الســــــــلام علـــــــــيكم ورحـــــــــــمة الله وبركــــــــــــاته ,,
هُمومُ الدُّنْيا وأَحْزانُها
المرء يعيش بين نعم لا تُحصى ونِقم لا تُنسى، فطُعوم الدهر حلو ومرّ، وصروف الأيام عُسر ويُسر، وتقلّبات الزمان خير وشرّ؛ ولكن الإنسان {خُلِقَ هَلوعاً. إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعَاً. وَإذَا مَسَّه الخَيرُ مَنوعاً..}
المعارج 19-21، والهوى الغالب في طبع الإنسان أن السّيئات تُنسيه الحسنات، وأن التشاغل بالهموم يصرفه عن التبصّر بما سخّر له الحيّ القيّوم.
قليل من العباد يدعو كلما أصبح وأمسى: اللهم ما أصبح بنا (أو أمسى بنا) من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر!
وكثير من الخلق يغدو على همّ العيش، ويروح على غمّه، ويُطيف النَّكد بفؤاده بالليل والنهار، والعَشيِّ والإبكار!
أين مواقع نعم الله السّابغة في نفوسنا؟ وأين آثار كرامات الله الجارية في جوارحنا؟ يقول المولى عز وجل: {ألمْ تَرَوْا أنَّ اللهَ سَخّرَ لَكُمْ ما في السّموات وما في الأرض
وأسبَغَ عليكُمْ نِعَمَه ظاهرةً وباطِنَةً} لقمان - 20،
فقد أجرى الله علينا من نعمه ما لا نُحصيه مع كثرة ما نعصيه، فلا ندري أيهما نشكر: أجميل ما يُزْجي، أم قبيح ما يستر؟!
كان بعض الخطباء يقول في خطبته: اختطّ لك الأنف فأقامه، وأتمّه فأحسن تمامه، ثم أدار منك الحَدقة جعلها بجفون مُطبقة، وأشعار مُعلّقة، ونقلك من طبقة الى طبقة، وحنَّن عليك قلب الوالدين برِقّة ومَقَة (محبة)، فنعمه عليك مورِقة، وأياديه بك مُحدِقة!
فنعم الله تعالى لا يُحصيها جنّ ولا بشر، ولا يكشف الغطاء عن كل ظاهرة منها وباطنة أهل قَدَر ولا وَبَر.
هل أتاك حديث المبتلَى الصابر، الأعمى الأبرص المقعَد المضروب الجنبين بالفالج، وقد تناثر لحمه من الجُذام، وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه!
فقال له عيسى بن مريم عليه السلام: يا هذا! أي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟ فقال: يا روح الله! أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعله في قلبي من معرفته، ألم يترك لي لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً؟ قال: صدقت!
لو بذل العبد من الأعمال ما يفوق وزن الجبال، ولو تقرّب الى الله بما يساوي عبادة الإنس والجانّ، ما بلغ مُدّ نِعم الله! وإن أدنى نعمة من الله تستنفد كل عمله! إن الملائكة لما قايست الرجل الذي عبد الله في
جزيرة خمسمائة عام، بنعمة الله عليه وبعمله، وجدت نعمة البصر وحدها قد أحاطت بعبادة خمسمائة عام!
فعجباً لمن شغله البلاء عن إبصار النعم، والإدانة لله بالحمد والثناء! وأسفاً لمن يسقط مهزوماً صريع الأكدار والكروب، ويستسلم جزعاً للأقدار والخطوب! فمن نُكب بكساد
بضاعة أو بَوار تجارة، ومن ابتُلي بظهور أمراض أو حدوث أسقام، ومن مسّه الضّر وعصرته الآلام، ومن مُني بهزيمة أو إخفاق، ومن رُزئ بشقاق أو فراق، ومن امتُحن
بحرمان أو إِملاق، فارق الصبر على قضاء الخلاّق، وجاوز حزن القلب ودمع العين، إلى التبرّم واليأس، ولم يلحظ في المحسن شيئاً من النّعم، ولم يدرك أن شدّة الابتلاء إنما
تكون للأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، بل يتصور الدنيا غارقة في ظلمة كظلمة القبور، ويهيم في الدنيا على وجهه كأنه في يوم النّشور!
فما خطبك يا حليف الأشجان؟ كلما أصابك همّ انتابتك الأحزان، وغادرك التسليم بقضاء الرحمن؟
إن الحزن قرين الهمّ، قد استعاذ منه النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يأت الحزن في القرآن إلا مَنفيّاً أو منهيّاً عنه؛ وإن من وسائل الشيطان أن يُحْزِن العبد ليقطعه عن السّير، ويمنعه من الخير.
يا صاح! هذه الدنيا ما كانت إلا دار ابتلاء، لم يسلم من نكاياتها الأصفياء ولا الأنبياء، ومكائدها لا تُحصى، شكايات الورى بعدد الحصى، والله تعالى يبلونا فيها بالخير والشرّ ليُطاع لا ليُعصَى!}
كلمات أعجبتني وأحببت وضعها هنا علها تمس شيئاً ما بداخلنا ...
هذا والله ولي التوفيق ..
أخوكم الفقير في الله الغني الحميد ..مــحمــد البــلوشــي
تعليق