدى مخرجات الثانوية العامة وطلاب الجامعات الحكومية؟ أين بحوثكم ودراساتكم ومؤتمراتكم التي أنفقتم عليها الملايين والتي تهدفون من خلالها الى معالجة الأسباب التي فقست لنا هذا الكم الهائل من الأجيال العقيمة في تحصيلها الدراسي؟ وللأسف الشديد - من مخرجاتها المعلم والمهندس والضابط وغيرها من المهن والوظائف التي يعتمد عليها اقتصادنا وأمننا الوطني ومستقبل أمتنا, وكيف نرجو خيرا لأمة او وطن من جيل فاقد لهويته الوطنية ولغته العربية وقيمه الاجتماعية؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.
والحقيقة بأنني وان كنت لست ضد التعليم باللغات الأجنبية والاستفادة من التجارب العالمية المتطورة في التعليم, فإن ذلك ليس سوى بشروط, وعلى رأس تلك الشروط, ان لا يكون ذلك على حساب اللغة العربية والتعليم الوطني والثقافة الوطنية, لأن التعليم مسألة غاية في الأهمية والخطورة, كونها مسألة تصب في أممنا القومي ومستقبل ورفعة هذا الوطن العزيز, وإنني على يقين كامل بان البحث عن الهوية القومية والهوية الوطنية لدى أي شعب من الشعوب , وعودة الأجيال القادمة الى طريقها الوطني يبدأ من خلال البحث عن لغتها الأم وزرع القيم والتعاليم الإسلامية في نفوسها.
فلا تخبروني ان هذا الأمر - أي التعليم باللغة العربية والاهتمام باللغة العربية يخالف التطور والتحضر والمدنية وسيغضب الدول الغربية؟! لا تخبروني ان تطوير مناهجنا الدراسية وتعريبها في المستويات الجامعية وإعادة التربية الإسلامية وكتب الحضارة والتاريخ الإسلامي والعربي وزيادة جرعات التربية الوطنية والتاريخ الوطني بحاجة الى قرار من اليونسكو؟
نعم .... ( هل تطبيق المناهج المستوردة أصبح هو الحل؟ هل تحويل لغة التعليم الى اللغة الانجليزية هو الحل؟ هل هناك دراسات علمية دقيقة وموثقة تثبت تفوق طلاب المناهج الأجنبية وخصوصا الأميركية والانجليزية على طلاب المناهج الوطنية الذين يدرسون باللغة العربية؟),ان اللغة العربية بإهمالها هذا الإهمال المتعمد من قبل أدعياء الثقافة والنخبوية ستصبح يوما لغة ضائعة, وبالتالي ستضيع وراءها كل ما يتعلق بها كالهوية الوطنية والقومية تبعا لذلك
واني لاستغرب كثيرا من إصرار البعض على تهميش اللغة العربية بهذا القدر المخجل, وتجاهل تدريس الحضارة والتاريخ الإسلامي والعربي والتربية الإسلامية وزيادة جرعات التربية الوطنية, وتعليم الطلبة مصادر تراثهم واهم رموزهم الإسلامية والعربية والوطنية, كما إنني استغرب أكثر من اللجوء للتجارب التعليمية الغربية بشكل رئيسي والاستعانة بالخبراء الأجانب في تطوير التعليم, فأين ذهبت الكفاءات الوطنية التي تتميز بقدرتها على طرح الرؤية الصحيحة التي تفيد الوطن والمواطن؟ أين ذهب صناع المناهج العرب؟ أين ذهب أساتذة التربية والأخلاق في بلادنا العربية؟
والحقيقة بأنني وان كنت لست ضد التعليم باللغات الأجنبية والاستفادة من التجارب العالمية المتطورة في التعليم, فإن ذلك ليس سوى بشروط, وعلى رأس تلك الشروط, ان لا يكون ذلك على حساب اللغة العربية والتعليم الوطني والثقافة الوطنية, لأن التعليم مسألة غاية في الأهمية والخطورة, كونها مسألة تصب في أممنا القومي ومستقبل ورفعة هذا الوطن العزيز, وإنني على يقين كامل بان البحث عن الهوية القومية والهوية الوطنية لدى أي شعب من الشعوب , وعودة الأجيال القادمة الى طريقها الوطني يبدأ من خلال البحث عن لغتها الأم وزرع القيم والتعاليم الإسلامية في نفوسها.
فلا تخبروني ان هذا الأمر - أي التعليم باللغة العربية والاهتمام باللغة العربية يخالف التطور والتحضر والمدنية وسيغضب الدول الغربية؟! لا تخبروني ان تطوير مناهجنا الدراسية وتعريبها في المستويات الجامعية وإعادة التربية الإسلامية وكتب الحضارة والتاريخ الإسلامي والعربي وزيادة جرعات التربية الوطنية والتاريخ الوطني بحاجة الى قرار من اليونسكو؟
نعم .... ( هل تطبيق المناهج المستوردة أصبح هو الحل؟ هل تحويل لغة التعليم الى اللغة الانجليزية هو الحل؟ هل هناك دراسات علمية دقيقة وموثقة تثبت تفوق طلاب المناهج الأجنبية وخصوصا الأميركية والانجليزية على طلاب المناهج الوطنية الذين يدرسون باللغة العربية؟),ان اللغة العربية بإهمالها هذا الإهمال المتعمد من قبل أدعياء الثقافة والنخبوية ستصبح يوما لغة ضائعة, وبالتالي ستضيع وراءها كل ما يتعلق بها كالهوية الوطنية والقومية تبعا لذلك
واني لاستغرب كثيرا من إصرار البعض على تهميش اللغة العربية بهذا القدر المخجل, وتجاهل تدريس الحضارة والتاريخ الإسلامي والعربي والتربية الإسلامية وزيادة جرعات التربية الوطنية, وتعليم الطلبة مصادر تراثهم واهم رموزهم الإسلامية والعربية والوطنية, كما إنني استغرب أكثر من اللجوء للتجارب التعليمية الغربية بشكل رئيسي والاستعانة بالخبراء الأجانب في تطوير التعليم, فأين ذهبت الكفاءات الوطنية التي تتميز بقدرتها على طرح الرؤية الصحيحة التي تفيد الوطن والمواطن؟ أين ذهب صناع المناهج العرب؟ أين ذهب أساتذة التربية والأخلاق في بلادنا العربية؟
هل باتت الحلول المستوردة, والأساتذه المستوردون, والمناهج المستوردة هي الحل؟ هل التعليم باللغات الأجنبية وفي المدارس الأجنبية وعلى يد الاساتذة الأجانب سيعيد أبناءنا إلينا وهم يقدسون تراب أوطانهم, وسيحفظ هويتنا الوطنية وقيمنا الوطنية والاجتماعية؟ هل تستطيع جامعات النخبة في بلاد الغرب ان ترسخ في الأجيال العربية القائمة والقادمة حب الوطن والمحافظة على ممتلكاته وثرواته وخيراته, وستزرع في نفوسهم حب القيم الاجتماعية الوطنية والعادات والتقاليد والثقافة الإسلامية وستربيهم تربية دينية فاضلة؟ هل سالت وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي نفسها: لماذا يقوم بعض المسؤولين في حكوماتنا العربية وأصحاب الدخول المرتفعة بإخراج أبناءهم من المدارس الحكومية وتدريسهم في مدارس خاصة وعالمية؟!
أما الذين ( لا يزالون بين الحين والآخر ينشرون الدراسات اللسانية التي تؤكد صلاحية اللغة العربية لان تكون لغة الدين والأدب والشعر فقط, لا لغة العلوم والتكنولوجيا, وهم الذين يقفون اليوم ضد حركات التعريب) في الجامعات ومؤسسات التعليم العربية نقول: ان التعريب ليس عملية لغوية يا أيها المتفيهقون المدعون للنخبوية, بقدر ما هو عملية قومية وتدخل في صميم أمننا الوطني, تزرع في الأجيال القادمة حب اللغة ومنها المحافظة على الهوية القومية والوطنية وتحفظ الأمن القومي العربي وتؤسس مجتمع مؤمن بقيمه الإسلامية الاجتماعية والوطنية, يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم واصفا مكانة وحال اللغة العربية اليوم: وَسِـعْتُ كِـتَابَ الله لَـفْظَـاً وغَـايَةً, وَمَـا ضِـقْـتُ عَـنْ آيٍ بـهِ وَعِـــظِاتِ, فـكيفَ أَضِـيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَــةٍ, وتـنـســيقِ أَسْــمَـاءٍ لـمُخْـتَرَعَاتِ ...... أَيَـهْجُرُني قَـوْمي - عَـفَا اللهُ عَـنْهُمُ - إِلَـى لُـغَـةٍ لـم تَـتَّصِلْ بـــرُوَاةِ.
