إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

روائع كريم الشاذلي ((مالم يخبرني ابي عن الحياة)))

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • روائع كريم الشاذلي ((مالم يخبرني ابي عن الحياة)))

    مقدمة المقدمة




    واحد وثلاثون عاما ليست بالشيء القليل..!


    أحد عشر ألف يوم في الحياة، لا يمكن أن يكونوا رقما صغيرا!


    مذ أبصرت عيني الحياة وأنا لا أكف عن الإنصات، والتعلم، والضحك، والمشاكسة، والركض، والتأمل..


    لم أعش يوما واحدا وذهني خال من الأحلام..


    تعرضت لكبوات ليست بالقليلة، راهنت على رحمة الله كثيرا، وعلى لطفه بعباده، ونصرته لعبد ألقت به الأيام في معارك متعددة، لم يخترها بمحض إرادته.


    وكان دائما -جل اسمه- قريبا سمعيا مُنقذا.


    كان عند ظن عبده الضعيف.. ولم يخذله قط.


    لقد استضافتني مدرسة الحياة لما يقرب من أحد عشر ألف يوما، علمتني خلالها الكثير والكثير..


    لكن يظل أعمق ما لقنتني إياه، وأثّر فيا تأثيرا بالغا، هو إخبارها لي –وبإلحاح- أن الحياة بطولها وعرضها، ليست أكثر من مغامرة.


    إن لم نكتشف كل يوم جانبا من جوانبها الغامضة، ونفك شيئا من طلاسمها الغريبة، فلا يمكننا أبدا أن ندعي أننا عشناها كاملة صحيحة.


    بدأت معاركي مع الحياة منذ أن بدأ الوعي بوجداني يكبر ويتكون، أو لنقل -إن شئنا الدقة- منذ أن عرفت قدماي طريق المكتبة، وأمسكت يدي بأول كتاب!


    العلم طوى لي سنوات وسنوات، وألقى بين يدي بالأسرار والخبرات والتجارب.


    حررتني القراءة من المضي في أي طريق، والرضا بأي حياة، والقبول بأي خيار..


    لا زال مرأى الطفل الصغير وهو يقف أمام بائع الحلوى ليحسب ما في جيبه ويهم باتخاذ القرار المؤلم، مفاضلا بين ساعة مرح مع الأصدقاء يتخللها الذهاب إلى محل الحلوى وإنفاق "المصروف"، والصبر لأيام قليلة يتجمع فيها ما يكفي لشراء كتاب.


    ويا للعجب.. فدائما ما كان الأمل ينتصر على الواقع، وينسحب الصغير بهدوء تاركا الجمع يلهو في فرح حقيقي، وفوق شفتيه ابتسامة صغيرة، بعثها طموحه الكبير بامتلاك كتاب أو قصة ما.
    ويكبر الطفل وتكبر معه أحلامه، وآماله.. وآلامه.


    ابن التسعة عشر ربيعا كان عندما قرر أن يسافر تاركا وطنا على اتساعه يضيق بأبسط أحلامه!


    وطن منهك ذلك الذي ودّعه الشاب وهو يستقل طائرته مهاجرا..


    ليبدأ معركة جديدة وقاسية، كانت هذه المرة مع الغربة..


    ألوان من البشر.. مئات من الحكايات.. تجارب غريبة وقاسية وجدها في انتظاره هناك..


    وبدأ في التعلم الحقيقي، وبدأت الحياة في نحت وقائعها ودروسها في وجدانه نحتا!


    سقط الفتى ونهض مرات ومرات..


    طوقه اليأس حتى بدا له أن لا أمل..


    وجاءه الأمل معانقا حتى ظن أن لا خوف..


    فاجأه الخوف فأرهب قلبه وأربكه..


    دروس في فن العيش، جعلت من الشاب الصغير محترف حياة..


    علمته الحياة حينذاك أن لا شيء بالمجان، فدفع ثمن تلك الدروس عن طيب خاطر، ولا يزال...


    لم يشتكِ من غلاء الثمن.. ولا صعوبة الاختبار..


    وتمضي الحياة، ولا زالت مساحة الجهل لدى الفتى تزداد اتساعا يوما بعد يوم..!


    فمهما تعلم، لا زال هناك الكثير، الحياة لا تبوح بأسرارها جملة واحدة، وإنما تقطر تقطيرا..!!


