بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين
حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه
سبحانه خلق الخلق فأحصاهم عدداً
وكلهم يوم القيامة آتيه عبدا
وخير صلاة وأزكى تسليم على من أرسله ربه للبشرية هادياً وبشيراً
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ،،

أما بعد
فأهلاً بكم جميعاً
مع حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فليس أفضل من الإجتماع واللقاء
حول كلام من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح :
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
سأحاول
بما يمن الله به سبحان وتعالى
أن أتفيء ظلال هذه الحديث الشريف
وأن أبحر في ضفاف ساحله لأنني لا أستطيع أن أمخر عبابه
لقلة الزاد ولأن البضاعة مزجاه.

(إنما بعثت)
يظهر في هذه العبارة
بشرية النبي صلى الله عليه وسلم
حيث أنه يقول ما أنا إلا مبعوث من قبل ربي
ولا يصدر من مقال إلا هو وحي من عند الله
وليس أدلّ على ذلك من قوله تعالى حاكيا حال نبيه صلى الله عليه وسلم
( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/188
فالنبي صلى الله عليه وسلم حرص طوال حياته
على أن يغرس في قلوب أصحابه العقيدة الصحيحة
حتى لا يعظموا من شأنه فوق بشريته كما حدث مع أخيه عيسى عليه السلام
فالنصارى عظموا من شأنه حتى عدوه إلها مع الله
وهكذا صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله يحرص على هذا المبدأ

فكثيرا ما يقول لمن يرهبه (هون عليك فما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة)

ويقول صلى الله عليه وسلم (ما أنا إلا عبد وأحب أن آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد)

أيضا عندما اجتمعت قريش على أبي طالب وقالوا له : يا أبا طالب ، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وأما أن تخلي بيننا وبينه ، فبعث إلى ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم . فقال له : يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني وقالوا لي : كذا وكذا ، فلا تحملني من الأمر ما لا أطيق ، فظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عمه ضعف وأنه لا بد خاذله فقال : " يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته " لو دققنا في لفظة حتى يظهره الله أو اهلك دونه أي ما أنا إلا بشر لا أعلم هل سيقوم هذا الأمر يدي أم أن الله سيختارني قبله

كل ذلك حتى لا تقع أمته في المزلق الذي وقع فيه النصارى
حيث أنهم أشركوا عيسى عليه السلام في الألوهية مع الله.

(لأتمم)
التتمة لا تأتي إلا على شيء قائم في الأصل
فقد كانت العرب أحسن الناس أخلاقاً بما بقى عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام
وكانوا ضلوا بالكفر عن كثير منها
فبعث الله النبي صلى الله عليه وسلم
ليتمم محاسن الأخلاق ببيان ما ضلوا عنه وبما خص به في شرعه

تعالوا بنا سوياً لنتعرف على شيء من أخلاقهم قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم

فمثلا الوليد بن المغيرة يكنى بريحانة قريش بسبب
انه اعطر أهل مكة ريحا
وكان لا يزني
ولا يقرب الخمر فقيل له لماذا لا تشرب الخمر وهي متاحة
فقال لقد مررت يوما برجل قد احتساها – الخمر – فانطرح على ظهره والكلب يعلوه ويلعق من فيه
فأبت نفسي أن تكون أدنى من الكلب

أيضا في هجرة السيدة أم سلمه وأنتم تعرفون قصتها وانها حبست هي وطفلها من اللحاق بزوجها ثم رد عليها طفلها ووضعته في حجرها ثم خرجت تريد زوجها بالمدينة, وما معها من أحد من خلق الله تعالى.

حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة - وقد كان مشركا ولم يدخل الاسلام بعد - فقال: إلى أين يا بنت زاد الراكب؟

هل تعلمون لماذا قال لها ذلك لأن من يصحب أباها في سفر فإنه يتحمل عنه الزاد والمبيت حتى يعود وهذه صفة عظيمة ألا وهي صفة الكرم

فقالت: أريد زوجي بالمدينة.

قال: أو ما معك أحد؟

قالت: لا والله إلا الله ثم ابني هذا.

فقال: والله مالك من مترك.

وأخذ بخطام البعير فانطلق معها يقودها
قالت السيدة أم سلمه : والله ما صحبت رجلا من العرب كان أكرم منه ولا أشرف
كان إذا بلغ منزلا من المنازل أناخ بعيرها ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها
فإذا دنا الرواح قام إلى بعيرها فأعده ورحله ثم استأخر عنها
وقال: اركبي
فإذا ركبت واستوت على بعيرها أتى فأخذ بخطامه وقاده فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بها المدينة

انظر الى هذا المشرك القرشي كيف رد الفضل لابيها ثم حفظ الأمانة في الطريق ثم انه كان عفيفا غاضا لطرفه

وأعظم من ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كيف كسب قلوبها بالصدق والأمانة فهو منذ نعومة أظفاره وهو يكنى بالصادق الأمين

إذا الأخلاق موجودة وكانت مثار تفاخر بين العرب

أتوقف هنا لأكمل تفاصيل هذا الحديث في لقاء أخر

ولكم مني خالص التحيا
وما كان من توفيق فمن الله
وما كان من خطأ فمني والشيطان

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته