نقلت اكم هذا البيان من جريدة عمان لكي يقرأة من هم في شك في أمر الهلال نحن على حق و الحمد لله و أدام الله الصحة و العافية للشيخ احمد الخليلي مفتي العام لسلطنة.
مفتي عام السلطنة: قرار هلال ذي الحجة لم يكن فرديا وتمت دراسته فقهيا وعلميا واجتماعيا
رؤية الهلال تتفاوت وقوعا وإمكانا باختلاف البلدان ومطالعها
القرار اعتمده ولي الأمر فأصبح لزاما لا مناص لنا منه
دلائل علم الفلك مطابقة للقرار وعدم الرؤية لم تكن عن قصور فـي الاستطلاع
مفتي عام السلطنة: قرار هلال ذي الحجة لم يكن فرديا وتمت دراسته فقهيا وعلميا واجتماعيا
رؤية الهلال تتفاوت وقوعا وإمكانا باختلاف البلدان ومطالعها
القرار اعتمده ولي الأمر فأصبح لزاما لا مناص لنا منه
دلائل علم الفلك مطابقة للقرار وعدم الرؤية لم تكن عن قصور فـي الاستطلاع
أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة انه تلقى بعض الأسئلة حول هلال ذي الحجة مؤكدا سماحته أن هذا الأمرلم يكن قرارا فرديا حتى يمكن لفرد من أعضاء اللجنة إلغاءه بمدة قلم أو يمكن ذلك للجنة بأسرها رئيسا وأعضاء، فإنه عرض على عدة جهات وتمت دراسة كل جوانبه الفقهية والعلمية والاجتماعية حتى ارتآه ولي الأمر فاعتمده فأصبح لزاما لا مناص لنا منه. على أنه لم يكن نتيجة هوى متبع، وإنما لذلك أصل أصيل في السنة النبوية ونظر أهل الفقه، وهو مدعوم بحقائق علمية كونية لا يماري فيها أحد ممن كان مطلعا عليها من أهل الاختصاص فيها. ناهيكم أن القرآن الكريم أشار إليها بعبارة تكاد تكون صريحة وذلك في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) فهي مواقيت للناس في كل شيء من أمور عباداتهم كالصيام والزكاة وعدد النساء وتوقيت الإيلاء والأيمان والنذور والأضاحي، ولا ريب في دخول الحج في ذلك، وإنما أفرد بالذكر لأهميته، وهي مواقيت للناس في أمورهم الاعتيادية كالبيع والرهن والدين والإيجار، ويدخل في ذلك الطلاق والعتق المعلقان على حضور ميقات زمني.
ولا ريب أن ثبوت الهلال يناط بأحد أمرين: إما ثبوت الرؤية الصحيحة بعد مضي تسعة وعشرين يوما منذ ثبوت الهلال الأول، أو بتمام ثلاثين يوما، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الصيام: »صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له - وفي رواية أخرى - فأكملوا العدة ثلاثين«وجاء في حديث آخر» لا تصوموا حتى ترو الهلال ولا تفطروا حتى تروه....«وكل هذه الروايات ثابتة في الصحاح وفي السنن، ولا خلاف أن هذا الحكم لا ينحصر في الصوم وحده وإنما يتحقق مناطه في كل ما عداه.
ومن المعلوم أن رؤية الهلال تتفاوت وقوعا وإمكانا باختلاف البلدان ومطالعها لذلك لم ير ابن عباس رضي الله عنهما ثبوت الرؤية في المدينة المنورة بثبوتها في بلاد الشام وعزا هذا الحكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» وأصحاب السنن عن كريب مولى ابن عباس قال: «أرسلتني أم الفضل بنت الحارث والدة عبدالله ابن عباس إلى معاوية بالشام فاستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام، فلما قضيت حاجتها ورجعت إلى المدينة سألني ابن عباس فقال لي: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: ولكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نرى الهلال، فقلت: أوما تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم«.
وأنت ترى أن ابن عباس لم يعز هذا الحكم إلى اجتهاده الشخصي، وإنما عزاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن العلوم أن قول الصحابي: «كنا نؤمر» أو «كنا ننهى» له حكم الرفع، فكيف إذا صرح أن الآمر أو الناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مجال للتشكيك في كون هذا الحكم صادرا عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.
