لقد كان قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما ان يلقي خطابه التاريخي للمجتمعات الاسلامية حول العالم من جامعة القاهرة في شهر يونيو من عام 2009، مؤشرا لتوجه عام و نقطة هامة شددت عليها الاداراة الأمريكية مرارا و تكرارا و هي ان المضي قدما تجاه تحسين العلاقات ما بين الولايات المتحدة و المجتمعات الاسلامية حول العالم سيتحقق من خلال التركيز على المستقبل وبالتحرر من قيود الماضي.
و لكن لكي يتحقق ذلك التغيير الجوهري في ذهنية الجميع ، لا بد للشباب في الولايات المتحدة والعالم الإسلامي أن يقوموا بدور قيادي في تلك العملية و ان يكونوا بمثابة حافز لذلك التحول. و في الوقت نفسه، يجب أن تتاح لهم الفرصة لإحداث تلك النوعية من التغيير في مجتمعاتهم المحلية اولا، ومن ثم في التعامل مع "الآخر" من خلال تبني مفهوم قائم على أسس الاحترام و المصالح المتبادلة. وقد شدد الرئيس أوباما انذاك - و كررها في عدة مناسبات منذ ذلك الحين - أن الاجيال الجديدة هي من سيتمكن من فتح صفحة جديدة وتأسيس "بداية جديدة" في العلاقات ما بين المجتمعات.
و متابعة لتعهد الرئيس في القاهرة بتأسيس شراكات جديدة - ليس فقط ما بين الحكومات وإنما أيضا بين الشعوب كجزء من جهد مستمر "للاستماع إلى بعضنا البعض والتعلم من بعضنا البعض وأحترام بعضنا البعض" - استضاف الرئيس الأمريكي قمة في العاصمة واشنطن في ابريل من هذا العام لكي يحتفي و يكرم الإنجازات المذهلة التي حققها رواد الاعمال الشباب من دول ذات أغلبية سكانية من المسلمين و الذين كرسوا روح المبادرة التي يتمتعون بها لاثبات أنه بالفعل بامكان الفرد الواحد ان يحدث تغييرا و تحسنا ملموسا في حياة الكثيرين، ربما حتى الالاف في بعض الاحيان .
وفي نفس السياق، عقد الرئيس أوباما اجتماعا في اواخر أغسطس من العام الجاري استضاف فيه قادة أفارقة شباب ، حيث اكد لمستمعيه أن العالم يتوقع منهم ان يكونوا مصدرا " للطاقة ، والمبادرات الجديدة ،و ألافكار الجديدة " و التي ستوفر الزخم اللازم لتقدم و ازدهار مجتمعاتهم و اوطانهم الفتية نسبيا.
و من ثم فهي لم تكن مفاجئة أن إلافطار الرمضاني الذي استضافته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في مقر الوزارة في واشنطن قبل بضعة أيام قد سلط الضوء ايضا على دور الشباب في المجتمع وعلى تحسين العلاقات ما بين المجتمعات.
فبالإضافة إلى استضافة كبار الشخصيات الأجنبية وسفراء الدول ذات الأغلبية السكانية من المسلمين ، استثمرت الوزيرة كلنتون تلك المناسبة لدعوة مجموعة من الشباب الأمريكي المسلم الذي تمييز كل فرد منهم لما قدمه للمجتمع بشكل أو بآخر من صانعي أفلام و كتاب وطلبة.
و قد اشارت الوزيرة كلنتون الى انجازات البعض من تلك النخبة و التي تضمت الاتي:
تأسيس برامج لتشجيع الفتيات الباكستانيات للاستمرار في الدراسة الثانوية، ومساعدة أطفال عراقيين فى تلقي العلاج الطبي في الولايات المتحدة ، وتنظيم مجموعة من الطلاب لدعم عملية السلام في الشرق الأوسط ، وانشاء مجموعة ترسل إمدادات طبية إلى أفريقيا.
و قد اتى قادة المستقبل هؤلاء من جميع أنحاء الولايات المتحدة ، من أماكن و مدن مختلفة و متفرقة مثل مدينة نيويورك وشيكاغو وبيلوكسي في ولاية ميسيسيبي. ومع ذلك ، فإنه كان من الواضح انه بالاضافة الى كونهم أمريكيين مسلمين فقد كان هنالك عامل مشترك اخر بينهم وهو التزامهم الأخلاقي ليس فقط بمساعدة مجتمعاتهم المحلية في مواجهة بعض أصعب التحديات التي يواجهونها، و انما بدى لي واضحا ايضا ان العديد منهم قد عزم على ان يكون بمثابة دليل حي على أنه ليس من الصعب ان يكون الانسان مخلصا لهويته الأمريكية و الاسلامية في نفس الوقت فكلتاهما مبني على منظومة قيم متماثلة.
و في اجتماع نسقته ممثلة وزيرة الخارجية الخاصة إلى المجتمعات الاسلامية فرح بانديث قبل انعقاد مادبة الافطار، و حمل عنوان "جيل التغيير" و الذي جمع هؤلاء القادة الشباب من أجل ان يتبادلوا الأفكار وتجاربهم المختلفة لما تنطوي عليه هوية الأمريكي المسلم، أوضحت باندث ان ذلك الاجتماع هو مجرد خطوة أولى في الطريق الى تأسيس شبكات تتكون من شباب ذوي طموحات مماثلة و الذين بحكم انهم أميركيون مسلمون يجدون انفسهم في وضع فريد من نوعه يمكنهم من ان يكونوا جسورا ممدودة ما بين الأميركيين والمسلمين حول العالم.
و لكن قبل ان تتاح لهم الفرصة للتعرف على بعضهم البعض ، استمعت تلك النخبة من الشباب باهتمام الى مجموعة من الأميركيين المرموقين والتي شملت مبعوث الرئيس أوباما الخاص إلى منظمة المؤتمر الاسلامي رشاد حسين ، والدكتور نايف المطوع مؤلف سلسلة القصص الكرتونية الـ 99 ، والممثل الكوميدي أحمد أحمد.
و بعد ان اثنى المتحدثون على تحقيق الشباب لإنجازات متميزة في ذلك السن المبكر ، انتهز المتحدثون تلك الفرصة للتحدث بصراحة عن بعض التحديات التي واجهوها في شبابهم ، وبعض الدروس الصعبة والأخطاء التي ارتكبوها بالاضافة الى لحظات الفشل التي ايضا تعلموا منها دروسا قيمة .
اوضح المتحدثون ان جميع تلك العوامل كانت ذات دور في تمكينهم من احراز أهدافهم و تحقيق احلامهم. وبدى لي من الواضح ان احدى تلك النصائح التي قدمها احد المتحدثين تركت بصمة عميقة و كان لها صدى رنان لدى الجمهور و التي حثتهم على التأكيد على هويتهم فليديهم الكثير ليقدموه للمجتمع.
وبعد الاستماع إلى المتحدثين ، قسم الشباب إلى ثلاث مجموعات للانخراط في نقاش حر حول بعض أصعب التحديات التي يواجهونها كشباب أميركي مسلم.و بعد مضي مجرد بضعة دقائق على بدء ذلك الحوار و الذي تطرق الى مواضيع معقدة مثل الهوية و الانتماء أصبح السبب وراء اختيار أولئك الافراد على وجه التحديد و لحضور الافطار واضحا. ولذات السبب تبين الهدف الذي دفع الخارجية الأمريكية الى أن تجمع تلك النخبة من الشباب و اتاحة الفرصة لهم للتعرف على بعضهم البعض في المقام الأول. فقد ابدى الشباب نضجا و وعيا نادرا ما يتمتع به اناس في ذلك السن المبكر من العمر عندما اتيحت لهم الفرصة للتعبير عن آرائهم.
وفي نفس السياق ، كان من الواضح أن العديد منهم يتسم بتلك السمة النادرة و التي اسماها البعض (الكاريزما) و التي لا يمكنني ان اصفهم الا بأنهم من أولئك البشر الذين يمتلكون صفات القيادة طبيعيا . و من الجدير بالذكر ايضا ان احدا لم يدعي ان لديه اجوبة او حلولا نهائية فيما يتعلق بالاسئلة التي طرحت خلال النقاش و التي يتعاملون معها بشكل او باخر في حياتهم اليومية .
بل اعرب الكثير منهم عن انهم يدركون انهم في بداية الطريق و ان هنالك دروسا عدة لم يتعلموها بعد. ومع ذلك ، وكما ذكرهم احد المتحدثين ، كان واضحا ان الشباب قد ادركوا ان جيلهم يعتبر جيلا (محظوظا) لانه يعيش في عصر تلاشت فيه حواجز الزمان والمكان وأصبحت من مخلفات الماضي ، حيث يمكن للمرء ان يحصل على كمية لا تعد و لا تحصى من المعلومات بمجرد نقرة واحدة على أحد مفاتيح الكمبيوتر.
و في خضم هذا النقاش الحيوي الذي دار بينهم و الذي تناول التحديات الفريدة من نوعها التي تواجهها مجتمعاتهم مثل محاولة الحفاظ على تراثهم في نفس الوقت الذي يشاركون في تطوير الفسيفساء التي خلطت عدة عناصر من ثقافات مختلفة لتأسس ثقافة فريدة من نوعها الا و هي الثقافة الأمريكية، كان واضحا ان الشباب الحاضرين قد اصغوا الى حديث الرئيس من القاهرة و انهم تمعنوا في كلماته و الرسالة التي جاء بها و التي حثت على اهمية استغلال طاقة و قدرات و مواهب و افكار الشباب في جميع انحاء العالم.
و من جانبها ، أكدت وزيرة الخارجية كلينتون في خطاب القته خلال مأدبة الافطار على أهمية الاسلام في الولايات المتحدة ، وأشارت إلى اسهامات المسلمين الأمريكيين البارزين في نسج المجتمع الأميركي. كما ذكرت ضيوفها بأن هذا التجمع هو دليل اخر على ان " شهر رمضان يُعلّم ويعزز القيّم التي يحترمها الملايين وعشرات ومئات الملايين من أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى" .كما اضافت (ان القصة الحقيقية للإسلام في أميركا يمكن العثور عليها في هذه القاعة وفي قاعات أخرى في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. إننا نكتبها هذا المساء، بروح الزمالة والاحتفال والشعور الودّي الذي هو سمة مُميّزة لشهر رمضان.)
و نبهت الوزيرة كلنتون جمهورها بأنه بالرغم من التصريحات غير المسؤولة القادمة من بعض الزوايا المنعزلة في أميركا ، الواقع هو أن التسامح الديني لا يزال يشكل احدى احجار زاوية منظومة القيم الأمريكية. و لذلك نقلت الكلمات الخالدة للرئيس الأميركي ألاول جورج واشنطن و التي ادلى بها منذ أكثر من مائتي عام و التي أعلن بها و بفخر أن الولايات المتحدة دولة "لن تمنح أي ملجأ للتعصب أو أي مساعدة للاضطهاد." و انا واثق ان نخبة الشباب الأمريكيين المسلميين الذين كانوا ضمن الحضور ادركوا حكمة تلك الكلمات.
تحياتي
فهد
فريق التواصل الألكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
فريق التواصل الألكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
تعليق