إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السحر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السحر

    السحر

    يظن البعض أن السحر مجرد اتصال بعالم شيطانى او قوة شريرة، عالم مدنس، خـالٍ من كل منطق، بينما حقيقة الامر هى غير ذلك، فالســحر علم، او علم سابق على العلم، إنه مرحلة اولى من مراحل التطور العقلي، وهو بـداية اولية للمنطق الانساني، وفريزر يؤكد على ان السحر هو أول مظهر من مظاهر التفكير الانســاني، إنه مهما تغيرت اشكال التجارب السحرية، ومهما تغيرت ألوان الثقافات و الحضارات، فالسحر قائم كظاهرة اجتماعية عامة، كما انه واحد فى جوهرة فى كل زمان ومكان، ونحن مع ليفى شتراوس فى اقتراحه وضع السحر والعلم فى خطين متوازيين بدل وضع السحر فى مقابل العلم. ولقد عرف السحر عبر تاريخه كما فعل العلم فيما بعد فى احيان كثيرة كيف يخلق لنفسه حالة من التماسك و الاكتمال، وشتراوس يجوز القول بأن السحر لا يختلف عن العلم من حيث انه يمثل أعتى تجليات اللامعقول، وأن السحر والعلم كلاهما يشهد على عمل الفاعلية الرمزية، ولكن الفرق بينهما ينحصر فى قطاعية العلم وكونية السحر والبعض يرى أن السحر ليس نظاما إلا على نحو مخفف، ونحن بدورنا نرى عكس هذا الكلام، فالسحر نظام متكامل بشكل من الاشكال، وهو منظومة تربطها صلات بالدين كما بالعلم، فقد اختلط الدين والعلم بالسحر منذ اقدم العصور، فعلوم الطب، الصيدلة، الكيمياء، الفلك، التنجيم، نشأت فى جوف السحر، وصدرت منذ البداية فى جو سحرى خالص، فقدامى العلماء كانوا سحرة، وأكد القرآن ذلك فى قول اللة سبحانه و تعالى "قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم" وفى اية اخرى "يأتونك بكل ساحر عليم"، ايضا قوله تعالى "يا أيها الساحر" أى العالم، وقد اعتبره الغزالى من العلوم المذمومة وذلك فى قوله:

    اعلم ان العلم لا يذم لعينه وإنما يذم فى حق العباد لاحد اسباب ثلاثة، الاول أن يكون مؤديا الى ضرر إما بصاحبه وإما بغيره لذا يذم علم السحر والطلسمات. وإن كان السحر من العلوم المذمومة تبقى له قوانينه رغم ذلك، فقد اعتبر هوبيرو موس أن قوانيين التجاور والتشابه والتضاد فى ميدان السحر، تماثل تماما مبادئ الاقتران، والهوية، والتضاد فى ميدان الدراسات المنطقية، فقانون التجاور، يستند الى مبدأ قديم هو أن خصائص الجزء تحتوى على خصائص الكل، واستنادا الى هذا الفهم، فإن أسنان الانسان وأظافره، ولعابه، وعرقه، إنما تمثل الانسان نفسه يقول هوبيرو موس "فى السحر، ان ماهية الشيء تخص الجزئيات كما تخص الكل"، وقانون المشابهه يستند الى مبدأ، الشبيه يدعو الشبيه وله اثر فى ايقاع الضرر به، والعكس ايضا الشبيه يؤثر على الشبيه فى شفائه وإبرائه، ونخلص من هذا القانون الى ان صورة الشيء، انما يكون لها اثرها بالضرر او النفع على موضوعها، ويجب ان ننبه الى ان "الصورة وموضوعها ليس بينهما نقطة مشتركة إلا الاتفاق الذى يربطهما فهذه الصورة الدمية كانت او رسما، إنما هى صورة ذهنية مشوهة لا تشبه الاصل إلا نظرياَ وعلى سبيل التجريد"، إنما هى رموز مجردة لتلك الاشياء العينية المشخصة، ومن ثم يقوم الساحر بعملياته السحرية، وإطلاق تعاويذه على صورة او دمية فيكون لها بالتالى أثرها على الشخص موضوع الصورة، أما قانون الضد فقد صاغه هوبيرو موس فى كلمات قليلة ودقيقة هى "الشبيه يعمل على ذهاب الشبيه كى يحدث الضد او العكس".

