إبراهيم الفارسي رحلة مثمرة من إرشاد علاج الإدمان
ويأمل في تقديم خبراته لوطنه
الرؤية: أحمد الهنائي
يعتبر إبراهيم بن علي بن سالم الفارسي أول مرشد علاج إدمان في السلطنة، وهو من المكافحين الأوائل لآفة المخدرات في مسقط، ذلك أنه عاش بداية حياته في حارةٍ كثر بها المدمنين، ورأى أصدقائه يتهاوون الواحد تلو الآخر، كان يقض مضجعه رؤية ذلك السم القاتل ينتشر في كل مكان، فتعدى الأمر من المعارف إلى الأصدقاء، يقول الفارسي وهو يشاهد تلك المواقف: أشعرُ بغصةٍ كبيرة، وأنا أرى زملائي وهم يتعاطون مواد مخدرة، بالرغم من أن بعضهم يمتلك أخلاقاً عالية، لكن هذا الأفيون استشرى بينهم، ربما بعوامل داخلية تختص بالفرد ذاته من هواجس نفسية، ومن ضياعٍ داخلي، ومن ضعف الثقافة وعدم السيطرة على الذات، وقد تكون بعوامل خارجية كالخلافات العائلية التي تفضي إلى انفصال الوالدين وبداية رحلة الشتات لدى الأبناء، أو كالرفقة والقرناء الذين يجذبونه رويداً رويداُ إلى عالمهم، أو تأثير الفضايات والبلوتوث والتقنيات الجديدة وما تلقي به من ظلال سلبية. لكن الوضع كان مأساوياً جداً، وأنا أتأمل الشباب يخدرون أنفسهم، ويرحلون في عالمهم، وقد بدأت أجسامهم تضعف وتهن.
من هنا شرع الفارسي في رسم معالم توجهاته، فنذر نفسه لأن يخلص أولئك القوم من ذلكم السم الهاري، فحادثهم كثيراً ولم يفلح، استخدم أسلوب النصيحة بالمشافهة فما استطاع إلى تغيير قناعتهم سبيلا، جرب كل الطرق الممكنة فخذلته الطرق البدائية المتمثلة في "الأشرطة السمعية، والكتب والمجلات والمحاضرات" ليضيق به الحال، لكنه لم ييأس، ولم يثنهِ كل ذلك عن عزمه في مواصلة رحلة البحث عن علاجٍ لضحايا المخدرات.
بصيص أملٍ جديد
وبعد رحلة بحثٍ استمرت سنوات، سافر فيها إلى الخارج للاستفادة من تجارب الآخرين، وتحرك في الداخل لمناطق كثيرة ولم يستفد شيئا؛ سمع عن مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام بالمملكة العربية السعودية، فقررت زيارته، فهاله ما رأى من تنظيم ودقة في المعاملة، وتشخيص شاملٍ للحالة، وعلاجٍ متخصص، يجد المريض فيها عناية جسدية ونفسية وعقلية وإرشادية وسط برامج صحية متكاملة ومنظمة تصل إلى سنتين، وفق جدولٍ محدد بالساعة والدقيقة، فسرَّ بذلك كثيراً، وأدرك أنه وجد الحلَّ المناسب الذي يبحث عنه منذ أمد، خصوصاً وأنه عَلِمَ بأن المجمع يقدم دوراتٍ علمية وعمليةٍ على مستوىً عالٍ من الجودة لمرشدي علاج الإدمان.
