لقد أظهرت دراسة ميدانية تناولت رجالا أودعوا السجن بسبب اعتدائهم الجنسي على أطفال، من بينهم أطفالهم، أنهم لم يشعروا لحظة بأنهم انتهكوا حرمات جسدهم. عندما كانوا يعتنون بهم، كانوا يشعرون بأن أجسادهم الطرية تدعوهم لإغداق المداعبات عليهم، حيث ترآى لهم جسد طفلهم وكأنه جزء من جسدهم. مما حدا بهم لمضاعفة المداعبة والاستجابة لمشاعر وأحاسيس جسدية طغى عليها الشعور بأن الآخر هو جزء من الذات. لكن هذا الآخر تنقصه الحصانة التي تجعله منيعاً عليهم.
إذا كان الطفل بحاجة لتنشئة سليمة يفترض أن تتم على يدي والديه منذ مقتبل عمره، فماذا لو كان هؤلاء الأشخاص يفتقدون للمقومات النفسية الضرورية والضوابط الأخلاقية الأساسية ؟ من المعلوم أنه عندما تحدث هذه الممارسات داخل الأسرة يكون من الصعب جداً على الطفل ردها، ويصبح تكرارها أمراً مدمراً له يؤثر لحد كبير على نموه النفسي والجسدي. والأخطر من ذلك هي عندما تتعدى آثار السفاح الشخص الواحد، بحيث ينتقل تأثيرها لأجيال متعاقبة.
بمعزل عن السفاح، تبقى في البلدان العربية الانتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الطفل بشكل عام من المسائل التي يغلب عليها طابع الكتمان والسرية والشعور بالعار من فضحها والإعراض عن الالتجاء لمعالجات نفسية لنتائجها. لكن لو وجدت هذه الموضوعات طريقها للتداول أكثر مما هي عليه الآن لتعرف الطفل على ما يسمح له بتجنب الوقوع في شركها. كما يمكن له أن يجد في أشخاص آخرين يحيطون به من هم قادرين على العناية به ومساعدته ومن هم جديرين بإعادة ثقته بنفسه بإغداقهم عطفهم وتفهمهم له. بحيث يشعر أن ليس كل البشر سيئين وأن هناك من هم جديرين بمحبته ويستحقون ثقته، كما ويمكن أن يعيدوا له قدرته على الثقة بالبشر والتفاؤل بالإنسانية.
منذ اللحظة الأولى للصدمة تتفاعل المتناقضات في داخل الطفل بحيث تختلط في ذهنه المحرمات بالمباح. تداس حميمية جسده التي يفترض أن تكون مصانة وتتكسر في نظره القواعد الأخلاقية والأعراف الاجتماعية التي بدأ يشعر بسلطانها. وكما تتزعزع ثقته بالكبار وبمن هم جديرين بحبه وثقته، تختل ثقته بنفسه وتتشوه نظرته لذاته وعلاقته بجسده (يظهر ذلك جلياً عند من يحاولون الانتحار لهذا السبب أو يمتهنون بيع جسدهم). إنه يطال بشكل كبير أولئك الذين تم الاعتداء على حرمات جسدهم وهم في سنوات عمرهم الأولى، وإجمالاً قبل مرحلة الكمون. لتحمّل وطأة العلاقة الكابوسية ودفع آلامها، منهم من لجأ للفصل بين ذهنه وجسده بعملية دفاع عن النفس تستعير من عناصر الآليات الذهانية الشئ الكثير. أي ما ينتج عنه خلل في العلاقة مع الواقع، غالباً ما يلازم المرء طوال العمر ويقود به للهذيان ولتصور أشياء ليست من الواقع وإنما مصدرها مخيلته.
جسد الطفل يبقى شاهداً على الجريمة، كأن يكثر تواتر الأمراض أو الأعراض مثلاً دون سبب واضح. أو يظهر تراجعا في سلوكيات كان قد تجاوزها بسبب نضجه، مثل العودة للتبول أو التراجع في النطق أو في مواضع من الجملة العصبية العضلية. كما يمكن أن تتراجع علاماته المدرسية وإمكاناته الإبداعية، حيث تترك الصدمة بصماتها على نموه وعلى قدرته على التركيز والتذكر والحفظ. كذلك يمكن أن يظهر اختلالا في التعاطي مع الأكل والنوم بالإعراض عنها أو في زيادتها بشكل غير مبرر. أو أن يبدو غائبا ذهنياً يعاني من القلق والاكتئاب أو من الحركة الزائدة غير العادية والغضب والعدوانية تجاه الأخوة والرفاق وتجنب الراشدين. كما من المفترض أن تبدر منه تصرفات أو عبارات لها مدلولات جنسية لا تتناسب مع سنه تطال بخاصة من هم في عمره أو أصغر سناً.
