[align=center]المحبة العظمى
الحمد الله رب العالمين، الحمد لله الذي أنار قلوب عباده بالتقوى، وحظهم على الإعتصام بالعروة الوثقى، وهجر الفانية والركون إلى التى هي أقوم وأبقى، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا أما بعد، فالحب حبان حب روحي وحب عقلي، فالحب الروحي : شعور إنساني يتأثر بنوازع النفس، ويذيب الحواجز بين الطبقات، ويقرب بين الناس، ويختصر الفوارق في الجنس والشكل واللون، ولكم أسر من فؤاد، ولكم أذهب من عقل، وهو شعور متأصل في النفس البشرية.
أما الحب العقلي : إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله.
وقفة تأمل
هل الله جل وعلا يحب عبده الذي خلقه من تراب؟!
للإجابة على هذا السؤال لنبدأ من البدايه :
خلقه فنفخ فيه من روحه، ثم أطلعه على أسماء كل شيء، ثم أسجد له ملائكته، ثم خصه بمنزلة خاصة في الجنة، وحتى بعد الخروج على أمره، تاب عليه وغفر له، ثم أسكنه الأرض يتفيأ ظلالها، وسقاه من أنهارها، وأطعمه ألذ إدامها، وحمله في البر والبحر، وسخر له أسباباً ترفع من شأنه ليعش قرير العين هانيها، قال تعالى : {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات......}
ومما يلحق بذلك كثير نذكر منه مثلاً :
1. خلقه من ماء مهين وجعله في قرار مكين ثم أجرى له غذاءً و مأوىً حصيناً.
2. جعل له في الحياة زينة يهنأ بها كالمال والبنين والأنعام والحرث.
3. جعل القرآن مطمئناً له عند الخوف والجزع قال تعالى {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
هذا وغيره كثير يدلنا على محبة العلي القدير لهذا العبد الذليل، ولكن يتبادر إلى الأذهان سؤال هل هذه المحبة لكل عبد من عباده أم هي مخصصة لبعضهم فقط؟
جواب ذلك يظهر جلياً في كتاب الله العزيز قال تعالى :{فالله لا يحب الكافرين}
وقال سبحانه : {إن الله لا يحب الفرحين} المفتونون بزخارف الدنيا وبهارجها،
قال تعالى : {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين} فإياك والظلم لعباد الله،ومن ذلك
قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}،
ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}، ونحو ذلك.
إذن كان لزاماً على كل ذي لب أن يسعى جهده ليكون من الذين أحبهم الله واليك نماذج لمن يحبهم الله من كتاب الله يقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} فأكثر من التوبة والإنابة إلى الله، ويقول سبحانه : {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين} فاحرص على التقوى في السر والعلن، ويقول سبحانه : {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} فاصبر على طاعة ربك واصبر على ما أصابك، ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} فكن من المحسنين في كل أمورك في قولك في فعلك في عبادتك، ويقول جل جلاله : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين} فتوكل على الله حق التوكل في كل شؤون حياتك، ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فكن مقسطاً عادلاً في قولك وحكمك، ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوص} ومما يقربك من محبة الله أداء الفرائض ثم الاستكثار من النوافل أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؟: إِنَّ اللَّهَ قَال : «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه».
ومما يجلب لك حب العظيم أن تبتعد عما يكرهه سبحانه ولا يحبه فارجع إلى كتاب ربك وإلى سنة نبيك محمد ؟، معاشر المحبين لربهم إن محبة الله دعوى يستطيع كل أحد أن يدعيها لذلك وضع العليم الخبير مقياساً يوزن الإنسان به نفسه وغيره حول مدى صدق تلك الدعوى ألا وهي قوله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم}.
حقيقة المحبة
المحبة ليست قصصا تُروى، ولا كلمات تقال، ولا ترانيم تُغنى، المحبة لا تكون دعوة باللسان، ولا هياماً بالوجدان، وإنما هي طاعة لله ولرسوله ؟، المحبة عمل بمنهج الرسول ؟، تتجلى في السلوك والأفعال والأقوال.