رغب في الالتحاق في تلك الدورة، لكنه فوجئ بأنها مخصصة للشباب السعودي فقط، وأنه لا يمكنه بحالٍ من الأحوال من الانخراط فيها، جنَّ جنونه، فأزبد وأرعد وزمجر، وأصرَّ على الدخول إلى تلك الدورة، ولو كلفه الأمر إحضار "باقة وردٍ" من "المريخ" فسعى في طلب الوساطة من هنا وهناك، وخاطب المسؤولين في المملكة والمعنيين، وأخيراً جاءه الفرج بالموافقة، بعدما رأوا إلحاحه الشديد ورغبته العارمة في الالتحاق بالدورة والاستفادة منها، وقد قال عن محاولاته الشديدة: "كنت أصرَّ على الالتحاق بالدورة التدريبية الأولى، ذلك أني أحملُ همَّ أبناء جلدتي، فقد رأيتهم يتهاوون، وأحببت أن أجعل لذلك النزيف حدّاً، وأن أساهم في محاربة الآفة الفتاكة، طرقت كل الأبواب، ولم أتخاذل في الأمر، ذلك أني كنت أعتبرها مهمةً وطنية، وفريضةً إنسانية، ويجب عليَّ أن أمدَّ يد العون للمحتاجين، ولن أتمكن من ذلك إن لم أتسلح بسلاح المعرفة والعلم والتخصص الدقيق، وقد حققت المراد، ودخلت الدورة التدريبية الأولى، وكانت مدتها سنتين، وحاضر بها أساتذة معروفون، وأصحاب باعٍ طويلٍ في الإرشاد، وهم وفدوا من أمريكا وبريطانيا، فكانت الدورة باللغة الإنجليزية، إنما هناك مترجمون يشرحون لنا باللغة العربية، وبعد عامين من التدريب حصلت على شهادة "cdc.
دورة تأهيل جديدة
لم تقف رغبة الفارسي عند هذا الحد، بل دخل دورةً تدريبية أخرى، وهي "إعداد مرشدي التعافي" ومدتها ستة أشهر، وقد وصفها إبراهيم بقوله: الدورة الثانية بالنسبة لي كانت في غاية الأهمية، حيث أنها تؤهل المرشدين لمرحلة متابعة المتعافين، والشفاء من ذلكم المرض المزعج، وهي في نظري مرحلة الإنقاذ، وعليه؛ وجب عليَّ أن أكون أكثر إلماماً ومعرفة بالموضوع، وبالفعل دخلت الدورة، التي كانت من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة ظهراً، إذ تكون الساعتين الأوليتين مجرد دروسٍ نظرية، فيما تكون الساعات الباقية للجرعات العملية وهي الأكبر والأكثر فائدة، والتطبيق يتم في أجنحة مستشفى الأمل. وبدأنا نلتقي بمدمنين في طريق التأهيل للتشافي، وكانت سعادتي غامرةً، ولم أستطع وصفها، وأنا أمسك بيد المدمن وأعاهده على إنقاذه والخروج به إلى بر الأمان. راحةٌ نفسية كانت تتملكني وتسيطر عليَّ، وأنا أرى حلمي بدأ في التحقق، وبدأت أنظر بنظرة الحب لكل من سعيت للتخصص في هذا المجال لأجلهم".
بعد ستة أشهر أنهى الفارسي دورته التدريبية الثانية، وقد حصل على نتيجةٍ ممتازة في الدورتين، وأوضح جديةً كبيرةً في مجال إرشاد علاج الإدمان، مما حدا بالمسؤولين في المستشفى لعرض رغبتهم عليه للعمل مرشداً لعلاج الإدمان في المستشفى، فلم يخيب رجائهم، فقرر الانضمام إلى المعالجين، وبذلك يكون إبراهيم أول عماني يحصل على شهادة إرشاد علاج الإدمان، وهو كذلك أول عماني يعمل في مجمع الأمل الصحي، وكان ذلك في عام 2000م.
عملٌ مصحوبٌ بالدعوات
وعن بداياته في العمل قال: وجدت متعةً كبيرة وأنا أتنقل بين أفياء المستشفى، وما جعلني أغدو نشواناً، هو أنني لمحت في عيون المدمنين أنهم واقعون في مأزقٍ كبير، ويبحثون عمن يخرجهم منه، وكنت أفتح لهم قلبي، وأعاملهم وكأنهم جزءٌ مني؛ لم أرشد أحدهم إلا وجعلته يشعر بأنه ليس سوى مجرد مريض، بل هو أخٌ وقريبٌ وحبيب، كانوا يلمحون في عيني الرغبة الصادقة والعزم الأكيد على تغيير وضعهم، فكانوا يتفاعلون معي، ويخبروني عن أدق تفاصيلهم معيشتهم الخاصة، وكانت أجمل لحظات حياتي، حينما أسمع دعوات الوالدين لي على مساندة ذويهم، وهم يهاتفونني بشكلٍ مستمرة، وكم ترن في أذني رنيناً عذباً كلمات أمهاتهم وهن يقلن "جزاك الله الجنة يا ولدي، وعسى أن لا يريك الله مكروها في حياتك، ويوفق أهلك وأولادك".