    والآن.. ها هو الفتى يجالسكم، بعدما أكمل عقده الثالث..


    كل أمله أن يتشارك الأصدقاء في البوح بما تعلموه، كي يقفوا سويا ليُسرّ كل منهم لصاحبه بما رأى أو شاهد وتعلم..


    مؤمنا أن لا غضاضة أن يتشارك أصدقاء الورق في البوح بأخطائهم، وكشف المستور بغية التعلم منه، والاحتراس من الوقوع فيه.


    حمل قلمه وجاءكم يبث بعضا من رؤاه للحياة.


    شيء تعلمه فوجده يانع الثمار، رائعا عند تجربته فكتبه..


    خبر قرأه فعلق في ذهنه زمننا، فسكن فيه لبلاغته، فقرر أن يسجله لك.


    خدعة انطلت عليه، فقصّها عليك كي لا يخدعك زيفها..


    بعض من نظريات حياتية أو فلسفية آمن بها واعتنقها، فأحب أن يطرحها عليك، علها تجد صدى أو قبولا بوجدانك..


    وعلى رصيف الحياة.. يلتقي أبناء الهم الواحد..!!
    عن أبي.. وآبائنا!

    ذُكر عن خليفة المسلمين على بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال (ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم)، فأوجز -في عبارة مقتضبة- مبدأ تربويا في غاية الأهمية، وأهاب بالمربين أن يرتفعوا بآفاقهم وآفاق أبنائهم، فيؤهلوهم لتحمل مهام قد تكون غير منظورة الآن، ويزرعوا بداخلهم الهمة والتأهب لمواجهة ما تأتي به الأيام، وتتمخض عنه الحياة..


    أطلق أمير المؤمنين هذه النصيحة في زمن لم تكن عجلة التطور والتغيير وقتها قد أصابها الجنون الذي نراه اليوم، فأضحت هذه النصيحة واجبا تربويا على جميع المربين، وأمرا لا يقبل التهاون أو التنازل.


    وصار لزاما على المُربي أن يعطي لمن يعوله الأدوات التي قد يحتاجها في سيره، ويؤهله لمصارعة ما قد يستجد من التحديات والعقبات.


    آباؤنا.. وفخ النوايا الحسنة!


    آباؤنا يحبوننا، ولا يشكك عاقل في هذا، والحب -لو تدري- أحد أعظم ما نريده من آبائنا، خاصة الحب الخالص، الذي لا يوجد به شرط جزائي! ولا يُتبع بـ"لكن".


    لذا وجب علينا أن نُقبّل جباه وأيدي آبائنا صباح مساء على دفقات الحب التي أمطرونا بها طوال فترة الطفولة، وساعدتنا كثيرا على مواجهة العالم من حولنا، ولم نكن نملك يوم ذاك سوى ذلك الحب.. فقط.

    بيد أن الحب وحده -رغم أهميته- لا يكفي!

    ونوايا آبائنا الحسنة -رغم تقديرنا لها- لا تستطيع أن تغطي فضائنا التربوي، أو تكفينا زادا في مواجهة الحياة.

    لقد أصبح مقدرًا علينا -نحن أبناء السبعينيات وما فوقها- أن نسبر أغوار هذا القرن الجديد المختلف تماما عما عاشه آباؤنا، ونقلوه لنا.

    لقد وضعتنا الحياة وجها لوجه أمام تحدياتها القاهرة، وأصبحنا لا نملك أمام هذه التحديات سوى المواجهة، وامتلاك جميع الأساليب والمفاتيح التي تمكننا من الفوز في هذه التحديات.

    ميراث آبائنا التربوي يجب أن يُغربَل تماما، فنأخذ منه المفيد -وما أكثره- ونتغاضى عما لا يناسب عالمنا اليوم، والأهم من هذا وذاك، أن نستلهم من تراثنا الإسلامي، ومددنا السماوي ما نتقوى به أمام توحش الحياة من حولنا، ونواجه به –مطمئنين- هجمتها المادية القاسية التي تقطع وبلا رحمة الخيوط الإنسانية التي تربط البشرية بعضها ببعض.


    عن الحياة..



    سَلْنِي عن الحياة، ودعني أخبرك أنها الفاتنة اللعوب التي لم يسلم من إغوائها إلا المعصومون من البشر.. وقد ذهبوا!



    بريقها أخّاذ فلا تملك أمامه سوى أن تُفتن، أو تدركك رحمة من ربك، فتعود إلى جادة الطريق المستقيم.