أن محبة الله تعالى هي الدواء لاضطراب النفس، فبذكر الله تطمئن القلوب، وقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يحييهم حياة طيبة، كما قال سبحانه : {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} والحياة الطيبة تكون بإشراق الروح، وقرة العين، وسرور القلب بالله تعالى، الدين سلوى النفس من آلامها وطبيبها من أدمع وجراح، ومن محبة الله؛ محبة رسله وأنبيائه وملائكته وأوليائه والصالحين من عباده، وصحبتهم ومجالستهم ومخالطتهم والقرب منهم واقتباس أخلاقهم وعاداتهم والظفر بصالح دعواتهم. ومن محبته؛ محبة الإحسان إلى خلقه كافة، بما يتيسر من القول والفعل والدعاء والمساعدة والدعم والتفريج. وهذا من أسباب السعادة والطمأنينة، فالذين يسعون في إسعاد الناس وتحقيق مطالبهم هم الأكثر سعادة وهناء في الحياة. ومن محبة الله؛ صحبة كتابه الكريم قراءةً وتدبراً وتفهماً وعملاً ، فيكون المرء فيه حالاً ومرتحلاً لا ينتهي من سورة إلا ويشرع في أخرى، ولا يختم إلا ليستأنف من جديد. ومن محبة الله؛ محبة الصلاة لأنها معراج الروح إلى بارئها، وهي راحة النفس كما قال ؟ : (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)، وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر. ومن محبة الله؛ كثرة التوبة إليه واللجوء والقرب منه، فلا ييأس المسلم ولا يستعظم ذنبه أن يغفره الله، فالله يغفر الذنوب جميعاً، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
كيف نعرف رضا الله عنا ؟
من علامة رضا الرب عن عبده أن يوفقه لفعل الخيرات، واجتناب المحرمات قال تعالى : {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}، وأن يشرح صدره للهدى والايمان قال سبحانه : {فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام}، وان يحببه الى عباده ففي حديث حب الله للعبد ثم حب جبريل وأهل السماء له قال في آخره : «ثم يوضع له القبول في الأرض»
فسر العلماء محبة الله لعبده بأنها إرادت الخير له وهدايته ورحمته ونقيض ذلك بغض الله له والتقي هو الآتي بما يجب عليه المجتنب لما يحرم عليه.
قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، وقد يسأل سائل كيف يحبني الله ؟ فنقول له إلجأ إلى الله وأدع وتضرع إليه أن يجعلك ممن أحب، ثم أنظر من الذين يحبهم الله واسلك نهجهم
ومن علامات محبة الله.. محبة الله لك أنت خاصة .....
ان أعطاك الله الدين و الهدى، فاعلم ان الله يحبك.
وان أعطاك الله المشقّات و المصاعب و المشاكل فاعلم ان الله يحبك و يريد سماع صوتك في الدعاء.
وان أعطاك الله القليل فاعلم ان الله يحبك و انه سيعطيك الأكثر في الآخره.
وان أعطاك الله الرضا فاعلم ان الله يحبك وانه اعطاك اجمل نعمة.
وان أعطاك الله الصبر فاعلم ان الله يحبك و انك من الفائزين.
وان أعطاك الله الاخلاص فاعلم ان الله يحبك فكن من المخلصين.
وان أعطاك الله الحزن فاعلم ان الله يحبك و انه يخـتبر ايمانك ويبتليك.
وان أعطاك الله المال فاعلم ان الله يحبك و لا تبخل على الفقير والمسكين وابن السبيل.
وان أعطاك الله الفقر فاعلم ان الله يحبك واعطاك ما هو اغلى من المال من جوارح وأعضاء.
وان أعطاك الله لسان و قلب فاعلم ان الله يحبك فاستخدمهم في الخير و الاخلاص.
وان أعطاك الله الصلاة و الصوم و القرآن والقيام فاعلم ان الله يحبك فلا تكن من الغافلين.
وان أعطاك الله الاسلام فاعلم انه يحبك، ان الله يحبك، كيف لا تحبه ؟؟؟
ان الله أعطاك الكثير فكيف لا تعطيه حبك ؟؟؟
الله يحب عباده و لا ينساهم... فلا تكن أعمى وأوجد حبّ الله في قلبك.
٭ هذه ستة نقاط واقعية لضبط النفس والإلتزام مع الله وهي مأخوذة من سنة رسول الله ؟ وهي مفاتيح لنيل رضا الله عز وجل :
1. الصلاة على وقتها لأنها من أفضل الأعمال المقربة إلى الله.
2. ذكر الله ولو لبضع دقائق في اليوم من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير.
3. الدعاء كل يوم بما تحتاج من الدنيا والآخرة.
4. المحافظة على قراءة القرآن كل يوم ولو صفحة واحدة على أقل تقدير.
5. البعد عن أصحاب السوء والإلتحاق بركب الصالحين.
6. الإكثار من الصلاة على النبي ؟، وكثرة الإستغفار آناء الليل وأطراف النهار.
إن محبة الله تتمثل في محبة رسوله وهما أمران متلازمان لا يصح أحدهما إلا بالآخر، فمن كمال محبة الله حب رسوله ؟، أيها المحبون لله إذا عُرف الداء سَهُل الدواء، فعن عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبي ؟ وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر يا رسول الله : لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي ؟ : (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر : فإنه الآن ، والله لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال النبي ؟ الآن يا عمر. وبذلك يُعلم أن محبته ؟ أصل من أصول الدين.
٭ أسباب جالبة لمحبة النبي ؟:
1. محبة الله عز وجل والأنس بذكره.
2. محبة قرابته وأهل بيته وأصحابه.
4. تمني رؤيته والشوق إلى لقاءه.
5. ذكر العاقبة الحميدة والأجر العظيم لمحبي النبي ؟.
6. تقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين.
إن محبة النبي ؟ درجتان. الأولى : فرض وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به النبي ؟ من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضى والتعظيم والتسليم. والثانية : فضل وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به وتحقيق الاقتداء بسنته وأخلاقه وآدابه ونوافله وطاعاته وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لأزواجه وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة.
٭ آثار محبة النبي ؟:
1. أنها جالبة لمحبة الله تعالى.
2ـ الإكثار من ذكره والثناء عليه بما يناسب مقام رسالته ونبوته.
3ـ الصلاة عليه ؟ والتأدب عند ذكره والاستماع لحديثه.
4ـ الاهتداء بهديه والتحاكم إلى سنته.
٭ صور من الجفاء مع النبي ؟:
1. عدم تطبيق سنته ظاهرا وباطنا.
2. الجهل بخصائصه ومعجزاته.
3. ترك الصلاة عليه لفظا وخطا.
صور للمحبة الصادقة
يقول سيدنا أبو بكر : كنا في الهجرة وأنا عطشان جدا، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول ؟، وقلت له اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر : فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت!!
لا تكذّب عينيك!؛ فالكلمة صحيحة و مقصودة، فهكذا قالها أبو بكرالصديق.. هل ذقت جمال هذا الحب ؟انه حب من نوع خاص!!.. أين نحن من هذا الحب؟!
واليك هذه ولا تتعجب، انه الحب.. يوم فتح مكة أسلم أبو قحافة، وكان اسلامه متأخرا جدا وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به الى النبي ؟ ليعلن اسلامه.
فقال النبي ؟ : (يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن اليه)، فقال أبو بكر :لأنت أحق أن يؤتى اليك يا رسول الله.. ثم بكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له : هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟ تخيّل.. ماذا قال أبو بكر؟
قال : كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب،لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر. سبحان الله ، فرحته لفرح النبي أكبر من فرحته لأبيه أين نحن من هذا الحب؟
ثوبان رضي الله عنه : غاب النبي ؟ طوال اليوم عن سيدنا ثوبان خادمه وحينما جاء قال له ثوبان : أوحشتني يا رسول الله وبكى، فقال له النبي ؟ : (أهذا يبكيك؟) قال ثوبان : لا يا رسول الله ولكن تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة فنزل قول الله تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}
إنه الحب الذي ملك قلوب أولئك الصحابة البررة الأطهار يوم أعلنوا الحب وقالوا : «يا رسول الله : هذه أموالنا بين يديك فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه، نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك»
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا
كفى بالمطابا طيب ذكراك حاديا[/align]
الحمد الله رب العالمين، الحمد لله الذي أنار قلوب عباده بالتقوى، وحظهم على الإعتصام بالعروة الوثقى، وهجر الفانية والركون إلى التى هي أقوم وأبقى، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا أما بعد، فالحب حبان حب روحي وحب عقلي، فالحب الروحي : شعور إنساني يتأثر بنوازع النفس، ويذيب الحواجز بين الطبقات، ويقرب بين الناس، ويختصر الفوارق في الجنس والشكل واللون، ولكم أسر من فؤاد، ولكم أذهب من عقل، وهو شعور متأصل في النفس البشرية.