استقبال المدمنين العمانيين
بعد أقلَّ من عام، تمكن إبراهيم من ترتيب أمور استقبال المدمنين العمانيين في مجمع الأمل الصحي، بالرغم من أن المستشفى حكومي، ولا يعالج غير السعوديين، لكن إبراهيم قطع عهداً على نفسه أن يعمل المستحيل وإن اضطر لنحت الجبال لفعل، من أجل أن يوفر العلاج لأبناء بلده. وفي عام 2001م شعر إبراهيم بالفخر والرضا التام عن نفسه، يوم تمكن من توفير سريرين لمدمنيين عمانيين، سهر على علاجهما وإرشادهما، وقد تماثلا للشفاء تماماً بعدها، وهما اليوم عضوان فاعلان في زمالة المدمنين المجهولين في مدينة السلطان قابوس والعذيبة.
بعدها بدأ إبراهيم يتلقى الاتصالات برغبة الكثيرين في علاج أبنائهم، وغدت الجمعيات الخيرية والتطوعية تنسق معه في استقبال أفواج من المدمنين، وفي كل مرة يدخل إبراهيم في صراعٍ مرير ويواجه جبهاتٍ مختلفة من أجل أخذ الإذن لهم بالعلاج وتوفير الأسرّة، وبالرغم من المتاعب التي يلاقيها، والغمز واللمز بالكلام المزعج الذي يتلقاه من هنا وهناك، وبالرغم من أنه يحول منزله الذي استأجره في الدمام إلى مخزن لأغراضهم الخاصة، وفي أحيان كثيرة يدفع من جيبه الكثير، وبالرغم من أن وضعه المالي ليس على ما يرام، لكنما لأجل إنقاذ الناس من الهاوية التي هم على شفيرها يرخص الغالي والنفيس ويجود بكل ما يملك.
أمل العودة
أمضى الفارسي أكثر من عشر سنواتٍ مرشداً لعلاج الإدمان بالدمام، ولا يزال يواصل عمله هنالك، بل لا يقتصر على العمل داخل أركان المستشفى، وإنما يقوم بمحاضرات توعوية وإرشادية في مختلف مدارس المملكة، وهو كذلك عضوٌ في اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في السعودية، وعضو في جمعية التعافي الخيرية، كما يقوم في الصيف بالمشاركة في المجمعات الصيفية والمنتديات والملتقيات والأمسيات، سواء كانت في الجامعات أو التي تنظمها المؤسسات الأهلية أو الخاصة، يشارك من خلالها في أكثر من ثمانية ندوات في الشهر.
إبراهيم الفارسي الذي نقل عائلته إلى الدمام من أجل أن يكونوا قريبين منه، ليستطيع من مواصلة عمله بأريحية وصفاء نفس، يفكر حالياً في العودة إلى أرض السلطنة والعمل بها، كي يتسنى له دراسة أبنائه في جامعة السلطان قابوس، فلديه حالياً خمسة أبناء، أكبرهم طالبة بكلية الطب بجامعة السلطان قابوس، كما انه يرغب بشدة في أن يقدم كل خدماته وخبراته لخدمة وطنه وبلده، خصوصاً مع قرب الانتهاء من مستشفى ابن سيناء الجديد، والذي تم تخصيص قسمٌ كبير بداخله لعلاج المدمنين وإعدادهم للتعافي، على آمل أن نرى الفارسي يأخذ بأيدي أبناء بلده ويحرص على منعهم من الاقتراب من ذلكم الداء المميت، وحينها سيتحقق حلمه الذي قضى أكثر من أحد عشر عاماً يجري وراءه لتحقيقه، لتصدق المقولة "لكل مجتهدٍ نصيب" ومن قبلها قوله تعالى: "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا".
