من المعلوم أنه هناك ثلاثة مصادر أساسية للشريعة الإسلامية وهي: القرآن الكريم , والسنة المطهرة, والاجتهاد, وهذه المصادر الثلاثة هي مصادر (شريعة الحرب في الإسلام ) التي ساهمت في تكوين ما يسمى اليوم (القانون الدولي الإنساني) : فالقرآن الكريم مثلاً نص على كثير من القواعد التي تعلق بمعاملة أبناء الشعوب الأخرى في السلم والحرب فكان ذلك بمثابة "الدستور" , وجاء الحديث الشريف مفسراً ومكملاً لما ورد في القرآن فكان ذلك بمثابة "القواعد القانونية" ثم جاء الاجتهاد الفقهي – ومنه وصايا الخلفاء الراشدين – فشكل ما يمكن تسميته (آداب الحرب عند العرب المسلمين).
ويمكننا أن نقسم القانون الدولي الإنساني في الإسلام – إذا جازت التسمية _ إلى أربعة جوانب:
1) حالات مشروعية الحرب في الإسلام
2) أسلوب إعلان الحرب في الإسلام
3) سلوك المجاهدين السلمين في الحرب
4) أحكام معاملة الأسرى والغنائم في الإسلام.
ومن الطبيعي أنه يستحيل علينا, في كلمة مثل هذه, أن نوفى هذه الجوانب الأربعة جميعها حقها من البحث, لذا سنكتفي بمعالجة الجانب الثالث منها, أي سلوك المحاربين المسلمين, وباختصار شديد, ونحيل من يرغب بالتوسع في هذا إلى كتابين سبق لنا إصدارهما في هذا المجال وهما (الإسلام والقانون الدولي) , و(أحكام الحرب والسلام في دولة الإسلام) .
سلوك المجاهدين المسلمين في الحرب: إن القواعد التي كان المجاهدون المسلمون يتقيدون بها في حروبه ضد أبناء الشعوب والأمم الأخرى لم تكن مجرد مبادئ أخلاقية عامة, أو وصايا تلقوها عن قادتهم وأمرائهم, وإنما كانت واجبات شرعية منصوص عليها غالباً في القرآن والسنة ويعاقب مخالفوها ليس من قبل رؤسائهم فقط, وإنما يتعرضون للعقاب في الحياة الأخرى لأنهم خالفوا نصوصاً شرعية قطعية واردة في القرآن أو السنة أو في كليهما معاً.
وأهم القواعد الشرعية التي كانت تحكم سلوك المجاهدين المسلمين في هذا المجال هي التالية:
1) قصر الحرب على رجال العدو والمحاربين فقط : حيث يروى عن الرسول (ص) أنه قال موصياً زيداً بن حارثة لما أنفذه إلى مؤتة: "لا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً ولا فانيا ولا منعزلاً بصومعة" .
كما أوصى الرسول بعدم استخدام الجرحى في الحروب: "لا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه", وكذلك بعدم التعرض بالأذى لعمالة الزراعة والأطفال وذلك بقوله: "لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً" , علماً بأن الذرية هم الأولاد, والعسيف هو العامل الذي يفلح الأرض ويزرعها. وأما بالنسبة للنساء فقد أمر الرسول بعدم التعرض لهن إلا إذا حملن السلاح في وجه المسلمين, حيث أن الرسول عندما رأى جثة لامرأة قتيل من المشركين قال لائماً من قتلها أو أذن بقتلها: " ما كانت هذه لتقاتل".
2) خوض المعارك بروح إنسانية: حيث لا يجوز القتل إلا لسبب شرعي كما هو ثابت من نص الآية الكرمية " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون" . ويجب أن يكون القتل الشرعي ضمن أفضل الطرق وأكثرها إنسانية نزولا عند حكم الحديث الشريف" " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة", وعلى هذا يمنع التعذيب حتماً : " أنا نبي الملحمة وأنا نبي المرحمة", وكذلك التمثيل بالجثث وذلك احتراماً لقدسية الميت وإنسانية الإنسان حيث يروى عن الرسول (ص) أنه قال :" إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
والمعتقد أيضاً في رأي أغلبية الفقهاء أن إحراق الجثث بالنار أمر يتنافى مع الإسلام, لأنه تقليد من تقاليد الوثنية, ولا يستثنى من ذلك إلا الحالة التي تستوجب المصلحة العامة هذا العمل, كما في حالة الخوف من تفشي مرض الطاعون مثلاً. وعموماً يجب احترام إنسانية الإنسان وكرامته تنفيذاً لنص الآية : "ولقد كرمنا بني آدم ..." حيث يقول الإمام الفخر الرازي في شرح هذه الآية : "النفس الإنسانية أشرف النفوس في هذا العالم, والبدن الإنساني اشرف الأجسام في هذا العالم" .
3) منع النهب الذي كان يسود حروب الجاهلية " نهي الرسول (ص) عن النهبة أيضاً, حيث روي عن رجل من الأنصار أنه قال : "خرجنا مع رسول الله في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد, فأصابوا غنماً فانتهبوها, فإن قدورنا لتلغي إذ جاء رسول الله يمشي فأكفأ – أي قلب – القدور بقوسـه, ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ويقول " إن النهبة ليست بأحل من الميتة" . ويجب أن نميز هنا بين "النهب" و"الغنائم" , إذ أن الأخيرة مشروعة ومحللة حسب نص قرآني.
ومن الجدير بالذكر أن القانون الدولي الإنساني لا زال يجيز حتى الآن الاستيلاء على الغنائم الحربية (Butin de guerre).
4) منع الخيانة والغدر: حتى في حالة الشك بسوء نية العدو, فقد ورد في الآية الكريمة: " وإما تخافُن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين" .
وفي مجال الحديث النبوي نجد وصية للرسول تمنع الخيانة والغدر حيث يقول:" سيروا باسم الله في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله. لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً".
5) منع التدمير وإتلاف الأموال: كما أن القانون الدولي الإنساني المعاصر يمنع ما يسمى (التدمير المنهجي) تمنع شريعة الحرب في الإسلام مثل هذا التدمير أيضاً. ولذلك يمنع في الإسلام قطع الأشجار المثمرة , وإحراق النخيل وذبح شياه العدو وبقره وبعيره, إلا إذا كان ذلك مراعاة لضرورة حربية لإضعاف العدو وانتزاع الظفر به وذلك استناداً لرأي الإمام الأوزاعي رحمه الله.
6) إعطاء الأمان لمن يطلبه : إذا كانت الحروب الأوروبية لم تعرف حتى أوائل القرن العشرين وجوب احترام (طلب الأمان) الذي يمكن أن يطلبه بعض جند العدو , بحيث اضطر المتفاوضون في لاهاي عام 1899 لتضمين (لائحة الحرب البرية) نصاً يشجب لجوء قادة الجيوش المتحاربة للإعلان عن عدم قبول طلب الأمان, فإن الإسلام اعترف بهذا الحق وطبقه منذ ظهوره وذلك عملا بنص الآية الكريمة : " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه, ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" .
7) الانقطاع عن القتال إذا انقطع عنه العدو: إن الحرب في نظر الإسلام ليست غاية في حد ذاتها, وإنما هي سبيل لإحقاق الحق وإزهاق الباطل, ولذا يجب عدم الإصرار على مواصلة القتال إذا انقطع العدو عنه, وهذا نزولا عند حكم الآية الكريمة: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم" .
ولكن فقهاء المسلمين أجازوا للأمير قتال جند العدو سواء كانوا مقبلين أم مدبرين حيث من الجائز أن يتظاهر العدو بالانسحاب كجزء من خطة عسكرية, وليس تسليماً منه وطلباً للصلح. كما أن الاستجابة للصلح مشروطة بإزالة العدو للأسباب التي دعت للحرب أصلاً, أو باستعداد لإزالتها على الأقل, وإلا أصبحت الاستجابة لطلب الصلح خضوعاً لإرادة العدو واعترافاً بالأمر الواقع.