    معنى السحر وأقسامه

    اختلف العلماء فى معنى السحر وكيفيته، فقال قوم : معناه العلم والحذق بالشيء ولطافة الفعل فيما خفى فهمه ...وقيل هو: طلسم ينبئ عن تأثير خصائص الكواكب. وحديثا عرفه تودوروف بقوله: السحر هو التاثير فى اللا مخاطب بواسطة الخطاب، هذا هو السحر،

    أما أقسام السحر فبحسب الرازى ينقسم السحر الى ثمانية اقسام هي:

    1- سحر الكلدانيين، ويقوم على عبادة الكواكب، وما لها من تاثيرات.
    2- سحر أصحاب الهمة والنفوس القوية والرقي.
    3- السحر الذى يستعان فيه بالارواح الارضية أى الجن.
    4- سحر التخييل والأخذ بالعيون.
    5- السحر الناتج من مختلف التركيبات العلمية (الكيمياء).
    6- الاستعانة بخواص الادوية والعطور المزيلة للعقل.
    7- ادعاء معرفة اسم الله الاعظم عز وجل.
    8- السعى بالنميمة والتضريب.

    أما ابن خلدون فيضيق هذه الدائرة الى ثلاثة اقسام فقط فيقول:النفوس الساحرة على مراتب ثلاثة اولها المؤثر بالهمة فقط من غير آلة ولا معين، وهذا الذى يسميه الفلاسفة السحر، الثانى بمعين من مزاج الافلاك او العناصر او خواص الاعداد ويسمونه الطلسمات وهو اضعف رتبة من الاول، الثالث تأثير فى القوى المتخيلة فيعمد صاحب هذا التأثير الى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقى فيها انواعا من الخيالات و المحاكاة وصورا مما يقصده من ذلك ثم ينزلها الى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظر الراءون كأنها فى الخارج وليس هناك شيء من ذلك ...ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة.
    نلاحظ ان النوع الاول عند الرازى قد اصبح النوع الثانى عند ابن خلدون، ونحن نرى ان الرازى مع التعريف الثانى وهو ان السحر طلسم ينبئ عن تاثير الكواكب، وربما هذا يجعل من سحر الكلدانيين فى المرتبة الاولى عنده وذلك لأسباب تتضح فى السطور القادمة. أما ابن خلدون فهو من من يرون أن التعويذة السحرية المكتفية بذاتها ولا تستعين بشيء خارج عنها هى ما يستحق ان يقال عنه سحر.
    ايا ما كان الامر، فإن فريزر من جهته قسم السحر الى قسمين سحر المحاكاة، والسحر المعدي. أما فرث فعنده السحر ثلاثة اقسام: سحر منتج، سحر وقائي، وسحر مدمر. فيما يرى الكسندر هجرتى كراب ان السحر نوعين: السحر التعاطفي، ويفترض منطقه وجود علاقات، لا تكون موجودة فى الواقع، والسحر التوفيقى أو المثلي، وقد يفسره المثل اللاتينى القائل :ان المثل يبرئ المثل.

