بادئ ذي بدء، من الضروري تحديد معنى المصطلحات المتداولة في هذا المقال، حتى يتسنى للقارئ الكريم، معرفة مرادنا الدقيق، من المصطلحات الأساسية المستخدمة في هذا المقال.
التخلف
وهو يعني لغويا: القعود أو العجز عن مسايرة الركب، وفي المعنى الاصطلاحي، هو التأخر الزمني والقيمي والسلوكي عن ركب الحضارة.
فالإنسان أو الجماعة، حينما تكون القيم السائدة في حياتهما، تدعوهما إلى التكلس والجمود والرتابة، ويبرر لهما واقعهما المتأخر والسيئ يطلق على هذه الحالة مصطلح التخلف.
فالتخلف في المعنى الاصطلاحي يعني:
التأخر الزمني، عن ركب التطور والتقدم، إذ هناك مجتمعات إنسانية، متقدمة على هذا المجتمع في مختلف مجالات وحقول الحياة.
سيادة القيم والمبادئ التي تبرر بشكل سلبي الواقع المتأخر والسيئ الذي يعيشه الإنسان.
وتوفر القابلية النفسية والمجتمعية لعملية الخضوع والاستتباع.
وبهذا لا يكون التأخر الزمني عن الركب الحضاري، محصوراً في الجانب المادي فحسب، بل يتعدى ذلك، وتكون مسافة التأخر، ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتتواجد في كل جوانب الحياة والسلوك وتأسيساً على حقيقة هذا التخلف كظاهرة - مجتمعية، لا تقف عند حد معين، بل تتوسع باستمرار، وتأخذ أبعاداً متنوعة.
وإن التخلف كمرض السرطان من حيث فتكه واستمراره في القضاء على كل مقومات الجسم السليم. وعلى هذا الأساس ما نريد توضيحه في هذا المقال هو البعد الثقافي لمفهوم التخلف.
الثقافة:
لقد تعددت المفاهيم المحددة لمضمون هذا المصطلح، حتى وصلت إلى (156) مفهوماً وتعريفاً. وبدون الدخول في عمليات مفاضلة بين هذه التعريفات المتعددة، فإننا نقصد بالثقافة هو المضاف والكسب الإنساني إلى الطبيعة فكل ما يضيفه الإنسان في علاقته مع الطبيعة هو ثقافة وبهذا يكون المعادل الطبيعي لمفهوم التخلف الثقافي هو فقدان السيطرة على الطبيعة وعدم التمكن من توظيفها بما يخدم الإنسان، أي أن التخلف الثقافي يصنع العجز المطلق أو النسبي تجاه الطبيعة وإمكاناتها، وتجاه المجتمع وآفاقه على قاعدة نفسية مهزومة ومهترئة، تحاول اللهاث وراء الآخرين، دون التمكن الفعلي من امتلاك أسباب التقدم والخروج من آسار التخلف الثقافي.
وبهذا يمكننا تحديد معنى التخلف الثقافي في النقاط التالية:
1- توقف عملية الكسب الاجتماعي، على المستوى الثقافي الحضاري، بحيث أضحى هذا المجتمع وعاء، لتلقي منجزات الآخرين، دون أن يقوم بأي جهد يذكر في عملية الكسب في هذا المجال.
والتوقف هنا، لا يبقى في مستوى واحد، وإنما لعامل الزمن وتراكمات التوقف والجمود، دورها في تعميق العوامل والأسباب، التي تحول دون ممارسة الكسب الثقافي والحضاري.
لأن التخلف ليس ظاهرة اجتماعية جامدة بل هي متحركة، بحيث إن هذه الظاهرة تتمدد في الوسط الاجتماعي، وتلقي بقيمها وأنماطها وأنساقها على مجمل وتفاصيل الحركة الاجتماعية.
وهذه الحركة الاجتماعية المعتمدة في علائقها وصراعاتها وحراكها الداخلي على هذه الظاهرة، تقوم بدورها بعملية معكوسة، حيث تغذي ظاهرة التخلف، وتزيد من شموليتها وتعمق أبعادها، وتصبغ كل شيء بلونها.
2- تراجع موقع الثقافة، بحيث لا يكون للمسائل والقيم الثقافية العليا، موقعها الطبيعي في الخريطة الاجتماعية، وتصبح الاهتمامات الثقافية في مؤخرة الركب والاهتمام.
وهذا يعني على المستوى العملي، صخ الامكانات، وصرف الطاقات، في أمور وحقول لا تشكل أية أهمية اذا قارناها بموقع الثقافة ودورها في تقدم الأمم والشعوب.
