أدري إن كلماتي جدا جارحة... لكن فضلت البتر على أن يستفحل المرض...
ما بالك تدحق فيني هكذا يا أيها القلم... لم يجبني كالعادة و استحسن السكوت... فعاودت السؤال: أدري يا صديقي الوفي أن غيابي قد طال و ما سألتُ عن الحال... أهذا الذي استغربت منه؟!! عرفت من سكوته إنه يجيبني بالإيجاب... فقلت له... لكني اليوم لي من الوقت ما يكفي كي أحادثك و أناجيك... ها يا عزيزي، ماذا عساي أن أكتب... و صرت أبحث في مخيلتي عن موضوع أكتب فيه...ففكري مشتت من كثر الأشغال... وقلما أصبحت أختلي بنفسي كي أنظم فكري و أنسق فلسفاتي...
و تراني قد التهيت عن صاحبي "القلم" و ما زلت أبحث في فكري المشتت.. لا بل فكرت أن ألم شتات أفكاري كي يسهل عملية البحث و بدعوى ترتيب الأفكار صرت أبحر في آلاف الأفكار و أنتقل من فكرة إلى أخرى... و كأنني حصرت المنجاة بيني و بين نفسي لاهيا عن صدقي و كأني دخلت في حالة تدعى "سرحان"... وإذا بصاحبي القلم قد انتفض وسقط من يدي.. فُقت من الحالة التي كنت فيها و سألت... ما بالك.. أغضبت مني...آسف والله ما كان قصدي أن أنساك و لكن كنت أحاول أن أظهر لك بمظهر يليق بفئة من يسمونه "كُتّاب" على الرغم من أنني أؤمن أن مازال أمامي قرون كي أصل لمرحلة "كاتب محترف"...
لم يبالي صاحبي بما قلته.. و بدأ يحدق في أخونا الثالث هادي الطباع "الدفتر" فقربته منا كي يكون لنا عونا... وهنا شعرت كأن القلم قد أومأ برأسه كي أبدأ بالكتابة... أردت أن أستأذنه دقائق أخرى للتفكير و لكن خفت أنه يقول أنني أتهرب منهم أو أنني أرفض أن أشاركهم بأفكاري... فما كان مني إلا أن أكتب أي شيء يخطر ببالي... فكتبت...
إن أكثر شيء يناشده الإنسان هو: الحرية... و الحرية هي مثلا أن تكتب ما يجول بخاطرك... وتعبر بدون قيود...
و هنا اضطررت أن أوقف الكتابة...فقد رفض القلم التخطيط... فظننت أن الحبر قد نفد.. و تذكرت أني سقيت مداده أول ما صافحته اليوم..فماالذي حدث؟!! نظرت له باستغراب شديد...ماذا دهاك... هلا كنت تريدني أن أخطو بأفكاري فهل مللت من كتابتي بهذه السرعة؟!! سقط القلم من يدي مرة أخرى...قلت له: عزيزي لا تغضب أدري ليس هذا هو بالسبب.. ماذا إذاً... هل أخطأت... قرأت السطر... و عاودت النظر... مرة و أكثر... وعاودت الكتابة...
ماذا عساي أن أكتب في هذا الزمن... زمن تغير فيه المعاني النبيلة للكلمات... فالحرية أصبحت تعني أن تكتب كل ما يجول بخاطرك بشرط أن تكون بعيدا عن الحق و الدين... اكتب ما شئت في كل المجالات لكن لا ترفع بالقلم راية الإسلام... الحرية أن تكتب ما شئت من قصص و روايات في الحب و الغزل والترف و مقالات في التحرر والمساواة و العولمة ... فهذه قمة الحرية... أما أنك تكتب ما يعلي من شأن الإسلام ..و أن تكتب ما يعز المسلمين، فأنت ما زلت تجهل معنى الحرية بزعمهم... تأكد أنك ستواجه آلاف السؤال و النقد...لماذا كتبت و ما الدافع و ما الهدف و و و ... يشعرونك بالذنب إن كتبت إنك مسلم تحب الله و تتمنى أن ترى راية الإسلام دائما عالية خفاقة... يشعرونك بأنك حر إذا سكتت و أنك عبد إذا تكلمت...فقط في هذا المجال... للأسف الشديد... وإن تماديت و لم تأبه بما قالوا لأرعبوك بالموت المحقق... و إذا رأوك لا تخشى الموت في سبيل الحرية لأرعبوك بالسجن المؤبد... فالكل يدري الموت أحب إلى الحر من أن يصبح سجين أفكارهم و زنزانتهم...
