لماذا انحسرت شعبية تيارات الإسلام السياسي ؟
عندما خرجت جموع الإيرانيين في مسيرات حاشدة تعترض علي تزوير انتخابات الرئاسة التي فاز فيها الرئيس أحمدي نجاد بفترة ولاية ثانية, وتهتف الموت للديكتاتور بدلا من هتافها التقليدي القديم الموت لأمريكا, في إشارة واضحة الي حجم السلطات الضخمة والمطلقة التي يتمتع بها مرشد الثورة علي خامنئي, تصور كثيرون أنها بداية النهاية لحكم آيات الله, وأن الثورة الإسلامية التي أطلقها خوميني عام1979 تدخل مرحلة أفولها الأخير بعد30 عاما من قيامها, الي أن تمكنت قوات الحرس الثوري ورجال الباسيج المسلحين الذين يتخفون في ثياب مدنية من سحق المتظاهرين في شوارع طهران بعد عشرة أيام من الصدام,
عندما خرجت جموع الإيرانيين في مسيرات حاشدة تعترض علي تزوير انتخابات الرئاسة التي فاز فيها الرئيس أحمدي نجاد بفترة ولاية ثانية, وتهتف الموت للديكتاتور بدلا من هتافها التقليدي القديم الموت لأمريكا, في إشارة واضحة الي حجم السلطات الضخمة والمطلقة التي يتمتع بها مرشد الثورة علي خامنئي, تصور كثيرون أنها بداية النهاية لحكم آيات الله, وأن الثورة الإسلامية التي أطلقها خوميني عام1979 تدخل مرحلة أفولها الأخير بعد30 عاما من قيامها, الي أن تمكنت قوات الحرس الثوري ورجال الباسيج المسلحين الذين يتخفون في ثياب مدنية من سحق المتظاهرين في شوارع طهران بعد عشرة أيام من الصدام,
سقط فيها ما يربو علي20 قتيلا وجرح المئات واعتقل الآلاف من المتظاهرين وأساتذة الجامعات وطلابها, وأبناء الطبقة الوسطي, الذين تنتظرهم جميعا محاكمات خاصة, أكدت طهران أنها سوف تكون عبرة تعلق بذاكرة الجميع الي الأبد لكيلا يتكرر ما حدث, لكن ثمة إجماعا من المراقبين علي أن ما حدث يمكن أن يتكرر بصورة أكثر عنفا خصوصا مع تحرك الجماهير الإيرانية في مسيرات غاضبة تضم هذه الأعداد المهولة, في ظل الانشقاق الواضح داخل نخبة الحكم الذي تحول الي شرخ عميق قسم الحوزة الدينية والنخبة الحاكمة, وزاد من حدة الاستقطاب في المجتمع الإيراني,
وفصد عن الحكم قوي اجتماعية عديدة لم تعد تتعاطف مع آيات الله, تضم المهنيين والمثقفين وأساتذة الجامعات وتجار البازار وجموع هائلة الحجم من النساء الإيرانيات, أبدين شجاعة كبيرة زادت من عمق الاهتمام بما يجري في إيران, ضاقت صدورهم جميعا بالقيود الصارمة التي يفرضها الملالي علي حرية التعبير وحق الاختلاف وتضييقهم الخناق علي الحريات العامة والشخصية, في ظل أزمة اقتصادية أرهقت الجميع بسبب فشل حكومة أحمدي نجاد علي امتداد السنوات الأربع الأولي من حكمه في معالجة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة برغم الطفرة الهائلة في دخل إيران نتيجة ارتفاع عائدات النفط الي أرقام قياسية.
وبرغم نجاح الحرس الثوري والباسيج في إنهاء موجة التظاهر التي تواصلت لأكثر من أسبوع, يكاد يجمع المراقبون علي أن الوضع في إيران قد اختلف علي نجو جذري بظهور تيار معارض واسع, تهيأت له قيادة قوية خرجت من داخل النظام وكسرت حاجز الصمت والخوف ورفضت الانصياع لمطالب مرشد الثورة, وتصاعدت مطالبها بضرورة التغيير الي حد الهتاف بسقوط الديكتاتور, وإنهاء السطوة الفردية لمرشد الثورة ممثلة في ولاية الفقيه, الذي يسيطر وحده علي الأمن والجيش والمخابرات والإعلام, ويملك القول الفصل في كل شئون إيران الداخلية والخارجية.
وما يدفع المراقبين الي الاعتقاد بأن ما حدث يمكن أن يتكرر بصورة أشد عنفا, أن الحكم في طهران أخفق أكثر من مرة في أن يدرك الحاجة المتزايدة داخل فئات عديدة في المجتمع الإيراني الي أن تتنفس بعض الحرية, وتتلمس بعض التغيير, ويتنبه الي أن الأجيال الإيرانية الجديدة استطاعت برغم أسوار العزلة المفروضة عليها, أن تصبح جزءا من موجة عالمية جديدة تطالب باحترام حقها في حرية التعبير والاختلاف, وأن ما حدث عام1999 عندما تمكن نظام الحكم من قمع تمرد طلاب جامعة طهران بصورة جد قاسية, لم يدفن أحلام هؤلاء تحت جنح الخوف والاستسلام للأمر الواقع, لأن غضبهم تفجر في الأحداث الأخيرة علي نحو أكثر اتساعا ضم الي جوار طلاب الجامعات فئات عديدة من المجتمع الإيراني خرجت لأول مرة في مسيرات ضخمة جاوزت المليون في طهران وأصفهان وشيراز وعدد آخر من المدن الإيرانية.
