مشاهدات
كل العمانيين علماء
الرؤية: أحمد الهنائي
انشغل كثيرٌ من الناس يوم الثلاثاء بأمر رؤية الهلال، ولا حديث آخر يعلوه، فهو أمرٌ بالغٌ في الأهمية، إن التقيت الكهول منهم، فأول ما يبادرونك بالحديث عنه هو رؤية الهلال، طارحين عليك سؤالاً تقليديا يعبر عن مثار اهتمامهم: هل غداً غرة رمضان؟ هذا السؤال لا يأتي في العادة بعد الثامنة ليلاً، وإنما في طوال فترة اليوم، مع بداية إشراقة الشمس الباسمة، وإن حاولت محادثة أحدٌ من الزملاء، سيطرح عليك نفس السؤال، وكذلك الأطفال الذين هم في سنٍ صغير قد لا يؤهلهم بمعرفة "رمضان"، ولكنهم يعكسون كذلك واقع الحالة التي يشاهدونها في البيت.
المثير في الأمر وإن كان يبلغ حد الغرابة، هي تلكم المراهنات بين تمام شعبان أو بداية رمضان، فالكل يغدو عالماً، ولنقل بأسلوبٍ أدقٍ "متفلسفاً" فلا أحد يقول "لا أعرف" أو "سننتظر رؤية الهلال" وإنما يتحدثون بثقة كبيرة بأن غداً رمضان أو لا، والمضحك أن أحدهم راهنني أن غداً رمضان، ومستعدٌ أن يدفع لي خمسين ريالاً إن حدث خلاف ذلك، وفي المقابل إن أصاب في قوله أدفع له المبلغ ذاته، والفرصة مواتية لأن يكسب أحدنا هذا المبلغ بدون جهدٍ أو عناء، لكنني أؤمن بأن المراهنات محرمةً شرعاً، خلاف أنني لا أتحدث عن أمرٍ غيبي، لا أستطيع تحديد ملامحه، وإن كان الفلك يسهل الأمر كثيراً، لذلك لن يخسر أحدنا "الخمسين"... إنما هنالك حمقى غيرنا، يراهنون على مثل هذه الأمور، وفي غالبيتهم على مستوىً قليلٍ من الوعي والمعرفة.
الأمر الآخر الذي يدعوك للدهشة والامتعاض، هم أولئك الذين ينصبون أنفسهم علماء، يفتون في أمورٍ دقيقة، ولا يملكون درايةً بفقهٍ أو فلك، فتسمعهم يهرفون بكلماتٍ لا أصل له من إدراك، ذلك أنهم يقولون بأن رمضان سيكون يوم الخميس، وهذا مؤكدٌ لا ريب فيه، فالسلطنة لا تتفق أبداً مع شقيقاتها من البلدان الخليجية، وأننا نسعى لأن نكون مختلفين عن الدولة الفلانية، لا أكثر، ولا أقل، ولذلك لن تعلن رؤية الهلال، لأن الأربعاء هو غرة رمضان في الدول الأخرى. لا يكتفون بذلك فحسب، بل يدخلون في خوض نقاطٍ لا ينبغي تناولها، خصوصاً وأننا نعيش في بلد لا يعترف بالمذهبية والعنصرية والتفرقة، فالكل عماني، ولا فرق بين هذا وذاك.
أحدهم يتحدث بالأمس باستفاضة عن أن الهلال إن شوهد في المملكة العربية السعودية فمن الطبيعي أن تتم مشاهدته في الإمارات العربية المتحدة وفي سلطنة عمان، وذهب إلى شرحٍ دقيق، أو فلنقل إلى "تخبيصٍ عميق" فهو جاهلٌ جهلاً كبيراًً بالفلك، بل أنه إلى وقتٍ قريب كان يعد علم الفلك صنفاً من التنبؤ والكهانة وأن من يعمل به لا يعدو أن يكون عرّافاً، وأنهم لا يملكون القدرة على معرفة الأيام وحسابها بدقة فذلك نوعٌ من الرجم بالغيب، وهو كذلك لا يعلم عن ميلاد الهلال وفترة ظهوره، ولا يعي شيئاً من الفقه، إضافة إلى جهله بالسنة النبوية، ولا يحفظ من آيات الله إلا النزر اليسير، فمن أين له كل هذه المعرفة بالمنطق الذي يتحدث عنه بعشوائيةٍ متخبطة؟!
أخيراً، شاهدت في المقابل رجلاً ملتحي يدافع دفاع المستميت عن أن ما قاله الأخ أعلاه ليس سليماً، وكل ما يقول: "نحن على صواب، والآخرون على خطا" ويصر على ذلك ويقسم بأيمانٍ مغلظة، ويدور في فلكه الضيق، من غير أن يسرد دليلاً واحداُ، أو برهاناً عملياً مقنعاً، جميع ما قاله ليست سوى عبارات تنم عن تعصبٍ وجهل، ليس إلّا.
نأمل أن نترك المجال لأهل الاختصاص، وأن لا نفتي في أمورٍ لا نعلم عنها شيئاً، وأن لا نتهجم على الآخرين، فجميع البلدان لديها علمائها وفقهائها ومشائخها وموجهوها، ولا يديرون شؤون حياتهم ودينيهم جزافاً، ولنتقِ الله في أنفسنا ولا نشيع أفكاراً غريبة قد يتأثر بها من لم يؤته الله نصيباً وافراً من الفهم... ورمضان كريم، وإفطار شهي ساعة المغيب.