على أن الصحابي هو أولى بالاتباع إن لم يوجد له مخالف من الصحابة حتى لو لم يقم دليل على قوله عندما يكون القول الآخر خاليا من الدليل أيضا، وذلك لما ناله الصحابة رضوان الله عليهم من شرف صحبته عليه أفضل الصلاة والسلام والتلقي عنه والاطلاع على ما لم يطلع عليه غيرهم من أحواله وأقواله، لذلك قال الإمام أبو يعقوب الوارجلاني - من علمائنا - «لا تقليد إلا لصاحب هذا القبر - مشيرا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأما الصحابة فهم أولى بالاتباع لعهدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأما التابعون فهم رجال ونحن رجال».
ولقوة هذا الدليل تجد الفقهاء انصرف جمهورهم إلى الأخذ بهذا الحديث وإن اختلفوا في كيفية تطبيقه على الواقع حتى أن منهم من قال باستقلال كل بلد عن غيره ولو تقاربا، ومنهم من عد الفاصل الذي يعول عليه في اختلاف حكم الرؤية هو مسافة القصر، وقد ملئت بطون شروح السنة وكتب الفقه بهذه الأقوال، وحسبي أن أنقل هنا نصا قاله الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»:
«وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَد رُؤْيَتهمْ، وَفِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عِكْرِمَة وَالْقَاسِمِ وَسَالِم وَإِسْحَاق، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ. ثَانِيهَا: مُقَابِله إِذَا رُؤِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلّهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لَكِنْ حَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ الْإِجْمَاع عَلَى خِلَافِهِ، وَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَة الْهِلَالِ ظَاهِرَة قَاطِعَة بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نَقَلَ إِلَى غَيْرِهِمْ بِشَهَادَة اِثْنَيْنِ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ. وَقَالَ اِبْن الْمَاجِشُون: لَا يُلْزِمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ إِلَّا لِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيُلْزَمُ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِأَنَّ الْبِلَادَ فِي حَقِّهِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ إِذْ حُكْمُهُ نَافِذ فِي الْجَمِيعِ. وَقَالَ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ تَقَارَبَتْ الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْم وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ: لَا يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَاخْتَارَ أَبُو الطَّيِّبِ وَطَائِفَة الْوُجُوب وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَفِي ضَبْطِ الْبُعْدِ أَوْجُه: أَحَدُهَا: اِخْتِلَاف الْمَطَالِعِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيّ فِي «الرَّوْضَة» «شَرْح الْمُهذبَ». ثَانِيهَا: مَسَافَة الْقَصْر قَطَعَ بِهِ الْإِمَامَ وَالْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيّ فِي «الصَّغِير» وَالنَّوَوِيِّ فِي «شَرْحِ مُسْلِم». ثَالِثُهَا اِخْتِلَاف الْأَقَالِيمِ. رَابِعُهَا: حَكَاهُ السَّرْخَسِيّ فَقَالَ: يُلْزَمُ كُلّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهَا بِلَا عَارِضٍ دُونَ غَيْرِهِمْ. خَامِسُهَا: قَوْل اِبْن الْمَاجِشُون الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ عَلَى مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصَّوْمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْفِطْرِ فَقَالَ الشَّافِعِيّ: يُفْطِرُ وَيُخْفِيه. وَقَالَ الْأَكْثَر: يَسْتَمِرُّ صَائِمًا اِحْتِيَاطًا« اهـ.
ولئن كان فطاحل علماء الأمة اختلفوا في كيفية تطبيق هذه المسألة حسب ما يقتضيه دليلها فإن الفيصل في ذلك تطبيق حديث ابن عباس رضي الله عنهما عليها مع استلهام تفصيل مجمله وإيضاح مبهمه بالرجوع إلى ما يفيده نظام الكون الذي جعله الله تعالى ضابطا لدقائقه، وهو اعتبار اختلاف المطالع بين البلدان لما له من التأثير في تفاوت إمكان وقوع الرؤية فيها، وبهذا يجمع بين الدليل الشرعي والتطبيق العلمي، فيتبين به أن الراجح من هذه الأقوال اختلاف حكم الرؤية باختلاف المطالع.
