بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ، خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، شرف آدم أبا البشر بخلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه . وكرّم ذريّته فصورهم في الأرحام في أجمل صورة وخلقهم في أحسن تقويم . ورزقهم من الطيبات ، وفضلهم على كثير من المخلوقات ، وزودهم بالعقل ليعرفوه وأمدهم بالنعم ليذكروه ، ويشكروه . أنزل الكتب ، واصطفى من الملائكة رسلاً ، ومن الناس لإبلاغ عباده شرائعه من الدين ، ليعبدوه ويوحدوه ، فتكمل بذلك آدميتهم ، وتشرف به إنسانيتهم ويتأهلوا لكرامة الدار الآخرة ، والسعادة الدائمة فيها ، حيث كتب لهم ذلك وقدره تقديراً . فسبحانه من رب رحيم ، وإله عظيم ، لا إله غيره ، ولا رب سواه . والصلاة والسلام على سيد المرسلين وقائد الغر المحجلين صاحب المقام المحمود والحوض المورد محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ثم أما بعد :
أخي القارء العزيز لقد حاولت جاهدا أن أنقل لك صورة مختصرة عن أهم مانصبوا إليه بعد مماتنا وأهم مايجب أن نحذر منه ألا وهما الضدان الذان لا ينفكان ـــ (( الجنة و النار ))ـ وقد بدأت بالجنة ووصفها ثم بعد ذلك النار ووصفها وسوف اجعل ذلك على شكل حلقات لأن الأمر أوسع وأكبر من أن يصفه إنسان مثلي وهو والله من أهم الأمور التي ينبغي على الإنسان المؤمن أن يتعرف عليها لأنه المستقبل الحقيقي الذي ينبغي أن تبنيه يا أخي فإن كان بناءك سليماً صحيحاً على علم وتقوى وورع فسوف تفوز وهذا هو المقصود وإن كان بناءك فيه الغش والخداع والنفاق والشرك فسوف تخسر لا محالة وهذا هو الخسران المبين والله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثا وإنما خلقنا فقط لأمر واحد وهو عبادته حيث قال تعالى : ـ(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) (الذريات:56 وسوف أبدأ الأن بوصف مختصر للجنة قبل التوسع في وصفها في حلقات أخرى فقلت وبالله التوفيق :
لقد وصف الله لنا الجنة وأهلها وصفاً دقيقاً في القرآن الكريم ، وكذلك وصفها لنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلّم فإليك فيما يلي دليل وجود الجنة و بعض من أوصافها ومن يدخلها ، نسأل الله العلي القدير أن نكون منها وإياك . وقد دل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى :
(( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ( 13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( 14 ) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ( 15 ) ـ لنجم
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ، ورأى عندها جنة المأوى ، كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الإسراء وفي آخره : ـ(( ثم انطلق بي جبريل حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ماهي )) قال : (( ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك )) . )) ـ 1ـ
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة )) )) ـ 2 ـ
وفي الصحيحين أيضا من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم . قال : فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . قال : فيقولان له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة . قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعاً ))ـ3ـ
وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لما خلق الله تعالى الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها . فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها فرجع فقال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها . فأمر بالجنة فحفَّت بالمكاره فقال : فارجع فانظر إليها وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها . قال : فنظر إليها ثم رجع فقال : وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ))ـ4ـ
فهي موجودة ولا ينكر وجودها إلا بعض المبتدعة ،كالقدرية و المعتزلة الذين قالوا : بل الله ينشئها يوم المعاد . وقولهم هذا يخالف أدلة الكتاب والسنة التي ذكرنا بعضاً منها . وانظر في وصف ابن القيم رحمه الله للجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها :
فاسمع إذاً أوْصَافَهَا وَ صِفَاتِ هَا ******** تِيكَ المَنَازِلِ رَبَّةِ الإِحْسَانِ
هِيَ جَنَّةٌ طَــابَتْ وَطَـــابَ نَعِيمُهَـا ******** فَنَـعِيـمُهَا بَاقٍ وَلَيْسَ بِفَانِ
دَارُ السَّــلاَمِ وجنَّـــةُ المَأوَى وَمَنْْـ ******** ـزِلُ عَسْـكَرِ الإِيمَانِ والقُرْآنِ
فَالــدَّارُ دارُ سَلاَمَــةٍ وَخِــطَابُــهُمْ ******** فِيهَا سَلاَمٌ واسمُ ذِي الغُفْرَانِ
ملتقى على باب الجنه - الخميس مايو 20, 2004 7:36 pm
موضوع الرسالة: رد: الجنه بلاد الأفراح(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسليماً كثيراً ثم أما بعد فهذه الحلقة الثالثة من حلقاتنا عن ـ الجنة ـ (( بلاد الأفراح )) وقد قدمت وصفا موجزا أرجو أن يكون تم به المقصود إن شاء الله وفي هذه الحلقة سوف أقوم أيضا بوصف موجز لبعض الأشياء التي لم أتكلم عنها في الحلقتين الماضيتين والتي يعجز اللسان والقلم عن وصف تلك النِعَم الموجودة فيها وحُق لهما ذلك لأن في الجنة (( مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )) فاسأل الله العون في هذه الحلقة والتي سوف تكون ما قبل الأخيرة بأذن الله تعالى لموضوعنا عن الجنة بلغنا الله وإياكم هيا وأعتذر عن التقصير والخطأ والنسيان إن وجد وليس لي غنا عنكم أيها القراء والزوار فبكم يتم المقصود ليتم كل أمر محمود .
وفي هذه الحلقة سوف نستعرض معكم أيها ألأعزاء التالي وعلى الله اتكالي :
1 ـنساء الجنة
2 ـ لباس أهل الجنة
3 ـ طعام أهل الجنة وشرابهم
4 ـ أنهار الجنة .
5 ـ خيام الجنة وتربتها وأسواقها
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
يا خاطب الحــور الحــسان وطالبــاً ******* لوصـــالهــــنَّ بجنــــة الحيـــوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلـبتـ ******* ــت بــذلت ما تحــوي من الأثمــان
أو كنت تدري أيـن مسكنها جـعلـــ ******* ـت الســعي منــك لها على الأجفان
ولقد وصفت طريق مسكنـــها فــإن ******* رمت الوصــال فلا تكـــن بالوانـــي
أســرع وحــث السيــر جهــدك إنمـا ******* مســراك هــذا ســــاعــةٌ لزمــــان
1 ـ نساء الجنة وفي البدايه اقرأ هذه البشارة العظيمة مِمَّن إنّها من الله سبحانه وتعالى حيث قال تعالى :
(( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) (البقرة:25)
فـتأمل يارعاك الله جلالة المبشر ، ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله بهذه البشارة ، وقدر مابشرك به ، وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره ، وقد جمع الله سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنان ، وما فيها من الأنهار والثمار ، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة ، ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد ، وعدم انقطاعه .
والمطهرة : أي : من طهرت من الحيض ، والبول ، والنفاس ، والغائط ، والمخاط ، والبصاق ، وكل قذر ، وكل أذى يكون من نساء الدنيا .
وقال تعالى :
(( كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُور ٍعِينٍ)) ـ (الدخان:54)
والحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين .
وقال تعالى :
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) (الرحمن:56
(( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ)) أي قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم .
وقال تعالى :
(( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ)) ـ (صّ:52)
أي : مستويات في سن واحد ، فليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ، ولا صغيرات لايطقن الوطء ، بل هن بنات ثلاث وثلاثين .
# اذا فهذا يدل على أنه لايدخل الجنة عجوز ولكن الله يجعلهن في سن الشباب وهو الثلاث والثلاثين وحيث قال الله
تعالى في ذلك أيضا :
(( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً 35 فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً 36 عُرُباً أَتْرَاباً 37 ))ـ(الواقعة)
قيل : هن نساء الدنيا العجائز يخلقهن الله خلقا جديدا .
وقيل : بل هن حور العين أنشأهن لأوليئه إنشاءً فلم يخلقن من ولادة والله أعلم .
وقوله (( عرباً )) جمع عروب وهن المتحببات إلى أزواجهن ، فجمع الله سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها ، وهذا غاية ما يُطلب من النساء وبه تكمل اللذة .ــ (( ابن قيم الجوزية ـ حادي الأرواح ))
(( وفي كتاب التذكرة للقرطبي )) .
ذكر أن الآدميات في الجنة يقصد هنا بالآدميات نساء أهل الدنيا ، على سن واحد ، وأما الحور العين فأصناف مصنفة صغار وكبار على ما اشتهت أنفس أهل الجنة .
روى الترمذي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قال يقلنّ : نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنا له وفي الباب عن ابي هريرة وأبي سعيد وأنس . قال أبو عيسى : حديث على حديث غريب .
وقالت عائشة رضي الله عنها : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا : (( نحن المصليات وما صليتن ونحن الصائمات وما صمتن ، ونحن المتوضئات وما توضأتن ونحن المتصدقات وما تصدقتن . قالت عائشة : فغلبنهن . والله أعلم
(( وهناك في كتاب بن القيم حديث طويل تركته لطوله ولوجود الأختلاف فيه ما بين مضعف وموثق لعلكم ترجعون لكلام ابن القيم في كتابه (( حادي الارواح )) ص297 (( حديث الصور )) )) .
وذكر ابن وهب ، عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين اطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف المسورة وأن ما خلق الله شيئاً تلبسه إلا عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي .
وقال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ إن في الجنة حوراء يقال لها (( العيناء )) إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف عن يمينها وعن يسارها كذلك وهي تقول : أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ؟ . .
وقال عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ :
(( إن في الجنة حوراء يقال لها (( لعبة )) لو بزقت في البحر لعذب ماء البحر كله . مكتوب على نحرها من أحب أن يكون له مثلي فليعمل بطاعة ربي عز وجل . )) من أراد المزيد في ذلك لأن الكلام في هذا الموضوع يطول ...... يجده في (( التذكرة ـ للقرطبي )) من ص410 إلى 413 .
# انظر يارعاك الله إلى هذا الفضل العظيم الذي أعده الله لعباده المتقين المطيعين له المتبعين أوامره فهل بعد هذا تريد التفريط في ذلك مقابل ماذا ؟ مقابل متعة حرام في الدنيا الزائلة ثم ماذا ثم تنتهي في ثوانٍ معدودة وتذهب نفسك بعدها حسرات على ما فرطت في جنب الله و تخسر في الدنيا ثم تخسر في الآخرة وهو الخسران المبين اسأل الله العلي القدير أن يهديني وإياك إلى سواء السبيل وألا يحرمنا من هذا الفضل العظيم الذي أعده لعباده المتقين فاحذر أخي إنها سلعة الرحمن وسلعة الرحمن ليست رخيصة ولكنها غالية وثمنها لا بد أن يكون غاليا وفقني الله وإياك إلى ذلك .
2 ـ لباس أهل الجنة
قال تعالى :
(( إنَّ المُتقين في مقامٍ أمين( 51 )في جنات وعيون( 52 ) يلبسون من سُندُسٍ وإستبرقٍ متقابلين ( 35 ) )) ـ الدخان
وقال تعالى : (( ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرق( 31 ) )) ـ الكهف
والسندس هو : مارق من الحرير ، والإستبرق هو ما غلظ منه .
فأحسن الألوان الأخضر ، وألين اللباس الحرير ، وهما حاصلان لأهل الجنة . وقال صلى الله عليه وسلم : ((من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه )) رواه مسلم .
أي لا يزال عليه الثياب جديد .
وفي الصحيحين عن أنس قال : أهدى أكيدر دومة إلى النبي صلى الله عليه جبة من سندس فتعجب الناس من حسنها فقال صلى الله عليه وسلم : (( لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذا )) وسعد هو : سعد بن معاذ سيد الأنصار .
وأما فرشهم فقد قال تعالى : (( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان 54 )) الرحمن .
فوصف الله الفرش بأنها مبطنة بالإستبرق .... فما ظنك بظاهرها ؟
وأما البسط والزرابي فقد قال الله تعالى : (( متكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقري حسان 76 )) الرحمن .
والرفرف : الوسائد .
وأما العبقري : فهو كل شيء حسن من البسط ، ولأن العرب كانت تقول للشيء الحسن عبقري نسبة إلى أرض تسمَّى عبقر كان يسكنها الجن ، فكان العرب ينسبون إليها كل شيء له صفات عجيبة ، أو بولغ في وصفه ، فهي بسط عجيبة الصناعة فسبحان الله أحسن الخالقين . (( حادي الأرواح ))
وانظر إلى وصف ابن قيم الجوزية للباس أهل الجنة :
وهم الملوك على الأسرة فوق ها ******* تيك الرؤوس مرصع التيجـــــــان
ولباسهم من سنــدس خضــــر ومن ******* استبرق نوعان معروفـــــــــان
مـــا ذاك من دود بني مـن فوقـــه ******* تلك البيوت وعاد ذو طيــــــران
كلاّ ولا نسـجت على المــنوال نسـ ******* ــج ثيابنا بالقطن والكتـــــــان
لكنهـــا حــلل تشـــق ثمــارهــــا ******** عنها رأيت شقائق النعمـــــان
لاتقــــرب الدنـــس المقــرب للبلــى ******* ما للبلى فيهن من سلطــــــــان
ونصيــــف إحــداهــن وهو خمارها ******* ليست له الدنيا من الأثمـــــــان
سبعــــون حــــلل عليهــــا لاتعـــو ******* ق الطرف عن مخ ورا الساقان
لكـــــن يـــــراه مــــن ورا ذا كلـــه ******* مثل الشراب لى زجــــاج أوان
3ـ طعام أهل الجنة وشرابهم لقد ضل قوم من الفلاسفة والنصارى فزعموا أن نعيم الجنة روحاني بحت ، لاشيء فيه من النعيم للجسم بالمرة ، وهذا معتقد خطأ محض ، وباطل لا شك في بطلانه عند من يعرف عن الله تعالى وعن رسله عليهم السلام .
وهذه حجج عقلية نوردها على صحة هذا المعتقد الحيوي الخطر فنقول والكلام للشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله :
أولاً ـ
إن الأرواح التي يراد لها النعيم لايتم لها التنعم الحقيقي إلا إذا كانت حالّة في أجسام تلائمها ، وتستقر فيها وتقوم بها ، ولذا فإنه لما أريد إنعام الشهداء وتكريمهم خلق الله لأرواحهم أجساماً خاصة تلائمها فتحل فيها ، فتم لها التنعم بما أعد الله لها من نعيم طيلة حياتها في البرزخ ، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال ـ : (( أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ترعى في الجنة ، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش )) . الحاكم على شرط مسلم ووفقه الذهبي 2/ 297، 298 وقد رواه مسلم بقريب من هذا اللفظ : 6/ 38 ، 39 .
قال تعالى : (( ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) ـ آل عمران :[ 169 ـ 170 ]
ثانياً ـ أن القدرة الكافية التي خلقت الإنسان اليوم ورزقه ، وخلقت له ضروباً من النعيم الدنيوي كأطيب المطاعم ، وألذ المشارب ، وأجمل الملابس ، وأحسن المساكن وأفره المراكب ، قادر على إيجاد ذلك في الملكوت الأعلى وتوفيره بصورة أجل وأكرم . .
ثالثاً ـ تفضيل الحياة الدنيا التي وجدت على أساس الفناء ‘لى الآخرة التي وجدت على أساس البقاء ، وتفضيل مايفنى على مايبقى مردود عقلاً ، ومن هنا كان من غير المعقول أن يكون النعيم في الحياة الدنيا جثمانياً روحياً ينال الجسم والروح معاً مع أن الدار دار كدر ، وتنغيص ، وفناء كل ما فيها وجد على مبدأ الزمان المؤقت ، ...... .
قال الله تعالى مخبرا عما سينعم به على عباده المسلمين الذين آمنوا وكانوا يتقون : (( يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ، وفيها ماتشتهيه وتلذ الأعين ، وأنتم فيها خالدون ، تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ، لكم فيها فاكهة كثيرة ومنها تأكلون )) ـ 68 / 79 ــ الزخرف .
والرسول صلى الله عليه وسلم يحدث عن نعيم أهل الجنة ، ويصفه كما رآه وعرفه فيقول : (( أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ، ولا يتفلون ، ولا يبولون ، ولا يتغوطون . قالوا : فما بال الطعام ؟ قال : جشاء ورشح كرشح المسك ، يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس . رواه مسلم 8/ 147 وفي البخاري معناه : 4 / 143 .
ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام : (( إنّ أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم ، مع كل خادم صحفتان واحدة من ذهب ولأخرى من فضة ، في كل واحدة لون ليس في الأخرى مثله ، يأكل من آخرها مثل ما يأكل من أولها يجد لآخرها من الطيب واللذة مثل ما يجد لأولها ، ثم يكون ذلك ريح المسك الأذفر ، ولا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يمتخطون )) . رواه ابن أبي الدنيا والطبراني : قال المنذري رواته ثقاة الترغيب والترهيب 4/ 508 .
وما ذكرناه لم يعد أن يكون شا هداً فقط ، إلا فإن هناك عشرات الآيات ، والأحاديث الصحاح تصرح بنعيم أهل الجنة ، وأنه روحاني جثماني ، وأنه ليس مقصوراً على المطاعم والمشارب بل يتعداه إلى لبس الحلل ، والتحلي بالحلي ، والجلوس على الأرائك ، والتمتع بالنساء والطرب ، وركوب الخيل ، والزيارات الكريمة ، واللقاءات الحبيبة . للإستزادة ـــ كتاب عقيدة المؤمن (( أبو بكر الجزائري حفظه الله .
ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في وصف طعام أهل الجنة :
وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ******* ولحوم طير ناعم وسمـــــان
وفــواكــه شتى بحسب مناهم ******* ياشعبة كملت لذي الإيمـان
لحم وخمر والنســـاء وفــواكه ******* والطيب مع روح ومع ريحان
وصحــافهم ذهب تطوف عليـهم ****** بأكــــف خــدام من الولـــدان
وانظــر إلى جعل اللذاذة للعيــو ****** ن وشهوة للنفس في القـرآن
للعيـــن منهــا لــذة تدعــو إلـى ****** شهواتها بالنفــس والأمــران
ســـبـب التناول وهــو يوجب لذة ***** أخرى سوى ما نالت العينان
4 ـ أنهار الجنة وأشجارها تحت هذا العنوان من رسالة (( الجن دار الأبرار )) قلت : يا أخي القارىء هات يدك نتجول قليلا بين أنهار الجنة ةتحت أشجارها ، ونمتع النفس ساعة قبل يوم الساعة !!
هيا بنا إلى ذلك النعيم المقيم ، هيا بنا إلى الأنهار الأربعة التي هي أصل كل أنهار الجنة إنها : نهر الماء و نهر اللبن و ونهر العسل و ونهر الخمر كما جاء ذلك في قول الله عز وجل من سورة محمد صلى الله عليه وسلم : (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماء غير آسن ، وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذّة للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفّى ولهم فيها من كلِّ الثمرات )) محمد ـ 15
إن من بين الأنهار العظيمة نهر الكوثر ، وما أدراك ما نهر الكوثر ! ؟
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وجميع المسلمين ممَّن يردون عليه ويشربون منه شربة لا نضمأ بعدها أبداً آمين يارب العالمين
إنّ الله سبحانه وتعالى خص به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، وهو أعظم أنهار الجنة ، وأحسنها ، جاء الوعد به في كتاب الله تعالى القرآن الكريم حيث قال : (( إنًّا أعطيناك الكوثر ، فصلِّ لربك وانحر )) الكوثر/ 1ـ 2
ولنسمع إلى صاحبه يصفه لنا ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ فنمتع سمعنا بذلك ، روى البخاري مرفوعاً قوله : (( بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف ، فقلت : ما هذا ياجبريل ؟ قال : هو الكوثر الذي أعطاك ربك . قال : فضرب الملك بيده فإذا طينته مسك أذفر )) البخاري 8 / 149 .
كما روى الترمذي بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : (( الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، وتربته أطيب من المسك وماؤاه أحلى من العسل وأبيض من الثلج )) الترهيب للمنذري ـ 4/ 517 والترمذي ـ 6 / 84 .
يقول ابن قيم الجوزية في ذلك :
أنهارها في غير أخــدودٍ جـــرت ****** سبحـــان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا مفجَّـ ****** ـرةً وما للنّهـــري من نقصـــان
عســــلٌ مصفـــى ثم مــاءٌ ثم خمــ ****** ــرٌ ثــم أنهــــارٌ مـن الألبـــــان
والله مــاتــــلك المــــوادُّ كهـــــذه ****** لكن هما في اللفظ مجتمعــــان
هـــذا وبينهمـــا يســــير تشـابــــهٍ ****** وهــو اشتــراكٌ قــام بالأذهـان
ومن الأنهار إلى الأشجار :
فالنصغ إلى البخاري يروي لنا طرفا من أخبار الأشجار ، فإنه أصح رواية ، وأدق عبارة في هذا الشأن قال : قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها )) واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى : (( وظل ممدود ، وماء مسكوب ، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وفرشٍ مرفوعة ـ 30 ـ 34 / الواقعة
ويحدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ عن هذا الظل فيقول : (( (( الظل الممدود )) شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المُجدّ في ظلها مئة عام في كل نواحيها ، فيخرج أهل الجنة ، وأهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ويذكر الدنيا ، فيرسل الله تعالى ريحاً من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا )) . رواه الترمذي وحسنه ، الترغيب والترهيب : 4/ 520 .
ويقول : (( نخل الجنة جذعها من زمرد خضر ، وكَرَبها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال القلال والدلاء وأشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ليس فيها عجم )) رواه الحاكم وصححه وذكره المنذري في الترغيب والترهيب : 4/ 523 والحاكم : 2/ 76 إلا أن في الحاكم لفظ : (( كرانيفها )) بدل (( كربها )) وكلاهما بمعنى أصل السعفة الغليظة العريظة .
يقول ابن قيم الجوزية في ذلك :
أشجـارهـا نوعــان منــها ما له ******* في هــذه الدنيــا مثـال ثان
كأسدر أصل النبق مخضود مكا ****** ن الشوك من ثمر ذوي ألوان
هذا وظل الســدر من خيـر الظــلا ****** ل ونفعــه الترويــح للأبــدان
وثمـــاره أيضـــا ذوات منــافــع ****** من بعضها تفريح ذي الأحزان
إلى أن قال :
أوما سمعت بظل أصل واحـد ****** فيه يسير الراكب العجــلان
مائة سنـين قدرت لا تنقضــي ****** هذا العظيم الأصل والأفنان
ولقد روى الخدري أيضا أن طو***** بى قدرها مائة بلا نقصان
تتفتـــح الأكمــام فيهــا عن لبـا *****سهم بمــا شاؤوا من الألوان
# أفبعد هذا النعيم نعيم ترجوه أخي في الله لا و الله ليس هناك نعيم أجمل وألذ وأحلى من هذا النعيم إنه النعيم المقيم أفنستبدله بنعيم زائل فكر أخي واعقل ولا تختار غير هذا النعيم فتصبح من الخاسرين ولا حول ولا قوة إلا بالله .
5ـ خيام الجنة وتربتها وأسواقها
قال تعالى : (( حور مقصوراتٌ في الخيام )) ـ 27 الرحمن .
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً )) البخاري( 3243 ) ـ ومسلم ( 2838 )
وهذه الخيام غير الغرف والقصور والتي سوف نتحدث عنها في حلقة قادمة إن شاء الله بل هي خيام في البساتين وعلى شواطىء الأنهار .
قال ابن قيم الجوزية عن خيام الجنة :
للعبــــد فيـهـــا خيمـــة من لؤلؤ ****** قد جوفت هي صنعــة الرحمـــــان
ستون ميلا طولها في الجو في ****** كل الزوايـــا أجمــــل النســــــوان
يغشى الجميع فلا يشاهد بعضهم ***** بعضـــا وهـــذا الاتســاع مكــــان
فيهـــا مقاصير بهـــا الأبــواب من ***** ذهــب ودرٍّ زيـــن بالمــرجـــــــان
وخيـــامهـــا منصبــــة برياضــها ***** وشواطىء الأنهار ذي الجريــــان
مافي الخيام سوى التي لو قابلت ***** للنيــــرين لقلـــت منكــسفـــــان
لله هاتيـــك الخيـــام فكـــم بهــا ****** للقلــــب مـن عُلـــق ومن أشجان
فيهـــن حـور قاصرات الطرف خيـ ***** ـرات حســــان هــنَّ خـــير حسـان
أما تربته الجنة :
فقد أخرج الأمام أحمد عن أبي هريرة أنه قال : (( قلنا : يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ فقال : (( لبنة ذهب ولبنة فضة ، وملاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم لا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه )) أخرجه أحمد ( 2 / 305 ) .
وورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الجنة : (( ترابها المسك )) ـ البخاري / 349 و مسلم / 163
وهذان الحديثان يثبتان أن تربة الجنة متضمنة للنوعين : المسك و الزعفران .
قال بعض السلف : هو زعفران باعتبار اللون ومسك بعتبار الرائحة . ــ ( حادي الأرواح )
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذلك :
والأرض مرمرة كخــالـص فضــــة ***** مثــل المراة تنــــاله العينـــــان
في مسلم تشبيهها بالدرمك الصــ ***** ـافي وبالمسك العظيــم الشـان
هــذا لحسن اللـون لكــن ذا الطيــ ****** ـب الريح صار هناك تشبيهــان
حصبـــاؤها درٌ وياقـــوت كــــذا ****** ك لآلىءٌ نثـرت كنثـــر جمـــــان
وترابهــــا من زعفـــران أو مـن الـ ****** ـمسك الذي ما استُـلَّ من غزلان
قال أبو بكر الجزائري : ( بما أن الجنة حاوية لكل أوجه النعيم الرواحاني والجثماني ، ومشتملة على ضروب السعادة ، وصنوف النعيم لا يستنكر أن يكون فيها خيام ، ولا يستبعد أن يكون فيها أسواق إذ في الخيام متع وفي الأسواق سرور وحبور وسنكتفي بعرض هذه الحقيقة وتأكيدها بذكر كلمات قليلة جاءت في رسالتي (( الجنة دار الأبرار )) تحت عنوان جانبي صغير .
وحيث قد سبق وتكلمنا عن الخيام فسوف نقتصر هنا من كلام على الأسواق حيث قال :
سبحان الله ؟! وهل في الجنة أسواق ؟ وكيف لا يكون ذلك و الله تعالى يقول لعباده المؤ منين من أهل الإيمان والأستقامة : (( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون )) . [فصلت ـ 31]
إنه ليس من المستغرب أبداً أن تتوق نفس المؤمن في الجنة إلى دخول سوق من الأسواق وخاصة المؤمنين الذين تعودوا الضرب في الأسواق ، والأرباح الطائلة ، كعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنهم ـ وأمثاله ممن كانوا يتعاطون التجارة في صدق وأمانة ، ويربحون أعظم الأرباح فقد تتوق نفس أحدهم إلى ذلك وهو في دار السلام فيطلبه ويدعيه فيخلق الله تعالى لهم أسواقاً يدخلونها إتماماً للإنعام في دار السلام .
وهذا مسلم يخرج لنا حديث السوق في الجنة فيقول : إن أنس بن ملك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً ، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادو حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً )) مسلم ـ 8/ 145 .
إن الكلام والوصف عن الجنة أخي في الله لا يمل ولا ينتهي فهي والله أوسع من أن يلم بأوصافها رجل مثلي ففي الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكيف لبني البشر أن يلموا بكل هذا وهو من علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى ولكن لكي تحوز أخي على كل ذلك فلا بد من العمل الجاد في طاعة الله وعبادته العبادة الحق والأبتعاد عن كل ما حرم الله وذلك لكي تفوز بالمقصود في اليوم الموعود . ـ
وفي ختام حلقتنا لهذا اليوم أخي في الله اسأل الله أن يجمعنا في خيام الجنة وفي أسواقها و في أنهارها وفي كل مكان من الجنة ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبلنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ـ وإلى القاء مع ــــــــ الحلقة القادمة إن شاء الله .
أخي وحبيبي في الله عمل ابن آدم معرض للنقصان والخطأ والنسيان فإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فذلك من الرحمان . ـ
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ملتقى على باب الجنه - الخميس مايو 20, 2004 7:41 pm
موضوع الرسالة: رد: الجنه بلاد الأفراح (3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً ثم أما بعد فسبحان القائل عز وجل ـ : (( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج ٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) البقرة ـــ25 . ولكن هذه الجنة محفوفة بالمكاره ومن يريد طلب هذه الجنة فلا بد له من العمل الصادق مع الله سبحانه وتعالى وأن يقدم المهرالغالي لهذه الجنة والتي جعل الله فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر حيث قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ـ (التوبة:111) ولذلك أخي في الله فسوف تكون حلقتنا لهذا اليوم هي الحلقة الأخيرة عن الجنة والتي استمتعنا في الأيام الماضية مع ثلاث حلقات تعرفنا من خلالها على بعض ما أعده الله من نعيم لأهل الجنة وفي حلقتنا هذه سوف نكمل ما بدأناه في حلقاتنا الماضية من وصف لبعض نعيم أهل الجنة والتي اسأل الله العلي القدير أن يجمعنا وإياكم وجميع المسلمين والمسلمات في جناته جنات نعيم مع النبيين والصديقين والشهداء وعباده الصالحين وحسن أولئك رفيقا .
سوف نستعرض في حلقتنا لهذا اليوم التالي :
1ـ مفتاح الجنة .
2ـ غرف الجنة وقصورها .
3ـ سماع أهل الجنة .
4ـ في ذكر نورها وبياضها .
5 ـ في ريح أهل الجنة .
6 ـ ذكر نكاح أهل الجنة .
7 ـ أقل أهل الجنة منزلة وأعلاهم .
8 ـ أعظم كرامة في الجنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي في الله إن لكل شيء باب يدخل منه الإنسان ولا بد لهذا الباب من مفتاح لذلك فللجنة مفتاح عظيم أتريد أن تعرفه ؟ هيا معي
1ـ مفتاح الجنة :
قال الحسن بن عرفة : حدثنا بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : (( مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله )) رواه الإمام أحمد .
وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه ، أنه قيل له : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ، ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح )) أخرجه البخاري تعليقا في الجنائز .
وفي (( المسند )) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ألا أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ قلت : بلى ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله )) أخرجه الإمام أحمد .
وقد جعل سبحانه لكل مطلوب مفتاح يفتح به ، فجعل متاح الصلاة : الطهور ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( مفتاح الصلاة : الطهور )) أخرجه الترمذي في الطهارة .
ومفتاح الحج : الإحرام ، ومفتاح البر : الصدق ،ومفتاح الجنة : التوحيد ومفتاح العلم : حسن السؤال وحسن الإصغاء ، ومفتاح النصر والظفر : الصبر ، ومفتاح المزيد : الشكر ، ومفتاح الولاية والمحبة : الذكر ، ومفتاح الفلاح : التقوى ، ومفتاح التوفيق : الرغبة والرهبة ، ومفتاح الإجابة : الدعاء ، ومفتاح الرغبة في الآخرة : الزهد في الدنيا ، ومفتاح الإيمان : التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ، ومفتاح الدخول على الله : إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك ، ومفتاح حياة القلب : تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ، ومفتاح حصول الرحمة : الإحسان في عبادة الخالق ، والسعي في نفع عبيده ، ومفتاح الرزق : السعي مع الاستغفار والتقوى ، ومفتاح العزِّ : طاعة الله ورسوله ، ومفتاح الاستعداد للآخرة : قصر الأمل ، ومفتاح كل خير : الرغبة في الله والدار الآخرة ، ومفتاح كل شرٍّ : حب الدنيا ، وطول الأمل .
يقول بن قيم الجوزية رحمه الله في ذلك :
هذا وفتح الباب لـيس بممــكــن ***** إلا بمفتــاح على أسنـــانٍ
مفتاحه بشهادة الإخلاص والتـ ***** ـوحيـد تلك شهادة الإيمـان
أسنانه الأعمال وهي شرائع الـ ***** إسـلام والمفتـاح بالأسنـان
لا تلغــين هـذا المثــال فكـــم به ***** من حلِّ إشكالٍ لذي العرفان
2ـ غرف الجنة وقصورها :
قال تعالى : (( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ )) (الزمر:20) فأخبر الله أنها غرف فوق غرف ، وأنها مبنية بناء حقيقة ، لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل ، وأن ليس هناك بناء ، بل تتصور النفوس غرفا كالعلا لي بعضها فوق بعض ، حتى كأنها ننظر إليها عياناً ، ومبنية : صفة للغرف الأولى و الثانية ، أي لهم منازل مرتفعة ، فوقها منازل أرفع منها ، وقال تعالى : (( أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً ) ) ـ (الفرقان:75) . والغرفة جنس كالجنة ، وتأمل كيف جعل جزاءهم ـ على هذه الأفعال المتضمنة للخضوع ، والذلِّ والاستكانة لله ـ الغرف والتحية والسلام ، في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم ، فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم . قال تعالى : ((وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ )) (سـبأ:37) .
وروى الترمذي في (( جامعه )) من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ، فقام أعرابي فقال : يا رسول الله ، لمن هي ؟ قال : لمن طيب الكلام وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام .
وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما تراءون الكوكب الغابر في الأفق )) . البخاري ـ ( 3256 ) ومسلم ـ ( 2830 ) .
وقال صلى الله عليه : (( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً )) البخاري ـ ( 3243 ) ومسلم ـ ( 2838 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتا في الجنة )) . البخاري ـ (450) ومسلم ( 533 ) .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
غرفاتها في الجوِّ ينظــر بطنها ***** من ظهرها والظهر من بطنان
سكانهــا أهــل القيـام مع الصيا ***** م وطــيِّب الكلمـات والإحسـان
ثنتــان خالــص حقـه سبحـــانه ***** وعــبــيده أيضـــاً لهــم ثنتــان
وأما قصور الجنة : فهي من ذهب ذكر ابن وهب قال : أخبرنا ابن زيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنه ليجاء للرجل الواحد بالقصر من اللؤلؤة الواحدة في ذلك القصر سبعون غرفة في كل غرفة زوجة من الحور العين في كل غرفة سبعون باباً يدخل عليه من كل باب رائحة من رائحة الجنة سوى الرائحة التي تدخل عليه من الباب الآخر ، )) وقرأ قول الله عز وجل : (( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) ـ (السجدة:17) . لم يخرجه القرطبي .
عن بريدة بن حصيب قال : أصبح رسول الله صلى عليه وسلم فدعا بلالاً فقال : ((يا بلال بم سبقتني الجنة ؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لرجل عربي فقلت : أنا رجل عربي لمن هذا القصر ؟ قالوا : لرجل من قريش . قلت : أنا قرشي لمن هذا القصر ؟ قالوا : لرجل من أمة محمد . قلت : أنا من أمة محمد . قلت : أنا محمد لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب )) فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث إلا توضأت عنده ورأيت أن لله تعالى علي ركعتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بهما )) قال :
حديث حسن صحيح . أخرجه الترمذي ـ ( ج 5 / 3688 ) وقال : حسن صحيح .
وذكر الدارمي أبو محمد في مسنده ، قال : حدثنا عبد الله بن زيد قال : حدثنا حيوة قال أخبرني أبو عقيل أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم : ((
من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى له الله قصر في الجنة ومن قرأها عشرين مرة بنى له قصران في الجنة ومن قرأها ثلاثين مرة بنى له ثلاثة قصور في الجنة )) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إذا لتكثرن قصورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الله أوسع من ذلك )) . أخرجه الدارمي ـ ( 2/ 3429 ) وهو من مراسيل سعيد بن المسيب . في المطبوعة ( عبد الله بن زيد ) وفي سنن الدارمي ( عبد الله بن زيد ولعل الصواب( نافع بن زيد ) فهو الذي يروي عن حياة بن شريح فإن كان هو فالإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب ومراسيله سعيد عند الشافعي وبعض أهل العلم حجة .
وقال الحسن : قصر في الجنة من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل يرفع بها صوته . والله أعلم
والأحاديث في ذلك كثيرة وقد اكتفيت بذكر ما سبق للدلالة على وجود قصور من ذهب في الجنة نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وإياكم من ساكنيها آمين .
3ـ سماع أهل الجنة :
قال تعالى : (( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ 14 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ 15 )) ـ الروم . قال محمد بن جرير . حدثني محمد بن موسى الحرشي : حدثنا عامر بن يساف قال : سألت يحيى بن أبي كثير عن قوله عزّ وجلّ : (( فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ )) قال : الحِبْرةُ : اللّذة والسماع . ذكره ابن جرير في تفسيره .
حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير في قوله : (( يحبرون ))
قال : السماع في الجنة . ولا يخالف هذا قول ابن عباس : يكرمون . وقول مجاهد و قتاده : ينعمون ، فلذة الأذن بالسماع من الحبرة والنعيم .
قلت أي : المؤلف رحمه الله بن قيم الجوزية : وفي الباب عن أبي أفى ، وأبي أمامة ، عبد الله بن عمر أيضاً ، فأما حديث أبي هريرة : فقال جعفر الفريابي ، حدثنا سعيد بن حفص ، حدثنا محمد بن مسلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال :
إن في الجنة نهراً طول الجنة ، حافتاه العذارى قيامٌ متقابلات ، ويغنين بأصواتٍ حتى يسمعها الخلائق ، ما يرون في الجنة لذةً مثلها ، قلنا : يا أبا هريرة وما ذاك الغناء ؟ قال : إن شاء الله التسبيح و التحميد والتقديس وثناءٌ على الربِّ عزَّ وجلَّ . هكذا رواه موقوفاً . أخرجه البيهقي ـ ( 425 ) في البعث والنشور .
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم : (( إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنَّ له )) . أخرجه أحمد( 1345) والترمذي ـ ( 2564) .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
قال بن عباس ويرسـل ربنــــا ***** ريحــاً تهــزُّ ذوائـب الأغصــــان
فتثير أصــواتاً تلذُّ لمسـمـع الـ ***** إنســـــان كالنغمـــات بــالأوزان
يا لذّة الأسمـاع لا تتعــوّضـي ***** بلــذاذة الأوتــــار والعيـــــدان
أو ما سمعت سماعهم فيها غنا ***** ءُ الحور بالأصــوات والألحــان
واهاً لـذيّــاك السّمــــاع فإنـــه ***** ملـــئت بـــه الأذنـــان بالإحسان
واهاً لذيّاك السّمـــــاع و طيبه***** من مثــل أقمــــارٍ على أغصــان
واهاً لذيّاك السّمـــــــاع فكم به ***** للقلب من طــربٍ ومـن أشجــان
واهاً لذيّـاك السّمــــــاع ولم أقل ***** ذيّــاك تصغيــراً لـــه بلســـــان
4 ـ في ذكر نورها وبياضها :
قال أحمد بن منصور الرمادي : حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا هشام بن زياد أبو المقدام ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( خلق الله الجنة بيضاء ، وأحب الزّيّ إلى الله البياض ، فليلبسه أحياؤكم ، وكفنوا فيه موتاكم )) ، ثم أمر برعاء الشاء فجمعت ، فقال : (( من كان ذا غنم سودٍ فليخلط بها بيضاء )) فجاءت امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني اتخذت غنماً سوداً فلا أراها تنموا ، قال : (( عفِّري )) وقوله (( عفّري )) أي بّيضي .
وروينا من طريق النجاد ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا عبد ربه الحنفي ، عن خاله الزميل بن السماك أنه سمع أباه يحدث أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره فقال : يا ابن عباس ، ما أرض الجنة ؟ قال : هي مر مرةٌ بيضاء من فضةٍ كأنها مرآةٌ ، قلت : ما نورها ؟ قال : ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس ، فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمسٌ ولا زمهريرا .
وفي (( سنن )) أبن ماجة من حديث الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المعافري ، عن سليمان بن موسى ، حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
ألا هل مُشمّرٌ للجنة ، فإن ّ الجنة لا خطر لها ، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ ، وريحانة تهتزُّ ، وقصرٌ مشيدٌ ، ونهرٌ مطردٌ ، وثمرةٌ نضيجةٌ ، وزوجةٌ حسناء جميلةٌ ، وحلل كثيرةٌ ، ومقامٌ في أبدٍ في دورٍ سليمةٍ ، وفاكهةٍ وخضرةٍ ، وحبرة ونعمةٍ ، في محلةٍ عاليةٍ بهيةٍ )) قالوا نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها . قال : ((قولوا إن شاء الله
)) ، قال القوم : إن شاء الله . (( أخرجه ابن ماجة في الزهد ـ ( 4332) ) .
5 ـ في ريح أهل الجنة : قال الطبراني : حدثنا موسى بن حزام الأصبهاني ، حدثنا محمد بن بكير الحضرمي ، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن الحسن بن عمرو ، عن مجاهد ، عن جنادة بن أبي أمية ،عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((
من قتل قتيلاً من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مئة عام )) أخرجه أحمد ـ ( 2/ 186 ) وفيه (( وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) وليس في سنده مجاهد بين الحسن بن عمرو وجنادة .
ورواه البخاري في ( الصحيح ) ، عن قيس بن حفص ، عن عبد الواحد بن زياد ، عن الحسن بن عمرو الفُقَيمي ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ولم يذكر بينهما جنادة . وقال : ((ليوجد من مسيرة أربعين عاماً )) . البخاري ـ ( 3166) في الجزية : باب (5) إثم من قتل معاهداً بغير جرم .
وقال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن أو غيره ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ريح الجنة يوجد من مسيرة مئة عامٍ )) . وهذه الألفاظ لا تعارض بينها بوجه .
وقد أخرجا في (( الصحيحين )) من حديث أنس قال : لم يشهد عمي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، قال : فشقَّ عليه ، قال أول مشهدٍ شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، فإن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينَّ الله ما أصنع ، قال : فهاب أن يقول غيرها ، قال : فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ أحدٍ ، قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له : أين ؟ فقال : واهاً لريح الجنة أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قُتل ، قال : فوُجدَ في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية . فقالت أخته عمة الربيع بنت النضر : فما عرفت أخي إلا ببنانه ، ونزلت هذه الآية : (( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )) ـ (الأحزاب:23)
قالوا : فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه . أخرجه البخاري ـ ( 4048 ) في المغازي : باب غزوة أحد . ومسلم ـ ( 1903 ) في الإمارة : باب ( 41) ثبوت الجنة للشهيد . وريح الجنة نوعان : ـ ريح يوجد في الدنيا تشمه الأرواح أحياناً ولا تدركه العبارة ، وريح يدرك بحاسة الشم للأبدان ، كما تشم روائح الأزهار وغيرها ، وهذا يشترك فيه أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قرب وبعد ، وأما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله ، وهذا الذي وجده أنس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم ، وأن يكون من الأول . والله أعلم .
وقد روى أبو نعيم من حديث الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يقول الله عزّ وجلّ للجنة : طيبي لأهلك فتزداد طيباً فذلك البرد الذي يجده الناس بالسحر من ذلك )) أخرجه أبو نعيم في ( صفة الجنة ) ـ (199) .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
والرّيح يوجد من مسيــرة أربعيــ ***** ــن وإن تشأ مائــة فمرويّان
وكذا روي سبعين أيضاً صـح هــ ***** ذا كلــه وأتــى بــه أثران
ما في رجــالهمـا لنا من مطــعــنٍ ***** والجمــع بين الكل ذو إمـكان
6 ـ في ذكر نكاح أهل الجنة .
قال صلى الله عليه وسلم : إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً ، له فيها أهلون يطوف عليهم )) . البخاري ( 3243) ومسلم ( 2838) .
وقال تعالى : (( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ )) (يّـس:55) قال بن مسعود شغلهم افتضاض العذارى .
وقال مقاتل : شغلوا بافتضاض العذارى عن أهل النار ، فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم .
وقد اختلف العلماء : هل في الجنة حمل وولادة ؟
فقال بعضهم : فيها ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ((المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسِنُّهُ في ساعة كما يشتهي )) أخرجه الترمذي ( 2563) .
وقال بعضهم : في الجنة جماع ولكن بلا ولد ، لحديث أبي رزين : قلت : يا رسول الله ولنا فيها ـ أي الجنة ـ أزواج أو منهن صالحات ؟ قال : ((الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد )) . أخرجه أحمد ( 15773)
ولقوله تعالى : (( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ))(البقرة: من الآية25) وهن اللاتي طهرن من الحيض والنفاس والأذى .
ولأنه قد ثبت في الصحيح أن الجنة يبقى فيها فضل فينشئ الله لها خلقاً يسكنهم إياها ، ولو كان في الجنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق به من غيرهم .
ولأن أهل الجنة في الجنة لا يحتاجون إلى ولادة لحفظ نسلهم لأنهم وجدوا فيها للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الإنساني ، وقد قال تعالى : ((
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )) (الطور:21)
فأخبر سبحانه بأنه يكرمهم بإلحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم في الدنيا ، ولو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية أخرى لذكرهم .
واقرأ هنا وصف ابن القيم في صفة عرائس الجنة وحسنهن وجمالهن ولذة وصالهن ومهورهن :
فاسمع هنا صفات عرائس الجنات ثمّ ***** اختــر لنفســـك يا أخا العرفـــان
حــورٌ حســـانٌ قــد كمـلــن خــلائقـــاً ***** ومحاسنـــاً مــن أجمل النســوان
حتــى يحـــار الطف في الحسن الذي ***** قد ألبست فالطــــرف كالــحــيران
ويقــــول لمّـــا أن يشــــاهـد حسنهـا ***** سبحان معطي الحسن والإحســان
والطـــرف يشرب من كؤوس جمالها ***** فتراه مثــل الشـــارب النّشــــوان
كمـــلت خلائقهــــا وأكمــل حسنهــــا ***** كالــــبدر لــــيل السّـــتِّ بعد ثمان
والشمس تجـري في محاسن وجهها ***** والليــــل تحت ذوائب الأغصــــان
فتــراه يعــجب وهـو موضع ذاك من ***** ليـــــلٍ وشمــسٍ كيـــف يجتمعـــان
ويقـــول سبحــــان الـــذي ذا صنــعه ***** سبحــــان متقــــن صنــعه الإنسان
7 ـ أقل أهل الجنة منزلة وأعلاهم : عن مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( سأل موسى عليه السلام ربه . فقال : يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ، فيقول : أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذا تهم فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل مُلكِ مَلكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب فيقول : لك ذلك ومثله معه ، ومثله ، ومثله ، فقال في الخامسة ، رضيت رب ، فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله ، ولك ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك ، فيقول : رضيت ، قال يا رب فأعلاهم منزلة ، قال : أولئك الذين أردت . غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم ترعين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ، قال : ومصداقه من كتاب الله تعالى : ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (السجدة:17)
وخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن أدنا أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :ـ (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ 22 إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة 23)) ـ (القيامة )
ولا تعجب أخي الحبيب فإن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال تعالى ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ـ )) (السجدة:17)
وقال صلى الله عليه وسلم : ((قال الله عزّ وجلّ : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : (( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (السجدة:17) . مسلم ( 2824) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب )) البخاري ( 2793) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها )) . البخاري(2892) ومسلم ( 1881) .
وكيف تُقدّر دارٌ غرسها الله بيده ، وجعلها مقراً لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، ومُلكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذلك :
هذا وأعلاهم فــناظـــر ربّــه ***** في كلّ يـــومٍ وقتــــه الطّرفـــان
لكنّ أدناهم ومـا فيهــم دنــي ***** إذ ليــس في الجنات من نقصان
فهو الذي تلفى مسافة ملكــه ***** بسنيـــنـنا ألفــــان كـــاملتـــــان
فيرى بها أقصاه حقّا مثل رؤ ***** يته لأدنـــاه القــــريب الــــدّاني
أو ما سمعت بأنّ آخر أهلهــا ***** يعطيه ربُّ العرش ذو الغفــران
أضعاف دنيانا جميعاً عشر أمـ ***** ـثالٍ لها سبحان ذي الإحســان
8 ـ أعظم كرامة في الجنة :
إن أعظم كرامة يحصل عليها العبد المؤمن والذي اختصه الله بحبه هي رؤيته تعالى يوم القيامة وهذا مما اتفق عليه الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على تتابع القرون ، ولم ينكر ذلك إلا أهل البدع المارقون .
والأدلة على أن أهل الجنة يرون ربهم في الجنة بابصارهم كثيرة منها : قوله تعالى : ((
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ 22 إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة 23 ))
وقوله تعالى : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) (يونس:26) فالحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى .
ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )) ثم قال : ((إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه . فيقولون : وماهو ؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ فيكشف الحجب فينظرون إلى الله فما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ، وهي الزيادة )) . مسلم ـ ( 180 ) .
و قال تعالى : (( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ )) (المطففين:15) فلو لم يره المؤمنون ولم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه .
قال الإمام الشافعي عن الآية السابقة : فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة .
وروى أبو نعيم عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إذا سكن أهل الجنة الجنة أتاهم ملك فيقول لهم : إن الله تعالى يأمركم أن تزوروه فيجتمعون ، فيأمر الله تعالى داود عليه السلام فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل ، ثم توضع مائدة الخلد ، قيل يا رسول الله : وما مائدة الخلد ؟ قال : زاوية من زواياها أوسع من مما بين المشرق والمغرب ، فيُطعمون ، ثم يكسون فيقولون : لم يبق إلا النظر إلى وجه ربنا عزّ و جلّ فيتجلى لهم فيخروا سجداً ، فيقال : لستم في دار عمل إنما أنتم في دار جزاء )) رواه أبو نعيم وسكت عنه المنذري وسكوت المنذري معناه موافقة منه على سلامة الرواية . الترغيب والترهيب ( 4/ 546 ) .
وتقول : ((بينما أهل الجنة في نعيمهم إذا سطع لهم نور ، فرفعوا رؤوسهم ، فإذا الرب جل جلاله . قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه تعالى حتى يحتجب عنهم ، وتبقى فيهم بركته ونوره )) . رواه بن ماجة وغيره وسكت عنه المنذري : ( 4/ 553 ) .
وتقول : (( إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة . فيقولون :
لبيك ربنا وسعديك ، والخير كله بين يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب و قد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً )) البخاري ومسلم واللفظ له : ( 8/ 144 ) واللؤلؤ والمرجان : ( 3/ 287) والبخاري : ( 8/ 42 ) . قال ابن قيم الجوزية في ذلك :
ويرونه سبحانه من فوقهــم ***** نظــــر العيان كما يرى القمران
هذا تواتر عن رسول الله لــم ***** ينـــــكره إلا فاســـــد الإيمـــان
وأتى به القران تصريحاً وتعـ*****ــريضــاً همـــا بسيـــاقه نوعـان
وهي الزيادة قد أتت في يونسٍ ***** تفسير من قــد جــاء بالقـرآن
ورواه عنه مسلـــمٌ بصحيحـــه ***** يــروي صهـــيبٌ ذا بلا كتمان
وهو المزيد كذاك فســـره أبـــو ***** بكرٍ هو الصِّــدِّيــق ذو الإيقان
وعليه أصحــاب الرسول وتابعو ***** هــم بعـــدها تبعيّة الإحســان
ولابن القيم كلام عجيب في رؤيتهم الله تبارك وتعالى وتجليه لهم ضاحكاً إليهم :
ارجع أخي الحبيب إلى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الباب في كتابه (( حادي الأرواح )) فهو كلام قيم يستحق القراءة والتأمل منك لكي تعرف الحقيقة كاملة دون نقصان وقد أوردت إليك أخي الحبيب مقدمة كلامة فقط نظرا لطول حديثه في هذا الباب رحمه الله تعالى ولما رأيت فائدته العظيمة وأهميته أوردت لك أخي الحبيب المقدمة لكي تكون لك دافع في الرجوع إلى كلامه رحمه الله ومعرفة كل ذلك بالتفصيل وذلك في كتابه الذي ذكرت آنفاً .
