تعد الجامعة من أهم بيئات التفاعل الاجتماعي للطلبة ، حيث تلعب دورا أساسيا في تشكيل شخصياتهم وتحديد مستقبلهم . والجامعة هي إحدى المؤسسات الاجتماعية الفعالة لتعزيز الأنماط السلوكية المقبولة، وتشجيع القيم والاتجاهات النفسية الإيجابية التي يحرص عليها المجتمع الحديث ، وتنمية الأفكار والمبادئ والحقائق العلمية التي لا تتعارض مع العقائد الدينية والقيم الخلقية، وهي بذلك تعتبر الأمين على أهداف المجتمع، والمصدر الذي يزود المجتمع بما يحتاجه من طاقات وخبرات ومهارات .
والجامعة مؤسسة تحتضن شريحة مهمة وكبيرة من شرائح المجتمع ، هي شريحة الشباب، والشباب أهم قوة بشرية لأي مجتمع من المجتمعات ، فهم مصدر الطاقة والتجديد والإنتاج، ولهذا تعمل الدول على توفير المؤسسات التربوية والاجتماعية من أجل إعدادهم الإعداد المناسب الذي يؤهلهم لاستلام زمام المسؤولية ، والمشاركة في عملية تحقيق حاجات الأمة وتطويرها نحو الأفضل .
ويرى كل من الزوبعي والسامرائي(1993) أن حجم هذه الشريحة والسمات والخصائص التي تتسم بها والمهمات التي تنتظرها، تجعل منها عنصرا مهما من عناصر بناء المجتمع، ففيها تتمثل كل عناصر النهوض وتطور المجتمع ، والوعي بالحقوق والواجبات والاعتماد على هدى العقل والضمير في مواجهة مشكلات الحياة، ويتمثل في هذه الشريحة الأصالة والتمسك بالقيم ،وتقبل التغيير والسعي إلى ابتكار وسائله وأساليبه ،ومن هنا فإن الشباب يمثل الأداة الفاعلة في مواجهة عناصر التخلف ،إلى جانب كونهم أداة التغيير والتعديل والتطوير الذي يرتجى إحداثه.
إن هذه المهمات التي أوكلت إلى الشباب لايمكن تحقيقها إلا ببناء الشخصية بناء سليما تتمثل فيه القيم الرفيعة والاتجاهات الإيجابية، ومثل هذا البناء يتطلب جهودا مشتركة من المؤسسات الإجتماعية المتعددة، ويتطلب فترة زمنية ليست بالقصيرة، كما يتطلب وعيا وإدراكا بقيمة الوسائل التي تتبع في بناء الشخصية وأهميتها.
إن ما تهدف إليه التربية بعامة ، والجامعة على وجه الخصوص ، هدف واسع وعريض ، فالجامعة بحكم ما أنيط بها من أهداف كبيرة تسعى إلى تنمية شعور الإنتماء وبث روح التعاون والتعاضد بين الشباب وإعدادهم للاضطلاع بأعباء مسؤولياتهم حيال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنوير أذهانهم وصقل تفكيرهم وليعرفوا حقوقهم وتأدية واجباتهم .
ويرى آل مشرف ، ( 2000) أن التعليم الجامعي يوفر مجالات عديدة للتخصص ،تعمل على تحقيق طموحات الشباب ،وتناسب قدراتهم وميولهم واهتماماتهم واحتياجات المجتمع ،وهو بذلك يمثل نوعية من التعليم ،تختلف عن النمط النظامي في مدارس التعليم العام من حيث :طبيعة الدراسة ونوعية التخصصات ،وأنماط التفاعل الاجتماعي ،مما يساعد على نمو شخصية الطالب .
والمنهج بمفرده قد لا يستطيع إحداث التعزيز أو التعديل أو التطوير في شخصية الطالب الجامعي ، بل لا بد من الاهتمام بالمناخ الجامعي ،فالمناخ الجامعي عنصر مهم في تحقيق طموح الشباب ، وتحريك دوافعهم، فمتى كان هذا المناخ مناسبا لقدرات الطلبة وميولهم واهتماماتهم أدى إلى تفاعلهم ونمو شخصياتهم وتعزيز قدراتهم الذاتية في التعليم والتفكير ، واتخاذ القرار ، وتحمل المسؤولية .والمناخ الجامعي يتناول كل ما له علاقة بالتأثير في شخصية الطالب، فالمنهج نفسه ،والتدريس ،والإدارة، والتفاعل الإنساني بين الطالب وأعضاء هيئات التدريس، وبين الطلبة أنفسهم، والنشاطات العلمية، والأدبية، والرياضية، والترفيهية التي تعقدها الجامعة، والمطاعم، والنوادي، والمتنزهات الجامعية، مكونات تشكل المناخ الذي يمكن في ضوئه البناء التراكمي في شخصية الطالب ( الزوبعي والسامرائي ،1993) .