وقد عول على هذا كثير من فقهاء عصرنا منهم كبار علماء المملكة العربية السعودية كالعلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد الذي ألف في ذلك رسالة واسعة مدعومة بالحجج، والعلامة الشيخ ابن عثيمين، بل صدر بذلك قرار مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في احدى دوراته التي لا أذكرها الآن.
على أن هذا الحكم لا ينحصر في الصيام والإفطار وحدهما بل جميع الأحكام المنوطة بالأهلة مندرجة فيه أيضا، وإلا كان التباين والنشاز بين الأحكام الشرعية ويأبى الله ذلك، فلا معنى لاستثناء شهر ذي الحجة من بين الشهور القمرية وإلحاقه بالتوقيت الحرمي وإتباع جميع أحكامه له فإن هذا مناف للمعقول والمنقول، فإننا تعبدنا فيه بعبادات شتى منها ما هو خاص به كالأضاحي، ومنها ما يشمله مع غيره من الشهور كتوقيت الإيلاء وعدد النساء، وأنى يتيسر فيها العمل بموجب الحكم الشرعي مع شذوذ تأريخه عن بقية الشهور؟!.
وأنتم تدرون أن الناس في أطراف الأرض متعبدون بعبادات موقوتة بمواقيت أنحائهم؛ فلذلك يتفاوتون في أوقات التعبد بها، ولا يمكنهم أن يؤدوها بحسب مواقيت الحرم الشريف فالصلوات الخمس كل يؤديها في مواقيتها المحددة بحسب المكان الذي هو فيه فلا يصلون الظهر إذا زالت الشمس في بلد الله الحرام، وإنما يصلونها بزوالها حيث كانوا موجودين، وكذلك سائر الصلوات، وهم في ذلك مختلفون حتى أن منهم من تسبق صلاته صلاة الحرم بزمن طويل، ومنهم من تتأخر صلاته عنها أيضا بزمن طويل، فهل يمكن أن يقال بتوحيد مواقيت أداء هذه الصلوات بحسب توقيت الحرم الشريف حيث الكعبة البيت الحرام التي هي رمز وحدتهم ومعقد ارتباطهم ومهوى أفئدتهم وهي وجهتهم في صلواتهم وكثير من عباداتهم؟ لا ريب أن القول بهذا مناف لحكمة الله تعالى في تشريعه وحكمه في تعبده.
وكذلك الشروع في الصيام يبدأ بطلوع الفجر الصادق حيث يكون الصائم وينتهي بغروب الشمس، ولو أن الناس كانوا مطالبين بأن يراعوا في ذلك ميقات الحرم الشريف لكان منهم من يصوم ليلا ويفطر نهارا، فقد يبدأ صيام اليوم التاسع من ذي الحجة بعد غروب شمس يوم عرفة عند قوم وينتهي بطلوع شمسه عند آخرين، فهل يراعون في ذلك توقيت عرفات ليتوحدوا مع الواقفين بها؟.
أما ما أثير من الضجيج حول ارتفاع هلال ذي الحجة بعد غروب شمس يوم السبت الموافق للثلاثين من ذي القعدة عندنا فهو لا يدل بحال على أن في توقيت الهلال خطأ بل السنة النبوية شاهدة على أن هذا هو الحكم الصحيح الذي يجب التعويل عليه ناهيك بما تدل عليه هذه الرواية التي أخرجها مسلم في «صحيحه» حيث قال: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِى الْبَخْتَرِىِّ قَالَ خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ - قَالَ - تَرَاءَيْنَا الْهِلاَلَ فَقَالَ: بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، قَالَ فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلاَلَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ أَىَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ، قَالَ فَقُلْنَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا». فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةِ رَأَيْتُمُوه».