فيا أيها القائمون على التعليم في العالم العربي, والمسئولون عن تطوير مناهجه, أيها المؤتمنون على الأجيال العربية القائمة والقادمة أمام الله عزوجل والتاريخ, اتقوا الله في التعليم, فان التعليم لن يصلح ومنه تلك الأجيال سوى ان عدتم به وبها الى المنهج الرباني القائم على ترسيخ التربية الإسلامية والثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والعربي, لن يصلح سوى بعودة اللغة العربية الى الواجهة كلغة أساسية في التعليم المدرسي والجامعي, لن يصلح سوى ان ربيتم تلك الأجيال على مناهج وطنية عربية تزرع في نفوسهم الوطنية والولاء والانتماء لهذا الدين والوطن, لن تصلح الأجيال سوى بزرع القيم الفاضلة وتوثيق تلك القيم من خلال رموزنا الإسلامية والوطنية.
خلاصة الأمر - إننا اليوم أمام مفترق طرق تاريخي في مختلف جوانب الحياة , وعلى رأسها التعليم, لذا يجب ان يتم تأسيسه على مناهج مستقبلية تراعي في مادتها العلمية والأدبية التركيز على المحاور سالفة الذكر, وذلك الاهميتها البالغة في معالجة العديد من الإشكاليات والتحديات المستقبلية , وخصوصا تلك التي تدخل في صلب هويتنا الوطنية وأمننا القومي, كما يجب الاستعانة في ذلك بخبرات وطنية يشهد لها بالدين والأمانة والإخلاص للأمة والوطن - والله والوطن من وراء القصد.
أما الذين ( لا يزالون بين الحين والآخر ينشرون الدراسات اللسانية التي تؤكد صلاحية اللغة العربية لان تكون لغة الدين والأدب والشعر فقط, لا لغة العلوم والتكنولوجيا, وهم الذين يقفون اليوم ضد حركات التعريب) في الجامعات ومؤسسات التعليم العربية نقول: ان التعريب ليس عملية لغوية يا أيها المتفيهقون المدعون للنخبوية, بقدر ما هو عملية قومية وتدخل في صميم أمننا الوطني, تزرع في الأجيال القادمة حب اللغة ومنها المحافظة على الهوية القومية والوطنية وتحفظ الأمن القومي العربي وتؤسس مجتمع مؤمن بقيمه الإسلامية الاجتماعية والوطنية, يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم واصفا مكانة وحال اللغة العربية اليوم: وَسِـعْتُ كِـتَابَ الله لَـفْظَـاً وغَـايَةً, وَمَـا ضِـقْـتُ عَـنْ آيٍ بـهِ وَعِـــظِاتِ, فـكيفَ أَضِـيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَــةٍ, وتـنـســيقِ أَسْــمَـاءٍ لـمُخْـتَرَعَاتِ ...... أَيَـهْجُرُني قَـوْمي - عَـفَا اللهُ عَـنْهُمُ - إِلَـى لُـغَـةٍ لـم تَـتَّصِلْ بـــرُوَاةِ.
فيا أيها القائمون على التعليم في العالم العربي, والمسئولون عن تطوير مناهجه, أيها المؤتمنون على الأجيال العربية القائمة والقادمة أمام الله عزوجل والتاريخ, اتقوا الله في التعليم, فان التعليم لن يصلح ومنه تلك الأجيال سوى ان عدتم به وبها الى المنهج الرباني القائم على ترسيخ التربية الإسلامية والثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والعربي, لن يصلح سوى بعودة اللغة العربية الى الواجهة كلغة أساسية في التعليم المدرسي والجامعي, لن يصلح سوى ان ربيتم تلك الأجيال على مناهج وطنية عربية تزرع في نفوسهم الوطنية والولاء والانتماء لهذا الدين والوطن, لن تصلح الأجيال سوى بزرع القيم الفاضلة وتوثيق تلك القيم من خلال رموزنا الإسلامية والوطنية.
خلاصة الأمر - إننا اليوم أمام مفترق طرق تاريخي في مختلف جوانب الحياة , وعلى رأسها التعليم, لذا يجب ان يتم تأسيسه على مناهج مستقبلية تراعي في مادتها العلمية والأدبية التركيز على المحاور سالفة الذكر, وذلك الاهميتها البالغة في معالجة العديد من الإشكاليات والتحديات المستقبلية , وخصوصا تلك التي تدخل في صلب هويتنا الوطنية وأمننا القومي, كما يجب الاستعانة في ذلك بخبرات وطنية يشهد لها بالدين والأمانة والإخلاص للأمة والوطن - والله والوطن من وراء القصد.
تعليق