ويأمل في تقديم خبراته لوطنه
الرؤية: أحمد الهنائي
يعتبر إبراهيم بن علي بن سالم الفارسي أول مرشد علاج إدمان في السلطنة، وهو من المكافحين الأوائل لآفة المخدرات في مسقط، ذلك أنه عاش بداية حياته في حارةٍ كثر بها المدمنين، ورأى أصدقائه يتهاوون الواحد تلو الآخر، كان يقض مضجعه رؤية ذلك السم القاتل ينتشر في كل مكان، فتعدى الأمر من المعارف إلى الأصدقاء، يقول الفارسي وهو يشاهد تلك المواقف: أشعرُ بغصةٍ كبيرة، وأنا أرى زملائي وهم يتعاطون مواد مخدرة، بالرغم من أن بعضهم يمتلك أخلاقاً عالية، لكن هذا الأفيون استشرى بينهم، ربما بعوامل داخلية تختص بالفرد ذاته من هواجس نفسية، ومن ضياعٍ داخلي، ومن ضعف الثقافة وعدم السيطرة على الذات، وقد تكون بعوامل خارجية كالخلافات العائلية التي تفضي إلى انفصال الوالدين وبداية رحلة الشتات لدى الأبناء، أو كالرفقة والقرناء الذين يجذبونه رويداً رويداُ إلى عالمهم، أو تأثير الفضايات والبلوتوث والتقنيات الجديدة وما تلقي به من ظلال سلبية. لكن الوضع كان مأساوياً جداً، وأنا أتأمل الشباب يخدرون أنفسهم، ويرحلون في عالمهم، وقد بدأت أجسامهم تضعف وتهن.
من هنا شرع الفارسي في رسم معالم توجهاته، فنذر نفسه لأن يخلص أولئك القوم من ذلكم السم الهاري، فحادثهم كثيراً ولم يفلح، استخدم أسلوب النصيحة بالمشافهة فما استطاع إلى تغيير قناعتهم سبيلا، جرب كل الطرق الممكنة فخذلته الطرق البدائية المتمثلة في "الأشرطة السمعية، والكتب والمجلات والمحاضرات" ليضيق به الحال، لكنه لم ييأس، ولم يثنهِ كل ذلك عن عزمه في مواصلة رحلة البحث عن علاجٍ لضحايا المخدرات.
بصيص أملٍ جديد
وبعد رحلة بحثٍ استمرت سنوات، سافر فيها إلى الخارج للاستفادة من تجارب الآخرين، وتحرك في الداخل لمناطق كثيرة ولم يستفد شيئا؛ سمع عن مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام بالمملكة العربية السعودية، فقررت زيارته، فهاله ما رأى من تنظيم ودقة في المعاملة، وتشخيص شاملٍ للحالة، وعلاجٍ متخصص، يجد المريض فيها عناية جسدية ونفسية وعقلية وإرشادية وسط برامج صحية متكاملة ومنظمة تصل إلى سنتين، وفق جدولٍ محدد بالساعة والدقيقة، فسرَّ بذلك كثيراً، وأدرك أنه وجد الحلَّ المناسب الذي يبحث عنه منذ أمد، خصوصاً وأنه عَلِمَ بأن المجمع يقدم دوراتٍ علمية وعمليةٍ على مستوىً عالٍ من الجودة لمرشدي علاج الإدمان.