كل العمانيين علماء
الرؤية: أحمد الهنائي
انشغل كثيرٌ من الناس يوم الثلاثاء بأمر رؤية الهلال، ولا حديث آخر يعلوه، فهو أمرٌ بالغٌ في الأهمية، إن التقيت الكهول منهم، فأول ما يبادرونك بالحديث عنه هو رؤية الهلال، طارحين عليك سؤالاً تقليديا يعبر عن مثار اهتمامهم: هل غداً غرة رمضان؟ هذا السؤال لا يأتي في العادة بعد الثامنة ليلاً، وإنما في طوال فترة اليوم، مع بداية إشراقة الشمس الباسمة، وإن حاولت محادثة أحدٌ من الزملاء، سيطرح عليك نفس السؤال، وكذلك الأطفال الذين هم في سنٍ صغير قد لا يؤهلهم بمعرفة "رمضان"، ولكنهم يعكسون كذلك واقع الحالة التي يشاهدونها في البيت.
المثير في الأمر وإن كان يبلغ حد الغرابة، هي تلكم المراهنات بين تمام شعبان أو بداية رمضان، فالكل يغدو عالماً، ولنقل بأسلوبٍ أدقٍ "متفلسفاً" فلا أحد يقول "لا أعرف" أو "سننتظر رؤية الهلال" وإنما يتحدثون بثقة كبيرة بأن غداً رمضان أو لا، والمضحك أن أحدهم راهنني أن غداً رمضان، ومستعدٌ أن يدفع لي خمسين ريالاً إن حدث خلاف ذلك، وفي المقابل إن أصاب في قوله أدفع له المبلغ ذاته، والفرصة مواتية لأن يكسب أحدنا هذا المبلغ بدون جهدٍ أو عناء، لكنني أؤمن بأن المراهنات محرمةً شرعاً، خلاف أنني لا أتحدث عن أمرٍ غيبي، لا أستطيع تحديد ملامحه، وإن كان الفلك يسهل الأمر كثيراً، لذلك لن يخسر أحدنا "الخمسين"... إنما هنالك حمقى غيرنا، يراهنون على مثل هذه الأمور، وفي غالبيتهم على مستوىً قليلٍ من الوعي والمعرفة.
الأمر الآخر الذي يدعوك للدهشة والامتعاض، هم أولئك الذين ينصبون أنفسهم علماء، يفتون في أمورٍ دقيقة، ولا يملكون درايةً بفقهٍ أو فلك، فتسمعهم يهرفون بكلماتٍ لا أصل له من إدراك، ذلك أنهم يقولون بأن رمضان سيكون يوم الخميس، وهذا مؤكدٌ لا ريب فيه، فالسلطنة لا تتفق أبداً مع شقيقاتها من البلدان الخليجية، وأننا نسعى لأن نكون مختلفين عن الدولة الفلانية، لا أكثر، ولا أقل، ولذلك لن تعلن رؤية الهلال، لأن الأربعاء هو غرة رمضان في الدول الأخرى. لا يكتفون بذلك فحسب، بل يدخلون في خوض نقاطٍ لا ينبغي تناولها، خصوصاً وأننا نعيش في بلد لا يعترف بالمذهبية والعنصرية والتفرقة، فالكل عماني، ولا فرق بين هذا وذاك.
أحدهم يتحدث بالأمس باستفاضة عن أن الهلال إن شوهد في المملكة العربية السعودية فمن الطبيعي أن تتم مشاهدته في الإمارات العربية المتحدة وفي سلطنة عمان، وذهب إلى شرحٍ دقيق، أو فلنقل إلى "تخبيصٍ عميق" فهو جاهلٌ جهلاً كبيراًً بالفلك، بل أنه إلى وقتٍ قريب كان يعد علم الفلك صنفاً من التنبؤ والكهانة وأن من يعمل به لا يعدو أن يكون عرّافاً، وأنهم لا يملكون القدرة على معرفة الأيام وحسابها بدقة فذلك نوعٌ من الرجم بالغيب، وهو كذلك لا يعلم عن ميلاد الهلال وفترة ظهوره، ولا يعي شيئاً من الفقه، إضافة إلى جهله بالسنة النبوية، ولا يحفظ من آيات الله إلا النزر اليسير، فمن أين له كل هذه المعرفة بالمنطق الذي يتحدث عنه بعشوائيةٍ متخبطة؟!
أخيراً، شاهدت في المقابل رجلاً ملتحي يدافع دفاع المستميت عن أن ما قاله الأخ أعلاه ليس سليماً، وكل ما يقول: "نحن على صواب، والآخرون على خطا" ويصر على ذلك ويقسم بأيمانٍ مغلظة، ويدور في فلكه الضيق، من غير أن يسرد دليلاً واحداُ، أو برهاناً عملياً مقنعاً، جميع ما قاله ليست سوى عبارات تنم عن تعصبٍ وجهل، ليس إلّا.
نأمل أن نترك المجال لأهل الاختصاص، وأن لا نفتي في أمورٍ لا نعلم عنها شيئاً، وأن لا نتهجم على الآخرين، فجميع البلدان لديها علمائها وفقهائها ومشائخها وموجهوها، ولا يديرون شؤون حياتهم ودينيهم جزافاً، ولنتقِ الله في أنفسنا ولا نشيع أفكاراً غريبة قد يتأثر بها من لم يؤته الله نصيباً وافراً من الفهم... ورمضان كريم، وإفطار شهي ساعة المغيب.
تعليق