3- شيوع الاضطراب المفهومي والمنهجي، بحيث يكون الواقع الاجتماعي خليطاً فوضوياً، للعديد من النقائض، وذلك بفعل الاضطراب المفهومي ويصف الدكتور زكي نجيب محمود هذه الحالة وهو يتحدث عن ذلك الإنسان، الذي يعيش واقع التخلف الثقافي أنه: بمثابة من يحيا ثقافتين متعارضين في وقت واحد.
فترى حضارة العصر في البيوت والشوارع والأسواق، بينما حضارة الماضي رابضة خلف الضلوع.
ومن الطبيعي أن هذا الاضطراب المنهجي والفوضى المفهومية، يؤديان، إلى استقطابات اجتماعية تزيد من تمزق المجتمع وضياعه وعدم قدرته على تحديد مصائره بنفسه.
ولعلنا لا نبالغ، إذ قلنا إن الكثير من المشكلات الداخلية، التي تعانيها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هي بفعل هذا الاضطراب ومتوالياته النفسية والاجتماعية والسياسية والحضارية.
إذ أن هذا الاضطراب يمنع تشكل ووجود نمط ثقافي - اجتماعي نهضوي.
وبالتالي فإن التخلف الثقافي يعني سقوط خطوط الدفاع، وتوفر مكونات اجتماعية وأنماط ثقافية، تعمل لتفريغ القيم الذاتية من مضامينها النهضوية والحضارية، وتتعامل مع الوافد، وكأنه المطلقة وجسر الخلاص الوحيد.
فيباس ثقافي وتحجر فكري وتعصب عقدي على مستوى الداخل، وانبهار نفسي وعقلي بالوافد وعدم قدرة مجتمعية على استيعاب منجز العصر على مستوى الخارج.
هروب وتراخ، من كل عوامل الإنتاج وتطوير الكسب الذاتي، وإقبال حد الوله، إلى كل عوامل تعظيم الاستهلاك الترفي.
وفي هذه الأجواء المجتمعية - القائمة - على تقديس الكم والأشياء على حساب النوع والقيم، تتعمق كل أشكال ومظاهر وأنماط التخلف الثقافي.
ويحدد الدكتور مصطفى حجازي في كتابه (التخلف الاجتماعي) بعض الظواهر الثقافية الناتجة عن شيوع التخلف الثقافي في المجتمع، من أبرزها: سرعة تدهور الحوار العقلاني والتفكير المنطقي والتعصب والتحيز وسرعة اطلاق الأحكام القطعية والأحكام المسبقة وسيطرة التفكير الخرافي والسحري.
فالتخلف الثقافي هو القاعدة العريضة التي تحتضن كل معوقات النمو، وكوابح التطوير، وتمنع الارتقاء الاجتماعي.
لذلك فإن المجتمعات العربية والإسلامية، لا يمكنها النهوض والتطور والتقدم اذا استمرت بالخضوع إلى تأثيرات ومفاعيل التخلف الثقافي.
وأنه ينبغي في المرحلة الاولى، لعملية التطور والتقدم من العمل والتحرك الجاد، لانهاء جذور التخلف الثقافي، ومحاولة أنماطه المجتمعية، وأشكاله الثقافية والفكرية.
إن النواة الاولى للتطور، هي محاربة جذور التخلف الثقافي، وإن بناء التقدم، يبدأ من تلك الأنشطة والأعمال المتجهة إلى تبديد كل أشكال وأنماط التخلف الثقافي.
وأي تراخ عن العمل في هذا الاتجاه، هو استقالة عن المسؤولية الوطنية، وتبديد للأولويات، وهروب من صناعة المستقبل الأفضل.