رغب في الالتحاق في تلك الدورة، لكنه فوجئ بأنها مخصصة للشباب السعودي فقط، وأنه لا يمكنه بحالٍ من الأحوال من الانخراط فيها، جنَّ جنونه، فأزبد وأرعد وزمجر، وأصرَّ على الدخول إلى تلك الدورة، ولو كلفه الأمر إحضار "باقة وردٍ" من "المريخ" فسعى في طلب الوساطة من هنا وهناك، وخاطب المسؤولين في المملكة والمعنيين، وأخيراً جاءه الفرج بالموافقة، بعدما رأوا إلحاحه الشديد ورغبته العارمة في الالتحاق بالدورة والاستفادة منها، وقد قال عن محاولاته الشديدة: "كنت أصرَّ على الالتحاق بالدورة التدريبية الأولى، ذلك أني أحملُ همَّ أبناء جلدتي، فقد رأيتهم يتهاوون، وأحببت أن أجعل لذلك النزيف حدّاً، وأن أساهم في محاربة الآفة الفتاكة، طرقت كل الأبواب، ولم أتخاذل في الأمر، ذلك أني كنت أعتبرها مهمةً وطنية، وفريضةً إنسانية، ويجب عليَّ أن أمدَّ يد العون للمحتاجين، ولن أتمكن من ذلك إن لم أتسلح بسلاح المعرفة والعلم والتخصص الدقيق، وقد حققت المراد، ودخلت الدورة التدريبية الأولى، وكانت مدتها سنتين، وحاضر بها أساتذة معروفون، وأصحاب باعٍ طويلٍ في الإرشاد، وهم وفدوا من أمريكا وبريطانيا، فكانت الدورة باللغة الإنجليزية، إنما هناك مترجمون يشرحون لنا باللغة العربية، وبعد عامين من التدريب حصلت على شهادة "cdc.
دورة تأهيل جديدة
لم تقف رغبة الفارسي عند هذا الحد، بل دخل دورةً تدريبية أخرى، وهي "إعداد مرشدي التعافي" ومدتها ستة أشهر، وقد وصفها إبراهيم بقوله: الدورة الثانية بالنسبة لي كانت في غاية الأهمية، حيث أنها تؤهل المرشدين لمرحلة متابعة المتعافين، والشفاء من ذلكم المرض المزعج، وهي في نظري مرحلة الإنقاذ، وعليه؛ وجب عليَّ أن أكون أكثر إلماماً ومعرفة بالموضوع، وبالفعل دخلت الدورة، التي كانت من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة ظهراً، إذ تكون الساعتين الأوليتين مجرد دروسٍ نظرية، فيما تكون الساعات الباقية للجرعات العملية وهي الأكبر والأكثر فائدة، والتطبيق يتم في أجنحة مستشفى الأمل. وبدأنا نلتقي بمدمنين في طريق التأهيل للتشافي، وكانت سعادتي غامرةً، ولم أستطع وصفها، وأنا أمسك بيد المدمن وأعاهده على إنقاذه والخروج به إلى بر الأمان. راحةٌ نفسية كانت تتملكني وتسيطر عليَّ، وأنا أرى حلمي بدأ في التحقق، وبدأت أنظر بنظرة الحب لكل من سعيت للتخصص في هذا المجال لأجلهم".
بعد ستة أشهر أنهى الفارسي دورته التدريبية الثانية، وقد حصل على نتيجةٍ ممتازة في الدورتين، وأوضح جديةً كبيرةً في مجال إرشاد علاج الإدمان، مما حدا بالمسؤولين في المستشفى لعرض رغبتهم عليه للعمل مرشداً لعلاج الإدمان في المستشفى، فلم يخيب رجائهم، فقرر الانضمام إلى المعالجين، وبذلك يكون إبراهيم أول عماني يحصل على شهادة إرشاد علاج الإدمان، وهو كذلك أول عماني يعمل في مجمع الأمل الصحي، وكان ذلك في عام 2000م.
عملٌ مصحوبٌ بالدعوات
وعن بداياته في العمل قال: وجدت متعةً كبيرة وأنا أتنقل بين أفياء المستشفى، وما جعلني أغدو نشواناً، هو أنني لمحت في عيون المدمنين أنهم واقعون في مأزقٍ كبير، ويبحثون عمن يخرجهم منه، وكنت أفتح لهم قلبي، وأعاملهم وكأنهم جزءٌ مني؛ لم أرشد أحدهم إلا وجعلته يشعر بأنه ليس سوى مجرد مريض، بل هو أخٌ وقريبٌ وحبيب، كانوا يلمحون في عيني الرغبة الصادقة والعزم الأكيد على تغيير وضعهم، فكانوا يتفاعلون معي، ويخبروني عن أدق تفاصيلهم معيشتهم الخاصة، وكانت أجمل لحظات حياتي، حينما أسمع دعوات الوالدين لي على مساندة ذويهم، وهم يهاتفونني بشكلٍ مستمرة، وكم ترن في أذني رنيناً عذباً كلمات أمهاتهم وهن يقلن "جزاك الله الجنة يا ولدي، وعسى أن لا يريك الله مكروها في حياتك، ويوفق أهلك وأولادك".