أخيراً وليس آخراً يبقى السؤال: هل بات الوضع ملائما اليوم لمواجهة هذه المشاكل بجرأة وجدية، أم ما زالت البيئة الاجتماعية عاجزة عن مواجهة الواقع بفعل ضغط المحرمات والممنوعات والتركيبة البنيوية للمجتمعات العربية ؟
إذا كان الطفل بحاجة لتنشئة سليمة يفترض أن تتم على يدي والديه منذ مقتبل عمره، فماذا لو كان هؤلاء الأشخاص يفتقدون للمقومات النفسية الضرورية والضوابط الأخلاقية الأساسية ؟ من المعلوم أنه عندما تحدث هذه الممارسات داخل الأسرة يكون من الصعب جداً على الطفل ردها، ويصبح تكرارها أمراً مدمراً له يؤثر لحد كبير على نموه النفسي والجسدي. والأخطر من ذلك هي عندما تتعدى آثار السفاح الشخص الواحد، بحيث ينتقل تأثيرها لأجيال متعاقبة.
بمعزل عن السفاح، تبقى في البلدان العربية الانتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الطفل بشكل عام من المسائل التي يغلب عليها طابع الكتمان والسرية والشعور بالعار من فضحها والإعراض عن الالتجاء لمعالجات نفسية لنتائجها. لكن لو وجدت هذه الموضوعات طريقها للتداول أكثر مما هي عليه الآن لتعرف الطفل على ما يسمح له بتجنب الوقوع في شركها. كما يمكن له أن يجد في أشخاص آخرين يحيطون به من هم قادرين على العناية به ومساعدته ومن هم جديرين بإعادة ثقته بنفسه بإغداقهم عطفهم وتفهمهم له. بحيث يشعر أن ليس كل البشر سيئين وأن هناك من هم جديرين بمحبته ويستحقون ثقته، كما ويمكن أن يعيدوا له قدرته على الثقة بالبشر والتفاؤل بالإنسانية.
منذ اللحظة الأولى للصدمة تتفاعل المتناقضات في داخل الطفل بحيث تختلط في ذهنه المحرمات بالمباح. تداس حميمية جسده التي يفترض أن تكون مصانة وتتكسر في نظره القواعد الأخلاقية والأعراف الاجتماعية التي بدأ يشعر بسلطانها. وكما تتزعزع ثقته بالكبار وبمن هم جديرين بحبه وثقته، تختل ثقته بنفسه وتتشوه نظرته لذاته وعلاقته بجسده (يظهر ذلك جلياً عند من يحاولون الانتحار لهذا السبب أو يمتهنون بيع جسدهم). إنه يطال بشكل كبير أولئك الذين تم الاعتداء على حرمات جسدهم وهم في سنوات عمرهم الأولى، وإجمالاً قبل مرحلة الكمون. لتحمّل وطأة العلاقة الكابوسية ودفع آلامها، منهم من لجأ للفصل بين ذهنه وجسده بعملية دفاع عن النفس تستعير من عناصر الآليات الذهانية الشئ الكثير. أي ما ينتج عنه خلل في العلاقة مع الواقع، غالباً ما يلازم المرء طوال العمر ويقود به للهذيان ولتصور أشياء ليست من الواقع وإنما مصدرها مخيلته.
جسد الطفل يبقى شاهداً على الجريمة، كأن يكثر تواتر الأمراض أو الأعراض مثلاً دون سبب واضح. أو يظهر تراجعا في سلوكيات كان قد تجاوزها بسبب نضجه، مثل العودة للتبول أو التراجع في النطق أو في مواضع من الجملة العصبية العضلية. كما يمكن أن تتراجع علاماته المدرسية وإمكاناته الإبداعية، حيث تترك الصدمة بصماتها على نموه وعلى قدرته على التركيز والتذكر والحفظ. كذلك يمكن أن يظهر اختلالا في التعاطي مع الأكل والنوم بالإعراض عنها أو في زيادتها بشكل غير مبرر. أو أن يبدو غائبا ذهنياً يعاني من القلق والاكتئاب أو من الحركة الزائدة غير العادية والغضب والعدوانية تجاه الأخوة والرفاق وتجنب الراشدين. كما من المفترض أن تبدر منه تصرفات أو عبارات لها مدلولات جنسية لا تتناسب مع سنه تطال بخاصة من هم في عمره أو أصغر سناً.
أخيراً وليس آخراً يبقى السؤال: هل بات الوضع ملائما اليوم لمواجهة هذه المشاكل بجرأة وجدية، أم ما زالت البيئة الاجتماعية عاجزة عن مواجهة الواقع بفعل ضغط المحرمات والممنوعات والتركيبة البنيوية للمجتمعات العربية ؟
تعليق