إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللغة الشحرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللغة الشحرية

    مقدمة:
    يظن البعض أن تسليط الضوء على المكوِنات اللغوية العُمانية والغوص في أعماقها، يُعد تهديدا للغة العربية الفصحى جوهر الهوية الوطنية العمانية، أو تقويضا للمشاعر الوطنية ووحدة الوطن العربي، ولكني أعتبر ذلك الظن إثماُ، لأن التنوع الثقافي ضمن الوطن الواحد هو مصدر ثراء وغنى للثقافة الوطنية، وقد رأينا أن بعض المجتمعات تضم العديد من الثقافات ولكننا نراها مجتمعات متماسكة وقوية تساهم في تعزيز الهوية الوطنية، والشعور بالمواطنة، ولم يشكل ذلك التنوع عائقا أمام الوحدة الوطنية أو وقفت حاجزا أمام التقدم والرقي.
    وهو ما نشعر به في هذا الوطن، فحينما ولِدنا وجدنا أنفسنا في بيئات ثقافية معينة، نتحدثلغات ولهجات قديمة ونمارس عادات وتقاليد وطقوسا وجدنا آباءنا متمسكين بها، لأنهم اعتبروها ميراثاً يجب الحفاظ عليه، ولم نكن مخيرين في الاهتمام بثقافتنا المحلية، بل مجبرين على التمسك بالإرث الثقافي، هذا لا يعني التقوقع داخل البيئة المحلية التي أشبهها بالغرفة، بل محاولة للتثاقف داخل الثقافة الأم الجامعة التي أشبهها بالبيت الكبير، وهي أشبه بشقة تقع في عمارة واحدة تمثل الثقافة العربية، وهذه العمارة تتجاور مع عمارات أخرى تمثل ثقافات الشعوب المحيطة بنا، وكلنا نسكن في حي إنساني واحد.
    بداية لا بد أن أقول أنني أطرح هنا تجربة مختلفة في الترجمة، وهذا الاختلاف يتعلق بالترجمة من لغة غير مكتوبة وهي اللغة الشحرية الشفهية إلى لغة مكتوبة هي اللغة العربية الفصحى، أي ترجمة من أدب شفهي إلى أدب مكتوب، ولعل البعض لا يعرف أن اللغة الشحرية تضم أدبا شفويا، هذا الأدب يضم أشعاراً، وأمثالاً، وحكماً، وحكايات شعبية، وقصصاً للأطفال، ومعتقدات، وأن هذا الأدب مهدد بخطر الانقراض والنسيان واللامبالاة.
    وأعرض عليكم في هذه المداخلة بعض النماذج التي قمت بترجمتها، والصعوبات التي تعرضت لها أثناء الترجمة، كما أضع بعض المقترحات في نهاية هذه المداخلة للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من اللهجات واللغات العمانية المحلية، واحتراما للمنهجية العلمية أبدأ بتعريف اللغة التي أتحدث عنها.
    1- تعريف باللغة الشحرية:
    تُصنف اللغة الشحرية ضمن اللغات السامية الجنوبية التي تتفرع إلى ثلاث لغات هي:
    العربية الشمالية، واللغة الحبشية، واللغة العربية الجنوبية والتي تضم العديد من اللغات واللهجات، وهي: المعينية والسبئية والقتبانية والحضرمية والمهرية والشحرية والسوقطرية والهبيوتية والبطحرية والحرسوسية(1)، وفي هذا التصنيف جرى تسمية بعض اللغات باللغات العربية الجنوبية لكي يتم تمييزها عن العربية الجنوبية القديمة (المعينية والسبئية، والقتبانية)، في حين أطلقت تسمية اللغات العربية الجنوبية الحديثة على اللغات، المهرية والحرسوسية والسقطرية والبطحرية والهبيوتية، واللغة الشحريةالتي نتحدث عنها بشيء من التفصيل.
    وتنتشر اللغة الشحرية في مناطق ممتدة من حاسك شرقا إلى ضلكوت غربا، ويتحدث بها حوالي 5 آلاف شخص حسب إحصاء لليونسكو(2).
    ونرى أن هذا الإحصاءاعتمد على دراسة قام بها جونستون(3)، وأظن على العكس مما طرحته تلك الاحصائيات وأن المتحدثين بها الآن يفوق المائة وخمسين ألف شخص.
