وقف الخصومة القضائية
10/27/2010عبدالرضا بن حيدر بن عبدالرضا اللواتي
من المعروف أن الوضع الطبيعي للدعوى، وبمجرد قبول رفعها من قبل المدعي فإنّ القاضي ملزم بالسير فيها حتى ختام المرافعة وصدور الحكم. ومع هذا فإنّه قد تحدث أثناء نظر الدعوى من أن القاضي يؤجل حسم النظر فيها إلى إشعار آخر، قد تحددها المحكمة أو يكون بقرار من القاضي والذي يكون فيه تأخير ظهور الحكم لحين التأكد من جميع الأمور الضرورية في الدعوى، مثل الطلبات والدفوع، وقد تكون وقف الخصومة من خلال الاتفاق بين الخصوم عليها. فالمعروف أن الدعوى تنتهي بنهاية طبيعية، وينتهي معه دور الخصوم ولكن في بعض الأحيان قد ينعكس الأمر، ولا تنتهي الخصومة بالشكل المطلوب، فوقف الخصومة تحدث نتيجة ظروف خارجية لا علاقة لها بالخصوم، حيث تكون بإرادة خارجية عن إرادتهم، وانقطاع الخصومة يحدث نتيجة تأثير ما على أحد أطراف الخصومة كوفاة أحد أطراف النزاع على سبيل المثال، ويؤدي بالتالي إلى انقطاع الخصومة وتتوقف احتراما لمبدأ المواجهة وحقوق الدفاع، وبعدها تعود الخصومة بمجرد الحصول على بديل يحل محل الشخص المتوفى من المثال السابق وبمجرد دخوله الدعوى تعود الخصومة مرة أخرى.. ولا ننسى أن وقف الخصومة وانقطاعها يترتب عليه نتيجة واحدة وهي وقف الخصومة لمدة من الزمن والعودة إليها بعد مرور فترة محددة من الزمن.
لمـــحة لغوية:
أولاً: العوارض لغة: وهي جمع عارض وهو العرض الذي يخالف الطول. فقد تعددت آراء فقهاء اللغة العربية في وضع معنى كلمة العوارض فمنهم من قال (عَرَضَ المتاع، يَعرضه‘ عَرضاً) ومنهم من قال عَرْض الجُند، ومنهم من قال العارض هو السحاب الذي يعترض في أفق السماء، وفي التنزيل العزيز قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )... وكان رأي الأغلبية هو أن العارض هي الآفة التي تعترض الشيء.
ثـانيـاً: الخصومة لغة: هي الجدل والخصوم جمع خصم. وفي التنزيل العزيز قال تعالى: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب).
ما هية وقف الخصـــومة: الخصومة هي مجموعة من الإجراءات التي تبدأ من وقت إيداع صحيفة الدعوى لأمانة سر المحكمة إلى حين الحكم في موضوعها، وعوارض الخصومة هي كل ما يعرض للخصومة أثناء سيرها من وقائع تؤدي إلى وقفها لمدة من الزمن أو انقضائها وزوالها بغير أن يحكم القضاء في موضوعها. وهي بالتالي تختلف عن حالة انقطاع الخصومة. وسبب التفرقة بين حالتي الوقف والانقطاع تعود إلى رغبة المشرع في التمييز بين أسباب وقف الخصومة كنتيجة لعوامل لا تمس المركز الشخصي للخصوم أو ممثليهم. وفي الحقيقة وقف الخصومة يكون بثلاث طرق وهي:
1- وقف الخصومة بنص من القانون.
2- وقف الخصومة بحكم المحكمة.
3- وقف الخصومة عن طريق اتفاق الخصوم.
أولا: وقف الخصومة بسبب نص من القانون:
وهو الوقف الذي يكون سببه نص صريح من القانون، وبالتالي تتوقف الخصومة بسبب لا دخل له للأطراف "في غير الأحوال التي ينص فيها القانون على وقف الدعوى وجوبا أو جوازا يكون للمحكمة أن تأمر بوقف الدعوى كلما رأت تعليق الحكم في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم وبمجر زوال سبب الوقف يكون لأي من الخصوم طلب تحديد جلسة لمواصلة السير في الدعوى". وذلك طبقا للمادة 128 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية وهنا نلاحظ نصا صريحا من قبل القانون العماني.
ومثال على ذلك ما نصت عليه المواد التالية:
1- المادة 155 من قانون الإجراءات الجزائية العماني: إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائيا في الدعوى العمومية المقامة قبل رفعها أو أثناء السير فيها على أنه إذا أوقف الفصل في الدعوى العمومية لجنون المتهم يفصل في الدعوى المدنية.