أما الحب العقلي : إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله.
وقفة تأمل
هل الله جل وعلا يحب عبده الذي خلقه من تراب؟!
للإجابة على هذا السؤال لنبدأ من البدايه :
خلقه فنفخ فيه من روحه، ثم أطلعه على أسماء كل شيء، ثم أسجد له ملائكته، ثم خصه بمنزلة خاصة في الجنة، وحتى بعد الخروج على أمره، تاب عليه وغفر له، ثم أسكنه الأرض يتفيأ ظلالها، وسقاه من أنهارها، وأطعمه ألذ إدامها، وحمله في البر والبحر، وسخر له أسباباً ترفع من شأنه ليعش قرير العين هانيها، قال تعالى : {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات......}
ومما يلحق بذلك كثير نذكر منه مثلاً :
1. خلقه من ماء مهين وجعله في قرار مكين ثم أجرى له غذاءً و مأوىً حصيناً.
2. جعل له في الحياة زينة يهنأ بها كالمال والبنين والأنعام والحرث.
3. جعل القرآن مطمئناً له عند الخوف والجزع قال تعالى {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
هذا وغيره كثير يدلنا على محبة العلي القدير لهذا العبد الذليل، ولكن يتبادر إلى الأذهان سؤال هل هذه المحبة لكل عبد من عباده أم هي مخصصة لبعضهم فقط؟
جواب ذلك يظهر جلياً في كتاب الله العزيز قال تعالى :{فالله لا يحب الكافرين}
وقال سبحانه : {إن الله لا يحب الفرحين} المفتونون بزخارف الدنيا وبهارجها،
قال تعالى : {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين} فإياك والظلم لعباد الله،ومن ذلك
قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}،
ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}، ونحو ذلك.
إذن كان لزاماً على كل ذي لب أن يسعى جهده ليكون من الذين أحبهم الله واليك نماذج لمن يحبهم الله من كتاب الله يقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} فأكثر من التوبة والإنابة إلى الله، ويقول سبحانه : {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين} فاحرص على التقوى في السر والعلن، ويقول سبحانه : {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} فاصبر على طاعة ربك واصبر على ما أصابك، ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} فكن من المحسنين في كل أمورك في قولك في فعلك في عبادتك، ويقول جل جلاله : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين} فتوكل على الله حق التوكل في كل شؤون حياتك، ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فكن مقسطاً عادلاً في قولك وحكمك، ويقول سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوص} ومما يقربك من محبة الله أداء الفرائض ثم الاستكثار من النوافل أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؟: إِنَّ اللَّهَ قَال : «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه».
ومما يجلب لك حب العظيم أن تبتعد عما يكرهه سبحانه ولا يحبه فارجع إلى كتاب ربك وإلى سنة نبيك محمد ؟، معاشر المحبين لربهم إن محبة الله دعوى يستطيع كل أحد أن يدعيها لذلك وضع العليم الخبير مقياساً يوزن الإنسان به نفسه وغيره حول مدى صدق تلك الدعوى ألا وهي قوله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم}.
حقيقة المحبة
المحبة ليست قصصا تُروى، ولا كلمات تقال، ولا ترانيم تُغنى، المحبة لا تكون دعوة باللسان، ولا هياماً بالوجدان، وإنما هي طاعة لله ولرسوله ؟، المحبة عمل بمنهج الرسول ؟، تتجلى في السلوك والأفعال والأقوال.
