إن الحق في الحياة هو من المبادئ الأساسية في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ولا يمكن انتقاصه أو تجاهله بأي حال من الأحوال، وهذا ما نصّت عليه المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
"لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه"..
كما أن المادة 6 فقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه اللقيطة "إسرائيل" سنة 1991، تنصّ على أن:
"الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً"..
هناك حقّ أساسي آخر أقرّه القانون الدولي يتعلّق بهذا التقرير، وهو الحق في الحصول على إنصافٍ فعّال ضد الجريمة. وقد تم تأكيد هذا الحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 8 التي تنصّ على أنه:
"لكلّ شخصٍ حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون".
من خلال مصادقتها على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن "إسرائيل" تتعهد بـ:
"احترام وكفالة جميع الحقوق للأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب"..
وفي المادة 2 فقرة 1 تتعهد كلّ دولة طرف في هذا العهد بأن تكفل:
"أ" توفّر سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية.
"ب" لكلّ متظلّم على هذا النحو أن تبتّ في الحقوق التي يدّعي انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أي سلطة مختصة أخرى ينصّ عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمي إمكانيات التظلم القضائي.
"ج" قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لصالح المتظلمين.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي المادة 2، فقرة 3.. بالإضافة إلى القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان، هناك القانون الإنساني الدولي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار. فـ "إسرائيل" تعتبر مواجهتها مع الفلسطينيين "صراعاً مسلحاً"، وإذا صحّ ذلك فهناك تداعيات تتطلب ضمان توفر الحماية للسكان المدنيين، وفق ما جاء في اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب. فتحت عنوان "وضع الأشخاص المحميين ومعاملتهم"، تنص المادة 27:
"للأشخاص المحميّين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم. ويجب معاملتهم في جميع الأحوال معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكلٍ خاص ضد جميع أنواع العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير"..
نستنتج أن اتفاقيات جنيف، التي تقول إن السلطة التي تسيطر على منطقة ما تكون مسؤولة عن ضمان تطبيق القانون والنظام في تلك المنطقة، تفرض على "إسرائيل" واجب حماية حياة المدنيين الذين هم تحت حكمها.
موقف الكيان الغاصب القانوني هو أنها لا تعترف بأن المناطق الفلسطينية "محتلة"، لأنها أخذت الضفة الغربية من الأردن وقطاع غزة من مصر، وهاتان لم تكن سيطرتهما على المناطق ذات صبغة دولية معترف بها، فالحكومة "الإسرائيلية" الباغية تقول إن كلمة "احتلال" يجب استخدامها فقط في حالة خضوع المناطق بشكلٍ قانوني لسيطرة دولة أخرى.
الى الأعلى
الحقوق في القانون الأساسي "الإسرائيلي"
إن فشل الكيان اللقيط في حماية المدنيين الفلسطينيين يشكّل انتهاكاً للقانون "الإسرائيلي" المحلي، وخرقاً لالتزامات الكيان بالقانون الدولي. ومع أنه لا يوجد دستور مكتوب في الكيان إلا أنه يوجد فيها قوانين وأنظمة تضع الأسس العامة لهيئة الحكومة وحقوق الفرد. وهذا موضّح في القانون الأساسي "الإسرائيلي" حول الكرامة والحرية الإنسانية الذي تم اعتماده في 17 آذار 1992، وفي القسم الأول منه هناك نص صريح:
"أن حقوق الإنسان الأساسية في "إسرائيل" مبنية على الاعتراف بقيمة الحياة الإنسانية، وقدسية حياته وحريته".. والقسم الثاني منه ينص على أنه: "يجب أن لا يكون هناك أيّ انتهاك لحياة وشخص وكرامة أيّ شخص".. وقد تم التأكيد مجدّداً على ذلك في القسم الرابع: "يجب أن تتم حماية حياة جميع الأفراد وأشخاصهم وكرامتهم".. أما القسم العاشر من القانون فيطرح تطبيق هذه الحقوق الأساسية: "جميع السلطات الحكومية يجب أن تلتزم باحترام الحقوق وفق القانون الأساسي"..
وعبر سنوات طويلة، شهدت المناطق الفلسطينية صراعاً ومواجهات ما بين الفلسطينيين من جهة، والمستوطنين اليهود، وغيرهم من "الإسرائيليين" المحتلين، من جهة ثانية. وقد تصاعدت حدّة المواجهات بين الطرفين خلال فترتي الانتفاضتين ضد الاحتلال: الانتفاضة الأولى اندلعت في كانون أول 1987 واستمرت حتى 1993، فيما انطلقت شرارة انتفاضة "الأقصى" الثانية في أيلول 2000.
معظم اعتداءات "الإسرائيليين" المستوطنين على الفلسطينيين تضمنّت استخدام أسلحة نارية، ومعظم هذه الأسلحة استلمها المستوطنون من الجيش "الإسرائيلي" المحتل والذي بدوره ليس له أيّ إشراف على كيفية استخدام المستوطنين لهذه الأسلحة. وقد تساءل عضو الكنيست الصهيوني أفرايم سنيه، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للحرب، في شهر أيار من العام 1993، عن امتلاك المستوطنين اليهود في المناطق الفلسطينية لكميات من السلاح لا تخضع لسيطرة الجيش المحتل، مما قد يخلق مشكلة أمنية للحكومة "الإسرائيلية".
