الوحدة والإنعزال يؤثران سلبيا عكس العلاقات الإنسانية الزاخرة
هل تصورت يوما حياة من دون أصدقاء أو أحباء؟ وهل يمكن ان تعوض الحياة العملية عن الحياة الاجتماعية؟.. طبعا صعب جدا تصور هذا الأمر، فالأصدقاء يمكنهم أن يحسنوا ليس المزاج فحسب بالترويح على النفس بالبوح بمكنونات القلب، بل من مستوى الحياة عموما. هذه الحقيقة أكدتها دراسات حديثة تفيد بأن هناك جزءا في الدماغ يرسل إشارات بالسعاة عندما نقابل شخصا نحبه، وبالتعاسة أو الحزن عندما لا يسعفنا الحظ ونراه، وهذا اكبر دليل على أن الآخر مهم جدا في حياتنا. عندما أعلن قرار دراسة تأجيل سن التقاعد من 65 سنة إلى 68 سنة في بريطانيا، اعتقد البعض ان الفكرة سترفض رفضا قاطعا من قبل الأغلبية، لكن المفاجأة ان البعض لم يرحب بها فحسب، بل أبدى ارتياحه لها. والسبب ان العمل يمثل بالنسبة للعديد من الناس المكان الذي تربطه فيه علاقات اجتماعية، سواء كانت على شكل زمالة أو صداقة. ولا يقتصر الأمر على بريطانيا أو أوروبا، ففي امريكا يفضل عدد كبير من النساء والرجال العمل حتى بعد سن التقاعد. صحيح أن الأسباب تكون مادية في بعض الحالات، لكنها ايضا تكون لأسباب شخصية. فمجرد الاستعداد للخروج من البيت في كل صباح باتجاه هدف واضح ومعين يرفع من الروح المعنوية لأي شخص. تقول سناء الخالدي، وهي شابة اختارت ان تعمل من البيت كخبيرة علاقات عامة: «أكثر ما افتقد إليه الحاجة للعناية بالمظهر، فكثيرا ما أبقى طوال النهار في ملابس البيت لا أغيرها على أساس أني مرتاحة في بيتي، وأحيانا أنسى حتى أن أمشط شعري، وهو الأمر الذي لم يكن يخطر ببالي من قبل. فقد كنت أصفف شعري في صالون بالقرب من مكان العمل واتصفح مجلات الموضة بحثا عن الجديد، وكانت هذه الأمور على سطحيتها تجعلني اشعر بالسعادة، لكني الآن اشعر بأن مناسباتي قلَت، وكلما اضطررت للخروج، فإني اكتفي ببنطلون الجينز مع قميص». سناء ليست وحدها في هذا الإحساس، فإلى جانب القيمة النفسية التي يشعر بها المرء في العمل، فهو ايضا يسعد بالتفاعل مع الزملاء والزميلات، ويستمتع إلى حد ما حتى بجو المنافسة، هذا عدا أن النقاش واختلاف الأفكار يوسع من مساحة تفكير الإنسان وآفاقه على الكثير من المستويات. وعلى ما يبدو فإن الحاجة إلى أماكن العمل، اصبحت في أيامنا هذه، اكثر إلحاحا عما كانت عليه في المستقبل. تقول راني سينغ، وهي إعلامية وخبيرة أطفال وعلاقات أسرية: «مما لا شك فيه ان الأجيال السابقة كانت أسعد حظا منا في ما يتعلق بثراء علاقاتها الانسانية.