أن محبة الله تعالى هي الدواء لاضطراب النفس، فبذكر الله تطمئن القلوب، وقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يحييهم حياة طيبة، كما قال سبحانه : {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} والحياة الطيبة تكون بإشراق الروح، وقرة العين، وسرور القلب بالله تعالى، الدين سلوى النفس من آلامها وطبيبها من أدمع وجراح، ومن محبة الله؛ محبة رسله وأنبيائه وملائكته وأوليائه والصالحين من عباده، وصحبتهم ومجالستهم ومخالطتهم والقرب منهم واقتباس أخلاقهم وعاداتهم والظفر بصالح دعواتهم. ومن محبته؛ محبة الإحسان إلى خلقه كافة، بما يتيسر من القول والفعل والدعاء والمساعدة والدعم والتفريج. وهذا من أسباب السعادة والطمأنينة، فالذين يسعون في إسعاد الناس وتحقيق مطالبهم هم الأكثر سعادة وهناء في الحياة. ومن محبة الله؛ صحبة كتابه الكريم قراءةً وتدبراً وتفهماً وعملاً ، فيكون المرء فيه حالاً ومرتحلاً لا ينتهي من سورة إلا ويشرع في أخرى، ولا يختم إلا ليستأنف من جديد. ومن محبة الله؛ محبة الصلاة لأنها معراج الروح إلى بارئها، وهي راحة النفس كما قال ؟ : (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)، وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر. ومن محبة الله؛ كثرة التوبة إليه واللجوء والقرب منه، فلا ييأس المسلم ولا يستعظم ذنبه أن يغفره الله، فالله يغفر الذنوب جميعاً، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
كيف نعرف رضا الله عنا ؟
من علامة رضا الرب عن عبده أن يوفقه لفعل الخيرات، واجتناب المحرمات قال تعالى : {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}، وأن يشرح صدره للهدى والايمان قال سبحانه : {فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام}، وان يحببه الى عباده ففي حديث حب الله للعبد ثم حب جبريل وأهل السماء له قال في آخره : «ثم يوضع له القبول في الأرض»
فسر العلماء محبة الله لعبده بأنها إرادت الخير له وهدايته ورحمته ونقيض ذلك بغض الله له والتقي هو الآتي بما يجب عليه المجتنب لما يحرم عليه.
قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، وقد يسأل سائل كيف يحبني الله ؟ فنقول له إلجأ إلى الله وأدع وتضرع إليه أن يجعلك ممن أحب، ثم أنظر من الذين يحبهم الله واسلك نهجهم
ومن علامات محبة الله.. محبة الله لك أنت خاصة .....
ان أعطاك الله الدين و الهدى، فاعلم ان الله يحبك.
وان أعطاك الله المشقّات و المصاعب و المشاكل فاعلم ان الله يحبك و يريد سماع صوتك في الدعاء.
وان أعطاك الله القليل فاعلم ان الله يحبك و انه سيعطيك الأكثر في الآخره.
وان أعطاك الله الرضا فاعلم ان الله يحبك وانه اعطاك اجمل نعمة.
وان أعطاك الله الصبر فاعلم ان الله يحبك و انك من الفائزين.
وان أعطاك الله الاخلاص فاعلم ان الله يحبك فكن من المخلصين.
وان أعطاك الله الحزن فاعلم ان الله يحبك و انه يخـتبر ايمانك ويبتليك.
وان أعطاك الله المال فاعلم ان الله يحبك و لا تبخل على الفقير والمسكين وابن السبيل.
وان أعطاك الله الفقر فاعلم ان الله يحبك واعطاك ما هو اغلى من المال من جوارح وأعضاء.
وان أعطاك الله لسان و قلب فاعلم ان الله يحبك فاستخدمهم في الخير و الاخلاص.
وان أعطاك الله الصلاة و الصوم و القرآن والقيام فاعلم ان الله يحبك فلا تكن من الغافلين.
وان أعطاك الله الاسلام فاعلم انه يحبك، ان الله يحبك، كيف لا تحبه ؟؟؟
ان الله أعطاك الكثير فكيف لا تعطيه حبك ؟؟؟
الله يحب عباده و لا ينساهم... فلا تكن أعمى وأوجد حبّ الله في قلبك.