و بعد احتلال الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة، بعد حرب الأيام الستة في حزيران 1967. أصبح الجيش "الإسرائيلي" الغاصب هو المسؤول عن حفظ الأمن والنظام في هذه المناطق التي خضعت للحكم العسكري "الإسرائيلي". وأصبحت المحاكم العسكرية "الإسرائيلية" تتعامل مع "القضايا الأمنية". وبدأ الكيان ببناء المستوطنات اليهودية في المناطق الفلسطينية مباشرة بعد انتهاء الحرب. وقد شجّعت الحكومة الإرهابية اليهود على القدوم والاستيطان أولاً في الضفة الغربية، ثم في قطاع غزة، وذلك من خلال منحهم قطع أراضٍ جيدة – بعد مصادرتها من أصحابها الفلسطينيين – وقروضاً مالية وحماية من الجيش الإرهابي. أي أنه يمكن القول إن احتلال الكيان للمناطق الفلسطينية هو "احتلال حربي"، وهو ما يُطلق على أيّ احتلال تقوم به أيّ دولة لأراضٍ ليست لها. وقد قامت الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة، من ليكود وعَمل، بتشجيع النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة، حتى بعد توقيع اتفاقيات أوسلو التي نصّت على "عدم قيام أي من الطرفين بخطوات أحادية الجانب لتغيير الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة في انتظار مفاوضات الوضع النهائي".. "أنظر اتفاقية المرحلة الانتقالية الموقعة في 28/9/1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان"..
بلغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة 199 ألفاً في شهر كانون أول سنة 2000، يُضاف لهم 200 ألفاً آخرين في القدس الشرقية. "حسب تقرير جماعة السلام الآن "الإسرائيلية" بعنوان "الاحتلال خلال سنوات أوسلو" بتاريخ 3/12/2000"
المستوطنون اليهود ليسوا مجموعة متجانسة، بل هم أفراد وجماعات يتفقون على أنه "من حقّ اليهود العيش في المناطق المحتلة". وهم ينقسمون إلى فئة متشدّدة متعصبة دينياً تستخدم العنف وسيلة ضد العرب وهم قلائل، بينما الغالبية منهم أناس عاديون استفادوا من الفرص التي هيّأتها لهم الحكومة فأغراهم "مستوى المعيشة الجيد" فانتقلوا للسكن في المستوطنات حيث المزايا المالية التي تقدّمها الحكومة.
في العام 1979 تم دمج المستوطنات "الإسرائيلية" في نظام الحكم المحلي "الإسرائيلي" من خلال مجالس محلية، بينما المجتمع الدولي ينظر للمستوطنات "الإسرائيلية" على أنها غير قانونية. ويمكن هنا النظر في عددٍ غير قليل من توصيات الجمعية العمومية وقرارات مجلس الأمن التابعين لهيئة الأمم المتحدة، مثل قرار رقم 465 سنة 1980، ومن الجدير ذكره أن الجمعية العامة لهيئة الأمم تدرس كل سنة ما تقوم به "إسرائيل" اللقيطة من نشاط استيطاني، وتوجّه الانتقادات لها. وقد طلب قرار مجلس الأمن رقم 465 من الدول التي تمنح اللقيطة "إسرائيل" المساعدات أن تمتنع عن تقديم المساعدات لها إذا كان تقديم المساعدات قد يساعدها على انتهاك اتفاقيات جنيف المتعلقة بالمدنيين.
و منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 حذّر قادة المستوطنين في المناطق الفلسطينية من أنهم قد "يأخذون القانون بأيديهم". وقد جاء ذلك، على سبيل المثال، على لسان يهوشوع بن يوسف الناطق باسم مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وغزة بتاريخ 2/10/2000 عندما قال: "نحن الآن نتصرّف بتنسيق مع الجيش "الإسرائيلي"، ولكن إذا ساءت الأمور فنحن جاهزون للعمل بمفردنا"
وباتت ظاهرة "دوريات الأمن" التي تجوب محيط المستوطنات "الإسرائيلية" أمراً خطيراً حيث ليس للجيش ولا للشرطة "الإسرائيلية" أية مسؤولية أو إشراف عليها. "أنظر مقالة الصحافي "الإسرائيلي" عاموس هاريل في صحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 28/2/2001 والتي وصف فيها عمل هذه الدوريات أنه أشبه ما يكون "بالغرب المتوحش""..
و لا يبدو واضحاً إذا كانت هناك ضوابط تحكم عمل دوريات المستوطنين الأمنية هذه، فهل هناك تعليمات إطلاق نار خاصة بها مثلاً ؟ وكما هو متعارف عليه، فإن حكم القانون وتوفّر النظام العام هو أساس أي مجتمع مدني، وهذا ما تدركه وتدعمه محكمة العدل العليا "حكم القانون أساسي لحماية حقوق الإنسان". "صادر عن محكمة العدل العليا، قضية برزلاي ضد الحكومة "الإسرائيلية"، رقم 428/86".