2- المادة 175 من قانون الإجراءات الجزائية العماني: إذا تبين للمحكمة من التحقيق ما يستدعي تعديل وصف التهمة وتطبيق مادة أخرى غير الواردة في قرار الإحالة، أو تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة، فعليها أن تنبه المتهم إلى ذلك وتجري جميع إجراءات التحقيق التي يستدعيها هذا التعديل وللمتهم أن يطلب تأجيل نظر الدعوى لإعداد دفاعه بناء على الوصف أو التعديل الجديد وعلى المحكمة أن تجيبه إلى طلبه . وللمحكمة تصحيح أي خطأ مادي في قرار الإحالة أو أمر التكليف بالحضور.
ثانيا: وقف الخصومة بحكم المحكمة:
ويكون ذلك من خلال سلطة القاضي التقديرية والتي يرى فيها الصلاحية في الحكم بالوقف أو عدمه، وإذا ما تم الوقف فتكون الخصومة موقوفة من تاريخ الحكم بوقفها، ويكون الوقف عن طريق المحكمة بأسباب وهي الوقف الجزائي وا لوقف للفصل في مسألة أولية والوقف الاتفاقي.
1- الوقف الجزائي: وهي أحد الأسباب التي تؤدي إلى وقف الخصومة، وذلك جزاءً على إهمال المدعي عن إجراء من إجراءات الدعوى، أو لأنه أهمل القيام بعمل ما أمرته المحكمة القيام به، وبالتالي عند تخلف المدعي عن القيام بما أمرته به المحكمة، كتخلفه عن إيداع مستنداته المهمة التي تخص الدعوى، فإنّ المحكمة هنا تمتلك السلطة التقديرية المناسبة لحمل الخصوم على تنفيذ أوامرها وحتى تتمكن المحكمة من سرعة الفصل فيها "يجوز للمحكمة بدلا من الحكم بالغرامة على المدعي أن تحكم بوقف الدعوى لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بعد سماع أقوال المدعي عليه..." م 101 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
2- الوقف للفصل في مسألة أولية: حيث ترى المحكمة وقف الدعوى بنظرة تقديرية وذلك عن طريق تعليق الدعوى المنظورة في المحكمة، وذلك لوجود مسألة أولية تخرج عن اختصاص المحكمة التي ترى الدعوى الحالية وهي بالتالي تخرج عن اختصاصها الولائي أو النوعي أو القيمي. والأمثلة كثيرة بهذا الخصوص كالدفع بعدم دستورية نص قانوني أو قرار لائحي. أو إذا رفعت دعوى عن موضوع أمام عدة محاكم وبالتالي تتوقف الدعوى الأصلية حتى حين الفصل فيها.
ثالثا: وقف الخصومة عن طريق اتفاق الخصوم:
حيث أجاز المشرع للخصوم الاتفاق على وقف الخصومة التي تكون قضائية لمدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ إقرار المحكمة لاتفاقهم وذلك طبقا للمادة رقم 127 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني. ونظرة المشرع لهذه المدة الطويلة لها عدة أسباب منها قد يرغب أطراف الدعوى بحل نزاعهم عن طريق الصلح أو لإجراء مفاوضات لإنهاء الدعوى بشكل ودي مهما كانت الأسباب، وبالتالي أرى أنه من الطبيعي أن لا تقف المحكمة حائلا في هذه الحالة ولكن في نفس الوقت فإن المدة المعطاة فالواقع أكثر من المدة اللازمة، حيث إنّ الخصوم قد يستهينوا بالمحاكم ويتخذوا من هذا الوقف سبيلا للتهرب والتلاعب وبالتالي يكون هناك ضياع لوقت المحاكم ووقت القضاة في قضايا مثل هذه، وقد تزداد أوراق الدعاوى في المحاكم.
وهناك عدة شروط لتحقق قبول هذا الوقف:
1- اتفاق جميع أطراف الدعوى على طلب وقف الخصومة واستمرار هذا الاتفاق طيلة المرافعة.
2- أن لا تتجاوز مدة الوقف ستة أشهر وهو نص قانوني وشرط جوهري لتحقق الوقف وذلك منذ تاريخ اقرار المحكمة بوقف الخصومة والحكمة من ذلك.
3- إقرار المحكمة لاتفاق الخصوم وذلك حتى تتأكد من معرفة مدى توافر شروط طلب الوقف ومدته، حيث إنّ المحكمة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة بهذا الخصوص.بما أن وقف الخصومة هو عدم السير فيها إذا ما طرأ عليها أثناء نظرها بسبب من أسباب الوقف فقد لا يؤثر الوقف في قيامها، فالخصومة رغم الوقف تعتبر قائمة أمام القضاء، ويبقى صحيحا كل ما تم فيها من إجراء قبل الوقف فيها. أما أثناء مدة الوقف فلا يجوز اتخاذ أي إجراء فيها وإلا كان باطلا. فإذا كان الميعاد يبدأ قبل الوقف فيظل هكذا وإن كان قد بدأ فيتوقف سريانه طوال فترة الوقف ولكن في حال اتفاق الخصوم على الوقف، فإنه لا يكون على سريان أي ميعاد حتمي يكون القانون قد حدده.
http://www.shabiba.com/innerpage.asp?detail=63475
تعليق