في العرف الشعبي إذا ما زل لسان أحدهم وقال: "أنا" فسرعان ما يستدرك الأمر ويردف مقولته بعبارة "أعوذ بالله من كلمة "أنا". وهو هنا يحاول -في بساطة- أن يتبرأ من حوله وقوته, كما يحاول أن يتبرأ من الرياء والسمعة. فهناك شعور عام بأن كلمة "أنا" من الكلمات التي توحي بالكبر, والغرور, والعجب. لذا فهي مذمومة عند المتواضعين, ومبغوضة عند المهذبين. وينصح التربويون بضرورة حذفها من ثقافة الصغار, إذا يجب أن ندربهم على التحلي بثقافة "نحن" والتخلي عن ثقافة "أنا". فثقافة (أنا) فيها من الأخطار والمضار ما يؤخر الفرد ويؤخر المجتمع .(أنا) قالها إبليس فطرد من رحمة الله . وقالها فرعون فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى . وقالها قارون فخسف الله به الأرض . ولكن هل أنت من النوع الذي لديه الاستعداد أن يقول: (أنا)؟
(أنا) -أعوذ بالله من كلمة "أنا"- أرى انه آن الأوان أن تسود بيننا ثقافة جديدة عمادها "أنا".
آن الأوان أن نقول "أنا" بصوت واثق, صادق. آن الأوان أن نقولها دون أن نتعوذ بالله منها. آن الأوان أن نقول "أنا" دون أي تحرج أو خشية. آن الأوان أن ننظر إلى الجانب الآخر من "أنا ". فلا الكلمة معيبة. ولا منبوذة, وليس لها أي من هذه الإيحاءات التي ذكرت سلفا. والرسول صلى الله عليه وسلم قالها مراراً وتكراراً وفي مواقف عديدة.
دعونا نتحلى بثقافة "أنا" وندعو إليها. دعونا ننظر إلى واقع أمتنا الإسلامية بثقافة جديدة عمادها "أنا". فلا شك أن الأمة اليوم تمر بأحرج المنعطفات في تاريخها. فما أكثر جراح الأمة! وما أوهن الضماد التي قدمت لعلاج هذه الجراح. انظر حولك ستجد الباطل وقد انتفش, الفساد وقد انتشر. الظلم وقد عم. كثرت أنات الثكالى, ودمعت عيون المظلومين, وآهات المكلومين في كل مكان. تكالب علينا المتكالبون. نعيش بين كيد أعداءنا المعلن, وجهل أبنائنا الواضح, وتخاذل حكامنا الأوضح. لذلك عم الكرب بالأمة. ولا نملك حيال كل هذا الغمة إلا الدعاء. ومع ذلك ندعو الله ولا مجيب. ويدعو الصالحون ولا تفريج للهم, وتدعو الثكالى ولا زوال للكرب التي تمر به الأمة. فأين الخلل؟
وقبل محاولة تشخيص الخلل, دعونا نتذكر يوما أشبه في المضمون بيومنا الذي تعيشه الأمة اليوم. يوم انقطع المطر عن بنى إسرائيل في عهد نبي الله موسى. يوم أن عم الجدب, وعظم الخطب, واشتكى القوم العطش, وأوشك الهلاك أن يبتلع القوم ابتلاعا. فشكوا إلى سيدنا موسى, الذي رفع يديه إلى السماء طالبا من الله تفريج الكربة عن أمته. تضرع سيدنا موسى ودعا ربه –كما يدعو الصالحون في أمتنا اليوم- ولكن الله لم يستجب.. فتعجب النبي الكريم وقال: يا رب عودتني الإجابة. فقال تعالى:
يا موسى إن فيكم رجلا يبارزني بالمعاصي أربعين عاما.. فليخرج حتى أغيثكم.
فبشؤم معصية هذا الفرد منعت الأمة المطر من السماء, وبسبب مبارزة هذا الفرد لله بالمعاصي حل الكرب بالأمة. وبسبب هذا الفرد أشرفت الأمة على الهلاك. وفي مثل هذه الحالات لا ينفع للصالحين دعاء, ولا للأنبياء تضرعا . هذا الفرد إن وجد في الأمة - أي أمة - , فلابد وأن تحل بها الغمة تلو الغمة .
التفت سيدنا موسى إلى قومه قائلا:
يـا قــوم.... إن فيكم رجلا يبارز الله بالمعاصي .. أربعين عــاما, ولن تمطر السماء حتى يخرج هذا العاصي من بيننا.
(لن تكشف الغمة عن الأمة حتى يخرج هذا العاصي ويتوب ويؤوب إلى الله) .
كان الرجل وسط القوم يعرف نفسه, ويعرف تقصيره في حق الله. ويعرف مدى مبارزته لله بالمعاصي. كان يعرف مدى جحوده في حق الله. غير أنه لم ينتظر خروج غيره. ولم يقل لست أنا المعني, ولم يقل ما أكثر المذنبين في الأمة, ولم يقل لست أنا المقصود. بل كان لديه رصيد عجيب من ثقافة "أنا". وشجاعة نادرة منطلقها "أنا".
جلس الرجل بينه وبين نفسه يتضرع ويناجي ربه مستشعراً المسؤولية, ومقدرا خطورة الأمر وهو يقول:
يا رب"أنا" "أنا" من عصيتك أربعين عـامـا,
يا رب "أنا" من بارزتك بالمعاصي والجحود,
يا رب "أنا" من بارزتك بالجحود والنـكران,
يا رب "أنا" من بارزتك بالتقصير والبعد,
يا رب "أنا" لو خرجت افتضح أمري بين قومي, ولو بقيت بينهم أهلكهم العطش,
يا رب: "أنا" تبت الآن عن الذنوب والمعاصي
يا رب: "أنا" تبت إليك توبة صادقة مخلصة, فاسترني يا رب . وفرج عنا ما نحن فيه .
اللهم فرج ما نحن فيه، اللهم فرج ما نحن فيه، اللهم فرج ما نحن فيه.
وما هي إلا لحظات حتى نزل المطر, وتجدد الأمل, وتبدد الخوف، وزالت الغمة. فسأل موسى عليه السلام ربه.. يا رب جاء الفرج, لم يخرج أحد. فيأتي الجواب من رب الأرباب وعلام الغيوب:
يا موسى لقد تاب وتبت عليه.. منعت عنكم الغيث بسببه، وأمطرتكم بسببه.
ويسأل موسى عليه السلام ربه: ربي أرني أنظر إليه.. ربي أرني ذلك الرجل.. ذلك التائب الذي أمطرتنا بسببه.. ويأتي الجواب من الحليم الرحمن الرحيم:
..يا موسى.. لقد سترته وهو يعصيني؛ أفلا أستره وقد تــاب وعـــاد إلي؟!
إن هذا الرجل (الفرد) نظر إلي هموم أمته, واستشعر الكرب الذي تمر به وهو متسلح بثقافة "أنا". وما أحوجنا اليوم جميعا أن نتصرف كما تصرف. ونتسلح بما تسلح به. ونفكر كما فكر.
هذا هو الخلل الذي تعاني منه الأمة اليوم. هذا ا هو الخلل الذي بسببه تأخر النصر عن الأمة, وبسببه تعاظمت عليها الغمة. وبسببه عم الكرب والهوان, وتكالبت علينا الأعداء. انعدمت ثقافة "أنا" عند كثير من أبناء أمتنا. لم نعد ننظر لمصلحة الأمة كبعد استراتيجي وخط دفاع أول يجب علينا جميعا الدفاع عنه والذود عنه.
إن أحد أهم محاور ثقافة "أنا" الذي أتمنى أن تسود في الأمة يمكن تلخيصه في أن معصية الفرد الواحد قد تؤذى أمة بأكملها.. كما وأن صلاح وإخلاص وتوبة فرد واحد يمكن أن تنصر أمة بأكملها. فهل لديك الاستعداد أن تبدأ أنت دون غيرك الآن، وتقول -بصوت مسموع- "أنا"؟
" أنا " المسئول عن تأخير انفراج الكرب الذي حل بالأمة.
" أنا " المسئول عن تأخير نزول النصر على هذه الأمة.
* انظر إلى معاصيك وذنوبك وهفواتك وقل بصوت مسموع "أنا" أنا المسئول عن تأخير نزول النصر على هذه الأمة بسبب هذه الذنوب وهذه المعاصي .
* انظر إلى تأخيرك للصلاة عن وقتها وقل "أنا" أنا المسئول عن تأخير انفراج الكرب الذي حل بالأمة.
* انظر إلى هجرك للقرآن, وتهميشك له في حياتك وقل "أنا" المسئول بهذا الهجر وبهذا التهميش عن دموع الثكالى وآهات المكلومين هنا وهناك .
* انظر إلى عقوقك لوالديك أحياء وأمواتا, انظر إلى إهمالك للأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وتعاملك مع هذا الدين على انه منهج للتثقيف وليس للتنفيذ .
واعلم أنها -وغيرها- من أقوى معطلات لنزول نصر الله على هذه الأمة.
انظر إلى معادلة النصر الإلهي واعلم أن لها طرفين: أحدهما في يدك أنت , والثاني بيد الله عز وجل. فإن أنت عرفت الخلل, وأقدمت عملياً على البدء في العلاج: (التوبة والأوبة إلي الله). إن أنت صدقت الله وأجدت وأعطيت, ووفيت بالذي هو في يديك أنت دون غيرك. فهنا حتما ستنزل رحمات الله على هذه الأمة. وبك تنصر الأمة, وبك تكشف الغمة. ويا له من فضل.
وأما إذا قصرت بالذي هو في يديك فلا تنظر للنصر تنزيلاً, ولا للكربة تفريجاً. وستظل دموع الثكالى, وآهات المحرومين, وأنات المكلومين, وهم المهمومين وكرب المكروبين في انتظار توبتك وأوبتك, ليكشف الله الكربة, ويرفع الغمة, وتنتصر الأمة.
(أنا) -أعوذ بالله من كلمة "أنا"- أرى انه آن الأوان أن تسود بيننا ثقافة جديدة عمادها "أنا".
آن الأوان أن نقول "أنا" بصوت واثق, صادق. آن الأوان أن نقولها دون أن نتعوذ بالله منها. آن الأوان أن نقول "أنا" دون أي تحرج أو خشية. آن الأوان أن ننظر إلى الجانب الآخر من "أنا ". فلا الكلمة معيبة. ولا منبوذة, وليس لها أي من هذه الإيحاءات التي ذكرت سلفا. والرسول صلى الله عليه وسلم قالها مراراً وتكراراً وفي مواقف عديدة.
دعونا نتحلى بثقافة "أنا" وندعو إليها. دعونا ننظر إلى واقع أمتنا الإسلامية بثقافة جديدة عمادها "أنا". فلا شك أن الأمة اليوم تمر بأحرج المنعطفات في تاريخها. فما أكثر جراح الأمة! وما أوهن الضماد التي قدمت لعلاج هذه الجراح. انظر حولك ستجد الباطل وقد انتفش, الفساد وقد انتشر. الظلم وقد عم. كثرت أنات الثكالى, ودمعت عيون المظلومين, وآهات المكلومين في كل مكان. تكالب علينا المتكالبون. نعيش بين كيد أعداءنا المعلن, وجهل أبنائنا الواضح, وتخاذل حكامنا الأوضح. لذلك عم الكرب بالأمة. ولا نملك حيال كل هذا الغمة إلا الدعاء. ومع ذلك ندعو الله ولا مجيب. ويدعو الصالحون ولا تفريج للهم, وتدعو الثكالى ولا زوال للكرب التي تمر به الأمة. فأين الخلل؟
وقبل محاولة تشخيص الخلل, دعونا نتذكر يوما أشبه في المضمون بيومنا الذي تعيشه الأمة اليوم. يوم انقطع المطر عن بنى إسرائيل في عهد نبي الله موسى. يوم أن عم الجدب, وعظم الخطب, واشتكى القوم العطش, وأوشك الهلاك أن يبتلع القوم ابتلاعا. فشكوا إلى سيدنا موسى, الذي رفع يديه إلى السماء طالبا من الله تفريج الكربة عن أمته. تضرع سيدنا موسى ودعا ربه –كما يدعو الصالحون في أمتنا اليوم- ولكن الله لم يستجب.. فتعجب النبي الكريم وقال: يا رب عودتني الإجابة. فقال تعالى:
يا موسى إن فيكم رجلا يبارزني بالمعاصي أربعين عاما.. فليخرج حتى أغيثكم.
فبشؤم معصية هذا الفرد منعت الأمة المطر من السماء, وبسبب مبارزة هذا الفرد لله بالمعاصي حل الكرب بالأمة. وبسبب هذا الفرد أشرفت الأمة على الهلاك. وفي مثل هذه الحالات لا ينفع للصالحين دعاء, ولا للأنبياء تضرعا . هذا الفرد إن وجد في الأمة - أي أمة - , فلابد وأن تحل بها الغمة تلو الغمة .
التفت سيدنا موسى إلى قومه قائلا:
يـا قــوم.... إن فيكم رجلا يبارز الله بالمعاصي .. أربعين عــاما, ولن تمطر السماء حتى يخرج هذا العاصي من بيننا.
(لن تكشف الغمة عن الأمة حتى يخرج هذا العاصي ويتوب ويؤوب إلى الله) .
كان الرجل وسط القوم يعرف نفسه, ويعرف تقصيره في حق الله. ويعرف مدى مبارزته لله بالمعاصي. كان يعرف مدى جحوده في حق الله. غير أنه لم ينتظر خروج غيره. ولم يقل لست أنا المعني, ولم يقل ما أكثر المذنبين في الأمة, ولم يقل لست أنا المقصود. بل كان لديه رصيد عجيب من ثقافة "أنا". وشجاعة نادرة منطلقها "أنا".
جلس الرجل بينه وبين نفسه يتضرع ويناجي ربه مستشعراً المسؤولية, ومقدرا خطورة الأمر وهو يقول:
يا رب"أنا" "أنا" من عصيتك أربعين عـامـا,
يا رب "أنا" من بارزتك بالمعاصي والجحود,
يا رب "أنا" من بارزتك بالجحود والنـكران,
يا رب "أنا" من بارزتك بالتقصير والبعد,
يا رب "أنا" لو خرجت افتضح أمري بين قومي, ولو بقيت بينهم أهلكهم العطش,
يا رب: "أنا" تبت الآن عن الذنوب والمعاصي
يا رب: "أنا" تبت إليك توبة صادقة مخلصة, فاسترني يا رب . وفرج عنا ما نحن فيه .
اللهم فرج ما نحن فيه، اللهم فرج ما نحن فيه، اللهم فرج ما نحن فيه.
وما هي إلا لحظات حتى نزل المطر, وتجدد الأمل, وتبدد الخوف، وزالت الغمة. فسأل موسى عليه السلام ربه.. يا رب جاء الفرج, لم يخرج أحد. فيأتي الجواب من رب الأرباب وعلام الغيوب:
يا موسى لقد تاب وتبت عليه.. منعت عنكم الغيث بسببه، وأمطرتكم بسببه.
ويسأل موسى عليه السلام ربه: ربي أرني أنظر إليه.. ربي أرني ذلك الرجل.. ذلك التائب الذي أمطرتنا بسببه.. ويأتي الجواب من الحليم الرحمن الرحيم:
..يا موسى.. لقد سترته وهو يعصيني؛ أفلا أستره وقد تــاب وعـــاد إلي؟!
إن هذا الرجل (الفرد) نظر إلي هموم أمته, واستشعر الكرب الذي تمر به وهو متسلح بثقافة "أنا". وما أحوجنا اليوم جميعا أن نتصرف كما تصرف. ونتسلح بما تسلح به. ونفكر كما فكر.
هذا هو الخلل الذي تعاني منه الأمة اليوم. هذا ا هو الخلل الذي بسببه تأخر النصر عن الأمة, وبسببه تعاظمت عليها الغمة. وبسببه عم الكرب والهوان, وتكالبت علينا الأعداء. انعدمت ثقافة "أنا" عند كثير من أبناء أمتنا. لم نعد ننظر لمصلحة الأمة كبعد استراتيجي وخط دفاع أول يجب علينا جميعا الدفاع عنه والذود عنه.
إن أحد أهم محاور ثقافة "أنا" الذي أتمنى أن تسود في الأمة يمكن تلخيصه في أن معصية الفرد الواحد قد تؤذى أمة بأكملها.. كما وأن صلاح وإخلاص وتوبة فرد واحد يمكن أن تنصر أمة بأكملها. فهل لديك الاستعداد أن تبدأ أنت دون غيرك الآن، وتقول -بصوت مسموع- "أنا"؟
" أنا " المسئول عن تأخير انفراج الكرب الذي حل بالأمة.
" أنا " المسئول عن تأخير نزول النصر على هذه الأمة.
* انظر إلى معاصيك وذنوبك وهفواتك وقل بصوت مسموع "أنا" أنا المسئول عن تأخير نزول النصر على هذه الأمة بسبب هذه الذنوب وهذه المعاصي .
* انظر إلى تأخيرك للصلاة عن وقتها وقل "أنا" أنا المسئول عن تأخير انفراج الكرب الذي حل بالأمة.
* انظر إلى هجرك للقرآن, وتهميشك له في حياتك وقل "أنا" المسئول بهذا الهجر وبهذا التهميش عن دموع الثكالى وآهات المكلومين هنا وهناك .
* انظر إلى عقوقك لوالديك أحياء وأمواتا, انظر إلى إهمالك للأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وتعاملك مع هذا الدين على انه منهج للتثقيف وليس للتنفيذ .
واعلم أنها -وغيرها- من أقوى معطلات لنزول نصر الله على هذه الأمة.
انظر إلى معادلة النصر الإلهي واعلم أن لها طرفين: أحدهما في يدك أنت , والثاني بيد الله عز وجل. فإن أنت عرفت الخلل, وأقدمت عملياً على البدء في العلاج: (التوبة والأوبة إلي الله). إن أنت صدقت الله وأجدت وأعطيت, ووفيت بالذي هو في يديك أنت دون غيرك. فهنا حتما ستنزل رحمات الله على هذه الأمة. وبك تنصر الأمة, وبك تكشف الغمة. ويا له من فضل.
وأما إذا قصرت بالذي هو في يديك فلا تنظر للنصر تنزيلاً, ولا للكربة تفريجاً. وستظل دموع الثكالى, وآهات المحرومين, وأنات المكلومين, وهم المهمومين وكرب المكروبين في انتظار توبتك وأوبتك, ليكشف الله الكربة, ويرفع الغمة, وتنتصر الأمة.
تعليق