٭ هذه ستة نقاط واقعية لضبط النفس والإلتزام مع الله وهي مأخوذة من سنة رسول الله ؟ وهي مفاتيح لنيل رضا الله عز وجل :
1. الصلاة على وقتها لأنها من أفضل الأعمال المقربة إلى الله.
2. ذكر الله ولو لبضع دقائق في اليوم من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير.
3. الدعاء كل يوم بما تحتاج من الدنيا والآخرة.
4. المحافظة على قراءة القرآن كل يوم ولو صفحة واحدة على أقل تقدير.
5. البعد عن أصحاب السوء والإلتحاق بركب الصالحين.
6. الإكثار من الصلاة على النبي ؟، وكثرة الإستغفار آناء الليل وأطراف النهار.
إن محبة الله تتمثل في محبة رسوله وهما أمران متلازمان لا يصح أحدهما إلا بالآخر، فمن كمال محبة الله حب رسوله ؟، أيها المحبون لله إذا عُرف الداء سَهُل الدواء، فعن عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبي ؟ وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر يا رسول الله : لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي ؟ : (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر : فإنه الآن ، والله لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال النبي ؟ الآن يا عمر. وبذلك يُعلم أن محبته ؟ أصل من أصول الدين.
٭ أسباب جالبة لمحبة النبي ؟:
1. محبة الله عز وجل والأنس بذكره.
2. محبة قرابته وأهل بيته وأصحابه.
4. تمني رؤيته والشوق إلى لقاءه.
5. ذكر العاقبة الحميدة والأجر العظيم لمحبي النبي ؟.
6. تقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين.
إن محبة النبي ؟ درجتان. الأولى : فرض وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به النبي ؟ من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضى والتعظيم والتسليم. والثانية : فضل وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به وتحقيق الاقتداء بسنته وأخلاقه وآدابه ونوافله وطاعاته وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لأزواجه وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة.
٭ آثار محبة النبي ؟:
1. أنها جالبة لمحبة الله تعالى.
2ـ الإكثار من ذكره والثناء عليه بما يناسب مقام رسالته ونبوته.
3ـ الصلاة عليه ؟ والتأدب عند ذكره والاستماع لحديثه.
4ـ الاهتداء بهديه والتحاكم إلى سنته.
٭ صور من الجفاء مع النبي ؟:
1. عدم تطبيق سنته ظاهرا وباطنا.
2. الجهل بخصائصه ومعجزاته.
3. ترك الصلاة عليه لفظا وخطا.
صور للمحبة الصادقة
يقول سيدنا أبو بكر : كنا في الهجرة وأنا عطشان جدا، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول ؟، وقلت له اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر : فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت!!
لا تكذّب عينيك!؛ فالكلمة صحيحة و مقصودة، فهكذا قالها أبو بكرالصديق.. هل ذقت جمال هذا الحب ؟انه حب من نوع خاص!!.. أين نحن من هذا الحب؟!
واليك هذه ولا تتعجب، انه الحب.. يوم فتح مكة أسلم أبو قحافة، وكان اسلامه متأخرا جدا وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به الى النبي ؟ ليعلن اسلامه.
فقال النبي ؟ : (يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن اليه)، فقال أبو بكر :لأنت أحق أن يؤتى اليك يا رسول الله.. ثم بكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له : هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟ تخيّل.. ماذا قال أبو بكر؟
قال : كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب،لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر. سبحان الله ، فرحته لفرح النبي أكبر من فرحته لأبيه أين نحن من هذا الحب؟
ثوبان رضي الله عنه : غاب النبي ؟ طوال اليوم عن سيدنا ثوبان خادمه وحينما جاء قال له ثوبان : أوحشتني يا رسول الله وبكى، فقال له النبي ؟ : (أهذا يبكيك؟) قال ثوبان : لا يا رسول الله ولكن تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة فنزل قول الله تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}
إنه الحب الذي ملك قلوب أولئك الصحابة البررة الأطهار يوم أعلنوا الحب وقالوا : «يا رسول الله : هذه أموالنا بين يديك فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه، نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك»
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا
كفى بالمطابا طيب ذكراك حاديا[/align]
تعليق