    وتناول العديد من الكتاب والمثقفين العرب اللغة الشحرية في كتاباتهم، وأشار الأستاذ العراقي محمد رضا الشبيبي ( 1889- 1965) في كلمته أمام مؤتمر مجمع اللغة العربية 16/1/1961(4)إلى أنه «ذات يوم من أيام رومية ناولني أحد المشارقة المقيمين فيها صحيفة قرأت فيها خبرًا طريفًا يعنى به كل عربي، وهو عبارة عن الكشف عن أربع لغات مستقلة في اللغة العربية يتخاطبون بها فيما بين حضرموت والربع الخالي من الجزيرة وهي اللغات:
    1- المهرية.
    2- البطعرية (البطحرية).
    3- الشحرية.
    4- الحرسوشية (الحرسوسية).
    ويضيف، أن اللهجة ( الشحرية ) هي لهجة عربية معروفة وإن كانت كثيرة التحريف– والشحر – ويجوز الفتح – كما لا يخفى مستعملة في ساحل اليمن، وقال الأزهري في أقصاه: وقال ابن سيده: بينه وبين عمان، ويقال له شحر عمان ويشتمل على بلاد وأودية كانت فيما قبل مساكن سبأ على ما قيل».
    ويقول جواد علي ( 1907- 1987): «نجد في العربية الجنوبية قبائل تتكلم لهجات غريبة عن عربيتنا مثل اللغة المهرية واللغة الشحرية».(5)
    وكتب بعض الصحفيون الذين زاروا عُمان عن اللغة الشحرية، ومنهم رياض نجيب الريس الذي قال «يتكلم الظفاريون إلى جانب اللغة العربية، التي يتكلمها أهل الساحل، أربع لغات أو لهجات ذات أصل حميري قريبة من الأمهرية، وهي الشحرة نسبة إلى الشحرة وهم السكان الأصليون للجبال....، والمهرية نسبة إلى المهرة سكان حضرموت، والبطحرية نسبة إلى البطاحرة من قبائل شمال ظفار، والحرسوسية نسبة إلى الحراسيس، سكان شمال شرق ظفار».(6)
    يطول الحديث عن اللغة الشحرية في كتابات الكتاب والصحفيين وهذا ليس موضوعنا الذي نتحدث عنه.
    وأود أن أعرّج قليلا على التحريف الذي لحق بهذه اللغة ألا وهو تسميتها باللغة الجبالية، أول من أطلق عليها هذا الاسم هو الكاتب (جونستون)، أما عن سبب رواجها على هذا النحو فهو أن معظم سكان مدينة صلالة يتكلمون اللهجة العربية الظفارية، وقد أطلق اسم الجبالي على كل من يسكن الأرياف، وبالتالي سموها اللغة الدارجة في الريف (بالجبالية).
    2- الأهمية البيئية للغة الشحرية:
    في الصغر كان الكبار ينبهوننا إلى بعض الأمور، ويمنعوننا من فعلها أو حتى الاقتراب منها، وكنت آنذاك أحاول أن أجد تفسيرا لتلك المنهيات، ولكنني عجزت عن إيجاد الحل لها، وعندما كبرت عرفت أن المقصود هو الحفاظ على البيئة المحلية، ومما قيل لنا في الصغر، أن من يقطع غصن شجرة طري في بداية الخريف تموت ماشيته، ومن يتبول في الطريق لا يتمكن من إشعال النار، إذ أن كيفية إشعال النار تعتبر ضرورية بالنسبة للإنسان الريفي، ومن يسخر من الحيوانات يصاب بحبوب في جفونه، ومن يلعب في الطريق تتبعه أفعى في المساء إلى بيته، ومن قتل أفعى ولم يدفنها فإن عظام الأفعى بعد مرور عام كامل عليها تلتصق بأقدام المارين فوقها.
    ومن قتل عقرباَ ومر فوقه يصاب بانتفاخ في المعدة، وإذا حلقت شعر رأسك ولم تضعه في مأمن من الريح وعبث به غيرك، فإن الشعر يغير طريق نموه، وإذا نتفت شعر الشيب فإنه ينبت عن كل شعرة شيب عشرة أمثالها، وإذا أحدثت صفيراَ وكانت السماء ملبدة بالغيوم فإن الغيوم تغير اتجاهها ولا تمطر، ومن يلعب بالنار فإن ماشيته تدمع عيونها حتى يتوقف عن اللعب بالنار، ومن يضرب حيواناَ بعصا من شجرة (الخِييير) فإن آلام الحيوان تدوم سنة، وشجرة (الخييير) شجرة نادرة تنبت على حواف المنحدرات والأماكن الوعرة، وكان سكان المحافظة يستخدمون أغصان هذه الشجرة الطويلة في بناء مساكنهم، وهناك العديد من الأمثلة التي حٌفظت في الذاكرة من النسيان، ولم أعد أتذكرها.