و هنا نزلت دمعة من عيني..لا دمعة ذل و إنما دمعة قهر.. و إذا بي أتفاجأ إن عزيزي القلم يقطر حبرا كي يواسيني... آآآه عاودت الكتابة...
ماذا عساي أن أكتب في زمن أصبح الكثيرين ممن يدعون أنهم بشر، ليسوا إلا جماد... فهذا الغالي (القلم) يبكي لحزني و أساي... أتريدون أن ألقب هذا القلم - بعد الذي حدث - بالجماد و ذاك الذي أخاف أن يهددني بالتعذيب بالسجن بشر حي و أن له قلب ينبض و يشعر بأخيه وبني جنسه؟؟!!!
أرى الناس يبكون عندما يرون "أن الحبيب يفتقد حبيبته المسافرة" في ذاك المسلسل و تلك الأفلام الرومانسية... وأن تلك الحسناء قد خانت حبيبه في قصة حب... و يرون تلك الأفلام و أمثالها مرارا و كلما رأو مثل هذه المشاهد اعتبروها مشاهد حساسة للغاية و تلامس المشاعر و تدمع لها العين بغزارة لأنها تجرح في الصميم... لكن يدّعون أن دموعهم جفت حين تتساءل لم لا يبكي إن رأى مشاهد ظلم و كرب في الأخبار... وقد أصابهم الملل من هذه الأخبار!!!... سبحان الله! ما ملوا من الحب الزائف في الأفلام و ملوا الحقيقة المرة في الأخبار... و لسمعت البعض يقول: يا أخي من يتابع الأخبار في هذا الزمن!! فقد طفح بنا الكيل ناس غرقى في الفياضانات و جثث أطفال تحت الركام سببته دمار الزلازل و ناس قتلى بسبب حروب لا أصول لها.. و يدّعون أن هذه المشاهد جدا عنيفة و لرأيتهم إن رأوا هذه المشاهد أعرضوا عنها ولوصفوها إنها مقززة منفرة... نعم؟!! مشاهد يكاد يخنقني و يغرقني في بحر العبرات و يشعرني بالذنب إني مقصر في حقهم إذ لا أستطيع غير أن أدعوا لهم أن يفرج عنهم الله... في حين إنها لا تلامس حنايا قلوبهم!!! و لرأيت هذه المشاهد أضبحت تنطق لتترجى من بني البشر أن ينظر إليهم بعين العطف و الشفقة فتبهت أعينك إن تراهم يعرضون عنها و يضربون برجائهم بعرض الحائط و لرأيت أعينهم لا تدمع و أفئدتهم لا تحس و ألسنتهم لا تشكر أن من الله عليهم بنعمة السكينة و الأمن و الراحة... أو هم إنسان... بشر.. أحياء؟!!
التفتت إلى صاحبي... ماذا أكتب يا أيها الصديق الوفي... أما عبراتي تعبر لك عما في داخلي... و كم أغلي لكن لا أستطيع أن أعبر مدى المعاناة...و قلبي يكتوي حرقة لا أستطيع وصفها مما أسمع و أرى... يا عزيزي.. إني والله سمعت الكثير و رأيت أكثر... كلها حقائق مرة... هل لك أن تنكر ما رأيته بعينيك... هل ستحاول أن تتوهم إنك إنما رأيت كابوسا لا غير... أم إنك ستصدح بما رأيت و إن كلفك في سبيله ما كلفك...
وهنا رأيت نظرات التساؤل في عيني القلم... كأنه يريد أن يعرف أحقا رأيت الكثير كما أقول؟!! وإن كنتُ محقا فما هذا اللذي رأيته؟!! و كأنه يشجعني كي أصدح بما في حوايا نفسي.. ظنا منه أن الوقت قد حان كي ينكشف الغطاء عن المستور... فما أردت أن أخيب أمله و قررت أن أذكر القليل... وعاودت الكتابة...
أتدري يا صديقي... رأيت الفتيات المسلمات يذهبن المحاكم و يدافعن عن حقهن في لبس الحجاب في الغرب و رأيت أخريات في بلاد العرب والمسلمين يشتهين التبرج و يقلدن الغرب بدعوى التحرر و التطور... والله إني لأستحي حينما لا أعرف أن أحصر عدد القنوات العربية التي تبث ما يسمى بـ "الفيديو كليبات الماجنة الفاسقة"... و يريدون أن ينصر الله المسلمين على الكفار!!! ألا يعرفون أن الله يمهل و لا يهمل... و لايخافون أن يحل عليهم غضب الله فيهلكهم أجمعين؟!!