فامتداد العائلة كان يمنحهم إحساسا بالأمان من غدر الزمن، وأيضا بأهميتهم وقيمتهم من قبل الأبناء والأحفاد، فضلا عن أن علاقاتهم كانت اكثر حميمية وثراء في غياب التلفزيونات والتليفونات وغيرها من الاشياء التي سهلت الكثير من امور حياتنا، لكنها ايضا قضت على روح الجماعة وباعدت بين الأفراد»، وتتابع: «وتبقى المرأة افضل من الرجل، في أمور الصداقة، سواء بتكوينها أو بالحفاظ عليها، نظرا لطبيعتها. فهي تحرص على تعزيز الأواصر العائلية، كما انها هي التي تظل على اتصال مع الأصدقاء في المناسبات والأعياد، ولو بالمراسلة إذا كانوا في مناطق بعيدة، هذا عدا ان فرصها في توسيع علاقاتها اكبر، بدءا من علاقاتها المدرسية، ثم الجامعية والعملية إلى جانب ما تربطه من علاقات مع أمهات أخريات عندما تصحب اطفالها إلى الروض او المدارس الخاصة، وهكذا. وحتى عندما تفتر بعض هذه العلاقات لسبب من الاسباب، خصوصا أن مشاغل الحياة والتغيرات التي نمر بها في حياتنا تجعل البعض منا يشعر بأنه في حاجة إلى النمو والتطور بربط علاقات جديدة تتناسب مع ظروفه الحالية، فهي دائما مستعدة لتكوين علاقات أخرى جديدة تعوضها عن التي فقدت أو تجاوزت».
العديد من الدراسات تشير إلى ان الوحدة والانعزال لهما تأثيرات جد سلبية على الإنسان، عكس العلاقات الانسانية الزاخرة التي تساعد على تجاوز الكثير من هذه السلبيات، ويؤكدون ان لها نفس تأثير الأنشطة الرياضية أو الحميات الغذائية الصحية على الجسم. فالأوردة الدموية تصبح أكثر مرونة، كما تزيد قوة القلب وتنخفض نسبة التوتر مقارنة بالأشخاص المنعزلين.
فقد افادت دراسة أجريت على 4000 شخص في مقاطعة ألاميدا بكاليفورنيا، ان هناك علاقة وثيقة بين الحياة الاجتماعية لهؤلاء والعمر. فالذين يتمتعون بعلاقات غنية يعيشون اطول، والنساء اللواتي تقتصر علاقاتهن على ستة اشخاص فقط خارج إطار العائلة اكثر عرضة إلى تصلب الشرايين والبدانة ومرض السكري والاكتئاب مقارنة بقريناتهن اللواتي يتمتعن بحياة اجتماعية زاخرة، بل اشارت الدراسة إلى ان صديقا واحدا أو صديقة حميمة وزوجا أو زوجة محبة يكفيان للتقليل من نسبة التعرض للموت المبكر، وطبعا تتحسن النسبة كلما اتسعت خريطة العلاقات الشخصية. وقد تكون هذه من الحالات النادرة التي ينطبق عليها القول بأن كل من الكمية والجودة مهمان ومؤثران، فالبعض يتمتع بعائلة كبيرة متآزرة عاطفيا وعدد قليل من الأصدقاء، أو العكس، والاثنان لهما مفعول السحر على الحالة النفسية والصحية في الوقت ذاته. أكبر دليل على ذلك المرضى الذين يستقبلون عددا كبيرا من الزوار أو باقات الورد وغيرها، فهم لا يسعدون بذلك فحسب، بل ايضا تتحسن صحتهم اسرع.
تقول راني سينغ: «لا يجب ان ننتظر إلى ان نتعرض إلى صدمة أو أزمة لنعرف قيمة الأصدقاء والعلاقات الإنسانية الرقيقة، بل يجب العمل عليها دائما، فهي قد تحتاج إلى بذل مجهود زائد في البداية، لكنها تثمر على المدى البعيد، كما انها تصبح اسهل مع مرور الوقت، خصوصا إذا كانت مطعمة بالتفاؤل، فالتفاؤل وصفة ناجحة جدا لحياة سعيدة». وللتأكيد على أهمية التفاؤل فقد تبين ان المرأة التي تكون متفائلة وسعيدة قبل الحمل، لا تعاني كثيرا من اكتئاب بعد الولادة، كما انها اقل عرضة للضغط وامراض القلب. >
في جزيرة أوكيناوانز على الساحل الياباني، حيث يسجل السكان أطول نسبة أعمار في العالم، تبين أن ثقافتهم تتميز بالتلاحم العائلي والتضحية من أجل بعضهم البعض إلى آخر رمق في حياتهم. فعندما يبلغون التسعينات أو المائة عام، فإنهم يتمتعون باحترام وتبجيل الأجيال الصاعدة لتجاربهم وحكمتهم، وهذا يعطيهم إحساسا بالسعادة والقيمة المعنوية، التي يفتقدها العجزة في أماكن كثيرة في العالم، كما قد تعوضهم عن فقد اصدقاء العمر.