    وأن هذه المعتقدات والتحذيرات التي حملها الإنسان معه حافظت على البيئة، حتى مجيئنا إلى الحياة، مما يعني ذلك أن اللغة الشحرية حافظت على البيئة المحلية منذ أن تحدث بها الناس في ظفار.
    3- الأهمية الثقافية للغة الشحرية:
    وتتمثل الأهمية الثقافية للغة الشحرية في مضمونها اللغوي والأدبي، بالإضافة إلى كونها لغة سامية من اللغات العربية الجنوبية الحديثة، إلى جانب اللغة المهرية والحرسوسية والبطحرية، وهذه إضافة مهمة للثقافة العُمانية.
    وقام بعض الباحثين العُمانيين مؤخرا بتقديم دراسات مقارنة في اللسانيات بين لغات ظفار ولهجات البربر، وتوصل الباحثون إلى وجود كلمات بربرية مطابقة تماما لبعض الكلمات في اللغة الشحرية، مثل كلمة (غزميت) و(مغنيس) و(كيرات)، وترجح هذه الدراسات كفة الآراء القائلة بعروبة البربر، وقد قال الرحالة (ابن بطوطة ) حينما زار ظفار «ان هناك تشابها بين أهل هذه المدينة وأهل المغرب...، وهذا التشابه كله يقوي القول بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير».(7)
    إذن التشابه بين أهل ظفار وأهل المغرب يفتح أمام الباحثين الأمازيغ المعتزين بعروبتهم آفاقا جديدة يمكن أن يدحظوا بها قول الآخرين الذين يقولون أن اللهجات البربرية مصدرها لغات هندوأوروبية، من هنا نقول أن دراسة اللغات العُمانية مهمة بالنسبة للثقافة العُمانية بشكل خاص والثقافة العربية بشكل عام، مما يعني أن الحفاظ على هذه اللغات هي مسؤولية إنسانية.
    4- الترجمة من اللغة الشحرية:
    وقام العديد من الشعراء والأكاديميين بترجمة بعض النصوص من اللغة الشحرية، مثل الشاعر علي بن سهيل المعشني في كتابه (ملامح من الأدب الشعبي في ظفار)، وهي محاولة تُذكر وتُشكر، وما يميز هذا الكتاب هو قيام الشاعر بكتابة النص الأصلي المنطوق بالشحرية باللغة العربية، ومن ثم إدراجه للنص الذي ترجمه، في كتابة النص الأصلي مع الترجمة ليترك المجال أمام باحثين آخرين للقيام بتراجم أخرى للنص ذاته.
    ومؤخرا قام الدكتور محمد بن مسلم المهري بإصدار كتاب (حكايات شعبية ظفارية)، وضم الكتاب (69) قصة شعبية موزعة على عدة عناوين منها قصص الجن، وقصص السحرة، وقصص العقل والدهاء، وقصص الشجاعة، وقصص أخرى متفرقة، ولكن لا يوجد نص أصلي للقصة المترجمة، إذ يصعب كتابة حكاية شعبية باللغة العربية، ولكن يمكن تسجليها صوتيا، وتصعب كتابتها، ومن هنا أدعو كل من يقوم بتسجيل أي موروث شعبي أن يقوم بتوثيقه صوتيا كي تتاح فرصة الإطلاع عليه من قبل باحثين آخرين.
    كذلك قام الباحث علي بن أحمد الشحري بترجمة بعض الأمثال والمعتقدات في كتابه (لغة عاد)، وقد كتب المثل بالحروف العربية ومن ثم قام بترجمة المثل من اللغة الشحرية إلى اللغة العربية.
    يغفل البعض أن اللغة الشحرية تضم آدابا ومن ضمنها فنون مؤداها أنها مغناة مثل النانا، والدبرارت، والويد، والتركيز، وأشعار المضابي، وأشعار العمل، والحكايات الشعبية، وقصص الأطفال، إذن يمكننا القول أن اللغة الشحرية مليئة بالكنوز الأدبية لمن أراد أن يأتي بالجديد في حقول الفكر والإبداع، وهي دعوة للناطقين بها قبل غيرهم.