يا صاحبي... رأيت الفتيان يتباهون بمشاهير أجانب و صورهم في صدورهم و على ظهورهم و في كل مكان... و إن سألت من هذا الذي صورته فيـ"التي شيرت" ضحك عليك أنك لا تعرف الشخصية و يبدأ من تاريخ ميلاده ... و يحكي لك قصة حياته كاملا و إنجازاته و آخر ألبومه و أفلامه و يقول باعتزاز أنه أحد مشجعيه... وتستغرب إنه لم يجد أحد من مشاهير الشخصيات الإسلامية كي يفتخر و يعتز به... و تراه مثلا يقول أنه يهيم بـ فلان و يحبه و يموت فيه... ونتساأل هل رأيت أحدا من هؤلاء الذين تحبهم و تواليهم يبادلك نفس الشعور أو إنك واهتمامك الفائق به تعني لهم أي شيء... هل رأيتهم يوما يتعاطفون مع المسلمين... أم غرك مظاهراتهم ضد الحرب؟!! هل رأيتهم يقلدون المسلمين في لبس أو غيره... فلم كل هذا؟!!
آآآه... هنا في بلاد العرب و المسلمين ... كم هي الفرصة سانحة كي يلتزم المسلم بالدين و في بلاد الغرب ترى مسلمين يتحملون المشاق و يسكتون على أذية الكفار في سبيل الالتزام بحكم الله وابتغاء مرضاته...
أرى في بلاد العرب و الخليج خاصة...فئة من الفتيات.. يلبسن العباءة و هي أجمل من فساتينهن.. مزدانة باللون الزهري تارة و السماوي تارة و ورود بألوان قوس قزح تارة أخرى، بشدة تلفت الأنظار... فقد جرت العرف على أن الفتاة هنا لا بد أن تلبس العباءة... فتراهن يلبسنها و هي أحيانا أضيق من جلابيبهن... و إن كانت لا بد أن تلبس ما يدعى بـ"الشيلة"... فهي تلبسها و لكن خصلات شعرها المصبوغ و المستشوَر لا بد أن يطل من تحت الشيلة... وتراهن يجوبون المحلات كي يشترين أكبر "شباصة" فتبدوا رؤؤسهن كأسنام البخت... ناهيك عن المكياج الصارخ... و ترى أحيانا أن الشيلة تسقط من رأسها وإذا بها تنتبه بعد مضي فترة أنها سقطت فتعاود لفها على الرأس متوخيا كل الحذر... كي لا تخترب خصلات الشعر... وهنا أشعر بالمرارة و يعتصر ذاتي وأتساءل.. أهي تلبس العباءة و الشيلة امتثالا لشعائر الدين؟؟! أو لكي يعرفون إنها "خليجية" عزيزة ؟!! تلبسها وكأنها مجبورة و إنها تراقب أول فرصة تستطيع أن تتخلى فيها عن هذا العبء...
أما الأولاد فدعني أسكت عنهم... فإني أخاف أن أفرط في الكلام... و أدخل في المحظور... فقط سأقول.. كل يوم تشعر أن المسجد قد وسعت مساحته و تستغرب كيف للمسجد أن يتوسع من تلقاء نفسه و ما أن تلبث و تستوعب.. جدران المسجد ما زال في مكانه و إنما بعض الشباب ممن هداهم الله و الشيوخ يأتون للصلاة.. و إن انتقل أحد إلى جوار الله... للأسف الشديد لا يأتي أولاده يسدون فراغه في المسجد و يصلون فيدعون للراحل... فهم في المقاهي أو في الملاهي.. مع الصحبة... أو مع الصديقة... و ترى المصلى يفضي كل يوم... و كل فترة سطر من المصلين يقل... واأسفاه... فقد تركوا الصلاة و عندهم مساجد.. و إني سمعت إن الناس ليصلون في الطرقات لأن ليس بقربهم مسجد في بلاد العجم...
وإذا أردنا أن نتحدث عن المسلمين الأعاجم... فلا حول و لا قوة إلا بالله... ما أكثر إنتشار الفتن و البدع...أما بعض الأسر والأهالي التي تنوي الخير... يأتون بالـ أستاذ أو "المطوع" كي يعلم الأطفال قراءة القرآن و قواعد تجويده و تلاوته و يربيه على الدين.. و ما أن يكبر هذا البريء.. و يريد أن يتعلم الشريعة و يلتزم... ترى المجتمع يحتقره و لا يعطيه وزن أو قيمة ؟!! و تنسب إليه الجهل و الغباء و التخلف... و لن يحصل على شغل و لا ترقية و لا مراتب... فيتغير البريء... و هنا تحسبه من لبسه و كلامه و تصرفاته إنه غير مسلم...وتتفاجأ بأن الشق الثالث من اسمه اسم مسلم.. و إذا سألت أأنت مسلم؟!.. غضب و سب و شتم... ثم صارخ و قال: نعم... وحين تقول له... آسف و ما أدراني بأنك مسلم... ما كان في كلامك لطف وحينما قلت "هاي" طننت إنك ما تعرف السلام... أمّا مظهرك و لبسك فأوحى لي بأنك تنافس " قوم الروك"... قال و بكل برود... يكفي أني أعرف الشهادة... الصلاة و العبادة دعهم لما أتقدم في العمر... "هاي"و "باي" " بريستيج ولباقة... أما هذا اللبس و المظهر..فهو أناقة و عراقة... و بكل فخر..أمشي على الموضة!!!
والفتيات المسلمات... أهن مسلمات؟؟؟ الله أعلم... تراهن ينافسن المشركات في السفور... و يتباهين إن أصبحن ملكات جمال.. و يمثلن مع الكفار... و لربما أحبت مشركا فقبلت به زوجا؟!! حسبي الله...
جففت عبراتي... وقلت بحزن و أسى شديدين... والله لن أكذب عليك يا أيها القلم إن قلت إنّ هذا قليل جدا مما سمعت و رأيت.. فلقد رأيت و سمعت ما لا أستطيع أن أدونه لأنه عاااار على المسلم ... فإن تطاولوا و تمادوا في غيهم و ضلالهم سأتمادى و أذكر ما خبأت... أما الآن فلا سبيل علي إلا أن أعاني بصمت...
وهنا رأيت نظرات القلم الحزين... الذي صار يقطر الحبر... وعرفت أنه يساندني بسكوته... و بدموعه الحبري... يؤازرني كي أكمل ما بدأت... لأن كلنا ندري إن الذي بدأتُ ليس له نهاية... حتى الآن... ولربما إن صلح الفساد المنتشر أكتب النهاية المرجوة...
لكن كلمة اخيرة سأدونها قبل أن أودعك يا عزيزي القلم...
أدري أن في هذا الزمن – مع وجود كل الأصناف المذكورة أعلاه- هناك الكثير ممن يحتذى به في رقي الأخلاق و سمو الصفات و الفكر الفذ و العقل الراقي... ومع ذلك هم قلة.. وهذه الأقليات.. كلما حاولوا النهوض يرون أنفسهم غارقين في عمق المجتمع... قد تكون هذه الكلمات أخطأَت في حقهم... و أنا آآآآآآآآآآآسف والله إن كانت كلماتي قد جرحت مشاعرهم و خدشت إباؤهم و عزهم...ولكن ما كتبتُ لهم والله... كتبت علَّ في الكلمات المبعثرة التي دونتها فائدة لمن يتعظ و يعتبر... كتبت و هي كلمات قد تكون جدا جارحة... تجرح ليس لأني قد أكون غرست سكينا في ظهر من استقصدتهم و لكن... تجرح لأنني أبترت أطراف من استهدفتهم... و أؤكد إني ما كتبت كي أجرحم... ما فعلته إلا لأني أحببت الخير لهم والله شاهد... و لذلك فضلت البتر على أن يستفحل السرطان فيقضي عليهم وهم مازالوا في مقتبل العمر... كتبت كي أسقي غليلي و أضمد به جراحاتي.. وكي أصور لقلمي الحبيب زمن أنا أعيش فيه... وأحكي له كيف إني أريد ان أستقيم والمجتمع حولي سقيم... و أرى الناس حولي لا يساعدونني في النهوض و المضي في الصراط المستقيم... فأبكي و أظل أتوسل مع قلمي و دفتري لهذه الأمة أن تساعدني بما بقي لديها من عز...
محمد الحرب .
تدحق هذه كلمه بلهجتنا ومعناها = بالفصحه تنظر او تحدق في شي ..