    السحر من الداخل

    والآن بعد ان انتهينا من سرد هذه التعريفات والتقسيمات دعونا ننظر الى السحر من الداخل بعد ان نظرنا اليه من الخارج، او بمعنى آخر دعونا نبحث عن اجابة للسؤال الاتي: ما هى العلوم التى يستند اليها السحر فى تكوين نظامه الخاص ؟ والاجابة ان السحر يربط فى داخله بين خمسة علوم هي:

    1- علم السيمياء: وهو العلم الباحث عن تمزيج القوى الارادية مع القوى الخاصة المادية للحصول على غرائب التصرف فى الامور الطبيعية.
    2- علم الليمياء: وهو العلم الباحث عن كيفية التأثيرات الارادية باتصالها بالأرواح القوية العالية كالارواح الموكلة بالكواكب والحوادث وغير ذلك بتسخيرها او اتصالها واستمدادها من الجن بتسخيرهم، وهو فن التسخيرات.
    3- علم الهيمياء: وهو العلم الباحث عن تركيب قوى العالم العلوى مع العناصر السفلية للحصول على عجائب التأثيرات وهو الطلسمات فإن للكواكب العلوية والاوضاع السماوية ارتباطات مع الحوادث المادية كما ان العناصر والمركبات وكيفياتها الطبيعية كذلك، فلو ركبت الاشكال المناسبة لحادثة من الحوادث كموت فلان، وحياة فلان، وبقاء فلان مثلا مع الصورة المادية المناسبة انتج ذلك الحصول على المراد وهذا معنى الطلسم.
    4- علم الريمياء: وهوالعلم الباحث عن استخدام القوى المادية للحصول على اثرها بحيث يظهر للحس انها اثار خارقة بنحو من الانحاء وهو فن الشعوذة.
    5- علم الكيمياء: وهو علم يبحث عن كيفية تبديل صور العناصر بعضها الى بعض.

    قال البهائي: أحسن الكتب المصنفة فى هذه الفنون كتاب رأيته ببلدة هارات اسمه "كله سر" وقد ركب اسمه من أوائل اسماء هذه العلوم، ومن العلوم اللاحقة لها علم الاعداد وعلم الحروف، لكن معرفة هذه العلوم لا تكفى للوقوف على المفهوم السرى للسحر، أى مفهوم الارتباط والمشاركة المتداخلة بين كل الاشياء والعناصر فى عالم الحس وغير الحس، هذا ما تشير اليه تعريفات العلوم السابقة، فكيف يدخل الانسان ضمن ارتباطات ميتافيزيقية معقدة؟ على أى اساس يتم ذلك؟ يقول البونى "من عرف سر التداخل انفعلت له الاشياء".

    وللاجابة عن الاسئلة السابقة تعالوا بنا نبدأ من البداية، يقول بطرس البستاني: السحر بانواعه مبنى على علم الهيئة او التنجيم. إذا عدنا الى الوراء كثيرا وجدنا ان الكلدانيين هم ارباب علم التنجيم، وهناك ما يشبه الاجماع على ان الكلدان هم وراء انتشار السحر، بل هناك من يرى انهم اول من استخدم السحر، فمن هم الكلدان؟ الكلدان هم الاقدم بين البابليين، لقد كانوا يشكلون فى الدولة طبقة شبيهة بطبقة كهان مصر، ربما أنهم خصصوا لممارسة التعبد للالهة، وكانوا يقضون حياتهم كلها فى تأمل القضايا الفلسفية، فحصلوا بذلك على علو كعب كبير فى صناعة الفلك والتنجيم "هذا العلم لقن الى موسى فى طفولته، فضلاً عن أن إبراهيم من دوحة كلدانية، فمن ملكه ملك الحكمة ...فالتنجيم ملك العلوم المتعلقه بالكائنات المحسة، إذ انه يدرس أقواها، فبواسطته تنفذ الى النفس الانسانية الفلسفة عن طريق مشاهدة النجوم وحركتها المتناسقة، وقد تكون الفلسفة احياناً هى علم الفلك، العلم الذى يبحث جوهر السماء وحركتها، والمعرفة الفلسفيه العليا كثيراً ما يشار اليها بأنها معرفة الكائنات السماوية. ولن نستغرب إذن إذا ما سمعنا قول فيلون "ابراهيم الكلدانى هو ايضاً إنسان يكثر النظر الى السماء، وعالم من علماء الظواهر الجوية، وكانت موضوعات علمه، عظمة الشمس، وظهور الفصول، ومنــازل القمــر" ولم لا؟ و"الكوكب السيارة هى الاوثق قرابةبالعقل". الكلدان كانوا يكرسون وقتاَ لعلم العرافة، ويقومون بالتنبؤ بالمستقبل، كما كانوا يحاولون تجنب الشر والحصول على الخير، سواء بواسطة طقوس التطهير، او بواسطة القرابين والتعاويذ وليس ثمة شك ان الكلدانيين هم اكبر الشعوب علما بالفلك وانهم اشد من اهتم بهذا العلم ببالغ العناية. وهذا الامر ناتج عن نظرة الانسان القديم فى بلاد الرافدين الى العالم، فهو لا يرى نفسه إلا داخل دولة كونية واحدة، كل ما فيها تربطه علاقة اجتماعية ببعضه البعض وكل ما فيها من حيوان ونبات وحجر وكواكب ورياح وعواصف ....الخ له شخصيته وإرادته، إنها ذات واحدة انحلت فى كل شيء من حوله، ومن هذا فهو قادر ان يصبح أى شيء فى أى لحظة، فمثلا كان البابلى يتلو هذه الرقية لتتحد هويته بالسماء والارض:

    "أنا السماء، لن تستطيع النيل مني،
    أنا الارض، لن تستطيع سحري"
    فالرجل هنا يحاول دفع السحر عن جسمه، فيتركز ذهنه فى صفه واحدة من صفات السماء والارض، هى انهما لا يمسهما اذى البشر، فإذا تشبه بهما، سالت هذه الصفه الى كيانه، فأمن الاذى من هجمات السحر، وفى مثال آخر يتحول الملح الى كائن حى له ان يلجأ إليه إذا وقع ضحية السحر، فهو عندئذ يخاطب الملح على الوجه التالي:
    "أيها الملح، يا من خلقت فى مكان نظيف
    طعاما للالهة جعلك "أنلييل"
    بدونك لا تمد مائدة فى إيكور
    بدونك لا ينشق البخور إله أو ملك أو سيد أو أمير
    أنا فلان ابن فلان
    وقعت أسيرا للسحر
    وقعت محموما فى احابيله
    أيها الملح، حل عنى العقدة
    ارفع السحر عني، وكخالقى
    ارفع المجد و التسبيح لك".

    وهكذا تصبح الارض أماً، والزوبعة مقاتلاً على عجلات ....الخ، وتصبح هناك علاقة منظمة بين القوى التى كانوا يرونها، والكلدانيون بسبب مشاهدتهم للكواكب منذ الازمنة السحيقة كانوا يعرفون مداراتها بكل دقة، ويعون كذلك تأثيرها على البشر مستطلعين بذلك مستقبل الجميع، فإن الخبراء يعرفون كيف يستنتجون الطالع من اشراقة هذا الكوكب أو مغيب ذاك، وتمكنوا من التنبؤ بأمور كثيرة تخص الملوك، كأنتصار داريوس، والكسندر، وانتيغونا، وسلوقيوس نيكانور، وتحققت هذه التنبؤات كلها فى أزمنتها ومواقعها المحددة. وبما ان فكر البابليين القدامى كان يشد الاحداث التى تهم الانسان الى علل النظام الكوني، فقد كان المقبول ان تكون شؤون الحياة على علاقة بالتحولات التى تتم فى الاعالي، فاصبحوا بذلك ارباب علم الهيئة، فنجد على اللوائح وفى اليوميات المدونة قولهم، إذا أحاطت بالقمر هالة معتمة فى اليوم الاول يكون الشهر ماطراَ ومكتظا بالغيوم، وإن أحاطت بالشمس هالة، وكانت فتحتها متجهه نحو الجنوب، فإن ريحا ستهب من الجنوب، وإن كان المريخ مرئيا فى شهر تموز، فإن موقع الجند سيكون فارغا أى سيكون هناك حملة عسكرية، وأما إن رؤى عطارد شمالا، كانت ثمة جثث، فيكون ثمة غزو من قبل ملك أكد لبلد غريب، وإن دنا المريخ من الجوزاء مات الملك وقامت عداوة ما.
    وكانت تقارير لفلكيين رسميين موقعة من قبل مسؤل توجه الى الملك فى اعقاب الارصاد التى تتم احيانا على طلب بين من الملك عينه، وغالبا ما كانت هذه التقارير عن كوكب المشترى الذى يهتم به الملك، لانه الكوكب الذى يرعاه، وكوكب زحل كانت له مكانه خاصة، فهو عندهم الاشد تأثيرا، والاكثر اهمية، ولم يكن يجوز اتخاذ أى قرار مهم يخص البلاد، ما لم يكن فى الامكان، اتخاذ فعل مناسب، وبعد استشارة، مسبقة للعرافين، تنير المسيرة التى ينبغى سلوكها. والسحر عندهم يكون جزءاً من أنظمة الدولة وأجهزتها، لذا ترى الملوك يحيطون البلاط بالسحرة، والعرافين، والمنجمين، وكان الطب ايضا تطبيقا عمليا للسحر، وهذا الأخير عندهم فى ايدى إلاهين بابليين من الآلهة العظام هما: الالهة مياه الغمر العميق، الحكيمة "أيا"، وهى من أصل سومري، وإبنها الاله البابلى "مردوخ". وما الساحر سوى المفوض أو الوكيل لهما ولدى استخدامه هذا الفن، كان على الساحر ان يذكر بكلام صريح هذه الحقيقة "أنا الساحر، الوكيل الاعظم، من يكمل الطقوس رسميا ...انى بشير "أيا" ومندوب "مردوخ؛ ...أنا الساحر اليقظ ذو التمتمة الناجعة، هذا هو انا".

    وقد تبع المصريون القدامى البابليين فى كثير من هذه الامور يقول المسعودى "وكان هؤلاء (كهنة مصر) ينحون فى كهانتهم نحو الكواكب وكان الذى يتعبد منهم لكوكب من الكواكب السبعة المدبرة سبع سنين يسمونه ماهرا، والذى يتعبد منهم للكواكب السبعة لكل واحد منهم سبع سنين، فمن بلغ منهم هذه المرتبة سمى ناظرا"، ثم هو يقول: "وكان الناظر يجلس الى جوار الملك، وتدخل عليه الكهنة، فيقول الناظر لأحد الماهرين أين صاحبك ؟ فيقول فى البرج الفلانى فى الدرجة الفلانية فى دقيقة كذا، ويسأل الاخر حذاءه، حتى إذا عرف مستقر الكواكب، قال للملك ينبغى أن يعمل الملك اليوم كذا وكذا، ويأكل كذا وكذا، ويجامع فى وقت كذا، ويقول له جميع ما يراه صالحاَ، والكاتب بين يديه يكتب جميع ما يقول.
    والسحر بالرصد كان احد الاساليب السحرية الهامة فى بابل، وقد عثر على أعين (نذور استخدمت فى العهد السومرى الاول كطلسم رصد او أرصاد مقدسة لمنع العين الشريرة)، وكان على من يظن ذاته مصاباَ برصد ما أن يتلو: "لقد قاموا بعمل شبه لصورتي، وقلدوا فيها ملامح وجهى "...الخ. وفى نظرنا ان الرصد او العمل بالطلاسم هو ارقى انواع السحر. وعادة ما ينسب هذا النوع من السحر للفلاسفة "وزعم طائفة من الفلاسفة وعبدة النجوم، انهم يعملون، الطلسمات على ارصاد الكواكب لجميع ما يريدونه من الافعال البديعة، والتهيجات والعطوف، والتسليطات، ولهم نقوش على الحجارة والخرز والفصوص، وهذا علم فاش ظاهر فى الفلاسفة".