قال ابن القيم رحمه الله في مقدمة هذا الباب :
هذا الباب أشرف أبواب الكتاب ، وأجلّها قدراً ، وأعلاها خطراً ، و أقرها لعيون أهل السنة والجماعة ، وأشدها على أهل البدعة والفرقة ، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون ، وتنافس فيها المتنافسون ، وتسابق إليها المتسابقون ، ولمثلها فليعمل العاملون . إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم ، وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم أشدَّ عليهم من عذاب الجحيم ، واتفق عليها الأنبياء والمرسلون ، وجميع الصحابة والتابعون ، وأئمة الإسلام على تتابع القرون ، وأنكرها أهل البدع المارقون ، والجهمية المتهوكون ، والفرعونية المعطلون ، والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون ، والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون ، ومن حبل الله منقطعون . وعلى مسبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عاكفون . وللسنة وأهلها محاربون ، ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون ، وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون ، وعن بابه مطرودون .
أولئك أحزاب الضلال ، وشيعة اللّعين ، وأعداء الرسول وحزبه .
أخي الحبيب يا رعاك الله هل تأملت هذه الحلقات الأربع هل تأملت ما فيها وبعض ما احتوته من أوصاف للجنة ونعيمها الدائم وبعض الكرمات العظيمة فيها وقد كانت أعظم كرامة وأعظم نعمة هي تلك التي نرا فيها وجه الله ثم يحل علينا رضوانه فهلّا تأملت ذلك كله ثم تقوم من ساعتك وتعد العدة وتجاهد نفسك على الطاعات وترك التبعات وترغم نفسك وترغبها فيما أعده الله سبحانه وتعالى لك في تلك الدار والتي لا يعلم ما فيها إلا الله سبحانه وتعالى . وكيف تُقدّر دارٌ غرسها الله بيده ، وجعلها مقراً لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، ومُلكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .
منقول
ملتقى على باب الجنه - الخميس مايو 20, 2004 7:52 pm
موضوع الرسالة: رد: الجنه بلاد الأفراح (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الجنة لعباده المؤمنين نزلا ، ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلاً ، وأخرجهم إلى دار الأمتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه ، وأودعها مالا عين رأت ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم أما بعد :
فقد تحدثنا في موضوعنا السابق عن وجود الجنة في وقتنا هذا وأنها موجودة خلقها الله كما دلت على ذلك الدلائل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم و لاينكر ذلك إلا بعض المبتدعة أمثال (( القدرية و المعتزلة ))
وفي حلقتنا اليوم سوف نستعرض التالي :
1ـ اسماء الجنة مع الأدلة .
2ـ عند باب الجنة
3ـ ذكر أول من يقرع باب الجنة
4ـ استقبال أهل الجنة
5ـ سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة
6ـ أبواب الجنة
7ـبناء الجنة
8ـدرجات الجنة
9ـ بعض صفات أهل الجنة
10ـ من نعيم أهل الجنة
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :
فحيَّ على جنـــات عـدنٍ فإنهــا ******* منازلنا الأولى وفيها المخُيَّمُ
ولكننــا سبي الـعـدو فهــل تُرى ******* نعود إلى أو طاننــا ونسـلمُ
فياخاطب الحسناء إن كنت راغبا ******* فهـذا زمـان المـهر فهــو المقــدَّمُ
فيا بائعــاً هـــذا ببُخــس مُعَجـــل ******* كأنك لا تـدري ، بلى سـوف تعلـمُ
فإن كنــت لا تــدري فتلك مصيبة ******* وإن كنـت تـدري فالمصيبـة أعظمُ
1 ـ اسماء الجنة ومعانيها أـ الجنة : وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار ، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللّذة والبهجة ، والسرور وقرة الأعين . وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية . ومنه الجنين لا ستتاره في البطن ، والجان لا ستتاره عن الأعين ......
ب ـ دار السلام : وقد سمّاها الله بهذا الاسم في قوله : (( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام:127) )) وقوله تعالى : (( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ـ (يونس:25 )) .
ج ـ دار الخلد : وسميت بذلك ، لأن أهلها لا يظعنون عنها أبداً كما قال تعالى : (( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (هود:108) )) وقال تعالى : (( إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (صّ:54) )) وقال تعالى : (( لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (الحجر:48 )) وقال تعالى : (( أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا (الرعد: من الآية35
دـ دار المقامة : قال تعالى حكاية عن أهلها : ((وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ـالَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (فاطر34ـ35 )
هـ ـ جنة المأوى : قال تعالى: (( عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (لنجم:15) والمأوى : مفعل من أوى يأوي ، إذا انضم إلى المكان ، وصار إليه واستقر به .
وقال عطاء عن ابن عباس : هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة .
وقال مقاتل : هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء .
و ـ جنات عدن قيل : هو اسم جنةٍ من جملة الجنات ، والصحيح أنه اسم لجملة الجنان ، وكلها جنات عدن . قال تعالى : (( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (مريم:61) )) وقال تعالى : (( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (فاطر:33) )) والأشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن ، فإنه من الإقامة والدوام . يُقال : عدن بالمكان ، إذا أقام به ، وعدنت البلد توطنته ، وعدنت الإبل مكان كذا لزمته فلم تبرح منه .
ز ـ دار الحيوان : قال تعالى (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت:64 )) والمراد هنا بـ لهي الحيوان : أي لهي دار الحياة التي لا موت فيها .
ح ـ الفردوس : قال تعالى : (( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُون 10 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (المؤمنون: ـ11 ) )) ، وقال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (الكهف:107) ))
والفردوس : اسم يقال على جميع يقال على جميع الجنة ، ويقال على أفضلها وأعلاها ، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنان . وأصل الفردوس :البستان . قال كعب : هو البستان الذي فيه الأعناب . وقال الليث : الفردوس : جنة ذات كروم
يقال : كرم مفردس : اي معرش . وقال الضحاك : هي الجنة الملتفة بالأشجار ، وهو اختيار المبرد .
ط ـ جنات نعيم . قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (لقمان:8 ) )) . وهذا أيضاً اسم جامع لكل الجنات ، لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكولات والمشروبات والملبوسات والصُّور ، والرائحة الطيبة والمنظر البهيج ، والمساكن الواسعة .
ك ـ المقام الأمين . قال تعالى : (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (الدخان:51) )) .
والمقام : هو موضع الإقامة . والأمين : هو الآمن من كل سوء وآفة ومكروه ، وهو الذي جمع صفات الأمن كلها ، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص .
ل + م ـ مقعد صدق و قدم صدق . قال تعالى : (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ 54 فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ـ ( القمر : ـ 55 )
فسمّى الجنة مقعد صدق ، لحصول كل مايراد من المقعد الحسن فيها . وفسر قوم (( قدم صدق )) : بالجنة . وفُسر : بالأعمال التي تنال بها الجنة ، وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله .( 1) (( من كتاب حادي الأرواح ــ لبن قيم الجوزية )) ـ
وبعد أخي بعد أن استعرضنا أسماء الجنة تعال معي أخي لنرى ماذا يوجد عند باب الجنة .
2 ـ ماذا عند باب الجنة ؟ إن عند باب الجنة شجرة عظيمة ينبع من أصلها عينان ، قد خصصت إحداهما لشراب الداخلين ، وثانيتهما لتطهيرهم فإذا شربوا من الأولى جرت في وجوههم نضرة النعيم فلا يبأسون أبداً ـ وإذا اغتسلو ا من الثانية لم تشعث أشعارهم أبداً . ودليل ذلك قال تعالى : (( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً)(الانسان: من الآية21 وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان ، فإذا شربوا من إحداهما جرت في وجوههم نضرة النعيم ، وإذا توضؤوا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبداً )) ـ رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي / الترغيب والترهيب ( 4/ 494ـ 496 )
3 ـ ذكر أول من يقرع أبواب الجنة إن أول من يقرع أبواب الجنة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول من يستفتح باب الجنة فيفتح له وذلك كما في الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا أول من يُفتحُ له باب الجنة ، إلا أن امرأة تبادرني ، فأقول لها مالك أو ما أنت ؟ فتقول : أنا امرأة قعدت على يتاماي )) ـ أخرج أحمد عن عوف بن مالك 5/ 29 ولفظه : (( أنا وامرأة سفعاء في الجنة كهاتين : امرأة آمت من زوجها فحبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا )) .
وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا أكثر الناس تبعاً يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة )) ـ أخرجه مسلم ( 196)( 331) في الأيمان .
4 ـ صفة أول من يدخل الجنة واستقبال أهل الجنة لهم
إن دخول الجنة سيكون قطعاً في فترات متتالية ، وقد يبعد مابين الفترة والأخرى إذا صح أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل ذوي الحظوظ بخمس مئة عام ، ذلك لعدم ما يستلزم وقوفهم طويلا في ساحة فصل القضاء وموقف الحساب ، بخلاف أهل الحظ والغنى وفي القرآن الكريم يقول تعالى : ((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (الزمر:73) )) .
وفي الصحيحين من أخبار الرسول صلى عليه وسلم حيث قال : (( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا يمتخطون ، ولا يتفلون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، أزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء ومعنى كلمة ـ الألوة : أي : العود يتبخر به )) اللفظ لمسلم : 8/ 146 ـ والبخاري 4/ 160 .
إن هذا التفاوت بين أهل الجنة في دخولهم ، وحسن هيئتهم وجمال وجوههم عائد إلى تفاوت أعمالهم في الدنيا .
ففي الدنيا تكتسب النفس حسنها وجمالها من إيمان صاحبها ، وأعماله الصالحة .وفي الآخرة يكتسب جمال الذات ، وكمال النعيم من نفس الزكاة الروحية التي كانت لها نتيجة إيمانها . وصالح أعمالها في الحياة الدنيا .
وتستقبل الملائكة وفود الرحمن عند دخولهم إلى دار السلام ، وأول المستقبلين هو رضوان خازن الجنان ، ثم الملائكة الموكلون بنعيم الجنة وأهله . وفي القرآن الكريم : (( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (الانبياء:103 )) . وفيه أيضا : (( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)(الزمر: من الآية73) ) )) وفيه أيضا : (( وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ 23 سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ : ((الرعد:24) .
وبعد أن عرفت هذا أخي في الله ألا تريد أن تستقبلك الملائكة هذا الأستقبال اللهم أجعلنا ممن تستقبلهم الملائكة عند أبواب الجنة .
5 ـ دخول الفقراء قبل الأغنياء إلى الجنة بخمس مئة عام
قال الأمام أحمد رحمه الله : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمس مئة عام وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، ورجال إسناده احتج بهم مسلم في (( صحيحه )) .
6 ـ أبواب الجنة :
عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( في الجنة ثمانية أبواب منها الريان لا يدخله إلا الصائمون وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم رفع بصره إلى السماء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها يشاء رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( (( من أنفق زوجين في سبيل الله ، نودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة )) فقال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ماعلى من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعا أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : (( نعم ، وأرجو أن تكون منهم )) . متفق عليه .
قال ابن القيم رحمه الله في وصف هذه الأبواب :
أبوا بهــا حـق ثمـانيـــة أتت ******* في النص وهي لصاحب الإحسان
باب الجهاد وذاك أعلاها وبا ******* بُ الصـــــوم يدعـى الباب بالريان
ولكل سعيٍ صــالح بابٌ وربٌّ ******** السعـي منـــه داخـــلٌ بـأمــــــان
ولسوف يدعى المرء من أبوابها ******* جمعــــاً إذا وفَّي حلــى الإيمان
منهم أبو بكـــرٍ هو الصـــدِّيقُ ذا ********* ك خليفـــــةُ المبــعوث بالقرآن
7 ـ بناء الجنة : سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فأسمعنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الأجابة وصفاً عجبا ، يقول عليه الصلاة والسلام في صفة بنائها : (( لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وملااطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وتربتها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، ولا يبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم )) رواه أحمد والترمذي .
هل بعد هذا أخي في الله تريد العيش في هذه الدنيا الفانية؟ وهل تريد هذه الجنة ؟ إذاً فكل ما عليك أخي هو طاعة الله بجتناب ما حرم واتباع ما أمر به وعبادته حق العبادة كما أمر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه .
8-درجات الجنه: قال تعالى : ((هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ(آل عمران:163 )) .
عن أبي هريرة رضي الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس الأعلى فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة . رواه البخاري .
وأما أعلى درجاتها :فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فإنه من صلى علىّ صلاةً واحدة صلى الله عليه عشرا . ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي . )) رواه مسلم .
وسُمّيت درجة النبي صلى الله عليه وسلم (( الوسيلة )) لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن ، وهي أقرب الدرجات إلى الله سبحانه وتعالى .
اقرأ وصف ابن القيم في وصفه لهذه الدرجات :
درجاتها مِئةٌ وما بيــن اثنتيـ ****** ـن فذاك في التحقيق للحسبان
مثل الذي بين السماء وبين ها **** ذي الأرض قول الصادق البرهان
لكنَّ عاليها هو الفردوس مســ ***** ـتـــوفٍ بعــرش الخــالق الرحمن
وسط الجنا وعلوها فلــذاك كا ***** نت قبــةً من أحســن البنيـــان
منه تفـجــر سائر الأنهــار فالـ ****** ــمنبـــوع منـــه نــازل بجنان
9 ـ بعض من صفات أهل الجنة :
وهذه أخي الكريم بعض من صفات أهل الجنة أوردها باختصار وذلك كما في حديثي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً كأنهم مكحلون ، أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنةً . رواه أحمد .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ، ولا تبلى ثيابه ، ولا يفنا شبابه . )) رواه مسلم .
[/B]10 ـ من نعيم أهل الجنة :
أن في الجنة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولكني هنا سوف استعرض بعضا من هذا النعيم المقيم وذلك عن طريق استعراض لبعض الأدلة على ذلك نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من ساكني الجنة آمين .
قال الله سبحانه وتعالى : (( (( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً 31 حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً 32 وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً 33 وكأساً دِهَاقاً 34 لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً 35 جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً 36 )) النبأ )) .
إن من نعيم أهل الجنة أنهم لا يسمعون كلاماً لا فائدة فيه ولا يسمعون كذبا ولكن يسمعون الكلام الطيب المفيد وهذا كله بسبب أعمالهم الطيبة في الدنيا .
قال تعالى : (( (( وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً 12 مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً 13 وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً 14 وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا 15 قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً 16 وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً 17 عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً 18 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً 19 )) ـ الانسان )) . ـ
إن الله يجزي المؤمنين بصبرهم على طاعته وتركهم معصيته جنة يكون لباسهم فيها الحرير ، متكئين على الأرائك أي على السرر التي عليها اللباس الزين الجميل ، ولا يرى أهل الجنة في الجنة الشمس التي تؤذيهم حرها ولا زمهرياً أي ولا برداً شديداً بل جميع أو قاتهم في ظل فلا يتألمون ولا يزعجهم الحر ولا البرد ، ومن أوصاف الجنة أن ثمارها قريبة يستطيع من أرادها من أهل الجنة أن يأخذها وهو قائم أو قاعد أو مضطجع ، وكذلك في الجنة ولدان وخدم على أهل الجنة يدورون بأواني الفضة ، وهؤلاء الولدان والخدم إذا رأيتهم حسبتهم من حسنهم وجمالهم لؤلؤاً منثوراً وهذا من تمام نعيم أهل الجنة أن خدمهم بهذا الجمال الذي يسرهم رؤيته .
وقال تعالى : (( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً ـ (الفرقان:16) ))
وقال تعالى : (( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ 34 لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ 35ـ (قّ ) ))
وختاما أخي في الله فإن كل ما يطلبه أهل الجنة وما يشتهونه من الطعام والشراب والملابس والنساء والقصور والحدائق والفواكه والأنهار والمساكن والأصوات و ........... وغير ذلك يجدونه في الجنة ، كما أن أهل الجنة خالدون فيها أي لا يموتون ابداً بل يبقون في نعيم مستمر . جعلني الله وإياكم من أهلها آمين . هذا والله أعلم وإلى القاء في حلقة قادمة نستعرض فيها أيضا نساء الجنة ، لباس أهل الجنة و طعامهم وغير ذلك مما يقدرنا الله عليه .
إن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فمن الله ـ .
(( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ))
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ، خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، شرف آدم أبا البشر بخلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه . وكرّم ذريّته فصورهم في الأرحام في أجمل صورة وخلقهم في أحسن تقويم . ورزقهم من الطيبات ، وفضلهم على كثير من المخلوقات ، وزودهم بالعقل ليعرفوه وأمدهم بالنعم ليذكروه ، ويشكروه . أنزل الكتب ، واصطفى من الملائكة رسلاً ، ومن الناس لإبلاغ عباده شرائعه من الدين ، ليعبدوه ويوحدوه ، فتكمل بذلك آدميتهم ، وتشرف به إنسانيتهم ويتأهلوا لكرامة الدار الآخرة ، والسعادة الدائمة فيها ، حيث كتب لهم ذلك وقدره تقديراً . فسبحانه من رب رحيم ، وإله عظيم ، لا إله غيره ، ولا رب سواه . والصلاة والسلام على سيد المرسلين وقائد الغر المحجلين صاحب المقام المحمود والحوض المورد محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ثم أما بعد :
أخي القارء العزيز لقد حاولت جاهدا أن أنقل لك صورة مختصرة عن أهم مانصبوا إليه بعد مماتنا وأهم مايجب أن نحذر منه ألا وهما الضدان الذان لا ينفكان ـــ (( الجنة و النار ))ـ وقد بدأت بالجنة ووصفها ثم بعد ذلك النار ووصفها وسوف اجعل ذلك على شكل حلقات لأن الأمر أوسع وأكبر من أن يصفه إنسان مثلي وهو والله من أهم الأمور التي ينبغي على الإنسان المؤمن أن يتعرف عليها لأنه المستقبل الحقيقي الذي ينبغي أن تبنيه يا أخي فإن كان بناءك سليماً صحيحاً على علم وتقوى وورع فسوف تفوز وهذا هو المقصود وإن كان بناءك فيه الغش والخداع والنفاق والشرك فسوف تخسر لا محالة وهذا هو الخسران المبين والله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثا وإنما خلقنا فقط لأمر واحد وهو عبادته حيث قال تعالى : ـ(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) (الذريات:56 وسوف أبدأ الأن بوصف مختصر للجنة قبل التوسع في وصفها في حلقات أخرى فقلت وبالله التوفيق :
لقد وصف الله لنا الجنة وأهلها وصفاً دقيقاً في القرآن الكريم ، وكذلك وصفها لنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلّم فإليك فيما يلي دليل وجود الجنة و بعض من أوصافها ومن يدخلها ، نسأل الله العلي القدير أن نكون منها وإياك . وقد دل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى :
(( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ( 13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( 14 ) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ( 15 ) ـ لنجم
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ، ورأى عندها جنة المأوى ، كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الإسراء وفي آخره : ـ(( ثم انطلق بي جبريل حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ماهي )) قال : (( ثم دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك )) . )) ـ 1ـ
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى يوم القيامة )) )) ـ 2 ـ
وفي الصحيحين أيضا من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم . قال : فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . قال : فيقولان له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة . قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعاً ))ـ3ـ
وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لما خلق الله تعالى الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها . فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها فرجع فقال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها . فأمر بالجنة فحفَّت بالمكاره فقال : فارجع فانظر إليها وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها . قال : فنظر إليها ثم رجع فقال : وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ))ـ4ـ
فهي موجودة ولا ينكر وجودها إلا بعض المبتدعة ،كالقدرية و المعتزلة الذين قالوا : بل الله ينشئها يوم المعاد . وقولهم هذا يخالف أدلة الكتاب والسنة التي ذكرنا بعضاً منها . وانظر في وصف ابن القيم رحمه الله للجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها :
فاسمع إذاً أوْصَافَهَا وَ صِفَاتِ هَا ******** تِيكَ المَنَازِلِ رَبَّةِ الإِحْسَانِ
هِيَ جَنَّةٌ طَــابَتْ وَطَـــابَ نَعِيمُهَـا ******** فَنَـعِيـمُهَا بَاقٍ وَلَيْسَ بِفَانِ
دَارُ السَّــلاَمِ وجنَّـــةُ المَأوَى وَمَنْْـ ******** ـزِلُ عَسْـكَرِ الإِيمَانِ والقُرْآنِ
فَالــدَّارُ دارُ سَلاَمَــةٍ وَخِــطَابُــهُمْ ******** فِيهَا سَلاَمٌ واسمُ ذِي الغُفْرَانِ
ملتقى على باب الجنه - الخميس مايو 20, 2004 7:36 pm
موضوع الرسالة: رد: الجنه بلاد الأفراح(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسليماً كثيراً ثم أما بعد فهذه الحلقة الثالثة من حلقاتنا عن ـ الجنة ـ (( بلاد الأفراح )) وقد قدمت وصفا موجزا أرجو أن يكون تم به المقصود إن شاء الله وفي هذه الحلقة سوف أقوم أيضا بوصف موجز لبعض الأشياء التي لم أتكلم عنها في الحلقتين الماضيتين والتي يعجز اللسان والقلم عن وصف تلك النِعَم الموجودة فيها وحُق لهما ذلك لأن في الجنة (( مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )) فاسأل الله العون في هذه الحلقة والتي سوف تكون ما قبل الأخيرة بأذن الله تعالى لموضوعنا عن الجنة بلغنا الله وإياكم هيا وأعتذر عن التقصير والخطأ والنسيان إن وجد وليس لي غنا عنكم أيها القراء والزوار فبكم يتم المقصود ليتم كل أمر محمود .
وفي هذه الحلقة سوف نستعرض معكم أيها ألأعزاء التالي وعلى الله اتكالي :
1 ـنساء الجنة
2 ـ لباس أهل الجنة
3 ـ طعام أهل الجنة وشرابهم
4 ـ أنهار الجنة .
5 ـ خيام الجنة وتربتها وأسواقها
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
يا خاطب الحــور الحــسان وطالبــاً ******* لوصـــالهــــنَّ بجنــــة الحيـــوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلـبتـ ******* ــت بــذلت ما تحــوي من الأثمــان
أو كنت تدري أيـن مسكنها جـعلـــ ******* ـت الســعي منــك لها على الأجفان
ولقد وصفت طريق مسكنـــها فــإن ******* رمت الوصــال فلا تكـــن بالوانـــي
أســرع وحــث السيــر جهــدك إنمـا ******* مســراك هــذا ســــاعــةٌ لزمــــان
1 ـ نساء الجنة وفي البدايه اقرأ هذه البشارة العظيمة مِمَّن إنّها من الله سبحانه وتعالى حيث قال تعالى :
(( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) (البقرة:25)
فـتأمل يارعاك الله جلالة المبشر ، ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله بهذه البشارة ، وقدر مابشرك به ، وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره ، وقد جمع الله سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنان ، وما فيها من الأنهار والثمار ، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة ، ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد ، وعدم انقطاعه .
والمطهرة : أي : من طهرت من الحيض ، والبول ، والنفاس ، والغائط ، والمخاط ، والبصاق ، وكل قذر ، وكل أذى يكون من نساء الدنيا .
وقال تعالى :
(( كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُور ٍعِينٍ)) ـ (الدخان:54)
والحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين .
وقال تعالى :
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) (الرحمن:56
(( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ)) أي قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم .
وقال تعالى :
(( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ)) ـ (صّ:52)
أي : مستويات في سن واحد ، فليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ، ولا صغيرات لايطقن الوطء ، بل هن بنات ثلاث وثلاثين .
# اذا فهذا يدل على أنه لايدخل الجنة عجوز ولكن الله يجعلهن في سن الشباب وهو الثلاث والثلاثين وحيث قال الله
تعالى في ذلك أيضا :
(( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً 35 فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً 36 عُرُباً أَتْرَاباً 37 ))ـ(الواقعة)
قيل : هن نساء الدنيا العجائز يخلقهن الله خلقا جديدا .
وقيل : بل هن حور العين أنشأهن لأوليئه إنشاءً فلم يخلقن من ولادة والله أعلم .
وقوله (( عرباً )) جمع عروب وهن المتحببات إلى أزواجهن ، فجمع الله سبحانه بين حسن صورتها وحسن عشرتها ، وهذا غاية ما يُطلب من النساء وبه تكمل اللذة .ــ (( ابن قيم الجوزية ـ حادي الأرواح ))
(( وفي كتاب التذكرة للقرطبي )) .
ذكر أن الآدميات في الجنة يقصد هنا بالآدميات نساء أهل الدنيا ، على سن واحد ، وأما الحور العين فأصناف مصنفة صغار وكبار على ما اشتهت أنفس أهل الجنة .
روى الترمذي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قال يقلنّ : نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنا له وفي الباب عن ابي هريرة وأبي سعيد وأنس . قال أبو عيسى : حديث على حديث غريب .
وقالت عائشة رضي الله عنها : إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا : (( نحن المصليات وما صليتن ونحن الصائمات وما صمتن ، ونحن المتوضئات وما توضأتن ونحن المتصدقات وما تصدقتن . قالت عائشة : فغلبنهن . والله أعلم
(( وهناك في كتاب بن القيم حديث طويل تركته لطوله ولوجود الأختلاف فيه ما بين مضعف وموثق لعلكم ترجعون لكلام ابن القيم في كتابه (( حادي الارواح )) ص297 (( حديث الصور )) )) .
وذكر ابن وهب ، عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين اطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف المسورة وأن ما خلق الله شيئاً تلبسه إلا عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي .
وقال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ إن في الجنة حوراء يقال لها (( العيناء )) إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف عن يمينها وعن يسارها كذلك وهي تقول : أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ؟ . .
وقال عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ :
(( إن في الجنة حوراء يقال لها (( لعبة )) لو بزقت في البحر لعذب ماء البحر كله . مكتوب على نحرها من أحب أن يكون له مثلي فليعمل بطاعة ربي عز وجل . )) من أراد المزيد في ذلك لأن الكلام في هذا الموضوع يطول ...... يجده في (( التذكرة ـ للقرطبي )) من ص410 إلى 413 .
# انظر يارعاك الله إلى هذا الفضل العظيم الذي أعده الله لعباده المتقين المطيعين له المتبعين أوامره فهل بعد هذا تريد التفريط في ذلك مقابل ماذا ؟ مقابل متعة حرام في الدنيا الزائلة ثم ماذا ثم تنتهي في ثوانٍ معدودة وتذهب نفسك بعدها حسرات على ما فرطت في جنب الله و تخسر في الدنيا ثم تخسر في الآخرة وهو الخسران المبين اسأل الله العلي القدير أن يهديني وإياك إلى سواء السبيل وألا يحرمنا من هذا الفضل العظيم الذي أعده لعباده المتقين فاحذر أخي إنها سلعة الرحمن وسلعة الرحمن ليست رخيصة ولكنها غالية وثمنها لا بد أن يكون غاليا وفقني الله وإياك إلى ذلك .
2 ـ لباس أهل الجنة
قال تعالى :
(( إنَّ المُتقين في مقامٍ أمين( 51 )في جنات وعيون( 52 ) يلبسون من سُندُسٍ وإستبرقٍ متقابلين ( 35 ) )) ـ الدخان
وقال تعالى : (( ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرق( 31 ) )) ـ الكهف
والسندس هو : مارق من الحرير ، والإستبرق هو ما غلظ منه .
فأحسن الألوان الأخضر ، وألين اللباس الحرير ، وهما حاصلان لأهل الجنة . وقال صلى الله عليه وسلم : ((من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه )) رواه مسلم .
أي لا يزال عليه الثياب جديد .
وفي الصحيحين عن أنس قال : أهدى أكيدر دومة إلى النبي صلى الله عليه جبة من سندس فتعجب الناس من حسنها فقال صلى الله عليه وسلم : (( لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذا )) وسعد هو : سعد بن معاذ سيد الأنصار .
وأما فرشهم فقد قال تعالى : (( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان 54 )) الرحمن .
فوصف الله الفرش بأنها مبطنة بالإستبرق .... فما ظنك بظاهرها ؟
وأما البسط والزرابي فقد قال الله تعالى : (( متكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقري حسان 76 )) الرحمن .
والرفرف : الوسائد .
وأما العبقري : فهو كل شيء حسن من البسط ، ولأن العرب كانت تقول للشيء الحسن عبقري نسبة إلى أرض تسمَّى عبقر كان يسكنها الجن ، فكان العرب ينسبون إليها كل شيء له صفات عجيبة ، أو بولغ في وصفه ، فهي بسط عجيبة الصناعة فسبحان الله أحسن الخالقين . (( حادي الأرواح ))
وانظر إلى وصف ابن قيم الجوزية للباس أهل الجنة :
وهم الملوك على الأسرة فوق ها ******* تيك الرؤوس مرصع التيجـــــــان
ولباسهم من سنــدس خضــــر ومن ******* استبرق نوعان معروفـــــــــان
مـــا ذاك من دود بني مـن فوقـــه ******* تلك البيوت وعاد ذو طيــــــران
كلاّ ولا نسـجت على المــنوال نسـ ******* ــج ثيابنا بالقطن والكتـــــــان
لكنهـــا حــلل تشـــق ثمــارهــــا ******** عنها رأيت شقائق النعمـــــان
لاتقــــرب الدنـــس المقــرب للبلــى ******* ما للبلى فيهن من سلطــــــــان
ونصيــــف إحــداهــن وهو خمارها ******* ليست له الدنيا من الأثمـــــــان
سبعــــون حــــلل عليهــــا لاتعـــو ******* ق الطرف عن مخ ورا الساقان
لكـــــن يـــــراه مــــن ورا ذا كلـــه ******* مثل الشراب لى زجــــاج أوان
3ـ طعام أهل الجنة وشرابهم لقد ضل قوم من الفلاسفة والنصارى فزعموا أن نعيم الجنة روحاني بحت ، لاشيء فيه من النعيم للجسم بالمرة ، وهذا معتقد خطأ محض ، وباطل لا شك في بطلانه عند من يعرف عن الله تعالى وعن رسله عليهم السلام .
وهذه حجج عقلية نوردها على صحة هذا المعتقد الحيوي الخطر فنقول والكلام للشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله :
أولاً ـ
إن الأرواح التي يراد لها النعيم لايتم لها التنعم الحقيقي إلا إذا كانت حالّة في أجسام تلائمها ، وتستقر فيها وتقوم بها ، ولذا فإنه لما أريد إنعام الشهداء وتكريمهم خلق الله لأرواحهم أجساماً خاصة تلائمها فتحل فيها ، فتم لها التنعم بما أعد الله لها من نعيم طيلة حياتها في البرزخ ، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال ـ : (( أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ترعى في الجنة ، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش )) . الحاكم على شرط مسلم ووفقه الذهبي 2/ 297، 298 وقد رواه مسلم بقريب من هذا اللفظ : 6/ 38 ، 39 .
قال تعالى : (( ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) ـ آل عمران :[ 169 ـ 170 ]
ثانياً ـ أن القدرة الكافية التي خلقت الإنسان اليوم ورزقه ، وخلقت له ضروباً من النعيم الدنيوي كأطيب المطاعم ، وألذ المشارب ، وأجمل الملابس ، وأحسن المساكن وأفره المراكب ، قادر على إيجاد ذلك في الملكوت الأعلى وتوفيره بصورة أجل وأكرم . .
ثالثاً ـ تفضيل الحياة الدنيا التي وجدت على أساس الفناء ‘لى الآخرة التي وجدت على أساس البقاء ، وتفضيل مايفنى على مايبقى مردود عقلاً ، ومن هنا كان من غير المعقول أن يكون النعيم في الحياة الدنيا جثمانياً روحياً ينال الجسم والروح معاً مع أن الدار دار كدر ، وتنغيص ، وفناء كل ما فيها وجد على مبدأ الزمان المؤقت ، ...... .
قال الله تعالى مخبرا عما سينعم به على عباده المسلمين الذين آمنوا وكانوا يتقون : (( يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ، وفيها ماتشتهيه وتلذ الأعين ، وأنتم فيها خالدون ، تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ، لكم فيها فاكهة كثيرة ومنها تأكلون )) ـ 68 / 79 ــ الزخرف .
والرسول صلى الله عليه وسلم يحدث عن نعيم أهل الجنة ، ويصفه كما رآه وعرفه فيقول : (( أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ، ولا يتفلون ، ولا يبولون ، ولا يتغوطون . قالوا : فما بال الطعام ؟ قال : جشاء ورشح كرشح المسك ، يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس . رواه مسلم 8/ 147 وفي البخاري معناه : 4 / 143 .
ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام : (( إنّ أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم ، مع كل خادم صحفتان واحدة من ذهب ولأخرى من فضة ، في كل واحدة لون ليس في الأخرى مثله ، يأكل من آخرها مثل ما يأكل من أولها يجد لآخرها من الطيب واللذة مثل ما يجد لأولها ، ثم يكون ذلك ريح المسك الأذفر ، ولا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يمتخطون )) . رواه ابن أبي الدنيا والطبراني : قال المنذري رواته ثقاة الترغيب والترهيب 4/ 508 .