هل تصورت يوما حياة من دون أصدقاء أو أحباء؟ وهل يمكن ان تعوض الحياة العملية عن الحياة الاجتماعية؟.. طبعا صعب جدا تصور هذا الأمر، فالأصدقاء يمكنهم أن يحسنوا ليس المزاج فحسب بالترويح على النفس بالبوح بمكنونات القلب، بل من مستوى الحياة عموما. هذه الحقيقة أكدتها دراسات حديثة تفيد بأن هناك جزءا في الدماغ يرسل إشارات بالسعاة عندما نقابل شخصا نحبه، وبالتعاسة أو الحزن عندما لا يسعفنا الحظ ونراه، وهذا اكبر دليل على أن الآخر مهم جدا في حياتنا. عندما أعلن قرار دراسة تأجيل سن التقاعد من 65 سنة إلى 68 سنة في بريطانيا، اعتقد البعض ان الفكرة سترفض رفضا قاطعا من قبل الأغلبية، لكن المفاجأة ان البعض لم يرحب بها فحسب، بل أبدى ارتياحه لها. والسبب ان العمل يمثل بالنسبة للعديد من الناس المكان الذي تربطه فيه علاقات اجتماعية، سواء كانت على شكل زمالة أو صداقة. ولا يقتصر الأمر على بريطانيا أو أوروبا، ففي امريكا يفضل عدد كبير من النساء والرجال العمل حتى بعد سن التقاعد. صحيح أن الأسباب تكون مادية في بعض الحالات، لكنها ايضا تكون لأسباب شخصية. فمجرد الاستعداد للخروج من البيت في كل صباح باتجاه هدف واضح ومعين يرفع من الروح المعنوية لأي شخص. تقول سناء الخالدي، وهي شابة اختارت ان تعمل من البيت كخبيرة علاقات عامة: «أكثر ما افتقد إليه الحاجة للعناية بالمظهر، فكثيرا ما أبقى طوال النهار في ملابس البيت لا أغيرها على أساس أني مرتاحة في بيتي، وأحيانا أنسى حتى أن أمشط شعري، وهو الأمر الذي لم يكن يخطر ببالي من قبل. فقد كنت أصفف شعري في صالون بالقرب من مكان العمل واتصفح مجلات الموضة بحثا عن الجديد، وكانت هذه الأمور على سطحيتها تجعلني اشعر بالسعادة، لكني الآن اشعر بأن مناسباتي قلَت، وكلما اضطررت للخروج، فإني اكتفي ببنطلون الجينز مع قميص». سناء ليست وحدها في هذا الإحساس، فإلى جانب القيمة النفسية التي يشعر بها المرء في العمل، فهو ايضا يسعد بالتفاعل مع الزملاء والزميلات، ويستمتع إلى حد ما حتى بجو المنافسة، هذا عدا أن النقاش واختلاف الأفكار يوسع من مساحة تفكير الإنسان وآفاقه على الكثير من المستويات. وعلى ما يبدو فإن الحاجة إلى أماكن العمل، اصبحت في أيامنا هذه، اكثر إلحاحا عما كانت عليه في المستقبل. تقول راني سينغ، وهي إعلامية وخبيرة أطفال وعلاقات أسرية: «مما لا شك فيه ان الأجيال السابقة كانت أسعد حظا منا في ما يتعلق بثراء علاقاتها الانسانية.
فامتداد العائلة كان يمنحهم إحساسا بالأمان من غدر الزمن، وأيضا بأهميتهم وقيمتهم من قبل الأبناء والأحفاد، فضلا عن أن علاقاتهم كانت اكثر حميمية وثراء في غياب التلفزيونات والتليفونات وغيرها من الاشياء التي سهلت الكثير من امور حياتنا، لكنها ايضا قضت على روح الجماعة وباعدت بين الأفراد»، وتتابع: «وتبقى المرأة افضل من الرجل، في أمور الصداقة، سواء بتكوينها أو بالحفاظ عليها، نظرا لطبيعتها. فهي تحرص على تعزيز الأواصر العائلية، كما انها هي التي تظل على اتصال مع الأصدقاء في المناسبات والأعياد، ولو بالمراسلة إذا كانوا في مناطق بعيدة، هذا عدا ان فرصها في توسيع علاقاتها اكبر، بدءا من علاقاتها المدرسية، ثم الجامعية والعملية إلى جانب ما تربطه من علاقات مع أمهات أخريات عندما تصحب اطفالها إلى الروض او المدارس الخاصة، وهكذا. وحتى عندما تفتر بعض هذه العلاقات لسبب من الاسباب، خصوصا أن مشاغل الحياة والتغيرات التي نمر بها في حياتنا تجعل البعض منا يشعر بأنه في حاجة إلى النمو والتطور بربط علاقات جديدة تتناسب مع ظروفه الحالية، فهي دائما مستعدة لتكوين علاقات أخرى جديدة تعوضها عن التي فقدت أو تجاوزت».