ولا ريب أن تأثيرات التخلف الثقافي في الفضاء الاجتماعي، تشمل مختلف المجالات والحقول.. حيث إن الواقع السياسي يتأثر بالتخلف الثقافي، بمعنى أن كل مشروعات التحديث والتطوير السياسي، بحاجة دائما إلى وعي ثقافي قادر على استيعاب خطوات وإجراءات التحديث السياسي. ومن المؤكد أن التخلف الثقافي يعرقل عملية الاستيعاب والهضم والتكييف. كما أن الوضع الاقتصادي يتأثر بمستوى الوعي والحالة الثقافية. فإذا كانت الثقافة السائدة، اتكالية، لا أبالية، فإن الإنسان سيتحول إلى طاقة استهلاكية - سلبية، لا تمتلك أدنى مقومات الاشتراك في عمليات الإنتاج والتطوير الاقتصادي. أما إذا كانت الثقافة مسؤولة، وتحث على العمل والالتزام والإبداع والعمران، فإن هذه الثقافة ستحول أبناء المجتمع إلى طاقات خلاقه في مختلف الحقول والميادين.. لذلك فإننا نعتقد أن إنهاء جذور التخلف الثقافي من واقع ثقافتنا وفضائنا الاجتماعي، سيساهم في تجاوز الكثير من المحن والاختناقات التي تزيد من ضعفنا وتردي أوضاعنا، فكلما تمكنا كمجتمع من إنهاء جذور التخلف الثقافي من واقعنا، استطعنا أن نقبض على أسباب التقدم وعوامل التطور، وننمي في فضائنا كل متطلبات الرقي والاستقرار.. وإنهاء جذور التخلف الثقافي من واقعنا يتطلب العناصر التالية:
1- إعادة بناء ثقافتنا الاجتماعية على أسس المسؤولية والعمل والعمران.. فلا يمكن أن نتجاوز تأثيرات التخلف الثقافي المتعددة، إلا ببناء ثقافة اجتماعية جديدة، تعلي من شأن العمل وتحمل المسؤولية، وتحذر من الترهل والتكاسل، وتؤسس لحقائق التعاون والتضامن بكل صورهما وأشكالهما. فالثقافة الاجتماعية الجديدة، هي جسرنا للعبور إلى الواقع الجديد، الذي يتجاوز كل حالات التراجع والتدهور وتوقف حركة البناء والإبداع.
2- بلورة إرادة مجتمعية مستديمة، تأخذ على عاتقها ترجمة هذه التطلعات، ونقل الطموحات من مرحلة الوعد إلى مرحلة الانجاز. فإنهاء كل جذور التخلف الثقافي وأشكاله ومظاهره من فضائنا الاجتماعي، يتطلب إرادة صلبة ومستديمة، وعمل متواصل، يستهدف تفكيك بنية التخلف الثقافي ومجابهة كل تأثيراته وانعكاساته.
3- التفاعل الخلاق مع الثقافات الإنسانية، ورفض كل صيغ الانزواء ومحاولات الانطواء، لأنهما تمنعنا من التعرف على حقائق الثقافات الإنسانية الأخرى.. ومن المؤكد أن التفاعل الخلاق مع الثقافات الإنسانية، سيوفر لنا القدرة على الاستفادة من منجزاتهم الإنسانية ومكاسبهم الحضارية
(منقول) لكم كل الود
التخلف
وهو يعني لغويا: القعود أو العجز عن مسايرة الركب، وفي المعنى الاصطلاحي، هو التأخر الزمني والقيمي والسلوكي عن ركب الحضارة.
فالإنسان أو الجماعة، حينما تكون القيم السائدة في حياتهما، تدعوهما إلى التكلس والجمود والرتابة، ويبرر لهما واقعهما المتأخر والسيئ يطلق على هذه الحالة مصطلح التخلف.
فالتخلف في المعنى الاصطلاحي يعني:
التأخر الزمني، عن ركب التطور والتقدم، إذ هناك مجتمعات إنسانية، متقدمة على هذا المجتمع في مختلف مجالات وحقول الحياة.
سيادة القيم والمبادئ التي تبرر بشكل سلبي الواقع المتأخر والسيئ الذي يعيشه الإنسان.
وتوفر القابلية النفسية والمجتمعية لعملية الخضوع والاستتباع.
وبهذا لا يكون التأخر الزمني عن الركب الحضاري، محصوراً في الجانب المادي فحسب، بل يتعدى ذلك، وتكون مسافة التأخر، ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتتواجد في كل جوانب الحياة والسلوك وتأسيساً على حقيقة هذا التخلف كظاهرة - مجتمعية، لا تقف عند حد معين، بل تتوسع باستمرار، وتأخذ أبعاداً متنوعة.
وإن التخلف كمرض السرطان من حيث فتكه واستمراره في القضاء على كل مقومات الجسم السليم. وعلى هذا الأساس ما نريد توضيحه في هذا المقال هو البعد الثقافي لمفهوم التخلف.
الثقافة:
لقد تعددت المفاهيم المحددة لمضمون هذا المصطلح، حتى وصلت إلى (156) مفهوماً وتعريفاً. وبدون الدخول في عمليات مفاضلة بين هذه التعريفات المتعددة، فإننا نقصد بالثقافة هو المضاف والكسب الإنساني إلى الطبيعة فكل ما يضيفه الإنسان في علاقته مع الطبيعة هو ثقافة وبهذا يكون المعادل الطبيعي لمفهوم التخلف الثقافي هو فقدان السيطرة على الطبيعة وعدم التمكن من توظيفها بما يخدم الإنسان، أي أن التخلف الثقافي يصنع العجز المطلق أو النسبي تجاه الطبيعة وإمكاناتها، وتجاه المجتمع وآفاقه على قاعدة نفسية مهزومة ومهترئة، تحاول اللهاث وراء الآخرين، دون التمكن الفعلي من امتلاك أسباب التقدم والخروج من آسار التخلف الثقافي.