    وكانت نظرية الترجمة قد اقتصرت فيما مضى على مجال علم اللغويات، وهي عملية تحويل من لغة المصدر( اللغة المترجم منها) إلى لغة الهدف ( اللغة المترجم إليها)، إلا أنه مع توالي الأبحاث والدراسات تبين أن المعنى لا يرتبط باللغة أو النص فحسب، وإنما بالمؤلف والقارئ واللغة، وهذه العناصر الثلاثة هي الأعمدة الثلاثة التي يقتضيها فهم المعنى.(8)
    وعندما حاولت ترجمة بعض النصوص المنطوقة باللغة الشحرية إلى اللغة العربية الفصحى، كان عليّ أن أفهم النص الأصلي ( دبرارت) أو ( حكاية) أي أن أضع ما أترجمه ضمن أدب اللغة الشحرية وبعد ذلك تأويله، بمعنى أنني لم أحاول تفسير الكلمات الواردة في النص باللغة الشحرية - وقد درج بعض الذين ترجموا قبلي على ذلك أي أنهم فسروا الكلمات- وحاولت أن أفهم قصد المؤلف في ترجمة (الدبرارت)، وإظهار الدوافع الخفية الكامنة في القصة الشعبية الشفهية.
    5- أمثلة على نصوص مترجمة:
    وأبدأ بذكر ما ترجمته، فقد قمت بترجمة أشعار من النانا والدبرارت وبعض القصص والحكايات الشعبية:
    5- أ- النانا: ويتكون شعر النانا من مقطعين موزونين، ولكن أحيانا يتكون من ثلاثة مقاطع وتسمى مثلثت. وهذا الشعر يقال في الحكم، وفي الغزل، والعاطفة، وفي حوار بين الشعراء في تناول قضية اجتماعية، وكان أداء النانا مقتصرا على النساء، ولكن الرجال شاركوا النساء أخيرا في أدائه. وتشتهر المناطق الشرقية من ظفار بأدائه وتحديدا ولايتي مرباط وسدح، ومن أمثلة النانا:
    قال الشاعر الراحل محفوظ عاران الشحري:
    نانا: « هير بهوين عرضك يغيشك اكسله
    تخيدم ات عجز بيفله تكين شله».
    وترجمتها: إذا رافقت الهين يغشاك كسله
    تخدم حتى تعجز أو تكون مثله.
    وقال الشاعر الراحليحيى بن أحمد العمري :
    نانا: « هير نيشك إمحبن بدر بعيد هجك
    بك كُنك شي تفرح أمن خطر عجك»
    وترجمتها:
    إذا نسيت الأحبة وبالك راح بعيد
    قد كنت معي ترغب ومن خاطرك تريد
    وقال شاعر آخر:
    نانا:» أصرك شيء بجهد بل هيمك تحتِرف
    عك تا بلي تعبك من اسهيب لغيرف.
    وترجمتها:
    لم تقف معي بجهد ولا هممت تتوارى
    تريدني لو تعبت من البحر أغرف.
    5- ب- الدبرارت: وهي قصائد طويلة مكونة من عشرات الأبيات الموزونة، يطرح فيها الشعراء أراءهم، وقضاياهم، ويحرص الشاعر على تأثيث دبرارته بمفردات جميلة ورائعة، وتقال في المدح والهجاء والرثاء والتحريض أحيانا، من الشعراء الذين اشتهروا بهذه القصائد محاد كشوب الملقب بمحاد الفهد.
    وعندما حاولت أن أترجم اللغة (الشحرية) كانت بالنسبة لي صعبة وغير قابلة للترجمة، لذلك كان عليّ أن أنظر إلى أصل الكلمات لكي أنقل قيمة معانيها إلى العربية دون الحفاظ على قافية (الدبرارت) في نصها الأصلي. وهكذا كانت أولى الترجمات بالنسبة إليّ، وهي دبرارت للشاعر سعيد جحز الحكماني.
    (دبرارت سعيد)
    يعبر بالجميع سعيد، حاذق، وكريم، وعاقل.
    انهض وانظر للجبال، التي بها الرحمن جمّل.
    من (أقنزلت\) (بحبرير\)، إلى حيث (إيطين\) يطل.
    مخلوقة بقدر وقياس، كأنها مفصلة تفصيلا.
    \ \ \
    الوهج يخفت ويتلاشى إذا ظل الظليل.
    رأيت براقا لامعا، و رعدا ونغم جميلا.
    السحب خُلقت في السماء منبها للآدمي ودليلا
    \ \ \
    ثب، انتبه لنفسك، ودع مكان الذل.
    حتى لو شيدت قلعة، بنيانها حجر ورمال.
    شقٌ يهدم المأوى، وأسس يقتلعها السيل.
    لا المسافات تثنيك لا، ولا عن (أذيمشين) بديل.
    الأنواء فيه لا تقلقك، لو زخات المطر صليل.
    \ \ \
    للجديد دائما ترقب واستمع لما أقول .
    نحسب للخريف حساب في (إيتين) والسهل.
    ما مضى ينتهي ويفنى ولا يرجع أو يقال.
    اقنزلت: قمة في شرق جبل صولوت (جبل سمحان).
    حبرير: آخر القمم في سلسلة جبل صولوت من جهة الشرق.
    ايطين: قمة من قمم (قصص آدين).
    أذيمشين: كهف يقع خلف جبل صولوت، يضرب به المثل في المأوى.
    آيتين: القمة المطلة على مدينة صلالة.
    5-ج- قصائد العمل والمضابي: وترتبط هذه القصائد بلحظات معينة، حيث يتم ترديدها في أوقات العمل، للترويح عن النفس، ولإضفاء نوع من البهجة إلى مكان العمل، مثل ربط الحمولة على ظهور الإبل، أو القيام بعمل جماعي مثل تجميع أسماك السردين أو تقطيع اللحم أثناء المناسبات الاجتماعية.
    يردد هذا المقطع أثناء تجميع السردين المجفف:
    «أقحاف عورت مكن شيك آرخي .... هير العك تحضر تكن خس آرشي»
    قالت أقحاف: معك وسع كثير،،، إلا إذا تكاسلت تكون أخس الشباب»
    5- د- حكاية شعبية: هي قصص وحكايات شعبية تروى غالبا للأطفال، ومعظم أبطال هذه القصص هم من الحيوانات والطيور والحشرات.
    ومن أمثلة تلك القصة التي اسردها الآن والتي احتفظت بها ذاكرتي دون بقية الحكايات التي كانت أمي تقصها عليّ، كما كانت مؤثرة تلك القصص التي لا أنام إلا على وقائع سردها وحلم أبطالها.
    «كانت هناك طفلة يتيمة الأم، تزوج أبوها امرأة أخرى، وحين ولدت الزوجة الجديدة بنتا قالت لزوجها لن يجمعني معك سقف واحد ما لم تنفِ ابنتك الكبرى، وفي إحدى الأيام خرج الأب وابنته إلى البراري وحين لمحا شجرة تين ظليلة قال الأب لابنته تسلقي الشجرة واقطفي لنا تينها وأنا سأنام قليلا ريثما تعودين. البنت تأكل الحبات المرّة وتضع الثمار الحلوة لوالدها، حين نزلت همّت بإيقاظه ولكنها أمهلته حتى يفيق من سباته، وحين قاربت الشمس دخول بيتها، سحبت البردة عن أبيها فوجدته قد رحل وترك تحت البردة جذع شجرة، بكت وقالت حفظك الله يا أبتيِ أينما وليت وجهك، ثم جاء ملائكة فقالوا لها من أين تشرق الشمس ومن أين تغيب؟ وأين يصب هذا الوادي سيله إن فاض؟ فردت على أسئلتهم ولم تتهرب من الأجوبة، فقالوا لها حين يحمرّ الأفق اضربينا بهذه السياط. حين بزغ الفجر بكت ولم تضربهم، بعدها أخذوها من ساعديها وغمسوها في البحر فخرجت محملة بالذهب واللآلئ، فقالوا لها أين تريدي أن تهبطي؟. فوق كوخ والدي، هكذا ردت عليهم، وحين نزلت على كوخ والدها سقط منها عقد من الذهب على امرأة أبيها وكانت تكنس الكوخ فقالت وا حظاه بهذا العقد فقالت البنت لا يا خالة العقد عقدي. حين عاد الأب في المساء قالت له زوجته انفِ ابنتي كما نفيتَ ابنتك ففعل كما فعل للأخرى، حين تسلقت الشجرة كانت تأكل الثمر الحلو وتترك المُر لوالدها. حين نزلت نزعت البردة فوجدت الجذع فقالت روح لا ردك الله سالما إلى دارك وجاءها الملائكة فسألوها كما سألوا أختها، فاستهزأت بهم ولم تخبرهم بالحقيقة، أعطوها السوط وقالوا حين يحمرّ الأفق اضربينا، في الصباح أيقظتهم بضربات السوط على ظهورهم، فأخذوها من ساعديها وغمسوها كما غمسوا أختها في البحر، فخرجت محملة بالأفاعي والسحالي والعقارب، وحين سألوها عن مكان هبوطها قالت على كوخ والدي. حين حطت على الدار سقط عقرب على رأس أمها فخرجت الأم مذعورة فنادتها ابنتها اتركيه إنه ملكي».
    خاتمة قاتمة:
    إن اللغة التي قدمتها لكم اليوم هي في طريقها نحو الاندثار بسبب انتشار المدارس واللغة العربية الفصحى بالإضافة إلى كونها لغة غير مكتوبة، وظن البعض أن التخلي عن الحديث بهذه اللغة يحدث نوعا من الرقي والتطور، لذلك لم نستغرب حينما أدرجتها اليونسكو مؤخرا ضمن اللغات المهددة بالخطر بدرجة كبيرة.
    إننا كناطقين بهذه اللغات نتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ عليها وإنقاذها من الانقراض، وكذلك بعض الجهات المعنية ذات العلاقة بالشؤون الثقافية في السلطنة مطالبة الآن بالتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عن طريق دراسة هذه اللغات وتفريغ الباحثين لدراستها، بالإضافة إلى المؤسسات الأكاديمية التي مطلوب منها الآن تخصيص مساقات علمية لدراسة اللغات واللهجات العُمانية (الشحرية والمهرية والحرسوسية والبطحرية والهبيوتية، والبلوشية واللواتية، ولهجات الشحوح،وغيرها..).
    أيضا لا بد من أن تقوم وسائلنا الإعلامية بتسليط الضوء على هذه اللغات، وإعداد تقارير عنها، وإعادة بث (البرنامج الريفي)، الذي أنتجه التلفزيون العُماني في ثمانينات القرن الماضي، وقد خصص هذا البرنامج للفنون المنطوقة باللغة الشحرية وخاصة النانا والدبرارت.
    المراجع
    6- ابن بطوطة، أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن ابراهيم اللواتي، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، ج 1، طبعة القاهرة 1938 م.
    7- علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج1، طبعة جامعة بغداد 1993.
    8- الريس، رياض نجيب، ظفار الصراع السياسي والعسكري في الخليج العربي 1970- 1976، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، ط2، 2000.
    9- ولفنستون، إسرائيل، تاريخ اللغات السامية، القاهرة، مطبعة الاعتماد، ط1، 1939.
    مواقع إلكترونية:
    1- موقع اليونسكو:
    http://www.unesco.org/culture/ich/index.php?pg=00206
    تاريخ الإطلاع 25-5-2010.
    2- موقع مجلة الترجمة: www.arabicacademy.org.eg/admin،
    تاريخ الإطلاع 6-5- 2009.
    الهوامش
    1 - ولفنستون، إسرائيل، تاريخ اللغات السامية، القاهرة، مطبعة الاعتماد، ط1، 1939، ص 20.
    2 - موقع اليونسكو http://www.unesco.org/culture/ich/index.php?pg=00206 تاريخ الإطلاع 25-5-2010.
    3 - توماس موير جونستون ((1924-1983، أستاذ اللغة العربية في جامعة لندن، يُعد من أهم الدارسين للهجات العربية في شبه الجزيرة العربية، حصل على درجة الدكتوراه سنة 1962 عن بحثه (دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية)، بإشراف البروفيسور (سيرجنت R.B.Serjent ) وقد نشرت هذه الرسالة ضمن مطبوعات جامعة اكسفورد في سنة 1967، وقد أصدر عام 1981، قاموس سماه قاموس اللغة الجبالية.
    4 - موقع www.arabicacademy.org.eg/admin،
    تاريخ الإطلاع 6-5- 2009.
    5 - علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج1، طبعة جامعة بغداد 1993، ص 185.
    6 - الريس، رياض نجيب، ظفار الصراع السياسي والعسكري في الخليج العربي 1970- 1976، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، ط2، 2000، ص 36..
    7 - ابن بطوطة، أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن ابراهيم اللواتي، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، ج 1، طبعة القاهرة 1938 م، ص169-171.
    8 - مقال عن الترجمة، أيوي شي، جامعة جانشو /شنغهاي،، ترجمة أيمن حمودة، موقع مجلة الترجمة على الانترنت
    (Hermeneutics and Translation Theory )
    تاريخ الإطلاع 27-5-2010 .محمد الشحري في تاريخ 20\10\2010
    كاتب من عُمان
    مجله نزوى
يعمل...
X