و الأهم أن وجود دوريات المستوطنين المسلحة هذه يجعل من الصعوبة بمكان التمييز بين المسلحين وغير المسلحين من السكان، ذلك الفرق الذي على أساسه قامت اتفاقيات جنيف لحماية السكان المدنيين.
تظلّ اللقيطة "إسرائيل" ملزمة تحت القانون الدولي بحماية أشخاص وممتلكات المدنيين الفلسطينيين تحت سيطرتها وتجادل أن اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين لا تنطبق على احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة. ويستند الجدل "الإسرائيلي" على أن الأمر لا يتعلّق بدولة ذات سيادة تم احتلالها، فالضفة الغربية ليست جزءاً من الأردن وقطاع غزة ليس جزءاً من مصر. ولكن المجتمع الدولي رفض هذه المقولة "الإسرائيلية" جملة وتفصيلاً. "راجع قرار مجلس الأمن رقم 237 سنة 1968، وتقرير الخارجية الأمريكية عن وضع حقوق الإنسان للأعوام 1983، 1984".
على كل حال، قسّمت اتفاقيات السلام للمرحلة الانتقالية بين الفلسطينيين والمحتل الموقعة في العام 1995، مسؤولية حفظ النظام والأمن بين السلطة الفلسطينية والمحتل حيث تم تجزئة المناطق المحتلة إلى ثلاثة تصنيفات: مناطق "أ" وتخضع كلياً للسلطة الفلسطينية، مناطق "ب" وتخضع أمنياً للمحتل وإدارياً للسلطة الفلسطينية، ومناطق "ج" وتخضع كلياً للمحتل. "راجع اتفاقية المرحلة الانتقالية حول الضفة الغربية وغزة الموقعة في سنة 1995، القسم الثاني، المواد 10 - 13".
في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، طرحت اللقيطة "إسرائيل" مقولة إنها بعد توقيع اتفاقيات أوسلو لم تعد مسؤولة عن حفظ الأمن أو حقوق الإنسان في المناطق المصنفة "أ" الخاضعة - وفق الاتفاقيات - للسيطرة الفلسطينية. لكن السيطرة "الإسرائيلية" تبدو شبه كاملة حتى على هذه المناطق، وذلك ما صرّح به بوضوح رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الإرهابي المجرم آرئيل شارون بأن اللقيطة "إسرائيل" تدخل مناطق "أ" "تقريباً كل يوم". "أنظر مقالة الصحافي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 15/4/2001".
كما أن السلطات "الإسرائيلية" ما زالت تقوم بمصادرة الممتلكات الفلسطينية في المناطق "أ"، التي لا تخضع من ناحية جغرافية – نظرياً - للكبان اللقيط، بل للسيطرة الفلسطينية. وتمثّل قضية عائلة أبو هولي الفلسطينية من قطاع غزة المرفوعة أمام محكمة العدل العليا "الإسرائيلية"، في 19 نيسان 2001، مثالاً حيّاً على عدم شرعية مصادرة الممتلكات الفلسطينية بما فيها الأراضي، وقد حكمت المحكمة بعدم شرعية المصادرة وأوصت بعدم هدم بيت العائلة.
الفلسطينيون الذين يرتكبون جرائم ومخالفات في المناطق "أ" و"ب" تتم محاكمتهم أمام محاكم فلسطينية، وفق ما جاء في اتفاقية المرحلة الانتقالية، أي أن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن ملاحقتهم وجلبهم أمام القضاء. بينما الفلسطينيون الذين يرتكبون جرائم في المناطق المصنفة "ج" وجميع اليهود الذين يرتكبون جرائم في أيّ مكان في المناطق المحتلة تكون اللقيطة "إسرائيل" مسؤولة عن ملاحقتهم ومحاكمتهم حيث تنص المادة 11/ فقرة 4 / د، من اتفاقية المرحلة الانتقالية الموقعة بين الطرفين على أنه:
"تحت أي ظرف من الظروف، لن يتم اعتقال "إسرائيليين" أو وضعهم في الحجز أو السجن من جانب السلطات الفلسطينية بينما تكون اللقيطة المحتلة مسؤولة عن ملاحقة ومحاكمة الفلسطينيين الذين يرتكبون جرائم أو مخالفات في المناطق المصنفة "ج" وجميع المواطنين "الإسرائيليين" الذين يرتكبون أية جرائم أو مخالفات في أيّ مكان، وهذا ما نصّت عليه اتفاقية المرحلة الانتقالية، الملحق 3 المتعلق بالنواحي القانونية، المادة الأولى. لكن هنا يتم الفصل والتمييز في معاملة ومحاكمة الفلسطينيين و"الإسرائيليين" من جانب اللقيطة "إسرائيل". فالفلسطينيون يحاكمون أمام محاكم عسكرية وفق قوانين عسكرية، بينما "الإسرائيليون" يحاكمون أمام محاكم مدنية.