وبهذا يمكننا تحديد معنى التخلف الثقافي في النقاط التالية:
1- توقف عملية الكسب الاجتماعي، على المستوى الثقافي الحضاري، بحيث أضحى هذا المجتمع وعاء، لتلقي منجزات الآخرين، دون أن يقوم بأي جهد يذكر في عملية الكسب في هذا المجال.
والتوقف هنا، لا يبقى في مستوى واحد، وإنما لعامل الزمن وتراكمات التوقف والجمود، دورها في تعميق العوامل والأسباب، التي تحول دون ممارسة الكسب الثقافي والحضاري.
لأن التخلف ليس ظاهرة اجتماعية جامدة بل هي متحركة، بحيث إن هذه الظاهرة تتمدد في الوسط الاجتماعي، وتلقي بقيمها وأنماطها وأنساقها على مجمل وتفاصيل الحركة الاجتماعية.
وهذه الحركة الاجتماعية المعتمدة في علائقها وصراعاتها وحراكها الداخلي على هذه الظاهرة، تقوم بدورها بعملية معكوسة، حيث تغذي ظاهرة التخلف، وتزيد من شموليتها وتعمق أبعادها، وتصبغ كل شيء بلونها.
2- تراجع موقع الثقافة، بحيث لا يكون للمسائل والقيم الثقافية العليا، موقعها الطبيعي في الخريطة الاجتماعية، وتصبح الاهتمامات الثقافية في مؤخرة الركب والاهتمام.
وهذا يعني على المستوى العملي، صخ الامكانات، وصرف الطاقات، في أمور وحقول لا تشكل أية أهمية اذا قارناها بموقع الثقافة ودورها في تقدم الأمم والشعوب.
3- شيوع الاضطراب المفهومي والمنهجي، بحيث يكون الواقع الاجتماعي خليطاً فوضوياً، للعديد من النقائض، وذلك بفعل الاضطراب المفهومي ويصف الدكتور زكي نجيب محمود هذه الحالة وهو يتحدث عن ذلك الإنسان، الذي يعيش واقع التخلف الثقافي أنه: بمثابة من يحيا ثقافتين متعارضين في وقت واحد.
فترى حضارة العصر في البيوت والشوارع والأسواق، بينما حضارة الماضي رابضة خلف الضلوع.
ومن الطبيعي أن هذا الاضطراب المنهجي والفوضى المفهومية، يؤديان، إلى استقطابات اجتماعية تزيد من تمزق المجتمع وضياعه وعدم قدرته على تحديد مصائره بنفسه.
ولعلنا لا نبالغ، إذ قلنا إن الكثير من المشكلات الداخلية، التي تعانيها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هي بفعل هذا الاضطراب ومتوالياته النفسية والاجتماعية والسياسية والحضارية.
إذ أن هذا الاضطراب يمنع تشكل ووجود نمط ثقافي - اجتماعي نهضوي.
وبالتالي فإن التخلف الثقافي يعني سقوط خطوط الدفاع، وتوفر مكونات اجتماعية وأنماط ثقافية، تعمل لتفريغ القيم الذاتية من مضامينها النهضوية والحضارية، وتتعامل مع الوافد، وكأنه المطلقة وجسر الخلاص الوحيد.
فيباس ثقافي وتحجر فكري وتعصب عقدي على مستوى الداخل، وانبهار نفسي وعقلي بالوافد وعدم قدرة مجتمعية على استيعاب منجز العصر على مستوى الخارج.
هروب وتراخ، من كل عوامل الإنتاج وتطوير الكسب الذاتي، وإقبال حد الوله، إلى كل عوامل تعظيم الاستهلاك الترفي.
وفي هذه الأجواء المجتمعية - القائمة - على تقديس الكم والأشياء على حساب النوع والقيم، تتعمق كل أشكال ومظاهر وأنماط التخلف الثقافي.
ويحدد الدكتور مصطفى حجازي في كتابه (التخلف الاجتماعي) بعض الظواهر الثقافية الناتجة عن شيوع التخلف الثقافي في المجتمع، من أبرزها: سرعة تدهور الحوار العقلاني والتفكير المنطقي والتعصب والتحيز وسرعة اطلاق الأحكام القطعية والأحكام المسبقة وسيطرة التفكير الخرافي والسحري.