العديد من الدراسات تشير إلى ان الوحدة والانعزال لهما تأثيرات جد سلبية على الإنسان، عكس العلاقات الانسانية الزاخرة التي تساعد على تجاوز الكثير من هذه السلبيات، ويؤكدون ان لها نفس تأثير الأنشطة الرياضية أو الحميات الغذائية الصحية على الجسم. فالأوردة الدموية تصبح أكثر مرونة، كما تزيد قوة القلب وتنخفض نسبة التوتر مقارنة بالأشخاص المنعزلين.
فقد افادت دراسة أجريت على 4000 شخص في مقاطعة ألاميدا بكاليفورنيا، ان هناك علاقة وثيقة بين الحياة الاجتماعية لهؤلاء والعمر. فالذين يتمتعون بعلاقات غنية يعيشون اطول، والنساء اللواتي تقتصر علاقاتهن على ستة اشخاص فقط خارج إطار العائلة اكثر عرضة إلى تصلب الشرايين والبدانة ومرض السكري والاكتئاب مقارنة بقريناتهن اللواتي يتمتعن بحياة اجتماعية زاخرة، بل اشارت الدراسة إلى ان صديقا واحدا أو صديقة حميمة وزوجا أو زوجة محبة يكفيان للتقليل من نسبة التعرض للموت المبكر، وطبعا تتحسن النسبة كلما اتسعت خريطة العلاقات الشخصية. وقد تكون هذه من الحالات النادرة التي ينطبق عليها القول بأن كل من الكمية والجودة مهمان ومؤثران، فالبعض يتمتع بعائلة كبيرة متآزرة عاطفيا وعدد قليل من الأصدقاء، أو العكس، والاثنان لهما مفعول السحر على الحالة النفسية والصحية في الوقت ذاته. أكبر دليل على ذلك المرضى الذين يستقبلون عددا كبيرا من الزوار أو باقات الورد وغيرها، فهم لا يسعدون بذلك فحسب، بل ايضا تتحسن صحتهم اسرع.
تقول راني سينغ: «لا يجب ان ننتظر إلى ان نتعرض إلى صدمة أو أزمة لنعرف قيمة الأصدقاء والعلاقات الإنسانية الرقيقة، بل يجب العمل عليها دائما، فهي قد تحتاج إلى بذل مجهود زائد في البداية، لكنها تثمر على المدى البعيد، كما انها تصبح اسهل مع مرور الوقت، خصوصا إذا كانت مطعمة بالتفاؤل، فالتفاؤل وصفة ناجحة جدا لحياة سعيدة». وللتأكيد على أهمية التفاؤل فقد تبين ان المرأة التي تكون متفائلة وسعيدة قبل الحمل، لا تعاني كثيرا من اكتئاب بعد الولادة، كما انها اقل عرضة للضغط وامراض القلب. >
في جزيرة أوكيناوانز على الساحل الياباني، حيث يسجل السكان أطول نسبة أعمار في العالم، تبين أن ثقافتهم تتميز بالتلاحم العائلي والتضحية من أجل بعضهم البعض إلى آخر رمق في حياتهم. فعندما يبلغون التسعينات أو المائة عام، فإنهم يتمتعون باحترام وتبجيل الأجيال الصاعدة لتجاربهم وحكمتهم، وهذا يعطيهم إحساسا بالسعادة والقيمة المعنوية، التي يفتقدها العجزة في أماكن كثيرة في العالم، كما قد تعوضهم عن فقد اصدقاء العمر.
تعليق