وتعتبر مرحلة الشباب الجامعي مرحلة مهمة في تكوين الشخصية ،وعليه فإن ما يتعرض له الفرد في هذه المرحلة من ضغوطات وصدمات سلبية ،تترك أثرا سلبيا في بنيته الشخصية ،بحيث تظهر في شكل اضطرابات نفسية ،مثل :الشعور بالنقص ،وفقدان الثقة بالنفس ،والإحباط والخوف على تحصيله الجامعي ،إضافة إلى تشويش تفكيره في مختلف القضايا التي تواجهه سواء في الحياة الدراسية ،أو في مجمل الحياة التي يحياها (سعادة و زامل و أبو زيادة ،2002).
إن البيئة الجامعية ليست مكانا يتم فيه تعلم المهارات الأكاديمية فحسب ،وإنما هي مجتمع مصغر يتفاعل فيه الأعضاء ،يؤثر بعضهم في بعض ،فالعلاقات الاجتماعية بين الطلاب والمعلمين ،والطلبة بعضهم بعضا تؤثر تأثيرا كبيرا في الجو الاجتماعي الجامعي ،وهذا يؤثر بدوره في نواتج التعليم .ولذلك يجب توفير الوسائل والإمكانيات اللازمة لتهيئة المناخ النفسي المناسب للطلاب ،فالمناخ الجامعي الذي يقابل احتياجات الطلاب ويحقق توقعاتهم سوف يؤدي إلى تحقيق توافقه الدراسي ،بينما المناخ الجامعي الذي يكرهه الطالب لعدم احتوائه على خبرات محببة إلى نفسه ،ويفشل في مقابلة احتياجاته ومتطلباته سوف يؤدي إلى سوء توافقه الجامعي والشخصي والاجتماعي .
وتختلف البيئات الجامعية عن بعضها في كثير من النواحي .فبصرف النظر عن مبانيها وما يظهر فيها من مميزات مثل: التجهيزات، والتسهيلات والإمكانيات المادية فإن المناخ الجامعي يختلف من جامعة إلى أخرى، ويميز الطلبة من خلال إحساسهم بالإنتماء والدفء لهذه الجامعة أو تلك. وبالتالي فإن لكل جامعة مناخها الخاص والذي يجعل منها مؤسسة لها طابعها الفريد عن غيرها.
وتمثل دافعية الإنجاز أحد الجوانب المهمة في منظومة الدوافع الإنسانية ، والتي أهتم الباحثون بدراستها ،ويرجع الاهتمام إلى أهميتها في المجال النفسي وفي الميادين التطبيقية والعلمية ، كالمجال الإداري، والمجال التربوي ،والمجال الاقتصادي،والمجال الأكاديمي، كما يعتبر الدافع للإنجاز، وواقع الطموح مكونان أساسيان في سعي الفرد تجاه تحقيق ذاته ، وتوكيدها، حيث يشعر الفرد بتحقيق ذاته من خلال ما ينجزه ، وفيما يحققه من أهداف ، وفيما يسعى إليه من أسلوب حياة أفضل ، ومستويات أعظم لوجوده الإنساني .
وتتوقف تنمية الدافع للإنجاز وواقع الطموح لدى الطلبة ، على المناخ النفسي والاجتماعي السائد في الجامعات وفي غرف المحاضرات على وجه الخصوص ، ومن هنا يبرز دور المعلم في مقدرته على خلق وتوفير المناخ الصفي الملائم وذلك من أجل تحسين واقع الدافعية و مستوى الطموح عند الطلبة .
ومن هنا تبرز العوامل الرئيسة المكونة للمناخ الجامعي، كإلادارة الجامعية وما يتعلق بها من قرارات وتعليمات، وهيئات التدريس وطرق التدريس، والمرافق الجامعية، والتي تتمثل في الساحات والملاعب والأبنية وغيرها ،والأنشطة الطلابية ،والعلاقات الإنسانية بين الطلبة أنفسهم ، وبين الطلبة ومدرسيهم.
.