أنبرى الزمان كمدا لصروف الحياة وحوادثها ، تنتابنا الهواجس وتؤرقنا الظنون ولا ندري لمن نشتكيها ، نظهر بسمة ونخفي خلفها دمعة . نعتزل الوجود لنلاقي الهموم ، هي الهموم هي الكروب ، لا ندري أين هي صيرورة الدروب ؟ أهي الحياة لا ترضى بنا نُزلاء عندها أم نحن لا نرضها دارا لنا ؟
جميع من حولك يضحكون ، تود أن تضحك معهم لكن لا سبيل لك لذلك ، تبتسم وفكرك يجول لما وراء الوجود ، أخذتك العزلة وخَذلك الضاحكون، دخلت غرفتها فما أبصرت عيناك أدماها للحظة ، رأيت جمعا قد دخلوا الغرفة ، اعترتك الدهشة ووجدت فيهم البسمة . تساءلت : مالكم ومال الغرفة ؟ يجيبونك ألم تأتي بك العثرة ؟ ما دلك دلنا ، خذ مقعدك وإياك والضحكة ، نكس الرأس صمتا واختر زاوية بالغرفة.
مضيت خطوة فخطوة لزاوية بغرفة العزلة ، جاءني رجل من الجمع وبيده عصاه تلوح ، أنبأت خطواته بالعتاب ،أفصحت كلماته أخيرا بقولها " الم ننهاك عن العثرة " ؟ خانتني النظرات وتملّكتني العبرات . ماذا أقول وبأي حرف أحيي الكلمات ؟ ، كنت وحيد وها أنا وحيد فيها ، عليل وما بالجسد من علة .طار فكري وحار صوتي ، أنا الأسير ومالي للسجن من سبيل ، أني بدار العزلة ، كلما حلت بي العثرة أتت بي لدارها ؟ رددها الضمير وكتبها الهجير ، لم أعد أطيقها من هموم ، أتعبتنا فعاتبناها فلم يكن منها الا عنّت الرأس عاليا ، بثت أساها آهات ، آلمتنا بفتح الجراح . خيط رفيع يفصل العقل عن الجنون ، نتمنى حينها لو لم يكن للعقل وجود .
أخرج من الغرفة وبي عزم ينبئ بعدم العودة ،أرى الشمس فأبتسم ، أنظر لأرى الطريق فأجده يرتسم . اغدوا للصباح أردد الكلمات وأدندن بها ، فجأة ، هاهم الضاحكون وها أنا أعيد الكرة ، أطلقتها صرخة لا مجال الا العودة . هيا إلى دار العزلة .
أتعرفونها أنها دار العزلة ، كيف لا تعرفونها ونحن بها صباحا و مساءا ؟ بها الملوك ، بها الكادحين ، بها رموز وضاءة . هي ملجأ يتيم تتنفس خلالها هموم العقول . هناك تجد ضروبا من الأنوار ، هناك تشحذ الهمم . نكره دوران الأمور حولنا ، نحب الغرفة ونعتبرها بيتا لنا لتبقينا بعيدين عن الوجود . بها نكون لا شيء في نظر من حولنا وداخل ذواتنا نكون فيها كل شيء ، نراجع فيها ونحاسِب ، ننسى الكل ويدخل معنا فيها أثنان ، أحداهما سبب لدخولها والآخر يريد أن يخرجنا منها ، نكره الأول وكذا نحبه أما الثاني فلا نحبه ونحبه ، الأول نحبه لأنه جمعنا بالثاني ، ونكرهه لأنه أوقعنا بدار العزلة ، نحب الثاني لأنه يخلّصنا من الأول ، ونكرهه لأنه سيخرجنا من دار العزلة . ..!!
أعرفتموهما ؟
كيف لا تعرفونهما وهما لا ينفكان يقتفيان الأثر . يموت أحدهما في النهاية أو يبقيان إلى أن نموت نحن . هي هكذا دار العزلة ، أكرهها لأنها تبقي الليل سرمدا ، وأحبها لأنها أنيس وحدة هي سبَبُ لها .
رميت الكلمات للبيب فطن ، سيفهمها من دخل الغرفة ، وهيهات أن يفهمها من لم يجد الغرفة .
من منكم عرف الغرفة ؟؟
من هم الضاحكون ؟
ومن هما رفيقا الغرفة اللذان يدخلانها معنا؟؟
؟