النظام القضائي العسكري في اللقيطة "إسرائيل" يضم قضاة ليسوا محامين، وفي كثير من الأحيان تعقد جلسات محاكمة أمام مثل هؤلاء القضاة الذين لم يمارسوا مهنة المحاماة وليسوا سوى ضباط عسكريين يتم تعيينهم في كثير من الأحيان لمناقشة قضية محددة. وغالباً ما تعقد مثل هذه المحاكمات العسكرية للفلسطينيين وتكون هيئة المحكمة مكوّنة من قاضٍ ذي خلفية قانونية، ومساعدين له ليسوا سوى ضباط من الجيش "الإسرائيلي" المحتل الغاصب. فقد صرّح أحد مساعدي القضاة العسكريين "اسمه عومر بارك" لصحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 18/12/ 2001 أنه:
"يبدو أن العملية جميعها لا تحترم أبداً حق المتهم في الحصول على محاكمة عادلة، فيما المواطنون "الإسرائيليون" يُحاكمون أمام القضاء المدني "الإسرائيلي"".
تقسم المحاكم المدنية في الكيان المحتل إلى ثلاثة أنواع:
أ- المحاكم الابتدائية، وتنظر في القضايا التي تصل أقصى عقوبة فيها إلى 7 سنوات سجن، أو غرامة مالية بمبلغ 30 ألف دولار أمريكي.
ب- المحاكم اللوائية، وتنظر في القضايا التي تصل عقوباتها أكثر من 7 سنوات سجن، أو غرامة أكثر من 30 ألف دولار أمريكي.
ج- المحكمة العليا، وتنظر في قضايا الاستئناف على أحكام صدرت عن المحاكم اللوائية.
تخضع المحاكم المدنية لسلطة وزارة العدل، فيما تخضع المحاكم العسكرية لسلطة من تسمى وزارة الدفاع. والنتيجة، أنه يوجد نظامان قضائيان متباينان يُعمل بهما في الأراضي التي تحتلها اللقيطة "إسرائيل". وقد توصّل عضو الكنيست "الإسرائيلي" الإرهابي أمنون روبنشتاين "ميرتس" وهو رئيس لجنة القضاء والقانون في البرلمان "الإسرائيلي"، إلى هذه الحقيقة في وقتٍ مبكر، حيث قال بتاريخ 2/1/1984 أمام الكنيست الصهيوني:
"في يهودا والسامرة وغزة – الضفة الغربية وقطاع غزة – هناك نظامان قضائيان وهناك نوعان من الناس: هناك مواطنون "إسرائيليون" يتمتعون بحقوق كاملة، وآخرون غير "إسرائيليين" "غير مواطنين" ليست لهم أية حقوق"..
إن وجود هذين النظامين القضائيين المختلفين يُشكّل تمييزاً في معاملة الفلسطينيين سكان المناطق التي تحتلها اللقيطة "إسرائيل"، ففي الضفة الغربية يخضع الفلسطينيون لنظام قضائي محليّ موجود قبل سنة 1967 "و هو مزيج من القوانين الأردنية والبريطانية والعثمانية" بالإضافة للأوامر العسكرية "الإسرائيلية"، وفي قطاع غزة يخضع الفلسطينيون لنظام قضائي محلي "مزيج من القوانين المصرية والبريطانية والعثمانية" بالإضافة للأوامر العسكرية "الإسرائيلية".
نستنتج من ذلك أن الفلسطينيين و"الإسرائيليين" الذين يرتكبون نفس المخالفة أو الجريمة، يحاكمون بطريقة مختلفة وأمام محاكم مختلفة وتصدر بحق كلّ فئة منهم عقوبات مختلفة.
وطالما أن اليهود الذين يرتكبون جرائم قتلٍ يحاكمون في الكيان وفق القضاء المدني "الإسرائيلي"، وهو في الأساس مبني على قوانين بريطانية ثم تأثّرها بالتشريعات الأمريكية فيما يخص المجتمع المدني، فإنهم يحظون برزمة من الحقوق التي يكفلها القانون المدني بينما هذه الحقوق غائبة في القضاء العسكري "الإسرائيلي" الذي يُحاكم الفلسطينيين الذين يرتكبون جرائم قتل مع أنهم يسكنون في نفس المنطقة.
والملفت للنظر أن المواطنين العرب في داخل الكيان والذين يحملون الجنسية "الإسرائيلية"، يحاكمون أحياناً أمام محاكم عسكرية. وقضية المواطن العربي محمد صندوقة المقدّمة أمام المحكمة العليا "الإسرائيلية" بتاريخ 2/12/2000 والتي يطلب فيها أن تصدر المحكمة أمراً بأن يحاكم جميع المواطنين الفلسطينيين وفق القانون المدني "الإسرائيلي"، مثال واضح على ذلك. التباين في المعاملة وعدم المساواة واضحان في كلّ مرحلة من العملية القضائية في "إسرائيل". بل وأكثر من ذلك، هناك تمييز في المعاملة ضد الفلسطينيين في كلّ المؤسسات "الإسرائيلية" التي تقدّم خدمات اجتماعية واقتصادية.
يمكن رؤية ذلك التمييز القضائي جليّاً في فترة توقيف المتهم قبل المحاكمة، وحق المتهم في توكيل ومقابلة محاميه، ووجود الدفاع في المحكمة، والعقوبة القصوى التي تقع عليه، والإفراج بكفالة قبل توقيع العقوبة... كل هذه نقاط تختلف في كلٍّ من النظامين القضائيين المعمول بهما، حيث إن القضاء المدني يمنح حقوقاً وضمانات أكثر لمن سمّيوا بالمواطنين "الإسرائيليين" .