    ومهما يكن من شيء فالروح الكلدانية قد بدأت فعرفت الله فى العالم لا فى ذاته بل عن طريق قواه، مما مر معنا حتى الان قد يظهر العلم الكلدانى وكأنه "مذهب يشمل مجموعة من المعارف المختلطة نوعا ما وأولها وأهمها كشف الطالع بواسطة النجوم، وخاصة التنبؤ على اساس تاريخ الميلاد، فألكلدانيون مجرد قراء طالع، وأطلق عليهم هذا الاسم بحكم وظيفتهم لا بحكم اصلهم، لكن الامر ليس بهذه البساطة تماما، فنحن ومع الوقت نستطيع الكلام عن تحول كبيرفى مسار العلم الكلدانى فيما بعد فهذه المعرفة بأحوال الكواكب والنجوم لم تبق دائما حبيسة البلاط الملكى بل خرجت الى الناس واصبح لدينا الساحر بدل الكاهن، ورصد الكواكب لم يعد مجرد تقارير تقدم الى الملك بل غدا رصداً هدفه عمل السحر، فقد أخذ هذا العلم طابعه العملى وهكذا تحول الى كابوس يقض مضاجع الحكومات، "فقد أبعد هؤلاء الناس (المنجمون) من ايطاليا سنة 16 فى عهد تيبر"، ورغم ذلك فقد حدث فى سنة 20 أن أظهرت قضية تسميم اتهم فيها المنجمون، ورأى أفلاطون من قبل الحكم عليهم بالسجن المؤبد فيما قرر فيلون ان يقتلوا من قبل أى شخص دون حتى محاكمة، ولكن هل انتهت نظرية الكون الصغير والكون الكبير وتلك النظرة الكونية؟ فى الحقيقة أن ما جاء بعد ذلك أخذ فى تعزيزها، ففيلون نفسه لم يرفض العبادة الكونية إلا انه استبدل العلويات باللوغوس كوسيط بين العالم والله، ونجد فى القرون الوسطى فى اوروبا أمثال كثيرين من رجال اللاهوت يتحدثون عن الميكروكوسوم، ولا يخفى استمرار تلك النظرة فى طريق المتصوفة الى الله، بل إن موسى وبحسب فيلون "يرى العالم مدينة كبيرة، رؤساء ورعية، الرؤساء هم الكواكب والنجوم فى السماء، والرعية هى الطبائع التى تحت القمر وفى الهواء حول الارض".

    حتى الان يظهر لنا بوضوح الاتصال بين العالم السفلى والعالم العلوى وقبل ان ندخل فى تفاصيل الكيفية التى يتم بها هذا الاتصال لا بد من التأكيد مع ليفى شتراوس "ان السحر يعمل عكس الدين فيما يخص الطبيعة، فإن كان الثانى يعمل على "أنسنة السنن الطبيعية فالسحر يعمل على تطبيع الافعال الانسانية `` ــ أى اعتبار بعض افعال البشر وكأنها جزء ملازم لنظام الطبيعة ــ وليس المراد هنا القول بالتنابذ بينهما او اعتبارهما مراحل من سيرورة تطورية معينة فأنسنة الطبيعة وهى ماهية الدين (او ما يتكون منه)، وتطبيع الانسان او تشييئه وهو ما به نحدد السحر) يشكلان معطيين متلازمين فى مزاج واحد لا يطرأ التغيير إلا على معاييرها و مقاديرها فقط"، ولا بد من فهم هذه الكونية التى يعيشها الساحر لفهم العملية السحرية، ففى السحر ينحل الزمان والمكان، ويتحول الانسان الى عالم اصغر يحاكى عالم اكبر ويتداخل ما هو علوى فيما هو سفلي، والكل ينتظم فى شبكة معقدة من الارتباطات.



    The love of God enfolds us
    The power of God protects us
    The presence of God watches over us
    Wherever we are God is and all is well"

  • #2
    موضوع يستحق القراءة
    شكرا
    إن صمتي ليس جهلي بما يدور حولي
    ولكن ما يدور حولي لايستحق الكلام

    تعليق


    • #3
      موضوع شكله شيق ...
      لنا عودة لقراءة ما خطته أناملك....
      عذرا...

      تعليق

      يعمل...
      X