وبعد, فهذه هي أهم القواعد التي تحكم سلوك المجاهدين المسلمين في الحرب التي يمكن أن يشنوها ضد العدو . وهذا يبين بشكل ليس فيه مساهمة الإسلام في نشوء القانون الدولي الإنساني. ويعترف بذلك صراحة كثير من الكتاب والمفكرين والفقهاء المعاصرين من الأوروبيين وغيرهم.
مع خالص شكري
ابو الطيب
ويمكننا أن نقسم القانون الدولي الإنساني في الإسلام – إذا جازت التسمية _ إلى أربعة جوانب:
1) حالات مشروعية الحرب في الإسلام
2) أسلوب إعلان الحرب في الإسلام
3) سلوك المجاهدين السلمين في الحرب
4) أحكام معاملة الأسرى والغنائم في الإسلام.
ومن الطبيعي أنه يستحيل علينا, في كلمة مثل هذه, أن نوفى هذه الجوانب الأربعة جميعها حقها من البحث, لذا سنكتفي بمعالجة الجانب الثالث منها, أي سلوك المحاربين المسلمين, وباختصار شديد, ونحيل من يرغب بالتوسع في هذا إلى كتابين سبق لنا إصدارهما في هذا المجال وهما (الإسلام والقانون الدولي) , و(أحكام الحرب والسلام في دولة الإسلام) .
سلوك المجاهدين المسلمين في الحرب: إن القواعد التي كان المجاهدون المسلمون يتقيدون بها في حروبه ضد أبناء الشعوب والأمم الأخرى لم تكن مجرد مبادئ أخلاقية عامة, أو وصايا تلقوها عن قادتهم وأمرائهم, وإنما كانت واجبات شرعية منصوص عليها غالباً في القرآن والسنة ويعاقب مخالفوها ليس من قبل رؤسائهم فقط, وإنما يتعرضون للعقاب في الحياة الأخرى لأنهم خالفوا نصوصاً شرعية قطعية واردة في القرآن أو السنة أو في كليهما معاً.
وأهم القواعد الشرعية التي كانت تحكم سلوك المجاهدين المسلمين في هذا المجال هي التالية:
1) قصر الحرب على رجال العدو والمحاربين فقط : حيث يروى عن الرسول (ص) أنه قال موصياً زيداً بن حارثة لما أنفذه إلى مؤتة: "لا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً ولا فانيا ولا منعزلاً بصومعة" .
كما أوصى الرسول بعدم استخدام الجرحى في الحروب: "لا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه", وكذلك بعدم التعرض بالأذى لعمالة الزراعة والأطفال وذلك بقوله: "لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً" , علماً بأن الذرية هم الأولاد, والعسيف هو العامل الذي يفلح الأرض ويزرعها. وأما بالنسبة للنساء فقد أمر الرسول بعدم التعرض لهن إلا إذا حملن السلاح في وجه المسلمين, حيث أن الرسول عندما رأى جثة لامرأة قتيل من المشركين قال لائماً من قتلها أو أذن بقتلها: " ما كانت هذه لتقاتل".
2) خوض المعارك بروح إنسانية: حيث لا يجوز القتل إلا لسبب شرعي كما هو ثابت من نص الآية الكرمية " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون" . ويجب أن يكون القتل الشرعي ضمن أفضل الطرق وأكثرها إنسانية نزولا عند حكم الحديث الشريف" " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة", وعلى هذا يمنع التعذيب حتماً : " أنا نبي الملحمة وأنا نبي المرحمة", وكذلك التمثيل بالجثث وذلك احتراماً لقدسية الميت وإنسانية الإنسان حيث يروى عن الرسول (ص) أنه قال :" إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
والمعتقد أيضاً في رأي أغلبية الفقهاء أن إحراق الجثث بالنار أمر يتنافى مع الإسلام, لأنه تقليد من تقاليد الوثنية, ولا يستثنى من ذلك إلا الحالة التي تستوجب المصلحة العامة هذا العمل, كما في حالة الخوف من تفشي مرض الطاعون مثلاً. وعموماً يجب احترام إنسانية الإنسان وكرامته تنفيذاً لنص الآية : "ولقد كرمنا بني آدم ..." حيث يقول الإمام الفخر الرازي في شرح هذه الآية : "النفس الإنسانية أشرف النفوس في هذا العالم, والبدن الإنساني اشرف الأجسام في هذا العالم" .
