الشرائع والقوانين
اشتهرت بلاد الرافدين بما عثر فيها من قوانين تعتبر من أقدم ما عرف حتى الآن ، وشرائع العراق القديم أولى جهود البشر في تنظيم الحياة الاجتماعية وفق قواعد وأصول معينة وكانوا يعدون الآلهة مصدرا لهذه الشرائع ، ونلاحظ الامتزاج بين العناصر السومرية والسامية وهو ما يميز حضارة بلاد الرافدين ومن الصعب الفصل بين العناصر التي خلفها السومريون عن العناصر السامية الأصل ونجد أيضا الملامح البدوية في تشريعات وعادات معينة 0
مصدر القوانين الهي وأن الملوك حين أصدروها فإنها بوحي من الإله جعل القواعد تتصف بالثبات والاستقرار واكتسبت فيما بعد صفة الإلزام في تنظيم العلاقات الاجتماعية 0
وتنقسم مصادر المعلومات عن الشرائع والقوانين في العراق القديم إلى مصدرين
المصدر الأول الشرائع المدونة منذ العهد السومري وحتى العهد الآشوري ومعظم هذه الشرائع غير كامل ومن أتمها شرائع حمورابي .
المصدر الثاني الوثائق القانونية وهي عبارة عن آلاف من الرقم الطينية سجل عليها الكثير من أنواع العقود مثل (الزواج والطلاق والتبني والميراث وقرارات المحاكم ) ومن أمثلة الوثائق القانونية محاكمة خاصة بجريمة قتل على لوح طيني عثرت عليه عام (1950) ، وتعتبر الوثائق القانونية مكملة للقوانين المدونة في حالة وجود قوانين مدونة من حيث كيفية تطبيق المواد القانونية 0
ومن مصادر المعلومات أيضا بعض الدروس المدرسية وهي نصوص وضعت لتدريس وتدريب التلاميذ في الكتابة واللغة خاصة اللغة السومرية ، ومن هذه المصادر أيضا الأوامر الملكية الخاصة بتطبيق القوانين وكان يصدرها الملوك 0
واعتمد الباحثون في دراستهم للقوانين والشرائع العراقية على الأحكام الصادرة من المحاكم 0
ومن أوائل التشريعات القانونية التي وصلتنا تشريعات (( أوركاجينا)) أحد ملوك أسرة لجش ويعتبر من أوائل المشرعين في تاريخ البشر ويتضح من الإصلاحات التي اتخذها أوركاجينا وجود بعض التشريعات القانونية المتصلة بالنواحي الإدارية مثل العفو عن المساجين لعدم دفعهم الضرائب وخفف عن أصحاب المراكب عبودية العمل في مراكبهم وقد وضع أيضا قانونا لمنع الغبن والظلم عن الفقراء وقد منع الأغنياء من شراء منازل تجاور أملاكهم إلا بموافقة أصحابها 0
وكذلك وصلتنا من العهد الآكدي نماذج من متنوعة من الوثائق القانونية متصلة بالنواحي الإدارية وظهر في هذا العهد القضاة المدنيون وكانوا ذوي مكانة عالية بالدولة 0
قانون (( أورنمو ))
في عام (1952) تمكن عالم السومريات صمويل نوح كريمر من التعرف على لوح مسماري محفوظ في متحف في تركيا يحتوي على أجزاء من قوانين تنسب للملك (أور- نمو) وقد عثر عليها في نيبور بالعراق ، واستطاع العالم ( كورفي ) أن يتعرف على كسرتين لرقيم طين من أور يحوي أجزاء من أخرى من القوانين ، واستطاع العالم (فنكل شتاين) معرفة مجموعة من الكسر احتوت نصوص قوانين (أورنمو) 0
وقد أشار (أور- نمو) في مقدمة قانونه بعض إصلاحاته وخاصة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية واهتم بتثبيت المكاييل والأوزان ويتألف قانونه من (31) مادة قانونية ، وقد اهتم في قانونه بالمرأة وشؤون الأسرة وكذلك استظهار نية الشاهد قبل حضوره المحكمة قضية قانونية ووجود نظام التجربة أو الامتحان ويقوم هذا النظام على امتحان المتهم عن طريق إحضاره إلى مكان مقدس يعتقدون تدخل القوى الإلهية فيه ، وقد أخذت قوانين (أور- نمو) بمبدأ التعويض وليس القصاص 0