وما ذكرناه لم يعد أن يكون شا هداً فقط ، إلا فإن هناك عشرات الآيات ، والأحاديث الصحاح تصرح بنعيم أهل الجنة ، وأنه روحاني جثماني ، وأنه ليس مقصوراً على المطاعم والمشارب بل يتعداه إلى لبس الحلل ، والتحلي بالحلي ، والجلوس على الأرائك ، والتمتع بالنساء والطرب ، وركوب الخيل ، والزيارات الكريمة ، واللقاءات الحبيبة . للإستزادة ـــ كتاب عقيدة المؤمن (( أبو بكر الجزائري حفظه الله .
ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في وصف طعام أهل الجنة :
وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ******* ولحوم طير ناعم وسمـــــان
وفــواكــه شتى بحسب مناهم ******* ياشعبة كملت لذي الإيمـان
لحم وخمر والنســـاء وفــواكه ******* والطيب مع روح ومع ريحان
وصحــافهم ذهب تطوف عليـهم ****** بأكــــف خــدام من الولـــدان
وانظــر إلى جعل اللذاذة للعيــو ****** ن وشهوة للنفس في القـرآن
للعيـــن منهــا لــذة تدعــو إلـى ****** شهواتها بالنفــس والأمــران
ســـبـب التناول وهــو يوجب لذة ***** أخرى سوى ما نالت العينان
4 ـ أنهار الجنة وأشجارها تحت هذا العنوان من رسالة (( الجن دار الأبرار )) قلت : يا أخي القارىء هات يدك نتجول قليلا بين أنهار الجنة ةتحت أشجارها ، ونمتع النفس ساعة قبل يوم الساعة !!
هيا بنا إلى ذلك النعيم المقيم ، هيا بنا إلى الأنهار الأربعة التي هي أصل كل أنهار الجنة إنها : نهر الماء و نهر اللبن و ونهر العسل و ونهر الخمر كما جاء ذلك في قول الله عز وجل من سورة محمد صلى الله عليه وسلم : (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماء غير آسن ، وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذّة للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفّى ولهم فيها من كلِّ الثمرات )) محمد ـ 15
إن من بين الأنهار العظيمة نهر الكوثر ، وما أدراك ما نهر الكوثر ! ؟
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وجميع المسلمين ممَّن يردون عليه ويشربون منه شربة لا نضمأ بعدها أبداً آمين يارب العالمين
إنّ الله سبحانه وتعالى خص به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، وهو أعظم أنهار الجنة ، وأحسنها ، جاء الوعد به في كتاب الله تعالى القرآن الكريم حيث قال : (( إنًّا أعطيناك الكوثر ، فصلِّ لربك وانحر )) الكوثر/ 1ـ 2
ولنسمع إلى صاحبه يصفه لنا ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ فنمتع سمعنا بذلك ، روى البخاري مرفوعاً قوله : (( بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف ، فقلت : ما هذا ياجبريل ؟ قال : هو الكوثر الذي أعطاك ربك . قال : فضرب الملك بيده فإذا طينته مسك أذفر )) البخاري 8 / 149 .
كما روى الترمذي بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : (( الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، وتربته أطيب من المسك وماؤاه أحلى من العسل وأبيض من الثلج )) الترهيب للمنذري ـ 4/ 517 والترمذي ـ 6 / 84 .
يقول ابن قيم الجوزية في ذلك :
أنهارها في غير أخــدودٍ جـــرت ****** سبحـــان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا مفجَّـ ****** ـرةً وما للنّهـــري من نقصـــان
عســــلٌ مصفـــى ثم مــاءٌ ثم خمــ ****** ــرٌ ثــم أنهــــارٌ مـن الألبـــــان
والله مــاتــــلك المــــوادُّ كهـــــذه ****** لكن هما في اللفظ مجتمعــــان
هـــذا وبينهمـــا يســــير تشـابــــهٍ ****** وهــو اشتــراكٌ قــام بالأذهـان
ومن الأنهار إلى الأشجار :
فالنصغ إلى البخاري يروي لنا طرفا من أخبار الأشجار ، فإنه أصح رواية ، وأدق عبارة في هذا الشأن قال : قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها )) واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى : (( وظل ممدود ، وماء مسكوب ، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وفرشٍ مرفوعة ـ 30 ـ 34 / الواقعة
ويحدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ عن هذا الظل فيقول : (( (( الظل الممدود )) شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المُجدّ في ظلها مئة عام في كل نواحيها ، فيخرج أهل الجنة ، وأهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ويذكر الدنيا ، فيرسل الله تعالى ريحاً من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا )) . رواه الترمذي وحسنه ، الترغيب والترهيب : 4/ 520 .
ويقول : (( نخل الجنة جذعها من زمرد خضر ، وكَرَبها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال القلال والدلاء وأشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ليس فيها عجم )) رواه الحاكم وصححه وذكره المنذري في الترغيب والترهيب : 4/ 523 والحاكم : 2/ 76 إلا أن في الحاكم لفظ : (( كرانيفها )) بدل (( كربها )) وكلاهما بمعنى أصل السعفة الغليظة العريظة .
يقول ابن قيم الجوزية في ذلك :
أشجـارهـا نوعــان منــها ما له ******* في هــذه الدنيــا مثـال ثان
كأسدر أصل النبق مخضود مكا ****** ن الشوك من ثمر ذوي ألوان
هذا وظل الســدر من خيـر الظــلا ****** ل ونفعــه الترويــح للأبــدان
وثمـــاره أيضـــا ذوات منــافــع ****** من بعضها تفريح ذي الأحزان
إلى أن قال :
أوما سمعت بظل أصل واحـد ****** فيه يسير الراكب العجــلان
مائة سنـين قدرت لا تنقضــي ****** هذا العظيم الأصل والأفنان
ولقد روى الخدري أيضا أن طو***** بى قدرها مائة بلا نقصان
تتفتـــح الأكمــام فيهــا عن لبـا *****سهم بمــا شاؤوا من الألوان
# أفبعد هذا النعيم نعيم ترجوه أخي في الله لا و الله ليس هناك نعيم أجمل وألذ وأحلى من هذا النعيم إنه النعيم المقيم أفنستبدله بنعيم زائل فكر أخي واعقل ولا تختار غير هذا النعيم فتصبح من الخاسرين ولا حول ولا قوة إلا بالله .
5ـ خيام الجنة وتربتها وأسواقها
قال تعالى : (( حور مقصوراتٌ في الخيام )) ـ 27 الرحمن .
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً )) البخاري( 3243 ) ـ ومسلم ( 2838 )
وهذه الخيام غير الغرف والقصور والتي سوف نتحدث عنها في حلقة قادمة إن شاء الله بل هي خيام في البساتين وعلى شواطىء الأنهار .
قال ابن قيم الجوزية عن خيام الجنة :
للعبــــد فيـهـــا خيمـــة من لؤلؤ ****** قد جوفت هي صنعــة الرحمـــــان
ستون ميلا طولها في الجو في ****** كل الزوايـــا أجمــــل النســــــوان
يغشى الجميع فلا يشاهد بعضهم ***** بعضـــا وهـــذا الاتســاع مكــــان
فيهـــا مقاصير بهـــا الأبــواب من ***** ذهــب ودرٍّ زيـــن بالمــرجـــــــان
وخيـــامهـــا منصبــــة برياضــها ***** وشواطىء الأنهار ذي الجريــــان
مافي الخيام سوى التي لو قابلت ***** للنيــــرين لقلـــت منكــسفـــــان
لله هاتيـــك الخيـــام فكـــم بهــا ****** للقلــــب مـن عُلـــق ومن أشجان
فيهـــن حـور قاصرات الطرف خيـ ***** ـرات حســــان هــنَّ خـــير حسـان
أما تربته الجنة :
فقد أخرج الأمام أحمد عن أبي هريرة أنه قال : (( قلنا : يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ فقال : (( لبنة ذهب ولبنة فضة ، وملاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم لا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه )) أخرجه أحمد ( 2 / 305 ) .
وورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الجنة : (( ترابها المسك )) ـ البخاري / 349 و مسلم / 163
وهذان الحديثان يثبتان أن تربة الجنة متضمنة للنوعين : المسك و الزعفران .
قال بعض السلف : هو زعفران باعتبار اللون ومسك بعتبار الرائحة . ــ ( حادي الأرواح )
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذلك :
والأرض مرمرة كخــالـص فضــــة ***** مثــل المراة تنــــاله العينـــــان
في مسلم تشبيهها بالدرمك الصــ ***** ـافي وبالمسك العظيــم الشـان
هــذا لحسن اللـون لكــن ذا الطيــ ****** ـب الريح صار هناك تشبيهــان
حصبـــاؤها درٌ وياقـــوت كــــذا ****** ك لآلىءٌ نثـرت كنثـــر جمـــــان
وترابهــــا من زعفـــران أو مـن الـ ****** ـمسك الذي ما استُـلَّ من غزلان
قال أبو بكر الجزائري : ( بما أن الجنة حاوية لكل أوجه النعيم الرواحاني والجثماني ، ومشتملة على ضروب السعادة ، وصنوف النعيم لا يستنكر أن يكون فيها خيام ، ولا يستبعد أن يكون فيها أسواق إذ في الخيام متع وفي الأسواق سرور وحبور وسنكتفي بعرض هذه الحقيقة وتأكيدها بذكر كلمات قليلة جاءت في رسالتي (( الجنة دار الأبرار )) تحت عنوان جانبي صغير .
وحيث قد سبق وتكلمنا عن الخيام فسوف نقتصر هنا من كلام على الأسواق حيث قال :
سبحان الله ؟! وهل في الجنة أسواق ؟ وكيف لا يكون ذلك و الله تعالى يقول لعباده المؤ منين من أهل الإيمان والأستقامة : (( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون )) . [فصلت ـ 31]
إنه ليس من المستغرب أبداً أن تتوق نفس المؤمن في الجنة إلى دخول سوق من الأسواق وخاصة المؤمنين الذين تعودوا الضرب في الأسواق ، والأرباح الطائلة ، كعبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنهم ـ وأمثاله ممن كانوا يتعاطون التجارة في صدق وأمانة ، ويربحون أعظم الأرباح فقد تتوق نفس أحدهم إلى ذلك وهو في دار السلام فيطلبه ويدعيه فيخلق الله تعالى لهم أسواقاً يدخلونها إتماماً للإنعام في دار السلام .
وهذا مسلم يخرج لنا حديث السوق في الجنة فيقول : إن أنس بن ملك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً ، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادو حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً )) مسلم ـ 8/ 145 .
إن الكلام والوصف عن الجنة أخي في الله لا يمل ولا ينتهي فهي والله أوسع من أن يلم بأوصافها رجل مثلي ففي الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكيف لبني البشر أن يلموا بكل هذا وهو من علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى ولكن لكي تحوز أخي على كل ذلك فلا بد من العمل الجاد في طاعة الله وعبادته العبادة الحق والأبتعاد عن كل ما حرم الله وذلك لكي تفوز بالمقصود في اليوم الموعود . ـ
وفي ختام حلقتنا لهذا اليوم أخي في الله اسأل الله أن يجمعنا في خيام الجنة وفي أسواقها و في أنهارها وفي كل مكان من الجنة ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبلنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ـ وإلى القاء مع ــــــــ الحلقة القادمة إن شاء الله .
أخي وحبيبي في الله عمل ابن آدم معرض للنقصان والخطأ والنسيان فإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فذلك من الرحمان . ـ
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ملتقى على باب الجنه - الخميس مايو 20, 2004 7:41 pm
موضوع الرسالة: رد: الجنه بلاد الأفراح (3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً ثم أما بعد فسبحان القائل عز وجل ـ : (( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج ٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) البقرة ـــ25 . ولكن هذه الجنة محفوفة بالمكاره ومن يريد طلب هذه الجنة فلا بد له من العمل الصادق مع الله سبحانه وتعالى وأن يقدم المهرالغالي لهذه الجنة والتي جعل الله فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر حيث قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ـ (التوبة:111) ولذلك أخي في الله فسوف تكون حلقتنا لهذا اليوم هي الحلقة الأخيرة عن الجنة والتي استمتعنا في الأيام الماضية مع ثلاث حلقات تعرفنا من خلالها على بعض ما أعده الله من نعيم لأهل الجنة وفي حلقتنا هذه سوف نكمل ما بدأناه في حلقاتنا الماضية من وصف لبعض نعيم أهل الجنة والتي اسأل الله العلي القدير أن يجمعنا وإياكم وجميع المسلمين والمسلمات في جناته جنات نعيم مع النبيين والصديقين والشهداء وعباده الصالحين وحسن أولئك رفيقا .
سوف نستعرض في حلقتنا لهذا اليوم التالي :
1ـ مفتاح الجنة .
2ـ غرف الجنة وقصورها .
3ـ سماع أهل الجنة .
4ـ في ذكر نورها وبياضها .
5 ـ في ريح أهل الجنة .
6 ـ ذكر نكاح أهل الجنة .
7 ـ أقل أهل الجنة منزلة وأعلاهم .
8 ـ أعظم كرامة في الجنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي في الله إن لكل شيء باب يدخل منه الإنسان ولا بد لهذا الباب من مفتاح لذلك فللجنة مفتاح عظيم أتريد أن تعرفه ؟ هيا معي
1ـ مفتاح الجنة :
قال الحسن بن عرفة : حدثنا بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : (( مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله )) رواه الإمام أحمد .
وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه ، أنه قيل له : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ، ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح )) أخرجه البخاري تعليقا في الجنائز .
وفي (( المسند )) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ألا أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ قلت : بلى ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله )) أخرجه الإمام أحمد .
وقد جعل سبحانه لكل مطلوب مفتاح يفتح به ، فجعل متاح الصلاة : الطهور ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( مفتاح الصلاة : الطهور )) أخرجه الترمذي في الطهارة .
ومفتاح الحج : الإحرام ، ومفتاح البر : الصدق ،ومفتاح الجنة : التوحيد ومفتاح العلم : حسن السؤال وحسن الإصغاء ، ومفتاح النصر والظفر : الصبر ، ومفتاح المزيد : الشكر ، ومفتاح الولاية والمحبة : الذكر ، ومفتاح الفلاح : التقوى ، ومفتاح التوفيق : الرغبة والرهبة ، ومفتاح الإجابة : الدعاء ، ومفتاح الرغبة في الآخرة : الزهد في الدنيا ، ومفتاح الإيمان : التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ، ومفتاح الدخول على الله : إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك ، ومفتاح حياة القلب : تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب ، ومفتاح حصول الرحمة : الإحسان في عبادة الخالق ، والسعي في نفع عبيده ، ومفتاح الرزق : السعي مع الاستغفار والتقوى ، ومفتاح العزِّ : طاعة الله ورسوله ، ومفتاح الاستعداد للآخرة : قصر الأمل ، ومفتاح كل خير : الرغبة في الله والدار الآخرة ، ومفتاح كل شرٍّ : حب الدنيا ، وطول الأمل .
يقول بن قيم الجوزية رحمه الله في ذلك :
هذا وفتح الباب لـيس بممــكــن ***** إلا بمفتــاح على أسنـــانٍ
مفتاحه بشهادة الإخلاص والتـ ***** ـوحيـد تلك شهادة الإيمـان
أسنانه الأعمال وهي شرائع الـ ***** إسـلام والمفتـاح بالأسنـان
لا تلغــين هـذا المثــال فكـــم به ***** من حلِّ إشكالٍ لذي العرفان
2ـ غرف الجنة وقصورها :
قال تعالى : (( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ )) (الزمر:20) فأخبر الله أنها غرف فوق غرف ، وأنها مبنية بناء حقيقة ، لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل ، وأن ليس هناك بناء ، بل تتصور النفوس غرفا كالعلا لي بعضها فوق بعض ، حتى كأنها ننظر إليها عياناً ، ومبنية : صفة للغرف الأولى و الثانية ، أي لهم منازل مرتفعة ، فوقها منازل أرفع منها ، وقال تعالى : (( أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً ) ) ـ (الفرقان:75) . والغرفة جنس كالجنة ، وتأمل كيف جعل جزاءهم ـ على هذه الأفعال المتضمنة للخضوع ، والذلِّ والاستكانة لله ـ الغرف والتحية والسلام ، في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم ، فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم . قال تعالى : ((وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ )) (سـبأ:37) .
وروى الترمذي في (( جامعه )) من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ، فقام أعرابي فقال : يا رسول الله ، لمن هي ؟ قال : لمن طيب الكلام وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام .
وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما تراءون الكوكب الغابر في الأفق )) . البخاري ـ ( 3256 ) ومسلم ـ ( 2830 ) .
وقال صلى الله عليه : (( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً )) البخاري ـ ( 3243 ) ومسلم ـ ( 2838 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتا في الجنة )) . البخاري ـ (450) ومسلم ( 533 ) .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
غرفاتها في الجوِّ ينظــر بطنها ***** من ظهرها والظهر من بطنان
سكانهــا أهــل القيـام مع الصيا ***** م وطــيِّب الكلمـات والإحسـان
ثنتــان خالــص حقـه سبحـــانه ***** وعــبــيده أيضـــاً لهــم ثنتــان
وأما قصور الجنة : فهي من ذهب ذكر ابن وهب قال : أخبرنا ابن زيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنه ليجاء للرجل الواحد بالقصر من اللؤلؤة الواحدة في ذلك القصر سبعون غرفة في كل غرفة زوجة من الحور العين في كل غرفة سبعون باباً يدخل عليه من كل باب رائحة من رائحة الجنة سوى الرائحة التي تدخل عليه من الباب الآخر ، )) وقرأ قول الله عز وجل : (( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) ـ (السجدة:17) . لم يخرجه القرطبي .