منقـول ...
"لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه"..
كما أن المادة 6 فقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه اللقيطة "إسرائيل" سنة 1991، تنصّ على أن:
"الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً"..
هناك حقّ أساسي آخر أقرّه القانون الدولي يتعلّق بهذا التقرير، وهو الحق في الحصول على إنصافٍ فعّال ضد الجريمة. وقد تم تأكيد هذا الحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 8 التي تنصّ على أنه:
"لكلّ شخصٍ حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون".
من خلال مصادقتها على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن "إسرائيل" تتعهد بـ:
"احترام وكفالة جميع الحقوق للأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب"..
وفي المادة 2 فقرة 1 تتعهد كلّ دولة طرف في هذا العهد بأن تكفل:
"أ" توفّر سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية.
"ب" لكلّ متظلّم على هذا النحو أن تبتّ في الحقوق التي يدّعي انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أي سلطة مختصة أخرى ينصّ عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمي إمكانيات التظلم القضائي.
"ج" قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لصالح المتظلمين.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي المادة 2، فقرة 3.. بالإضافة إلى القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان، هناك القانون الإنساني الدولي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار. فـ "إسرائيل" تعتبر مواجهتها مع الفلسطينيين "صراعاً مسلحاً"، وإذا صحّ ذلك فهناك تداعيات تتطلب ضمان توفر الحماية للسكان المدنيين، وفق ما جاء في اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب. فتحت عنوان "وضع الأشخاص المحميين ومعاملتهم"، تنص المادة 27:
"للأشخاص المحميّين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم. ويجب معاملتهم في جميع الأحوال معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكلٍ خاص ضد جميع أنواع العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير"..
نستنتج أن اتفاقيات جنيف، التي تقول إن السلطة التي تسيطر على منطقة ما تكون مسؤولة عن ضمان تطبيق القانون والنظام في تلك المنطقة، تفرض على "إسرائيل" واجب حماية حياة المدنيين الذين هم تحت حكمها.
موقف الكيان الغاصب القانوني هو أنها لا تعترف بأن المناطق الفلسطينية "محتلة"، لأنها أخذت الضفة الغربية من الأردن وقطاع غزة من مصر، وهاتان لم تكن سيطرتهما على المناطق ذات صبغة دولية معترف بها، فالحكومة "الإسرائيلية" الباغية تقول إن كلمة "احتلال" يجب استخدامها فقط في حالة خضوع المناطق بشكلٍ قانوني لسيطرة دولة أخرى.
الى الأعلى
الحقوق في القانون الأساسي "الإسرائيلي"
إن فشل الكيان اللقيط في حماية المدنيين الفلسطينيين يشكّل انتهاكاً للقانون "الإسرائيلي" المحلي، وخرقاً لالتزامات الكيان بالقانون الدولي. ومع أنه لا يوجد دستور مكتوب في الكيان إلا أنه يوجد فيها قوانين وأنظمة تضع الأسس العامة لهيئة الحكومة وحقوق الفرد. وهذا موضّح في القانون الأساسي "الإسرائيلي" حول الكرامة والحرية الإنسانية الذي تم اعتماده في 17 آذار 1992، وفي القسم الأول منه هناك نص صريح:
"أن حقوق الإنسان الأساسية في "إسرائيل" مبنية على الاعتراف بقيمة الحياة الإنسانية، وقدسية حياته وحريته".. والقسم الثاني منه ينص على أنه: "يجب أن لا يكون هناك أيّ انتهاك لحياة وشخص وكرامة أيّ شخص".. وقد تم التأكيد مجدّداً على ذلك في القسم الرابع: "يجب أن تتم حماية حياة جميع الأفراد وأشخاصهم وكرامتهم".. أما القسم العاشر من القانون فيطرح تطبيق هذه الحقوق الأساسية: "جميع السلطات الحكومية يجب أن تلتزم باحترام الحقوق وفق القانون الأساسي"..
وعبر سنوات طويلة، شهدت المناطق الفلسطينية صراعاً ومواجهات ما بين الفلسطينيين من جهة، والمستوطنين اليهود، وغيرهم من "الإسرائيليين" المحتلين، من جهة ثانية. وقد تصاعدت حدّة المواجهات بين الطرفين خلال فترتي الانتفاضتين ضد الاحتلال: الانتفاضة الأولى اندلعت في كانون أول 1987 واستمرت حتى 1993، فيما انطلقت شرارة انتفاضة "الأقصى" الثانية في أيلول 2000.
معظم اعتداءات "الإسرائيليين" المستوطنين على الفلسطينيين تضمنّت استخدام أسلحة نارية، ومعظم هذه الأسلحة استلمها المستوطنون من الجيش "الإسرائيلي" المحتل والذي بدوره ليس له أيّ إشراف على كيفية استخدام المستوطنين لهذه الأسلحة. وقد تساءل عضو الكنيست الصهيوني أفرايم سنيه، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للحرب، في شهر أيار من العام 1993، عن امتلاك المستوطنين اليهود في المناطق الفلسطينية لكميات من السلاح لا تخضع لسيطرة الجيش المحتل، مما قد يخلق مشكلة أمنية للحكومة "الإسرائيلية".
و بعد احتلال الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة، بعد حرب الأيام الستة في حزيران 1967. أصبح الجيش "الإسرائيلي" الغاصب هو المسؤول عن حفظ الأمن والنظام في هذه المناطق التي خضعت للحكم العسكري "الإسرائيلي". وأصبحت المحاكم العسكرية "الإسرائيلية" تتعامل مع "القضايا الأمنية". وبدأ الكيان ببناء المستوطنات اليهودية في المناطق الفلسطينية مباشرة بعد انتهاء الحرب. وقد شجّعت الحكومة الإرهابية اليهود على القدوم والاستيطان أولاً في الضفة الغربية، ثم في قطاع غزة، وذلك من خلال منحهم قطع أراضٍ جيدة – بعد مصادرتها من أصحابها الفلسطينيين – وقروضاً مالية وحماية من الجيش الإرهابي. أي أنه يمكن القول إن احتلال الكيان للمناطق الفلسطينية هو "احتلال حربي"، وهو ما يُطلق على أيّ احتلال تقوم به أيّ دولة لأراضٍ ليست لها. وقد قامت الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة، من ليكود وعَمل، بتشجيع النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة، حتى بعد توقيع اتفاقيات أوسلو التي نصّت على "عدم قيام أي من الطرفين بخطوات أحادية الجانب لتغيير الوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة في انتظار مفاوضات الوضع النهائي".. "أنظر اتفاقية المرحلة الانتقالية الموقعة في 28/9/1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان"..
بلغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة 199 ألفاً في شهر كانون أول سنة 2000، يُضاف لهم 200 ألفاً آخرين في القدس الشرقية. "حسب تقرير جماعة السلام الآن "الإسرائيلية" بعنوان "الاحتلال خلال سنوات أوسلو" بتاريخ 3/12/2000"
المستوطنون اليهود ليسوا مجموعة متجانسة، بل هم أفراد وجماعات يتفقون على أنه "من حقّ اليهود العيش في المناطق المحتلة". وهم ينقسمون إلى فئة متشدّدة متعصبة دينياً تستخدم العنف وسيلة ضد العرب وهم قلائل، بينما الغالبية منهم أناس عاديون استفادوا من الفرص التي هيّأتها لهم الحكومة فأغراهم "مستوى المعيشة الجيد" فانتقلوا للسكن في المستوطنات حيث المزايا المالية التي تقدّمها الحكومة.
في العام 1979 تم دمج المستوطنات "الإسرائيلية" في نظام الحكم المحلي "الإسرائيلي" من خلال مجالس محلية، بينما المجتمع الدولي ينظر للمستوطنات "الإسرائيلية" على أنها غير قانونية. ويمكن هنا النظر في عددٍ غير قليل من توصيات الجمعية العمومية وقرارات مجلس الأمن التابعين لهيئة الأمم المتحدة، مثل قرار رقم 465 سنة 1980، ومن الجدير ذكره أن الجمعية العامة لهيئة الأمم تدرس كل سنة ما تقوم به "إسرائيل" اللقيطة من نشاط استيطاني، وتوجّه الانتقادات لها. وقد طلب قرار مجلس الأمن رقم 465 من الدول التي تمنح اللقيطة "إسرائيل" المساعدات أن تمتنع عن تقديم المساعدات لها إذا كان تقديم المساعدات قد يساعدها على انتهاك اتفاقيات جنيف المتعلقة بالمدنيين.
و منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000 حذّر قادة المستوطنين في المناطق الفلسطينية من أنهم قد "يأخذون القانون بأيديهم". وقد جاء ذلك، على سبيل المثال، على لسان يهوشوع بن يوسف الناطق باسم مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وغزة بتاريخ 2/10/2000 عندما قال: "نحن الآن نتصرّف بتنسيق مع الجيش "الإسرائيلي"، ولكن إذا ساءت الأمور فنحن جاهزون للعمل بمفردنا"
وباتت ظاهرة "دوريات الأمن" التي تجوب محيط المستوطنات "الإسرائيلية" أمراً خطيراً حيث ليس للجيش ولا للشرطة "الإسرائيلية" أية مسؤولية أو إشراف عليها. "أنظر مقالة الصحافي "الإسرائيلي" عاموس هاريل في صحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 28/2/2001 والتي وصف فيها عمل هذه الدوريات أنه أشبه ما يكون "بالغرب المتوحش""..
و لا يبدو واضحاً إذا كانت هناك ضوابط تحكم عمل دوريات المستوطنين الأمنية هذه، فهل هناك تعليمات إطلاق نار خاصة بها مثلاً ؟ وكما هو متعارف عليه، فإن حكم القانون وتوفّر النظام العام هو أساس أي مجتمع مدني، وهذا ما تدركه وتدعمه محكمة العدل العليا "حكم القانون أساسي لحماية حقوق الإنسان". "صادر عن محكمة العدل العليا، قضية برزلاي ضد الحكومة "الإسرائيلية"، رقم 428/86".
و الأهم أن وجود دوريات المستوطنين المسلحة هذه يجعل من الصعوبة بمكان التمييز بين المسلحين وغير المسلحين من السكان، ذلك الفرق الذي على أساسه قامت اتفاقيات جنيف لحماية السكان المدنيين.
تظلّ اللقيطة "إسرائيل" ملزمة تحت القانون الدولي بحماية أشخاص وممتلكات المدنيين الفلسطينيين تحت سيطرتها وتجادل أن اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين لا تنطبق على احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة. ويستند الجدل "الإسرائيلي" على أن الأمر لا يتعلّق بدولة ذات سيادة تم احتلالها، فالضفة الغربية ليست جزءاً من الأردن وقطاع غزة ليس جزءاً من مصر. ولكن المجتمع الدولي رفض هذه المقولة "الإسرائيلية" جملة وتفصيلاً. "راجع قرار مجلس الأمن رقم 237 سنة 1968، وتقرير الخارجية الأمريكية عن وضع حقوق الإنسان للأعوام 1983، 1984".
على كل حال، قسّمت اتفاقيات السلام للمرحلة الانتقالية بين الفلسطينيين والمحتل الموقعة في العام 1995، مسؤولية حفظ النظام والأمن بين السلطة الفلسطينية والمحتل حيث تم تجزئة المناطق المحتلة إلى ثلاثة تصنيفات: مناطق "أ" وتخضع كلياً للسلطة الفلسطينية، مناطق "ب" وتخضع أمنياً للمحتل وإدارياً للسلطة الفلسطينية، ومناطق "ج" وتخضع كلياً للمحتل. "راجع اتفاقية المرحلة الانتقالية حول الضفة الغربية وغزة الموقعة في سنة 1995، القسم الثاني، المواد 10 - 13".
في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، طرحت اللقيطة "إسرائيل" مقولة إنها بعد توقيع اتفاقيات أوسلو لم تعد مسؤولة عن حفظ الأمن أو حقوق الإنسان في المناطق المصنفة "أ" الخاضعة - وفق الاتفاقيات - للسيطرة الفلسطينية. لكن السيطرة "الإسرائيلية" تبدو شبه كاملة حتى على هذه المناطق، وذلك ما صرّح به بوضوح رئيس الوزراء "الإسرائيلي" الإرهابي المجرم آرئيل شارون بأن اللقيطة "إسرائيل" تدخل مناطق "أ" "تقريباً كل يوم". "أنظر مقالة الصحافي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 15/4/2001".
كما أن السلطات "الإسرائيلية" ما زالت تقوم بمصادرة الممتلكات الفلسطينية في المناطق "أ"، التي لا تخضع من ناحية جغرافية – نظرياً - للكبان اللقيط، بل للسيطرة الفلسطينية. وتمثّل قضية عائلة أبو هولي الفلسطينية من قطاع غزة المرفوعة أمام محكمة العدل العليا "الإسرائيلية"، في 19 نيسان 2001، مثالاً حيّاً على عدم شرعية مصادرة الممتلكات الفلسطينية بما فيها الأراضي، وقد حكمت المحكمة بعدم شرعية المصادرة وأوصت بعدم هدم بيت العائلة.
الفلسطينيون الذين يرتكبون جرائم ومخالفات في المناطق "أ" و"ب" تتم محاكمتهم أمام محاكم فلسطينية، وفق ما جاء في اتفاقية المرحلة الانتقالية، أي أن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن ملاحقتهم وجلبهم أمام القضاء. بينما الفلسطينيون الذين يرتكبون جرائم في المناطق المصنفة "ج" وجميع اليهود الذين يرتكبون جرائم في أيّ مكان في المناطق المحتلة تكون اللقيطة "إسرائيل" مسؤولة عن ملاحقتهم ومحاكمتهم حيث تنص المادة 11/ فقرة 4 / د، من اتفاقية المرحلة الانتقالية الموقعة بين الطرفين على أنه:
"تحت أي ظرف من الظروف، لن يتم اعتقال "إسرائيليين" أو وضعهم في الحجز أو السجن من جانب السلطات الفلسطينية بينما تكون اللقيطة المحتلة مسؤولة عن ملاحقة ومحاكمة الفلسطينيين الذين يرتكبون جرائم أو مخالفات في المناطق المصنفة "ج" وجميع المواطنين "الإسرائيليين" الذين يرتكبون أية جرائم أو مخالفات في أيّ مكان، وهذا ما نصّت عليه اتفاقية المرحلة الانتقالية، الملحق 3 المتعلق بالنواحي القانونية، المادة الأولى. لكن هنا يتم الفصل والتمييز في معاملة ومحاكمة الفلسطينيين و"الإسرائيليين" من جانب اللقيطة "إسرائيل". فالفلسطينيون يحاكمون أمام محاكم عسكرية وفق قوانين عسكرية، بينما "الإسرائيليون" يحاكمون أمام محاكم مدنية.