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع دابر الشك في هذه المسألة باليقين، ولم يلتفت إلى مقدار ارتفاع الهلال ليغير في توقيت بداية الشهر المنوطة به، وإنما جعل العبرة بوقت رؤيته، وهذا الذي يدعمه علم الفلك فإن لارتفاعه أسبابا؛ فقد يكون محجوبا عن رؤيته في اليوم الأول لأسباب طبيعية كقربه من الشمس وتأثره بشعاعها حتى يحجب عن الأبصار فيبدو في اليوم الثاني مرتفعا، وهو في الحقيقة ابن ليلته، وليت شعري من أولى بالاتباع هل دهماء الناس وعامتهم الذين ليس لهم نصيب في الفقه ولا دليل من العلم حتى أنهم لا يفرقون بين الضب والنون وبين الذئب والحمل أو النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم تأتنا الشريعة إلا من طريقه ولم نتعبد إلا باتباعه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)؟.
على أنه لو كان المعارض له صلى الله عليه وسلم من خيار الأمة لوجب الإعراض عنه، وأن يضرب بقوله عرض الحائط ويؤخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: «تكاد تنزل عليكم قارعة من السماء أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون لي قال أبو بكر قال عمر!!».
ولئن كان كلام أبي بكر وعمر وأمثالهما من أجلة الصحابة رضوان الله عليهم لا يقارن بقول النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بقول عامة الناس ودهمائهم؟!.
على أن دلائل علم الفلك جاءت متطابقة مع هذا القرار، وقد ذكر ذلك الفلكيون قبل استطلاع رؤية الهلال فقد جاء في موقع قناة العربية من شبكة المعلومات العالمية نقلا عن المهندس محمد شوكت عودة رئيس المجلس الإسلامي لرصد الأهلة أنه قال عن الدول التي سيكون فيها الجمعة موافقا للتاسع والعشرين من ذي القعدة، ومنها بنجلاديش وإيران وباكستان وسلطنة عمان والمملكة المغربية والسنغال «إن رؤية الهلال يوم الجمعة صعبة جدا وتحتاج إلى تلسكوب في العديد من المناطق بل قد تكون الرؤية غير ممكنة في مناطق أخرى»، وأضاف «أن رؤية الهلال يوم الجمعة في كل من أبوظبي وعمّان والقاهرة والرباط غير ممكنة حتى باستخدام التلسكوب».
وهذا مما يؤكد أن عدم رؤية الهلال في ذلك اليوم لم يكن عن قصور في الاستطلاع، وإنما هو أمر طبيعي يعود إلى أوضاع الفضاء.
ولا يخفى على كل من اطلع على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤخر صلاة العشاء حتى يصل بها إلى مضي الثلث الأول من الليل، وكان ينهى عن السمر بعدها كما ينهى عن النوم قبلها، وقد أثر عنه أنه كان يصلي العشاء مغيب القمر ليلة الثالث من الشهر، ومن تأمل غروب القمر ليلة الثالث حسب تأريخنا في هذا الشهر يدرك يقينا أنه هو الوقت المناسب لهذا المأثور فقد غرب بعد مضي أقل من ساعة من أدائنا صلاة العشاء مع أننا نؤديها في أوائل وقتها، وذلك قبل الوقت الذي كان يصليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بفترة من الزمن.
والسلطنة في هذا لم تشذ عن العالم الإسلامي فكم من بلد إسلامي ينهج هذا النهج كماليزيا وإندونيسيا والهند وبنجلاديش وباكستان وإيران وتركيا والمملكة المغربية وجميع دول شرق إفريقيا، والعديد من الدول الإسلامية الإفريقية الأخرى.
أما انتقاد عامة الناس ودهمائهم فلا أثر له على الأحكام الشرعية وتطبيقها على القضايا، فإن طبيعة البشر تدفعهم إلى التسرع في الاستنكار بغير روية ولا فكر ولا بصيرة ولا فقه، وقد ينتقدون الأمر ونقيضه، ورضى الناس غاية لا تدرك، وما على الإنسان إلا أن يوجه وجهه إلى الله، وكفى به وليا وكفى به نصيرا.
ولا أظن إلا أن الحقيقة وضحت لكم بعد هذا البيان، وأسأل الله سبحانه لي ولكم التوفيق لكل ما يرضيه ويقرب إليه من الأقوال والأعمال.