ما بالك تدحق فيني هكذا يا أيها القلم... لم يجبني كالعادة و استحسن السكوت... فعاودت السؤال: أدري يا صديقي الوفي أن غيابي قد طال و ما سألتُ عن الحال... أهذا الذي استغربت منه؟!! عرفت من سكوته إنه يجيبني بالإيجاب... فقلت له... لكني اليوم لي من الوقت ما يكفي كي أحادثك و أناجيك... ها يا عزيزي، ماذا عساي أن أكتب... و صرت أبحث في مخيلتي عن موضوع أكتب فيه...ففكري مشتت من كثر الأشغال... وقلما أصبحت أختلي بنفسي كي أنظم فكري و أنسق فلسفاتي...
و تراني قد التهيت عن صاحبي "القلم" و ما زلت أبحث في فكري المشتت.. لا بل فكرت أن ألم شتات أفكاري كي يسهل عملية البحث و بدعوى ترتيب الأفكار صرت أبحر في آلاف الأفكار و أنتقل من فكرة إلى أخرى... و كأنني حصرت المنجاة بيني و بين نفسي لاهيا عن صدقي و كأني دخلت في حالة تدعى "سرحان"... وإذا بصاحبي القلم قد انتفض وسقط من يدي.. فُقت من الحالة التي كنت فيها و سألت... ما بالك.. أغضبت مني...آسف والله ما كان قصدي أن أنساك و لكن كنت أحاول أن أظهر لك بمظهر يليق بفئة من يسمونه "كُتّاب" على الرغم من أنني أؤمن أن مازال أمامي قرون كي أصل لمرحلة "كاتب محترف"...
لم يبالي صاحبي بما قلته.. و بدأ يحدق في أخونا الثالث هادي الطباع "الدفتر" فقربته منا كي يكون لنا عونا... وهنا شعرت كأن القلم قد أومأ برأسه كي أبدأ بالكتابة... أردت أن أستأذنه دقائق أخرى للتفكير و لكن خفت أنه يقول أنني أتهرب منهم أو أنني أرفض أن أشاركهم بأفكاري... فما كان مني إلا أن أكتب أي شيء يخطر ببالي... فكتبت...
إن أكثر شيء يناشده الإنسان هو: الحرية... و الحرية هي مثلا أن تكتب ما يجول بخاطرك... وتعبر بدون قيود...
و هنا اضطررت أن أوقف الكتابة...فقد رفض القلم التخطيط... فظننت أن الحبر قد نفد.. و تذكرت أني سقيت مداده أول ما صافحته اليوم..فماالذي حدث؟!! نظرت له باستغراب شديد...ماذا دهاك... هلا كنت تريدني أن أخطو بأفكاري فهل مللت من كتابتي بهذه السرعة؟!! سقط القلم من يدي مرة أخرى...قلت له: عزيزي لا تغضب أدري ليس هذا هو بالسبب.. ماذا إذاً... هل أخطأت... قرأت السطر... و عاودت النظر... مرة و أكثر... وعاودت الكتابة...
ماذا عساي أن أكتب في هذا الزمن... زمن تغير فيه المعاني النبيلة للكلمات... فالحرية أصبحت تعني أن تكتب كل ما يجول بخاطرك بشرط أن تكون بعيدا عن الحق و الدين... اكتب ما شئت في كل المجالات لكن لا ترفع بالقلم راية الإسلام... الحرية أن تكتب ما شئت من قصص و روايات في الحب و الغزل والترف و مقالات في التحرر والمساواة و العولمة ... فهذه قمة الحرية... أما أنك تكتب ما يعلي من شأن الإسلام ..و أن تكتب ما يعز المسلمين، فأنت ما زلت تجهل معنى الحرية بزعمهم... تأكد أنك ستواجه آلاف السؤال و النقد...لماذا كتبت و ما الدافع و ما الهدف و و و ... يشعرونك بالذنب إن كتبت إنك مسلم تحب الله و تتمنى أن ترى راية الإسلام دائما عالية خفاقة... يشعرونك بأنك حر إذا سكتت و أنك عبد إذا تكلمت...فقط في هذا المجال... للأسف الشديد... وإن تماديت و لم تأبه بما قالوا لأرعبوك بالموت المحقق... و إذا رأوك لا تخشى الموت في سبيل الحرية لأرعبوك بالسجن المؤبد... فالكل يدري الموت أحب إلى الحر من أن يصبح سجين أفكارهم و زنزانتهم...
و هنا نزلت دمعة من عيني..لا دمعة ذل و إنما دمعة قهر.. و إذا بي أتفاجأ إن عزيزي القلم يقطر حبرا كي يواسيني... آآآه عاودت الكتابة...
ماذا عساي أن أكتب في زمن أصبح الكثيرين ممن يدعون أنهم بشر، ليسوا إلا جماد... فهذا الغالي (القلم) يبكي لحزني و أساي... أتريدون أن ألقب هذا القلم - بعد الذي حدث - بالجماد و ذاك الذي أخاف أن يهددني بالتعذيب بالسجن بشر حي و أن له قلب ينبض و يشعر بأخيه وبني جنسه؟؟!!!
أرى الناس يبكون عندما يرون "أن الحبيب يفتقد حبيبته المسافرة" في ذاك المسلسل و تلك الأفلام الرومانسية... وأن تلك الحسناء قد خانت حبيبه في قصة حب... و يرون تلك الأفلام و أمثالها مرارا و كلما رأو مثل هذه المشاهد اعتبروها مشاهد حساسة للغاية و تلامس المشاعر و تدمع لها العين بغزارة لأنها تجرح في الصميم... لكن يدّعون أن دموعهم جفت حين تتساءل لم لا يبكي إن رأى مشاهد ظلم و كرب في الأخبار... وقد أصابهم الملل من هذه الأخبار!!!... سبحان الله! ما ملوا من الحب الزائف في الأفلام و ملوا الحقيقة المرة في الأخبار... و لسمعت البعض يقول: يا أخي من يتابع الأخبار في هذا الزمن!! فقد طفح بنا الكيل ناس غرقى في الفياضانات و جثث أطفال تحت الركام سببته دمار الزلازل و ناس قتلى بسبب حروب لا أصول لها.. و يدّعون أن هذه المشاهد جدا عنيفة و لرأيتهم إن رأوا هذه المشاهد أعرضوا عنها ولوصفوها إنها مقززة منفرة... نعم؟!! مشاهد يكاد يخنقني و يغرقني في بحر العبرات و يشعرني بالذنب إني مقصر في حقهم إذ لا أستطيع غير أن أدعوا لهم أن يفرج عنهم الله... في حين إنها لا تلامس حنايا قلوبهم!!! و لرأيت هذه المشاهد أضبحت تنطق لتترجى من بني البشر أن ينظر إليهم بعين العطف و الشفقة فتبهت أعينك إن تراهم يعرضون عنها و يضربون برجائهم بعرض الحائط و لرأيت أعينهم لا تدمع و أفئدتهم لا تحس و ألسنتهم لا تشكر أن من الله عليهم بنعمة السكينة و الأمن و الراحة... أو هم إنسان... بشر.. أحياء؟!!
التفتت إلى صاحبي... ماذا أكتب يا أيها الصديق الوفي... أما عبراتي تعبر لك عما في داخلي... و كم أغلي لكن لا أستطيع أن أعبر مدى المعاناة...و قلبي يكتوي حرقة لا أستطيع وصفها مما أسمع و أرى... يا عزيزي.. إني والله سمعت الكثير و رأيت أكثر... كلها حقائق مرة... هل لك أن تنكر ما رأيته بعينيك... هل ستحاول أن تتوهم إنك إنما رأيت كابوسا لا غير... أم إنك ستصدح بما رأيت و إن كلفك في سبيله ما كلفك...
وهنا رأيت نظرات التساؤل في عيني القلم... كأنه يريد أن يعرف أحقا رأيت الكثير كما أقول؟!! وإن كنتُ محقا فما هذا اللذي رأيته؟!! و كأنه يشجعني كي أصدح بما في حوايا نفسي.. ظنا منه أن الوقت قد حان كي ينكشف الغطاء عن المستور... فما أردت أن أخيب أمله و قررت أن أذكر القليل... وعاودت الكتابة...
أتدري يا صديقي... رأيت الفتيات المسلمات يذهبن المحاكم و يدافعن عن حقهن في لبس الحجاب في الغرب و رأيت أخريات في بلاد العرب والمسلمين يشتهين التبرج و يقلدن الغرب بدعوى التحرر و التطور... والله إني لأستحي حينما لا أعرف أن أحصر عدد القنوات العربية التي تبث ما يسمى بـ "الفيديو كليبات الماجنة الفاسقة"... و يريدون أن ينصر الله المسلمين على الكفار!!! ألا يعرفون أن الله يمهل و لا يهمل... و لايخافون أن يحل عليهم غضب الله فيهلكهم أجمعين؟!!
يا صاحبي... رأيت الفتيان يتباهون بمشاهير أجانب و صورهم في صدورهم و على ظهورهم و في كل مكان... و إن سألت من هذا الذي صورته فيـ"التي شيرت" ضحك عليك أنك لا تعرف الشخصية و يبدأ من تاريخ ميلاده ... و يحكي لك قصة حياته كاملا و إنجازاته و آخر ألبومه و أفلامه و يقول باعتزاز أنه أحد مشجعيه... وتستغرب إنه لم يجد أحد من مشاهير الشخصيات الإسلامية كي يفتخر و يعتز به... و تراه مثلا يقول أنه يهيم بـ فلان و يحبه و يموت فيه... ونتساأل هل رأيت أحدا من هؤلاء الذين تحبهم و تواليهم يبادلك نفس الشعور أو إنك واهتمامك الفائق به تعني لهم أي شيء... هل رأيتهم يوما يتعاطفون مع المسلمين... أم غرك مظاهراتهم ضد الحرب؟!! هل رأيتهم يقلدون المسلمين في لبس أو غيره... فلم كل هذا؟!!
آآآه... هنا في بلاد العرب و المسلمين ... كم هي الفرصة سانحة كي يلتزم المسلم بالدين و في بلاد الغرب ترى مسلمين يتحملون المشاق و يسكتون على أذية الكفار في سبيل الالتزام بحكم الله وابتغاء مرضاته...
أرى في بلاد العرب و الخليج خاصة...فئة من الفتيات.. يلبسن العباءة و هي أجمل من فساتينهن.. مزدانة باللون الزهري تارة و السماوي تارة و ورود بألوان قوس قزح تارة أخرى، بشدة تلفت الأنظار... فقد جرت العرف على أن الفتاة هنا لا بد أن تلبس العباءة... فتراهن يلبسنها و هي أحيانا أضيق من جلابيبهن... و إن كانت لا بد أن تلبس ما يدعى بـ"الشيلة"... فهي تلبسها و لكن خصلات شعرها المصبوغ و المستشوَر لا بد أن يطل من تحت الشيلة... وتراهن يجوبون المحلات كي يشترين أكبر "شباصة" فتبدوا رؤؤسهن كأسنام البخت... ناهيك عن المكياج الصارخ... و ترى أحيانا أن الشيلة تسقط من رأسها وإذا بها تنتبه بعد مضي فترة أنها سقطت فتعاود لفها على الرأس متوخيا كل الحذر... كي لا تخترب خصلات الشعر... وهنا أشعر بالمرارة و يعتصر ذاتي وأتساءل.. أهي تلبس العباءة و الشيلة امتثالا لشعائر الدين؟؟! أو لكي يعرفون إنها "خليجية" عزيزة ؟!! تلبسها وكأنها مجبورة و إنها تراقب أول فرصة تستطيع أن تتخلى فيها عن هذا العبء...
أما الأولاد فدعني أسكت عنهم... فإني أخاف أن أفرط في الكلام... و أدخل في المحظور... فقط سأقول.. كل يوم تشعر أن المسجد قد وسعت مساحته و تستغرب كيف للمسجد أن يتوسع من تلقاء نفسه و ما أن تلبث و تستوعب.. جدران المسجد ما زال في مكانه و إنما بعض الشباب ممن هداهم الله و الشيوخ يأتون للصلاة.. و إن انتقل أحد إلى جوار الله... للأسف الشديد لا يأتي أولاده يسدون فراغه في المسجد و يصلون فيدعون للراحل... فهم في المقاهي أو في الملاهي.. مع الصحبة... أو مع الصديقة... و ترى المصلى يفضي كل يوم... و كل فترة سطر من المصلين يقل... واأسفاه... فقد تركوا الصلاة و عندهم مساجد.. و إني سمعت إن الناس ليصلون في الطرقات لأن ليس بقربهم مسجد في بلاد العجم...