استقبال المدمنين العمانيين
بعد أقلَّ من عام، تمكن إبراهيم من ترتيب أمور استقبال المدمنين العمانيين في مجمع الأمل الصحي، بالرغم من أن المستشفى حكومي، ولا يعالج غير السعوديين، لكن إبراهيم قطع عهداً على نفسه أن يعمل المستحيل وإن اضطر لنحت الجبال لفعل، من أجل أن يوفر العلاج لأبناء بلده. وفي عام 2001م شعر إبراهيم بالفخر والرضا التام عن نفسه، يوم تمكن من توفير سريرين لمدمنيين عمانيين، سهر على علاجهما وإرشادهما، وقد تماثلا للشفاء تماماً بعدها، وهما اليوم عضوان فاعلان في زمالة المدمنين المجهولين في مدينة السلطان قابوس والعذيبة.
بعدها بدأ إبراهيم يتلقى الاتصالات برغبة الكثيرين في علاج أبنائهم، وغدت الجمعيات الخيرية والتطوعية تنسق معه في استقبال أفواج من المدمنين، وفي كل مرة يدخل إبراهيم في صراعٍ مرير ويواجه جبهاتٍ مختلفة من أجل أخذ الإذن لهم بالعلاج وتوفير الأسرّة، وبالرغم من المتاعب التي يلاقيها، والغمز واللمز بالكلام المزعج الذي يتلقاه من هنا وهناك، وبالرغم من أنه يحول منزله الذي استأجره في الدمام إلى مخزن لأغراضهم الخاصة، وفي أحيان كثيرة يدفع من جيبه الكثير، وبالرغم من أن وضعه المالي ليس على ما يرام، لكنما لأجل إنقاذ الناس من الهاوية التي هم على شفيرها يرخص الغالي والنفيس ويجود بكل ما يملك.
أمل العودة
أمضى الفارسي أكثر من عشر سنواتٍ مرشداً لعلاج الإدمان بالدمام، ولا يزال يواصل عمله هنالك، بل لا يقتصر على العمل داخل أركان المستشفى، وإنما يقوم بمحاضرات توعوية وإرشادية في مختلف مدارس المملكة، وهو كذلك عضوٌ في اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في السعودية، وعضو في جمعية التعافي الخيرية، كما يقوم في الصيف بالمشاركة في المجمعات الصيفية والمنتديات والملتقيات والأمسيات، سواء كانت في الجامعات أو التي تنظمها المؤسسات الأهلية أو الخاصة، يشارك من خلالها في أكثر من ثمانية ندوات في الشهر.
إبراهيم الفارسي الذي نقل عائلته إلى الدمام من أجل أن يكونوا قريبين منه، ليستطيع من مواصلة عمله بأريحية وصفاء نفس، يفكر حالياً في العودة إلى أرض السلطنة والعمل بها، كي يتسنى له دراسة أبنائه في جامعة السلطان قابوس، فلديه حالياً خمسة أبناء، أكبرهم طالبة بكلية الطب بجامعة السلطان قابوس، كما انه يرغب بشدة في أن يقدم كل خدماته وخبراته لخدمة وطنه وبلده، خصوصاً مع قرب الانتهاء من مستشفى ابن سيناء الجديد، والذي تم تخصيص قسمٌ كبير بداخله لعلاج المدمنين وإعدادهم للتعافي، على آمل أن نرى الفارسي يأخذ بأيدي أبناء بلده ويحرص على منعهم من الاقتراب من ذلكم الداء المميت، وحينها سيتحقق حلمه الذي قضى أكثر من أحد عشر عاماً يجري وراءه لتحقيقه، لتصدق المقولة "لكل مجتهدٍ نصيب" ومن قبلها قوله تعالى: "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا".
تعليق