    تنفس في أجوائها حمى التصارع والتنافس، فيركض المتسابقون، ويتخبط الجمع، والجائزة متعة فانية، ليس لها في صندوق الحسنات مستقر.

    فهل سلم كاتب هذه الكلمات من إغوائها!؟

    مغرور أنا ومدعٍ إن تفاخرت عليك بأني لم أقع في الشرك، فما أنا إلا أنت، وعلينا تسري سنة الله في الكون، فنخطئ ونصيب، ونقوم ونكبو، ونربح ونخسر، والأعمال -رحمة من ربك- بخواتيمها، فنجتهد في أن نُحسن القول والعمل، علّ كلمة الختام تفاجئنا ونحن عاكفون على عمل صالح، يصلح به أمر آخرتنا.

    والحياة لمن فَقِهَ ليست شرًا خالصًا، فهي الباب إلى النجاح الدنيوي، وفيها ننال شهادة الفلاح الأخروي، شريطة أن نعي جيدا ما الذي تمثله الحياة في الميزان.

    وأن ندرك أن الصفحة الأخيرة ليست تلك التي تنتهي بوفاتنا ومغادرتنا للحياة، وإنما هناك فصل آخر في الآخرة، نعمل له عمله، ونضعه في حسباننا ونحن نُقيم، ونختار.

    حينها نجد أنفسنا نحيا في هدوء وطمأنينة في الوقت الذي يتملك الجمع حالة من التخبط والارتباك والخوف، ونستعلي على زخرفها والكل من حولنا يتصارع في وحشية.

    والأمر أبدا ليس هينا، وقلما نجد الشخص الذي جمع بين النجاح الدنيوي، والفلاح الأخروي.


    ما لم يخبرني به أبي عن الحياة!

    نظرة إلى دروس لقنتني إياها الحياة، ووقفة تأمل لما تخبرنا به الأيام، مشاهدات لمواقف تاريخية، وتدبر لما مر بالسابقين..

    حاولت أن أجمع بين دفتي هذا السِفر ما يساعدك في حياتك، ويلهمك الصواب، ويعينك على شدائد الحياة وآلامها..

    وما كان دوري فيها سوى التأمل والملاحظة، ثم التسجيل..

    ليس لي ثمة فضل اللهم إلا أن قطفت الحكمة، واختزلتها لك، ناثرا فوقها شيئا من تأملاتي وخواطري..

    وسعادتي ستصبح بلا حدود حينما تأخذ مني هذه الهدية، وتُعمل فيها عقلك، وتخرج منها أفكارك
    وتأملاتك الخاصة..
    لا نجاح بلا فلاح





    يظل النجاح هو بغية كل البشر..


    جميعنا نطلبه، نسعى إليه، ومنا من يبدأ فعلا في طرق بابه، والوقوف على أعتابه.

    ودائما ما ينظر الواحد منا إلى عديمي الطموح نظرة استخفاف واستنكار.


    بيد أن هناك شركا خفيا يسكن بين ثنايا ذلك المطلب العظيم، وهو أن يلهينا النجاح الدنيوي عن الفلاح الأخروي، أن تسحبنا تيارات النجاح والتفوق والتقدير إلى أن ننسى -أو نتناسى!- أن هناك غاية أسمى وهدفا أرقى من مجرد النجاح الدنيوي الفاني.


    إن المنهج الإسلامي ما برح يؤكد على حقيقة هامة جدا، وهي أن الدنيا مطيّة المؤمن إلى الجنة، وشَرَك المفتون إلى النار.

    فهي زاهية متألقة، بالغة الحسن والجمال، رائعة المذاق، خاصة لمن لم يشاهد سواها، ولم يعايش معاني الآخرة، ويرى الجنة والنار كما وصفهما الله ورسوله.

    الدنيا قادرة على إغواء معظم البشر، واستعبادهم، وجعلهم أُجراء لديها، يعطونها خالص أيامهم، وطموحهم وهمتهم، وتعطيهم بعضا من متعها الزائفة الزائلة.

    لذا كان النبي حريصا في التشديد على أتباعه ألا ينساقوا وراء متع الحياة وزخرفها، فنراه يقول : (أبشِرُوا وأمِّلُوا ما يَسُرُّكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ..