3) منع النهب الذي كان يسود حروب الجاهلية " نهي الرسول (ص) عن النهبة أيضاً, حيث روي عن رجل من الأنصار أنه قال : "خرجنا مع رسول الله في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد, فأصابوا غنماً فانتهبوها, فإن قدورنا لتلغي إذ جاء رسول الله يمشي فأكفأ – أي قلب – القدور بقوسـه, ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ويقول " إن النهبة ليست بأحل من الميتة" . ويجب أن نميز هنا بين "النهب" و"الغنائم" , إذ أن الأخيرة مشروعة ومحللة حسب نص قرآني.
ومن الجدير بالذكر أن القانون الدولي الإنساني لا زال يجيز حتى الآن الاستيلاء على الغنائم الحربية (Butin de guerre).
4) منع الخيانة والغدر: حتى في حالة الشك بسوء نية العدو, فقد ورد في الآية الكريمة: " وإما تخافُن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين" .
وفي مجال الحديث النبوي نجد وصية للرسول تمنع الخيانة والغدر حيث يقول:" سيروا باسم الله في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله. لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً".
5) منع التدمير وإتلاف الأموال: كما أن القانون الدولي الإنساني المعاصر يمنع ما يسمى (التدمير المنهجي) تمنع شريعة الحرب في الإسلام مثل هذا التدمير أيضاً. ولذلك يمنع في الإسلام قطع الأشجار المثمرة , وإحراق النخيل وذبح شياه العدو وبقره وبعيره, إلا إذا كان ذلك مراعاة لضرورة حربية لإضعاف العدو وانتزاع الظفر به وذلك استناداً لرأي الإمام الأوزاعي رحمه الله.
6) إعطاء الأمان لمن يطلبه : إذا كانت الحروب الأوروبية لم تعرف حتى أوائل القرن العشرين وجوب احترام (طلب الأمان) الذي يمكن أن يطلبه بعض جند العدو , بحيث اضطر المتفاوضون في لاهاي عام 1899 لتضمين (لائحة الحرب البرية) نصاً يشجب لجوء قادة الجيوش المتحاربة للإعلان عن عدم قبول طلب الأمان, فإن الإسلام اعترف بهذا الحق وطبقه منذ ظهوره وذلك عملا بنص الآية الكريمة : " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه, ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" .
7) الانقطاع عن القتال إذا انقطع عنه العدو: إن الحرب في نظر الإسلام ليست غاية في حد ذاتها, وإنما هي سبيل لإحقاق الحق وإزهاق الباطل, ولذا يجب عدم الإصرار على مواصلة القتال إذا انقطع العدو عنه, وهذا نزولا عند حكم الآية الكريمة: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم" .
ولكن فقهاء المسلمين أجازوا للأمير قتال جند العدو سواء كانوا مقبلين أم مدبرين حيث من الجائز أن يتظاهر العدو بالانسحاب كجزء من خطة عسكرية, وليس تسليماً منه وطلباً للصلح. كما أن الاستجابة للصلح مشروطة بإزالة العدو للأسباب التي دعت للحرب أصلاً, أو باستعداد لإزالتها على الأقل, وإلا أصبحت الاستجابة لطلب الصلح خضوعاً لإرادة العدو واعترافاً بالأمر الواقع.
وبعد, فهذه هي أهم القواعد التي تحكم سلوك المجاهدين المسلمين في الحرب التي يمكن أن يشنوها ضد العدو . وهذا يبين بشكل ليس فيه مساهمة الإسلام في نشوء القانون الدولي الإنساني. ويعترف بذلك صراحة كثير من الكتاب والمفكرين والفقهاء المعاصرين من الأوروبيين وغيرهم.
مع خالص شكري
ابو الطيب
تعليق