وإذا أردنا أن نتحدث عن المسلمين الأعاجم... فلا حول و لا قوة إلا بالله... ما أكثر إنتشار الفتن و البدع...أما بعض الأسر والأهالي التي تنوي الخير... يأتون بالـ أستاذ أو "المطوع" كي يعلم الأطفال قراءة القرآن و قواعد تجويده و تلاوته و يربيه على الدين.. و ما أن يكبر هذا البريء.. و يريد أن يتعلم الشريعة و يلتزم... ترى المجتمع يحتقره و لا يعطيه وزن أو قيمة ؟!! و تنسب إليه الجهل و الغباء و التخلف... و لن يحصل على شغل و لا ترقية و لا مراتب... فيتغير البريء... و هنا تحسبه من لبسه و كلامه و تصرفاته إنه غير مسلم...وتتفاجأ بأن الشق الثالث من اسمه اسم مسلم.. و إذا سألت أأنت مسلم؟!.. غضب و سب و شتم... ثم صارخ و قال: نعم... وحين تقول له... آسف و ما أدراني بأنك مسلم... ما كان في كلامك لطف وحينما قلت "هاي" طننت إنك ما تعرف السلام... أمّا مظهرك و لبسك فأوحى لي بأنك تنافس " قوم الروك"... قال و بكل برود... يكفي أني أعرف الشهادة... الصلاة و العبادة دعهم لما أتقدم في العمر... "هاي"و "باي" " بريستيج ولباقة... أما هذا اللبس و المظهر..فهو أناقة و عراقة... و بكل فخر..أمشي على الموضة!!!
والفتيات المسلمات... أهن مسلمات؟؟؟ الله أعلم... تراهن ينافسن المشركات في السفور... و يتباهين إن أصبحن ملكات جمال.. و يمثلن مع الكفار... و لربما أحبت مشركا فقبلت به زوجا؟!! حسبي الله...
جففت عبراتي... وقلت بحزن و أسى شديدين... والله لن أكذب عليك يا أيها القلم إن قلت إنّ هذا قليل جدا مما سمعت و رأيت.. فلقد رأيت و سمعت ما لا أستطيع أن أدونه لأنه عاااار على المسلم ... فإن تطاولوا و تمادوا في غيهم و ضلالهم سأتمادى و أذكر ما خبأت... أما الآن فلا سبيل علي إلا أن أعاني بصمت...
وهنا رأيت نظرات القلم الحزين... الذي صار يقطر الحبر... وعرفت أنه يساندني بسكوته... و بدموعه الحبري... يؤازرني كي أكمل ما بدأت... لأن كلنا ندري إن الذي بدأتُ ليس له نهاية... حتى الآن... ولربما إن صلح الفساد المنتشر أكتب النهاية المرجوة...
لكن كلمة اخيرة سأدونها قبل أن أودعك يا عزيزي القلم...
أدري أن في هذا الزمن – مع وجود كل الأصناف المذكورة أعلاه- هناك الكثير ممن يحتذى به في رقي الأخلاق و سمو الصفات و الفكر الفذ و العقل الراقي... ومع ذلك هم قلة.. وهذه الأقليات.. كلما حاولوا النهوض يرون أنفسهم غارقين في عمق المجتمع... قد تكون هذه الكلمات أخطأَت في حقهم... و أنا آآآآآآآآآآآسف والله إن كانت كلماتي قد جرحت مشاعرهم و خدشت إباؤهم و عزهم...ولكن ما كتبتُ لهم والله... كتبت علَّ في الكلمات المبعثرة التي دونتها فائدة لمن يتعظ و يعتبر... كتبت و هي كلمات قد تكون جدا جارحة... تجرح ليس لأني قد أكون غرست سكينا في ظهر من استقصدتهم و لكن... تجرح لأنني أبترت أطراف من استهدفتهم... و أؤكد إني ما كتبت كي أجرحم... ما فعلته إلا لأني أحببت الخير لهم والله شاهد... و لذلك فضلت البتر على أن يستفحل السرطان فيقضي عليهم وهم مازالوا في مقتبل العمر... كتبت كي أسقي غليلي و أضمد به جراحاتي.. وكي أصور لقلمي الحبيب زمن أنا أعيش فيه... وأحكي له كيف إني أريد ان أستقيم والمجتمع حولي سقيم... و أرى الناس حولي لا يساعدونني في النهوض و المضي في الصراط المستقيم... فأبكي و أظل أتوسل مع قلمي و دفتري لهذه الأمة أن تساعدني بما بقي لديها من عز...
محمد الحرب .
تدحق هذه كلمه بلهجتنا ومعناها = بالفصحه تنظر او تحدق في شي ..