    هنا النبي لم يكن يعني تطليق الدنيا كما قال غلاة المتصوفة، ولم يطالب أصحابه بتركها لشياطين الإنس والجن ليعيثوا فيها فسادا، وإنما طالبهم بالعمل والاجتهاد والرقي الدنيوي، ولكن ليس للدرجة التي تجعلهم يهتمون بالمظهر دون الجوهر، والتعلق بالسبب ونسيان الغاية الكبيرة.

    إن المسلم يجب أن يحب الحياة كي يستطيع العطاء، يجب أن يتعامل معها بجدية ويعمرها ويجتهد في جعلها أجمل وأروع مما كانت قبل مقدمه، ولكن ليس على حساب العطاء الأخروي، يجب أن يكون نجاحه في الدنيا سببا مباشرا في نجاحه الأخروي، عبر التزامه بالمنظومة القويمة للخلق، والتنمية المستمرة للضمير، والتعامل بيقظة تامة مع النفس وشطحاتها.

    لعلك ستدهش لو أخبرتك أنه لو كان هناك لائحة كلائحةمجلة «فوربس» المهتمة بمجال المال والأعمال في العصر النبوي، لكان على قمة أغنى أغنياء العالم، عدد غير قليل من المسلمين المجاهدين، والصحابة العظماء.

    وذلك لأن المسلم ليس مقطوعا عن الدنيا، أو كارها لها، بل المسلم الحق هو من يملك الدنيا بين يديه، ويأبى أن يضعها في قلبه أو يعطيها وزنا أعلى مما تستحقه.


    الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ثامن رجل يحمل لقب مسلم وهو في الثانية والعشرين من عمره، هاجر للحبشة، ثم إلى المدينة ولم يكن يملك في هجرته للمدينة من الدنيا سوى ملابسه التي تستر سوءته، وكانت أول كلمة قالها بعد نزوله للمدينة (دلوني على السوق)، فأصبح -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- من أغنى أغنياء المسلمين، حتى إن طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ عِيَالاً عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: ثُلُثٌ يُقْرِضُهُمْ مَالَهُ، وَثُلُثٌ يَقْضِي دَيْنَهُمْ، وَيَصِلُ ثُلثًا.

    ومع هذه السعة، وذلك الرزق الكبير، كان يشغل باله أمرُ الآخرة، ولا ينسى أبدا عِظم الغاية التي يعمل من أجلها، فنراه ذات يوم بجري إلى أم سَلَمَة َويسألها جزِعا: يَا أم المُؤْمِنِيْنَ! إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُوْنَ قَدْ هَلَكْتُ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً، بِعْتُ أَرْضًا لِي بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ دِيْنَار.

    قَالَتْ: يَا بُنَيَّ! أَنْفِقْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: (إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَنْ يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ).


    ولو فتشت يا صديقي في كتب السير، وتأملت أخبار الصحابة والعظماء لوجدت منهم كثرًا أصحاب مال وجاه، كأبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهم وغيرهم.

    ومع ذلك سترى ثبات أقدامهم على طريق الحق، وروعة تسخيرهم للدنيا في سبيل الآخرة، وكيف أنهم سيطروا على أطماع النفس والهوى، فكانت الدنيا تحت أقدامهم جارية يأمرونها، فتطيع غير مُسوِّفة.

    إن ما أطمع أن تنتبه إليه يا صاحبي وأنت تسير في الحياة أن تهتم بالنجاح، وتعمل من أجل الرقي، ولا تتنازل عن أن تكون رقما صعبا فيها.. ولكن.

    إياك أن تنسى أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن أفضل الأساليب للتعامل معها، هو معرفتها على حقيقتها (محطة نستقل بعدها قطار اللا عودة)، حيثُ نسكن في دار الخلد.


    وأن النجاح يجب أن يستتبع الفلاح.





  • #2
    شكراا
    يذهب الجميل ، ليأتي الأجمل
    تلك هي ثقتي بربــــــي ~

    تعليق


    • #3
      السلام عليكم

      يمنع ادرآج أكثر من موضوع منقول وهذا مخالف للقوانين ...قمتي بأدرآج موضوعين منقولين .

      أعتذر على الغلق أختي .
      ~ صلِ عـلى النبي مـحمد ~



      نتشرف بالتواصل مع الجميع
      twitter:alka90ser
      insta:alka90ser
      ask:alka90ser
      saraha:alka90ser

      تعليق

      يعمل...
      X