فالتخلف الثقافي هو القاعدة العريضة التي تحتضن كل معوقات النمو، وكوابح التطوير، وتمنع الارتقاء الاجتماعي.
لذلك فإن المجتمعات العربية والإسلامية، لا يمكنها النهوض والتطور والتقدم اذا استمرت بالخضوع إلى تأثيرات ومفاعيل التخلف الثقافي.
وأنه ينبغي في المرحلة الاولى، لعملية التطور والتقدم من العمل والتحرك الجاد، لانهاء جذور التخلف الثقافي، ومحاولة أنماطه المجتمعية، وأشكاله الثقافية والفكرية.
إن النواة الاولى للتطور، هي محاربة جذور التخلف الثقافي، وإن بناء التقدم، يبدأ من تلك الأنشطة والأعمال المتجهة إلى تبديد كل أشكال وأنماط التخلف الثقافي.
وأي تراخ عن العمل في هذا الاتجاه، هو استقالة عن المسؤولية الوطنية، وتبديد للأولويات، وهروب من صناعة المستقبل الأفضل.
ولا ريب أن تأثيرات التخلف الثقافي في الفضاء الاجتماعي، تشمل مختلف المجالات والحقول.. حيث إن الواقع السياسي يتأثر بالتخلف الثقافي، بمعنى أن كل مشروعات التحديث والتطوير السياسي، بحاجة دائما إلى وعي ثقافي قادر على استيعاب خطوات وإجراءات التحديث السياسي. ومن المؤكد أن التخلف الثقافي يعرقل عملية الاستيعاب والهضم والتكييف. كما أن الوضع الاقتصادي يتأثر بمستوى الوعي والحالة الثقافية. فإذا كانت الثقافة السائدة، اتكالية، لا أبالية، فإن الإنسان سيتحول إلى طاقة استهلاكية - سلبية، لا تمتلك أدنى مقومات الاشتراك في عمليات الإنتاج والتطوير الاقتصادي. أما إذا كانت الثقافة مسؤولة، وتحث على العمل والالتزام والإبداع والعمران، فإن هذه الثقافة ستحول أبناء المجتمع إلى طاقات خلاقه في مختلف الحقول والميادين.. لذلك فإننا نعتقد أن إنهاء جذور التخلف الثقافي من واقع ثقافتنا وفضائنا الاجتماعي، سيساهم في تجاوز الكثير من المحن والاختناقات التي تزيد من ضعفنا وتردي أوضاعنا، فكلما تمكنا كمجتمع من إنهاء جذور التخلف الثقافي من واقعنا، استطعنا أن نقبض على أسباب التقدم وعوامل التطور، وننمي في فضائنا كل متطلبات الرقي والاستقرار.. وإنهاء جذور التخلف الثقافي من واقعنا يتطلب العناصر التالية:
1- إعادة بناء ثقافتنا الاجتماعية على أسس المسؤولية والعمل والعمران.. فلا يمكن أن نتجاوز تأثيرات التخلف الثقافي المتعددة، إلا ببناء ثقافة اجتماعية جديدة، تعلي من شأن العمل وتحمل المسؤولية، وتحذر من الترهل والتكاسل، وتؤسس لحقائق التعاون والتضامن بكل صورهما وأشكالهما. فالثقافة الاجتماعية الجديدة، هي جسرنا للعبور إلى الواقع الجديد، الذي يتجاوز كل حالات التراجع والتدهور وتوقف حركة البناء والإبداع.
2- بلورة إرادة مجتمعية مستديمة، تأخذ على عاتقها ترجمة هذه التطلعات، ونقل الطموحات من مرحلة الوعد إلى مرحلة الانجاز. فإنهاء كل جذور التخلف الثقافي وأشكاله ومظاهره من فضائنا الاجتماعي، يتطلب إرادة صلبة ومستديمة، وعمل متواصل، يستهدف تفكيك بنية التخلف الثقافي ومجابهة كل تأثيراته وانعكاساته.
3- التفاعل الخلاق مع الثقافات الإنسانية، ورفض كل صيغ الانزواء ومحاولات الانطواء، لأنهما تمنعنا من التعرف على حقائق الثقافات الإنسانية الأخرى.. ومن المؤكد أن التفاعل الخلاق مع الثقافات الإنسانية، سيوفر لنا القدرة على الاستفادة من منجزاتهم الإنسانية ومكاسبهم الحضارية
(منقول) لكم كل الود
تعليق