عن بريدة بن حصيب قال : أصبح رسول الله صلى عليه وسلم فدعا بلالاً فقال : ((يا بلال بم سبقتني الجنة ؟ فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لرجل عربي فقلت : أنا رجل عربي لمن هذا القصر ؟ قالوا : لرجل من قريش . قلت : أنا قرشي لمن هذا القصر ؟ قالوا : لرجل من أمة محمد . قلت : أنا من أمة محمد . قلت : أنا محمد لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب )) فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث إلا توضأت عنده ورأيت أن لله تعالى علي ركعتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بهما )) قال :
حديث حسن صحيح . أخرجه الترمذي ـ ( ج 5 / 3688 ) وقال : حسن صحيح .
وذكر الدارمي أبو محمد في مسنده ، قال : حدثنا عبد الله بن زيد قال : حدثنا حيوة قال أخبرني أبو عقيل أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم : ((
من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى له الله قصر في الجنة ومن قرأها عشرين مرة بنى له قصران في الجنة ومن قرأها ثلاثين مرة بنى له ثلاثة قصور في الجنة )) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إذا لتكثرن قصورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الله أوسع من ذلك )) . أخرجه الدارمي ـ ( 2/ 3429 ) وهو من مراسيل سعيد بن المسيب . في المطبوعة ( عبد الله بن زيد ) وفي سنن الدارمي ( عبد الله بن زيد ولعل الصواب( نافع بن زيد ) فهو الذي يروي عن حياة بن شريح فإن كان هو فالإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب ومراسيله سعيد عند الشافعي وبعض أهل العلم حجة .
وقال الحسن : قصر في الجنة من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل يرفع بها صوته . والله أعلم
والأحاديث في ذلك كثيرة وقد اكتفيت بذكر ما سبق للدلالة على وجود قصور من ذهب في الجنة نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وإياكم من ساكنيها آمين .
3ـ سماع أهل الجنة :
قال تعالى : (( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ 14 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ 15 )) ـ الروم . قال محمد بن جرير . حدثني محمد بن موسى الحرشي : حدثنا عامر بن يساف قال : سألت يحيى بن أبي كثير عن قوله عزّ وجلّ : (( فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ )) قال : الحِبْرةُ : اللّذة والسماع . ذكره ابن جرير في تفسيره .
حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير في قوله : (( يحبرون ))
قال : السماع في الجنة . ولا يخالف هذا قول ابن عباس : يكرمون . وقول مجاهد و قتاده : ينعمون ، فلذة الأذن بالسماع من الحبرة والنعيم .
قلت أي : المؤلف رحمه الله بن قيم الجوزية : وفي الباب عن أبي أفى ، وأبي أمامة ، عبد الله بن عمر أيضاً ، فأما حديث أبي هريرة : فقال جعفر الفريابي ، حدثنا سعيد بن حفص ، حدثنا محمد بن مسلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال :
إن في الجنة نهراً طول الجنة ، حافتاه العذارى قيامٌ متقابلات ، ويغنين بأصواتٍ حتى يسمعها الخلائق ، ما يرون في الجنة لذةً مثلها ، قلنا : يا أبا هريرة وما ذاك الغناء ؟ قال : إن شاء الله التسبيح و التحميد والتقديس وثناءٌ على الربِّ عزَّ وجلَّ . هكذا رواه موقوفاً . أخرجه البيهقي ـ ( 425 ) في البعث والنشور .
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم : (( إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنَّ له )) . أخرجه أحمد( 1345) والترمذي ـ ( 2564) .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
قال بن عباس ويرسـل ربنــــا ***** ريحــاً تهــزُّ ذوائـب الأغصــــان
فتثير أصــواتاً تلذُّ لمسـمـع الـ ***** إنســـــان كالنغمـــات بــالأوزان
يا لذّة الأسمـاع لا تتعــوّضـي ***** بلــذاذة الأوتــــار والعيـــــدان
أو ما سمعت سماعهم فيها غنا ***** ءُ الحور بالأصــوات والألحــان
واهاً لـذيّــاك السّمــــاع فإنـــه ***** ملـــئت بـــه الأذنـــان بالإحسان
واهاً لذيّاك السّمـــــاع و طيبه***** من مثــل أقمــــارٍ على أغصــان
واهاً لذيّاك السّمـــــــاع فكم به ***** للقلب من طــربٍ ومـن أشجــان
واهاً لذيّـاك السّمــــــاع ولم أقل ***** ذيّــاك تصغيــراً لـــه بلســـــان
4 ـ في ذكر نورها وبياضها :
قال أحمد بن منصور الرمادي : حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا هشام بن زياد أبو المقدام ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( خلق الله الجنة بيضاء ، وأحب الزّيّ إلى الله البياض ، فليلبسه أحياؤكم ، وكفنوا فيه موتاكم )) ، ثم أمر برعاء الشاء فجمعت ، فقال : (( من كان ذا غنم سودٍ فليخلط بها بيضاء )) فجاءت امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني اتخذت غنماً سوداً فلا أراها تنموا ، قال : (( عفِّري )) وقوله (( عفّري )) أي بّيضي .
وروينا من طريق النجاد ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا عبد ربه الحنفي ، عن خاله الزميل بن السماك أنه سمع أباه يحدث أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره فقال : يا ابن عباس ، ما أرض الجنة ؟ قال : هي مر مرةٌ بيضاء من فضةٍ كأنها مرآةٌ ، قلت : ما نورها ؟ قال : ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس ، فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمسٌ ولا زمهريرا .
وفي (( سنن )) أبن ماجة من حديث الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المعافري ، عن سليمان بن موسى ، حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
ألا هل مُشمّرٌ للجنة ، فإن ّ الجنة لا خطر لها ، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ ، وريحانة تهتزُّ ، وقصرٌ مشيدٌ ، ونهرٌ مطردٌ ، وثمرةٌ نضيجةٌ ، وزوجةٌ حسناء جميلةٌ ، وحلل كثيرةٌ ، ومقامٌ في أبدٍ في دورٍ سليمةٍ ، وفاكهةٍ وخضرةٍ ، وحبرة ونعمةٍ ، في محلةٍ عاليةٍ بهيةٍ )) قالوا نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها . قال : ((قولوا إن شاء الله
)) ، قال القوم : إن شاء الله . (( أخرجه ابن ماجة في الزهد ـ ( 4332) ) .
5 ـ في ريح أهل الجنة : قال الطبراني : حدثنا موسى بن حزام الأصبهاني ، حدثنا محمد بن بكير الحضرمي ، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن الحسن بن عمرو ، عن مجاهد ، عن جنادة بن أبي أمية ،عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((
من قتل قتيلاً من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مئة عام )) أخرجه أحمد ـ ( 2/ 186 ) وفيه (( وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) وليس في سنده مجاهد بين الحسن بن عمرو وجنادة .
ورواه البخاري في ( الصحيح ) ، عن قيس بن حفص ، عن عبد الواحد بن زياد ، عن الحسن بن عمرو الفُقَيمي ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ولم يذكر بينهما جنادة . وقال : ((ليوجد من مسيرة أربعين عاماً )) . البخاري ـ ( 3166) في الجزية : باب (5) إثم من قتل معاهداً بغير جرم .
وقال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن أو غيره ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ريح الجنة يوجد من مسيرة مئة عامٍ )) . وهذه الألفاظ لا تعارض بينها بوجه .
وقد أخرجا في (( الصحيحين )) من حديث أنس قال : لم يشهد عمي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، قال : فشقَّ عليه ، قال أول مشهدٍ شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، فإن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينَّ الله ما أصنع ، قال : فهاب أن يقول غيرها ، قال : فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ أحدٍ ، قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له : أين ؟ فقال : واهاً لريح الجنة أجده دون أحد ، قال : فقاتلهم حتى قُتل ، قال : فوُجدَ في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية . فقالت أخته عمة الربيع بنت النضر : فما عرفت أخي إلا ببنانه ، ونزلت هذه الآية : (( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )) ـ (الأحزاب:23)
قالوا : فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه . أخرجه البخاري ـ ( 4048 ) في المغازي : باب غزوة أحد . ومسلم ـ ( 1903 ) في الإمارة : باب ( 41) ثبوت الجنة للشهيد . وريح الجنة نوعان : ـ ريح يوجد في الدنيا تشمه الأرواح أحياناً ولا تدركه العبارة ، وريح يدرك بحاسة الشم للأبدان ، كما تشم روائح الأزهار وغيرها ، وهذا يشترك فيه أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قرب وبعد ، وأما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله ، وهذا الذي وجده أنس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم ، وأن يكون من الأول . والله أعلم .
وقد روى أبو نعيم من حديث الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يقول الله عزّ وجلّ للجنة : طيبي لأهلك فتزداد طيباً فذلك البرد الذي يجده الناس بالسحر من ذلك )) أخرجه أبو نعيم في ( صفة الجنة ) ـ (199) .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
والرّيح يوجد من مسيــرة أربعيــ ***** ــن وإن تشأ مائــة فمرويّان
وكذا روي سبعين أيضاً صـح هــ ***** ذا كلــه وأتــى بــه أثران
ما في رجــالهمـا لنا من مطــعــنٍ ***** والجمــع بين الكل ذو إمـكان
6 ـ في ذكر نكاح أهل الجنة .
قال صلى الله عليه وسلم : إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً ، له فيها أهلون يطوف عليهم )) . البخاري ( 3243) ومسلم ( 2838) .
وقال تعالى : (( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ )) (يّـس:55) قال بن مسعود شغلهم افتضاض العذارى .
وقال مقاتل : شغلوا بافتضاض العذارى عن أهل النار ، فلا يذكرونهم ولا يهتمون لهم .
وقد اختلف العلماء : هل في الجنة حمل وولادة ؟
فقال بعضهم : فيها ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ((المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسِنُّهُ في ساعة كما يشتهي )) أخرجه الترمذي ( 2563) .
وقال بعضهم : في الجنة جماع ولكن بلا ولد ، لحديث أبي رزين : قلت : يا رسول الله ولنا فيها ـ أي الجنة ـ أزواج أو منهن صالحات ؟ قال : ((الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد )) . أخرجه أحمد ( 15773)
ولقوله تعالى : (( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ))(البقرة: من الآية25) وهن اللاتي طهرن من الحيض والنفاس والأذى .
ولأنه قد ثبت في الصحيح أن الجنة يبقى فيها فضل فينشئ الله لها خلقاً يسكنهم إياها ، ولو كان في الجنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق به من غيرهم .
ولأن أهل الجنة في الجنة لا يحتاجون إلى ولادة لحفظ نسلهم لأنهم وجدوا فيها للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الإنساني ، وقد قال تعالى : ((
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )) (الطور:21)
فأخبر سبحانه بأنه يكرمهم بإلحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم في الدنيا ، ولو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية أخرى لذكرهم .
واقرأ هنا وصف ابن القيم في صفة عرائس الجنة وحسنهن وجمالهن ولذة وصالهن ومهورهن :
فاسمع هنا صفات عرائس الجنات ثمّ ***** اختــر لنفســـك يا أخا العرفـــان
حــورٌ حســـانٌ قــد كمـلــن خــلائقـــاً ***** ومحاسنـــاً مــن أجمل النســوان
حتــى يحـــار الطف في الحسن الذي ***** قد ألبست فالطــــرف كالــحــيران
ويقــــول لمّـــا أن يشــــاهـد حسنهـا ***** سبحان معطي الحسن والإحســان
والطـــرف يشرب من كؤوس جمالها ***** فتراه مثــل الشـــارب النّشــــوان
كمـــلت خلائقهــــا وأكمــل حسنهــــا ***** كالــــبدر لــــيل السّـــتِّ بعد ثمان
والشمس تجـري في محاسن وجهها ***** والليــــل تحت ذوائب الأغصــــان
فتــراه يعــجب وهـو موضع ذاك من ***** ليـــــلٍ وشمــسٍ كيـــف يجتمعـــان
ويقـــول سبحــــان الـــذي ذا صنــعه ***** سبحــــان متقــــن صنــعه الإنسان
7 ـ أقل أهل الجنة منزلة وأعلاهم : عن مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( سأل موسى عليه السلام ربه . فقال : يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ، فيقول : أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذا تهم فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل مُلكِ مَلكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب فيقول : لك ذلك ومثله معه ، ومثله ، ومثله ، فقال في الخامسة ، رضيت رب ، فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله ، ولك ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك ، فيقول : رضيت ، قال يا رب فأعلاهم منزلة ، قال : أولئك الذين أردت . غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم ترعين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ، قال : ومصداقه من كتاب الله تعالى : ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (السجدة:17)
وخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن أدنا أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :ـ (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ 22 إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة 23)) ـ (القيامة )
ولا تعجب أخي الحبيب فإن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال تعالى ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ـ )) (السجدة:17)
وقال صلى الله عليه وسلم : ((قال الله عزّ وجلّ : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : (( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (السجدة:17) . مسلم ( 2824) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب )) البخاري ( 2793) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها )) . البخاري(2892) ومسلم ( 1881) .
وكيف تُقدّر دارٌ غرسها الله بيده ، وجعلها مقراً لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، ومُلكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في ذلك :
هذا وأعلاهم فــناظـــر ربّــه ***** في كلّ يـــومٍ وقتــــه الطّرفـــان
لكنّ أدناهم ومـا فيهــم دنــي ***** إذ ليــس في الجنات من نقصان
فهو الذي تلفى مسافة ملكــه ***** بسنيـــنـنا ألفــــان كـــاملتـــــان
فيرى بها أقصاه حقّا مثل رؤ ***** يته لأدنـــاه القــــريب الــــدّاني
أو ما سمعت بأنّ آخر أهلهــا ***** يعطيه ربُّ العرش ذو الغفــران
أضعاف دنيانا جميعاً عشر أمـ ***** ـثالٍ لها سبحان ذي الإحســان
8 ـ أعظم كرامة في الجنة :
إن أعظم كرامة يحصل عليها العبد المؤمن والذي اختصه الله بحبه هي رؤيته تعالى يوم القيامة وهذا مما اتفق عليه الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على تتابع القرون ، ولم ينكر ذلك إلا أهل البدع المارقون .
والأدلة على أن أهل الجنة يرون ربهم في الجنة بابصارهم كثيرة منها : قوله تعالى : ((
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ 22 إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة 23 ))
وقوله تعالى : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) (يونس:26) فالحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى .
ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )) ثم قال : ((إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه . فيقولون : وماهو ؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ فيكشف الحجب فينظرون إلى الله فما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ، وهي الزيادة )) . مسلم ـ ( 180 ) .
و قال تعالى : (( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ )) (المطففين:15) فلو لم يره المؤمنون ولم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه .
قال الإمام الشافعي عن الآية السابقة : فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة .
وروى أبو نعيم عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ((إذا سكن أهل الجنة الجنة أتاهم ملك فيقول لهم : إن الله تعالى يأمركم أن تزوروه فيجتمعون ، فيأمر الله تعالى داود عليه السلام فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل ، ثم توضع مائدة الخلد ، قيل يا رسول الله : وما مائدة الخلد ؟ قال : زاوية من زواياها أوسع من مما بين المشرق والمغرب ، فيُطعمون ، ثم يكسون فيقولون : لم يبق إلا النظر إلى وجه ربنا عزّ و جلّ فيتجلى لهم فيخروا سجداً ، فيقال : لستم في دار عمل إنما أنتم في دار جزاء )) رواه أبو نعيم وسكت عنه المنذري وسكوت المنذري معناه موافقة منه على سلامة الرواية . الترغيب والترهيب ( 4/ 546 ) .
وتقول : ((بينما أهل الجنة في نعيمهم إذا سطع لهم نور ، فرفعوا رؤوسهم ، فإذا الرب جل جلاله . قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه تعالى حتى يحتجب عنهم ، وتبقى فيهم بركته ونوره )) . رواه بن ماجة وغيره وسكت عنه المنذري : ( 4/ 553 ) .
وتقول : (( إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة . فيقولون :
لبيك ربنا وسعديك ، والخير كله بين يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب و قد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً )) البخاري ومسلم واللفظ له : ( 8/ 144 ) واللؤلؤ والمرجان : ( 3/ 287) والبخاري : ( 8/ 42 ) . قال ابن قيم الجوزية في ذلك :
ويرونه سبحانه من فوقهــم ***** نظــــر العيان كما يرى القمران
هذا تواتر عن رسول الله لــم ***** ينـــــكره إلا فاســـــد الإيمـــان
وأتى به القران تصريحاً وتعـ*****ــريضــاً همـــا بسيـــاقه نوعـان
وهي الزيادة قد أتت في يونسٍ ***** تفسير من قــد جــاء بالقـرآن
ورواه عنه مسلـــمٌ بصحيحـــه ***** يــروي صهـــيبٌ ذا بلا كتمان
وهو المزيد كذاك فســـره أبـــو ***** بكرٍ هو الصِّــدِّيــق ذو الإيقان
وعليه أصحــاب الرسول وتابعو ***** هــم بعـــدها تبعيّة الإحســان
ولابن القيم كلام عجيب في رؤيتهم الله تبارك وتعالى وتجليه لهم ضاحكاً إليهم :
ارجع أخي الحبيب إلى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الباب في كتابه (( حادي الأرواح )) فهو كلام قيم يستحق القراءة والتأمل منك لكي تعرف الحقيقة كاملة دون نقصان وقد أوردت إليك أخي الحبيب مقدمة كلامة فقط نظرا لطول حديثه في هذا الباب رحمه الله تعالى ولما رأيت فائدته العظيمة وأهميته أوردت لك أخي الحبيب المقدمة لكي تكون لك دافع في الرجوع إلى كلامه رحمه الله ومعرفة كل ذلك بالتفصيل وذلك في كتابه الذي ذكرت آنفاً .
قال ابن القيم رحمه الله في مقدمة هذا الباب :
هذا الباب أشرف أبواب الكتاب ، وأجلّها قدراً ، وأعلاها خطراً ، و أقرها لعيون أهل السنة والجماعة ، وأشدها على أهل البدعة والفرقة ، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون ، وتنافس فيها المتنافسون ، وتسابق إليها المتسابقون ، ولمثلها فليعمل العاملون . إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم ، وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم أشدَّ عليهم من عذاب الجحيم ، واتفق عليها الأنبياء والمرسلون ، وجميع الصحابة والتابعون ، وأئمة الإسلام على تتابع القرون ، وأنكرها أهل البدع المارقون ، والجهمية المتهوكون ، والفرعونية المعطلون ، والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون ، والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون ، ومن حبل الله منقطعون . وعلى مسبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عاكفون . وللسنة وأهلها محاربون ، ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون ، وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون ، وعن بابه مطرودون .
أولئك أحزاب الضلال ، وشيعة اللّعين ، وأعداء الرسول وحزبه .
أخي الحبيب يا رعاك الله هل تأملت هذه الحلقات الأربع هل تأملت ما فيها وبعض ما احتوته من أوصاف للجنة ونعيمها الدائم وبعض الكرمات العظيمة فيها وقد كانت أعظم كرامة وأعظم نعمة هي تلك التي نرا فيها وجه الله ثم يحل علينا رضوانه فهلّا تأملت ذلك كله ثم تقوم من ساعتك وتعد العدة وتجاهد نفسك على الطاعات وترك التبعات وترغم نفسك وترغبها فيما أعده الله سبحانه وتعالى لك في تلك الدار والتي لا يعلم ما فيها إلا الله سبحانه وتعالى . وكيف تُقدّر دارٌ غرسها الله بيده ، وجعلها مقراً لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، ومُلكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .
منقول
ملتقى على باب الجنه - الخميس مايو 20, 2004 7:52 pm
موضوع الرسالة: رد: الجنه بلاد الأفراح (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الجنة لعباده المؤمنين نزلا ، ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلاً ، وأخرجهم إلى دار الأمتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه ، وأودعها مالا عين رأت ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم أما بعد :
فقد تحدثنا في موضوعنا السابق عن وجود الجنة في وقتنا هذا وأنها موجودة خلقها الله كما دلت على ذلك الدلائل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم و لاينكر ذلك إلا بعض المبتدعة أمثال (( القدرية و المعتزلة ))
وفي حلقتنا اليوم سوف نستعرض التالي :
1ـ اسماء الجنة مع الأدلة .
2ـ عند باب الجنة
3ـ ذكر أول من يقرع باب الجنة
4ـ استقبال أهل الجنة
5ـ سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة
6ـ أبواب الجنة
7ـبناء الجنة
8ـدرجات الجنة
9ـ بعض صفات أهل الجنة
10ـ من نعيم أهل الجنة
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :
فحيَّ على جنـــات عـدنٍ فإنهــا ******* منازلنا الأولى وفيها المخُيَّمُ
ولكننــا سبي الـعـدو فهــل تُرى ******* نعود إلى أو طاننــا ونسـلمُ
فياخاطب الحسناء إن كنت راغبا ******* فهـذا زمـان المـهر فهــو المقــدَّمُ
فيا بائعــاً هـــذا ببُخــس مُعَجـــل ******* كأنك لا تـدري ، بلى سـوف تعلـمُ
فإن كنــت لا تــدري فتلك مصيبة ******* وإن كنـت تـدري فالمصيبـة أعظمُ
1 ـ اسماء الجنة ومعانيها أـ الجنة : وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار ، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللّذة والبهجة ، والسرور وقرة الأعين . وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية . ومنه الجنين لا ستتاره في البطن ، والجان لا ستتاره عن الأعين ......
ب ـ دار السلام : وقد سمّاها الله بهذا الاسم في قوله : (( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام:127) )) وقوله تعالى : (( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ـ (يونس:25 )) .
ج ـ دار الخلد : وسميت بذلك ، لأن أهلها لا يظعنون عنها أبداً كما قال تعالى : (( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (هود:108) )) وقال تعالى : (( إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (صّ:54) )) وقال تعالى : (( لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (الحجر:48 )) وقال تعالى : (( أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا (الرعد: من الآية35
دـ دار المقامة : قال تعالى حكاية عن أهلها : ((وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ـالَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (فاطر34ـ35 )
هـ ـ جنة المأوى : قال تعالى: (( عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (لنجم:15) والمأوى : مفعل من أوى يأوي ، إذا انضم إلى المكان ، وصار إليه واستقر به .
وقال عطاء عن ابن عباس : هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة .
وقال مقاتل : هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء .
و ـ جنات عدن قيل : هو اسم جنةٍ من جملة الجنات ، والصحيح أنه اسم لجملة الجنان ، وكلها جنات عدن . قال تعالى : (( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (مريم:61) )) وقال تعالى : (( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (فاطر:33) )) والأشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن ، فإنه من الإقامة والدوام . يُقال : عدن بالمكان ، إذا أقام به ، وعدنت البلد توطنته ، وعدنت الإبل مكان كذا لزمته فلم تبرح منه .
ز ـ دار الحيوان : قال تعالى (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت:64 )) والمراد هنا بـ لهي الحيوان : أي لهي دار الحياة التي لا موت فيها .
ح ـ الفردوس : قال تعالى : (( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُون 10 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (المؤمنون: ـ11 ) )) ، وقال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (الكهف:107) ))
والفردوس : اسم يقال على جميع يقال على جميع الجنة ، ويقال على أفضلها وأعلاها ، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنان . وأصل الفردوس :البستان . قال كعب : هو البستان الذي فيه الأعناب . وقال الليث : الفردوس : جنة ذات كروم
يقال : كرم مفردس : اي معرش . وقال الضحاك : هي الجنة الملتفة بالأشجار ، وهو اختيار المبرد .
ط ـ جنات نعيم . قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (لقمان:8 ) )) . وهذا أيضاً اسم جامع لكل الجنات ، لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكولات والمشروبات والملبوسات والصُّور ، والرائحة الطيبة والمنظر البهيج ، والمساكن الواسعة .
ك ـ المقام الأمين . قال تعالى : (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (الدخان:51) )) .
والمقام : هو موضع الإقامة . والأمين : هو الآمن من كل سوء وآفة ومكروه ، وهو الذي جمع صفات الأمن كلها ، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص .
ل + م ـ مقعد صدق و قدم صدق . قال تعالى : (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ 54 فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ـ ( القمر : ـ 55 )
فسمّى الجنة مقعد صدق ، لحصول كل مايراد من المقعد الحسن فيها . وفسر قوم (( قدم صدق )) : بالجنة . وفُسر : بالأعمال التي تنال بها الجنة ، وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله .( 1) (( من كتاب حادي الأرواح ــ لبن قيم الجوزية )) ـ
وبعد أخي بعد أن استعرضنا أسماء الجنة تعال معي أخي لنرى ماذا يوجد عند باب الجنة .
2 ـ ماذا عند باب الجنة ؟ إن عند باب الجنة شجرة عظيمة ينبع من أصلها عينان ، قد خصصت إحداهما لشراب الداخلين ، وثانيتهما لتطهيرهم فإذا شربوا من الأولى جرت في وجوههم نضرة النعيم فلا يبأسون أبداً ـ وإذا اغتسلو ا من الثانية لم تشعث أشعارهم أبداً . ودليل ذلك قال تعالى : (( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً)(الانسان: من الآية21 وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان ، فإذا شربوا من إحداهما جرت في وجوههم نضرة النعيم ، وإذا توضؤوا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبداً )) ـ رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي / الترغيب والترهيب ( 4/ 494ـ 496 )
3 ـ ذكر أول من يقرع أبواب الجنة إن أول من يقرع أبواب الجنة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول من يستفتح باب الجنة فيفتح له وذلك كما في الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا أول من يُفتحُ له باب الجنة ، إلا أن امرأة تبادرني ، فأقول لها مالك أو ما أنت ؟ فتقول : أنا امرأة قعدت على يتاماي )) ـ أخرج أحمد عن عوف بن مالك 5/ 29 ولفظه : (( أنا وامرأة سفعاء في الجنة كهاتين : امرأة آمت من زوجها فحبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا )) .
وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنا أكثر الناس تبعاً يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة )) ـ أخرجه مسلم ( 196)( 331) في الأيمان .
4 ـ صفة أول من يدخل الجنة واستقبال أهل الجنة لهم
إن دخول الجنة سيكون قطعاً في فترات متتالية ، وقد يبعد مابين الفترة والأخرى إذا صح أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل ذوي الحظوظ بخمس مئة عام ، ذلك لعدم ما يستلزم وقوفهم طويلا في ساحة فصل القضاء وموقف الحساب ، بخلاف أهل الحظ والغنى وفي القرآن الكريم يقول تعالى : ((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (الزمر:73) )) .
وفي الصحيحين من أخبار الرسول صلى عليه وسلم حيث قال : (( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا يمتخطون ، ولا يتفلون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، أزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء ومعنى كلمة ـ الألوة : أي : العود يتبخر به )) اللفظ لمسلم : 8/ 146 ـ والبخاري 4/ 160 .
إن هذا التفاوت بين أهل الجنة في دخولهم ، وحسن هيئتهم وجمال وجوههم عائد إلى تفاوت أعمالهم في الدنيا .
ففي الدنيا تكتسب النفس حسنها وجمالها من إيمان صاحبها ، وأعماله الصالحة .وفي الآخرة يكتسب جمال الذات ، وكمال النعيم من نفس الزكاة الروحية التي كانت لها نتيجة إيمانها . وصالح أعمالها في الحياة الدنيا .
وتستقبل الملائكة وفود الرحمن عند دخولهم إلى دار السلام ، وأول المستقبلين هو رضوان خازن الجنان ، ثم الملائكة الموكلون بنعيم الجنة وأهله . وفي القرآن الكريم : (( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (الانبياء:103 )) . وفيه أيضا : (( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)(الزمر: من الآية73) ) )) وفيه أيضا : (( وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ 23 سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ : ((الرعد:24) .
وبعد أن عرفت هذا أخي في الله ألا تريد أن تستقبلك الملائكة هذا الأستقبال اللهم أجعلنا ممن تستقبلهم الملائكة عند أبواب الجنة .
5 ـ دخول الفقراء قبل الأغنياء إلى الجنة بخمس مئة عام
قال الأمام أحمد رحمه الله : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمس مئة عام وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، ورجال إسناده احتج بهم مسلم في (( صحيحه )) .
6 ـ أبواب الجنة :
عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( في الجنة ثمانية أبواب منها الريان لا يدخله إلا الصائمون وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم رفع بصره إلى السماء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها يشاء رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( (( من أنفق زوجين في سبيل الله ، نودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة )) فقال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ماعلى من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعا أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : (( نعم ، وأرجو أن تكون منهم )) . متفق عليه .
قال ابن القيم رحمه الله في وصف هذه الأبواب :
أبوا بهــا حـق ثمـانيـــة أتت ******* في النص وهي لصاحب الإحسان
باب الجهاد وذاك أعلاها وبا ******* بُ الصـــــوم يدعـى الباب بالريان
ولكل سعيٍ صــالح بابٌ وربٌّ ******** السعـي منـــه داخـــلٌ بـأمــــــان
ولسوف يدعى المرء من أبوابها ******* جمعــــاً إذا وفَّي حلــى الإيمان
منهم أبو بكـــرٍ هو الصـــدِّيقُ ذا ********* ك خليفـــــةُ المبــعوث بالقرآن
7 ـ بناء الجنة : سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فأسمعنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الأجابة وصفاً عجبا ، يقول عليه الصلاة والسلام في صفة بنائها : (( لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وملااطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وتربتها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، ولا يبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم )) رواه أحمد والترمذي .
هل بعد هذا أخي في الله تريد العيش في هذه الدنيا الفانية؟ وهل تريد هذه الجنة ؟ إذاً فكل ما عليك أخي هو طاعة الله بجتناب ما حرم واتباع ما أمر به وعبادته حق العبادة كما أمر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه .
8-درجات الجنه: قال تعالى : ((هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ(آل عمران:163 )) .
عن أبي هريرة رضي الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس الأعلى فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة . رواه البخاري .
وأما أعلى درجاتها :فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فإنه من صلى علىّ صلاةً واحدة صلى الله عليه عشرا . ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي . )) رواه مسلم .
وسُمّيت درجة النبي صلى الله عليه وسلم (( الوسيلة )) لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن ، وهي أقرب الدرجات إلى الله سبحانه وتعالى .
اقرأ وصف ابن القيم في وصفه لهذه الدرجات :
درجاتها مِئةٌ وما بيــن اثنتيـ ****** ـن فذاك في التحقيق للحسبان
مثل الذي بين السماء وبين ها **** ذي الأرض قول الصادق البرهان
لكنَّ عاليها هو الفردوس مســ ***** ـتـــوفٍ بعــرش الخــالق الرحمن
وسط الجنا وعلوها فلــذاك كا ***** نت قبــةً من أحســن البنيـــان
منه تفـجــر سائر الأنهــار فالـ ****** ــمنبـــوع منـــه نــازل بجنان
9 ـ بعض من صفات أهل الجنة :
وهذه أخي الكريم بعض من صفات أهل الجنة أوردها باختصار وذلك كما في حديثي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً كأنهم مكحلون ، أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنةً . رواه أحمد .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ، ولا تبلى ثيابه ، ولا يفنا شبابه . )) رواه مسلم .
[/B]10 ـ من نعيم أهل الجنة :
أن في الجنة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولكني هنا سوف استعرض بعضا من هذا النعيم المقيم وذلك عن طريق استعراض لبعض الأدلة على ذلك نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من ساكني الجنة آمين .
قال الله سبحانه وتعالى : (( (( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً 31 حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً 32 وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً 33 وكأساً دِهَاقاً 34 لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً 35 جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً 36 )) النبأ )) .
إن من نعيم أهل الجنة أنهم لا يسمعون كلاماً لا فائدة فيه ولا يسمعون كذبا ولكن يسمعون الكلام الطيب المفيد وهذا كله بسبب أعمالهم الطيبة في الدنيا .
قال تعالى : (( (( وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً 12 مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً 13 وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً 14 وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا 15 قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً 16 وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً 17 عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً 18 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً 19 )) ـ الانسان )) . ـ
إن الله يجزي المؤمنين بصبرهم على طاعته وتركهم معصيته جنة يكون لباسهم فيها الحرير ، متكئين على الأرائك أي على السرر التي عليها اللباس الزين الجميل ، ولا يرى أهل الجنة في الجنة الشمس التي تؤذيهم حرها ولا زمهرياً أي ولا برداً شديداً بل جميع أو قاتهم في ظل فلا يتألمون ولا يزعجهم الحر ولا البرد ، ومن أوصاف الجنة أن ثمارها قريبة يستطيع من أرادها من أهل الجنة أن يأخذها وهو قائم أو قاعد أو مضطجع ، وكذلك في الجنة ولدان وخدم على أهل الجنة يدورون بأواني الفضة ، وهؤلاء الولدان والخدم إذا رأيتهم حسبتهم من حسنهم وجمالهم لؤلؤاً منثوراً وهذا من تمام نعيم أهل الجنة أن خدمهم بهذا الجمال الذي يسرهم رؤيته .
وقال تعالى : (( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً ـ (الفرقان:16) ))
وقال تعالى : (( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ 34 لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ 35ـ (قّ ) ))
وختاما أخي في الله فإن كل ما يطلبه أهل الجنة وما يشتهونه من الطعام والشراب والملابس والنساء والقصور والحدائق والفواكه والأنهار والمساكن والأصوات و ........... وغير ذلك يجدونه في الجنة ، كما أن أهل الجنة خالدون فيها أي لا يموتون ابداً بل يبقون في نعيم مستمر . جعلني الله وإياكم من أهلها آمين . هذا والله أعلم وإلى القاء في حلقة قادمة نستعرض فيها أيضا نساء الجنة ، لباس أهل الجنة و طعامهم وغير ذلك مما يقدرنا الله عليه .
إن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فمن الله ـ .
(( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ))