إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مرتزقة الثقافة !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مرتزقة الثقافة !

    مرتزقة الثقافة !
    لسعود الفارسي
    @salfarsis






    منذ القديم ، ومع بداية الحضارات الانسانية – العربية منها على وجه الخصوص – ظهرت الحركات الثقافية المختلفة والتي يعد " الشعر " من أهمها ، ومع تطور الحياة وظهور تلك الكيانات التي تعرف اليوم بـ " الدول " وتطور أنظمة الحكم السياسية تطورت الحركة الشعرية نوعاً وكماً ، لكن هذا التطور للأسف لم يكن تطوراً إيجابياً دائماً ، بل كان لذلك التطور جوانب سلبية وزوايا مظلمة كان من بينها ظهور فئة " المرتزقة الشعراء " ، تلك الفئة التي أصبحت تعتمد على " المدح والتمجيد " كمصدر لدخلها ومنبع لقوت يومها ، والمتتبع للشعراء عبر التاريخ يستطيع أن يلمس ما أعنيه في الكثير من الشعراء الجاهليون الذين كانوا يترددون على مجالس الحكام والخلفاء لإلقاء قصائد المدح والثناء والتمجيد عليهم ، وكان الحكام والخلفاء بدورهم يقومون بالمقابل بالإغداق على أولائك الشعراء بالذهب والمال بل وحتى الحرير متى اعجبتهم تلك الأبيات وذلك تشجيعا للشعراء في الاستمرار في " صياغة " أبيات النفاق الرخيصة ، وهنالك من القصص الكثير عن بعض الشعراء ممن كانوا ينقلبون على من كانوا يمدحونهم لعدم رضاهم عما منح لهم من مال أو لعدم كفايته ، وماهذا الانقلاب إلا بسبب أن ماكانوا يكتبونه ماهو إلا كلام منمق قائم على المصلحة والنفاق لا نابع عن عقيدة وقناعة وإيمان ، وقد عبر جلال الدين الرومي عن هذه الفئة بقوله :
    " لئن كثرت في مدحكم بدعي ... لنكثرن غداً في شتمكم بدعي " .
    بل ووصل الحال ببعض الشعراء آنذاك لأن يتعمدوا النيل من التوجهات المعارضة لهم ولتوجهاتهم من خلال تقزيمهم وسبهم وشتمهم ، ويصف أبو العلاء المعري هذه الفئة بقوله :
    " بني الآداب غرتكم قديماً .. زخارف مثل زمزمة الذباب
    وماشعراؤكم إلا ذئابٌ .. تلصص في المدائح والسباب
    أضر لمن تود من الأعادي .. وأسرق للمقال من الزباب " .
    ومع تطور الدول الحديثة ،ظهرت أنواع جديدة من أنواع الثقافة ، وتعد " كتابة المقالات والكتابات الصحفية " واحدة من أهمها ، فأصبح للقلم تأثيراً كبيراً بالساحة الثقافية ، حيث أصبح الكاتب يناقش هموم الناس ، يتناول مشاكلهم ، بل وأصبح للكاتب شأناً كبيراً في المجتمع ربما يفوق شأن الشاعر في كثير من الأحيان ، ومع إحساس بعض الكتاب بهذه الأهمية وبحجم الأمانة الملقاة على عاتق كل منهم دخل بعضهم معترك الساحة السياسية وبدأ في مناقشة سياسات الحكومات وتوجهاتها ، ومدى رضى المواطنين عن ماتقدمه تلك الحكومات وكذلك الشركات من خدمات وماتصدره من قرارات ، وهو الأمر الذي أقض مضجع صناع القرار في تلك الدول ، فتعامل الكثير من " المسؤولين " مع ذلك الكاتب بقلق وبنوع من الحذر والعداء أحياناً ، ومع ظهور مؤشرات الصدام بين الكاتب والمسؤول وجد بعض " المرتزقة " في هذا الصدام فرصة ماسية على طبق من ذهب للظهور والتسلق والترزق ، وذلك من خلال الوقوف مع المسؤول والتلميع لكل ما يقوم به من أعمال والتبرير لما يصدره من قرارات ومايتخذه من اجراءات حتى وإن كان ذلك التبرير لا يستقيم والمنطق والعدالة بل وحتى الانسانية ، فظهرت الكثير من الأقلام التي لا تجدها تناقش أمور المجتمع وهمومه إلا نادراً وعلى استحياء ، في حين تجد أن هؤلاء الكتاب يحمون " أقلامهم " ويستلونها ما أن يقوم أحد الكتاب " الموضوعيين " بمناقشة أعمال ذلك المسؤول أو بانتقاد مايقوم به من أعمال مع تفنيد المشكلات وطرح الحلول ، فيقوم هؤلاء " المرتزقة " بمهاجمة ذلك الكاتب ومهاجمة فكره ومهاجمة شخصه لدرجة قد تصل حتى سبه وإلى تجريده من انسانيته ووطنيته ! هؤلاء الكتاب المرتزقة مثلهم كمثل " الشعراء المرتزقة " الذين تحدثت عنهم في بداية مقالي ، الكثير منهم – إن لم يكونوا كلهم – يكمن هدفهم من خلال كتاباتهم في الوصول إلى صناع القرار والمسؤولين وأولي النعمة من أجل الحصول على " الرضى " وربما على شيء من " الفضل " المادي ، وربما يتطور ذلك الطموح ليكون في الحصول على إحدى الكراسي " المخملية " مستقبلاً ! هؤلاء الكتاب هم ذاتهم من ينقلبون على " من يمدحون " إذا لم يحصلوا على مايتمنون من عطايا وهبات ، فتتغير بوصلة كتاباتهم لينتقدوا كل مايصدر عن من كانوا " يمدحون " !


    ختاماً .. لا أقول بأن كل الكتاب المدافعين عن الحكومات وعن المسؤولين هي أقلام مأجورة أو أقلام " مرتزقة " ولكن أقول بأن الكثير منها هو كذلك ، كما لا يعني كلامي أعلاه بأن على الكاتب أن يكون " سلبي " وذو نظرة سوداوية دائماً ، بل أن على الكاتب والشاعر والمثقف وحتى الانسان البسيط أن يكون موضوعياً في تناوله للقضايا والموضوعات ، أن يكون عقلانيا في وزن الأمور ، أن يراقب الله سبحانه وتعالى في كل حرف يكتبه وفي كل كلمة يقولها ، فكما وأن السوداوية تعد خطرعلى الأوطان فإن " التطبيل والتمجيد والتبرير " للأخطاء والتصرفات هي أشد فتكاً وخطراً بالدول والمجتمعات ، فالكاتب يجب ألا يكون " مرتزقاً " يكتب ليحصل على مقابل ، كما وأنه يجب ألا يكون كبعض الشعراء الجاهليين يبجل القبيلة في كل مايقول لمجرد التبجيل.




    سعود الفارسي

    5/1/2017م

    http://saoodoman.blogspot.com/2017/01/blog-post.html
يعمل...
X