النظام القضائي العسكري في اللقيطة "إسرائيل" يضم قضاة ليسوا محامين، وفي كثير من الأحيان تعقد جلسات محاكمة أمام مثل هؤلاء القضاة الذين لم يمارسوا مهنة المحاماة وليسوا سوى ضباط عسكريين يتم تعيينهم في كثير من الأحيان لمناقشة قضية محددة. وغالباً ما تعقد مثل هذه المحاكمات العسكرية للفلسطينيين وتكون هيئة المحكمة مكوّنة من قاضٍ ذي خلفية قانونية، ومساعدين له ليسوا سوى ضباط من الجيش "الإسرائيلي" المحتل الغاصب. فقد صرّح أحد مساعدي القضاة العسكريين "اسمه عومر بارك" لصحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 18/12/ 2001 أنه:
"يبدو أن العملية جميعها لا تحترم أبداً حق المتهم في الحصول على محاكمة عادلة، فيما المواطنون "الإسرائيليون" يُحاكمون أمام القضاء المدني "الإسرائيلي"".
تقسم المحاكم المدنية في الكيان المحتل إلى ثلاثة أنواع:
أ- المحاكم الابتدائية، وتنظر في القضايا التي تصل أقصى عقوبة فيها إلى 7 سنوات سجن، أو غرامة مالية بمبلغ 30 ألف دولار أمريكي.
ب- المحاكم اللوائية، وتنظر في القضايا التي تصل عقوباتها أكثر من 7 سنوات سجن، أو غرامة أكثر من 30 ألف دولار أمريكي.
ج- المحكمة العليا، وتنظر في قضايا الاستئناف على أحكام صدرت عن المحاكم اللوائية.
تخضع المحاكم المدنية لسلطة وزارة العدل، فيما تخضع المحاكم العسكرية لسلطة من تسمى وزارة الدفاع. والنتيجة، أنه يوجد نظامان قضائيان متباينان يُعمل بهما في الأراضي التي تحتلها اللقيطة "إسرائيل". وقد توصّل عضو الكنيست "الإسرائيلي" الإرهابي أمنون روبنشتاين "ميرتس" وهو رئيس لجنة القضاء والقانون في البرلمان "الإسرائيلي"، إلى هذه الحقيقة في وقتٍ مبكر، حيث قال بتاريخ 2/1/1984 أمام الكنيست الصهيوني:
"في يهودا والسامرة وغزة – الضفة الغربية وقطاع غزة – هناك نظامان قضائيان وهناك نوعان من الناس: هناك مواطنون "إسرائيليون" يتمتعون بحقوق كاملة، وآخرون غير "إسرائيليين" "غير مواطنين" ليست لهم أية حقوق"..
إن وجود هذين النظامين القضائيين المختلفين يُشكّل تمييزاً في معاملة الفلسطينيين سكان المناطق التي تحتلها اللقيطة "إسرائيل"، ففي الضفة الغربية يخضع الفلسطينيون لنظام قضائي محليّ موجود قبل سنة 1967 "و هو مزيج من القوانين الأردنية والبريطانية والعثمانية" بالإضافة للأوامر العسكرية "الإسرائيلية"، وفي قطاع غزة يخضع الفلسطينيون لنظام قضائي محلي "مزيج من القوانين المصرية والبريطانية والعثمانية" بالإضافة للأوامر العسكرية "الإسرائيلية".
نستنتج من ذلك أن الفلسطينيين و"الإسرائيليين" الذين يرتكبون نفس المخالفة أو الجريمة، يحاكمون بطريقة مختلفة وأمام محاكم مختلفة وتصدر بحق كلّ فئة منهم عقوبات مختلفة.
وطالما أن اليهود الذين يرتكبون جرائم قتلٍ يحاكمون في الكيان وفق القضاء المدني "الإسرائيلي"، وهو في الأساس مبني على قوانين بريطانية ثم تأثّرها بالتشريعات الأمريكية فيما يخص المجتمع المدني، فإنهم يحظون برزمة من الحقوق التي يكفلها القانون المدني بينما هذه الحقوق غائبة في القضاء العسكري "الإسرائيلي" الذي يُحاكم الفلسطينيين الذين يرتكبون جرائم قتل مع أنهم يسكنون في نفس المنطقة.
والملفت للنظر أن المواطنين العرب في داخل الكيان والذين يحملون الجنسية "الإسرائيلية"، يحاكمون أحياناً أمام محاكم عسكرية. وقضية المواطن العربي محمد صندوقة المقدّمة أمام المحكمة العليا "الإسرائيلية" بتاريخ 2/12/2000 والتي يطلب فيها أن تصدر المحكمة أمراً بأن يحاكم جميع المواطنين الفلسطينيين وفق القانون المدني "الإسرائيلي"، مثال واضح على ذلك. التباين في المعاملة وعدم المساواة واضحان في كلّ مرحلة من العملية القضائية في "إسرائيل". بل وأكثر من ذلك، هناك تمييز في المعاملة ضد الفلسطينيين في كلّ المؤسسات "الإسرائيلية" التي تقدّم خدمات اجتماعية واقتصادية.
يمكن رؤية ذلك التمييز القضائي جليّاً في فترة توقيف المتهم قبل المحاكمة، وحق المتهم في توكيل ومقابلة محاميه، ووجود الدفاع في المحكمة، والعقوبة القصوى التي تقع عليه، والإفراج بكفالة قبل توقيع العقوبة... كل هذه نقاط تختلف في كلٍّ من النظامين القضائيين المعمول بهما، حيث إن القضاء المدني يمنح حقوقاً وضمانات أكثر لمن سمّيوا بالمواطنين "الإسرائيليين" .
منقـول ...
تعليق