قانون مملكة أشنونا0 (1934- 1924) ق 0 م
ينسب هذا القانون إلى الملك (لبت عشتار) خامس ملوك أسرة أيسين وسجل باللغة السومرية وهذا القانون مسجل على كسر من ألواح الطين ومواد القانون مسجلة على كسر (7) ألواح وجد على (6) ألواح في نيبور ومحفوظة في متحف الجامعة بلندن أما القطعة السابعة مصدرها غير معروف وتوجد حاليا في متحف اللوفر في باريس0
ثم قام فرانسيس د0 ستيل مواد هذا القانون عام 1948 وأعاد نشرها بعد ذلك صمويل نوح كريمر ويتكون قانون ( لبت عشتار) من ثلاثة أجزاء رئيسية : مقدمة ، ونصوص قانونية وخاتمة وذكر في المقدمة أن الآلهة قد منحته حكم بلاد سومر وآكد ليوطد الأمن والرخاء لأهلها أما النصوص القانونية فهي معضمها تالفة واستعاد العلماء (38) بندا من البنود وتعالج شؤون الأراضي الزراعية والحدائق والعبيد 0
وقررت مواد القانون التعويض مثل تعويض من هرب عبده أو أمة إلى شخص آخر بعبد مثله أو أمة مثلها ونستدل من هذا القانون على مبدأ الثقة ، فإذا أهدى والد لولده أثناء حياته هدية فلا يحق للورثة بعد وفاة الأب احتساب هذه الهدية ضمن ممتلكات الورث ولا يحق لهم مشاركته في الهدية وانما يحق لهم اقتسام ما تبقى من الميراث 0
قانون حمورابي 1728-1686) ق 0 م
يعتبر قانون حمورابي الاكتشاف الأكبر في القانون في العراق القديم وقد عثرت عليه بعثة فرنسية برئاسة دي مورجان عام 1901/1902م في مدينة سوسة ، وتتكون المسلة من(44) حقلا من الكتابة المسمارية وقد خضعت مسلة قوانين حمورابي لكثير من الترجمة ، ويبلغ ارتفاع المسلة (8) أقدام وعرضها ( قدمين) ونقش عليها صورة اله الشمس وهو على عرشه وفي حضرته حمورابي 0
وتتألف شريعة حمورابي من ثلاثة أقسام رئيسية / المقدمة / والمواد القانونية / ثم الخاتمة وقد أشار في المقدمة إلى ألقابه وأعماله وأن ربه مردوك أمره بأن يرشد الناس إلى الطريق المستقيم وأن يحق الحق والعدالة 0
وبعد المقدمة تأتي المواد القانونية في (282) وقد تناولت هذه المواد أمور القضاء والأمن وحقوق المحاربين وعقود الزراعة ، وقد تضمنت أحكاما يتقبلها المنطق وأخرى يصعب قبولها ، ويرى الباحثين في ترتيب بنود هذا التشريع ما يسمع بتقسيم البنود إلى ثلاث مجموعات / المجموعة الأولى تتضمن مواد (1-5) وتتعلق بأمور القضاء والمجموع الثانية تتألف من البنود(6-126) وتتضمن قانون الأموال والمجموعة الثالثة من البنود ( 127- 282) وتتضمن قوانين الأسرة غير أن هذا التشريع يصعب تتبعه حرفيا في بنود التشريع 0
ويلاحظ أن قانون حمورابي كان قاسيا في توزيع العقوبات على كل من يخرج على العرف السائد أو يقترف إثما ، مثلا عقوبة الإعدام كانت في هتك العرض وخطف الأطفال وقطع الطريق على القوافل والمرأة التي تتسبب في قتل زوجها ، أما مشاكل الوراثة نجد أن القانون يخص أبناء الرجل بتركته دون زوجته وإذا مات الرجل فقد كان من حق الزوجة مهرها وفي هدية العرس 0نجد أن قانون حمورابي لم يعترف للفرد بأية حقوق قبل الدولة
وكان المجتمع البابلي في قانون حمورابي مقسما إلى ثلاث طبقات:
الطبقة العليا ويسمى (أويل) وهم الأشراف ويتمتعون بحرية كاملة وجميع الحقوق الرعوية .
الطبقة الثانية تتكون من مواطنين يسمى ( مشكين ) كانوا أحرارا ولكنهم يخضعون لقوانين معينة خاصة في تحويل الملكية المنقولة والطبقة الثالثة وهي طبقة العبيد وسموا ( ورد ) 0
وتظهر التفرقة بين المواطنين في قانون حمورابي فالناس فيه غير متساوين بحكم القانون والعقوبة تختلف طبقا للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الذي وقع منه الجرم غير أن في مصر الفرعونية كان الناس يعاملون على قدم المساواة على عكس العراق 0
ونجد أن قوانين حمورابي تضمن أحكاما يتقبلها المنطق في كل عصر مثلا اتهم مواطن شخص آخر من المواطنين بجريمة يعاقب عليها بالإعدام ولم يستطع أن يثبتها عليه يقتل بدلا عنه ، وإذا سرق مواطن ولم يتمكن من القبض على السارق واعادة المسروقات فيتم تعويضه من قبل مدينته وحاكم إقليمه ، وكذلك إذا استشهد محارب تحولت أملاكه إلى ولده فإذا كان صغيرا تولت أمه إدارتها نيابة عنه 0
وأحاطت تشريعات حمورابي أفراد الأسرة وتقاليدها بضمانات حيث زادت على ما نصت عليه تشريعات ( ايسين ) في حقوق الزوجة ، وفي مقابل ضمانات الزوجة فقد ألزمت الزوجة بواجبات زوجها وبيتها وإذا شكاها زوجها لإهمالها بواجباتها الزوجية حرموها من بائنتها وسمحوا لزوجها بأن يتزوج عليها وأن يبقيها في بيتها ان شاء ويلزمها بخدمته 0
ونظمت التشريعات أمور التبني فسمحت للرجل أن يتبنى ولدا له ، وحرمت استرجاع المتبني إذا تبناه صانع وعلمه صنعته وتم السماح للمتبني للرجوع إلى أبويه إذا عرفهم ولم يعترف متبنيه ولدا له ، واهتمت التشريعات بأمور المعاملات التجارية وتوسعت عما تضمنه تشريع أشنون وأيسين عن أجور العمال الزراعيين وشروط المشاركة في الزراعة والتجارة 0
كانت هذه أهم النواحي الطيبة في تشريعات حمورابي ، أما ما يعاب عليها فهو اعترافها بالتفاوت في الحقوق والعقوبات بين الطبقات على الرغم من استحداث مبدأ العين بالعين والسن بالسن والولد بالولد إلا إنها اقتصرت تطبيقه على أفراد الطبقة الواحدة ولمصلحة الطبقة العليا حيث قضت بالتعويض المادي على الطبقة العليا إذا اعتدى أحد من الطبقة العليا على شخص من طبقة أقل منزلة من طبقته بتعويض 0
وكانت تشريعات حمورابي قاسية في مواجهة الاعتداءات على النفس والمال ومصالح الدولة ومن المحتمل إن تكون تلك التشريعات لمجرد التخويف ومنع الجريمة قبل وقوعها 0
القوانين الآشورية
هذه القوانين مجموعة مواد تعود إلى قانون كامل ونقسم هذه النماذج من حيث زمنها إلى مجموعتين المجموعة الأولى من (59) مادة وتسمى بالقوانين الآشورية القديمة وقد رأى الباحثين أنها لم تكن خاصة ببلاد أشور وانما تعود مستعمرة آشورية في آسيا الصغرى هي ( كول تبه ) وقد ظل الآشوريون في هذه المنطقة مرتبطين بموطنهم الأصلي من الوجهة الثقافية فقد استعملوا طريقة التقويم الآشوري والطريقة العشرية واستعملوا الموازين والمكاييـل الآشورية 0
أما المجموعة الثانية وتعرف باسم القوانين المتوسطة ومدونه في مجموعة ألواح من الطين وتاريخها بين (1450 – 1250ق 0 م) وتشبه لغة القوانين الآشورية المتوسطة لغة السجلات الملكية التاريخية وأن أحكامها كانت سارية في مدينة أشور وما جاورها من المدن 0
يرى بعض الباحثين أن مواد القانون الآشوري لم تكن سوى قرارات ودونت وصيغت بهيئة مواد قانونية ، ومع التشابه بين القوانين الآشورية والبابلية في بعض النواحي فان الأولى تختلف عن الثانية في أحكامها حيث تمتاز القوانين الآشورية بالقسوة والشدة بالنسبة إلى العقوبات ولم يهتموا بأمور الشرائع والقوانين المدونة مثل البابليين ولم يهتم الآشوريين بالأمور الفقهية وتدوينها مثل البابليين 0
المحاكم والقضاة
أعتبر الملك في العراق القديم أصل العدالة وباستطاعته أن يعالج شؤون المجرمين ويصدر العقاب عليهم وكان الملك يحيل القضايا الى ولاتهم أو الى محكمة خاصة وكانت قراراتهم نهائية وقد كان بإمكان الناس تقديم التماس للملك للنظر في شكاويهم ، وكانت توجد محاكم الاستئناف ولم تكن بصورة منتظمة 0
وكان القاضي محترفا للمهنة أكثر منه موظفا وكان هناك عدة قضاة (قضاة معبد الإله شمس) وقضاة الأديرة الخاصة بالكهان والكاهنات وكان هناك قضاة مدنيون وهؤلاء كانوا أما قضاة محليون أو قضاة خاصين بالملك ، وكان المعبد أماكن المحاكمة بسبب بناء المعبد وجزء من المرافعات يتعلق بالقسم داخل المعبد ، والى جانب القضاة هناك عدد كبير من الموظفين وكان المدعي يترافع في قضيته بنفسه ولم يكن الناس يشجعون على التقاضي بسبب العقوبة الشديدة إذا لم يستطع أن يثبت إدانته 0
تعليق