وربما كان يمكن أن تكون فترة حكم الرئيس محمد خاتمي بداية صحيحة لانفتاح الثورة الإيرانية علي عالمها, وأن تجد صيغة أكثر ايجابية للتعامل مع جيرانها العرب, وأن تطلق بعض البخار المكتوم والمختزن داخل مجتمع مغلق يغلي بالمشكلات, لكن المحافظين لم يطيقوا صبرا علي خاتمي, برغم تواضع خطواته الإصلاحية وتدرجها, وبرغم أنه يعمل من داخل الحوزة والنظام وليس من خارجه.. أقصوه عن الحكم وعاودوا إغلاق الأبواب والنوافذ وأصروا علي قمع كل صوت مخالف.
ويبدو من لجوئهم الأخير الي أساليب القمع التي يستخدمها كل نظام استبدادي, وإصرارهم علي أن ما حدث كان مجرد مؤامرة خارجية دبرها الأمريكيون والانجليز, أن الرسالة لم تصل بعد الي حكام طهران, وأن أسوار العزلة التي تحمي نظام الحكم لم تعد تملك آذانا تسمع أو عيونا تري, ولهذا السبب فإن ما حدث سوف يتكرر!, مهما تكن أساليب القمع, مادام الشارع الإيراني قد عرف طريقه الي المظاهرة المليونية, التي أعادت الي الذاكرة خروج الإيرانيين الي الشوارع في أعقاب ثورة خميني.
علي أن الأكثر خطورة من ذلك أن الثورة الإيرانية فقدت خلال الأحداث الأخيرة ما تبقي لها من بريق, ولم تعد قادرة علي أن تكون نموذجا ومثالا قابلا للتصدير لكثرة أساليب القمع التي استخدمتها ضد الشعب الإيراني, ولكثرة التناقضات في صفوف نخبتها الحاكمة التي تبادلت خلال الأزمة اتهامات الفساد والعمالة!, ولقصورها عن تحقيق آمال الملايين الذين كانوا ينشدون مجرد بعض التغيير فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام حائط مسدود!, ولأنها عجزت عن أن تقدم صياغة صحيحة تربط بين الحق الديمقراطي للأفراد الذي يسانده الشرع والدين, والسطوة المتفردة للفقيه الذي يملك القول الفصل والأخير لا يستطيع أحد أن ينازعه الرأي أو القرار!, ولأن الثورة تحورت في صورتها الأخيرة الي نظام قمعي يحميه الحرس الثوري والباسيج, يقدم أهل الثقة علي أهل الخبرة, ثم تجيء عملية تزوير صناديق الانتخاب لتكشف جوهر النظام الإيراني برغم أن الترشيح لمنصب الرئيس مقيد منذ البداية بقواعد صارمة, تحكمه مصفاة دقيقة لا تسمح بترشيح أحد من خارج الحوزة الحاكمة.
وما يدعو الي الدهشة والتأمل أن إخفاق الثورة الإيرانية في أن تقدم صياغة جديدة تربط بين الديمقراطية التي أصبحت مطلبا أساسيا للشعوب ونظام الحكم الإسلامي يجيء في أعقاب سلسلة طويلة من فشل حركات الإسلام السياسي في أن تحتفظ بجماهيريتها ابتداء من المغرب, حيث هبطت شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي في انتخابات عام2007 الي حدود النصف, ولم يستطع أن يتحصل سوي علي7 في المائة فقط من أصوات الناخبين بدلا من14% التي حققها في الانتخابات السابقة!, الي الأردن حيث انخفض عدد المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها جبهة العمل الإسلامي من17 مقعدا الي6 مقاعد فقط في أسوأ هزيمة تلحق بالحزب منذ الاعتراف بشرعيته حزبا إسلاميا مشهرا, وهذا ما حدث أيضا في انتخابات مجلس الأمة الكويتي أخيرا, التي فازت فيها مرة واحدة أربع نساء تحديا لفتاوي التيار السلفي الديني الذي أعلن في خضم المعركة الانتخابية أن ولاية المرأة كنائبة في البرلمان أمر يحرمه الشرع والدين!,
كما خسر الإسلاميون تسعة مقاعد مرة واحدة هبطت بتمثيلهم في مجلس الأمة الي النصف, وأظن أن انحسار قوة الأحزاب الدينية يمثل ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل خصوصا بعد هزيمة تحالف حزب الله اللبناني أمام تيار المستقبل, برغم التوقعات التي كانت تؤكد أن حزب الله سوف يحقق فوزا ساحقا.
وأيا كانت الأسباب التي أدت الي هذه النتائج, فالواضح أن قوي الإسلام السياسي تواجه تحديا أساسيا يخلص في عجزها الفادح عن تلبية الحد الأدني من مطالب الديمقراطية, واعتمادها المتزايد علي السلطة المتفردة للفقيه أو المرشد الذي له حق الطاعة, ويملك القول الفصل بصرف النظر عن سخونة الجدل السياسي داخل هذه التيارات, لكن الأخطر من ذلك كله, اعتماد هذه التيارات علي شعارات بسيطة ربما تنجح في جذب بسطاء الناس, لكنها لم تعد قادرة علي مخاطبة المشكلات والاهتمامات المتزايدة لطبقة وسطي جديدة تجد نفسها مضطرة للنزول الي الشارع السياسي دفاعا عن استحقاقاتها, وفضلا عن ذلك الإسراف المتزايد لبعض هذه الجماعات في وقفات احتجاجية لأسباب تافهة تستهدف تصعيد التوتر في الشارع السياسي والمساس باستقراره دون أن تنتج أثرا فاعلا,
وأخيرا يأتي انشغالها المبالغ فيه بقضايا العمل السياسي مع إهمالها الجسيم لتأثير الخرافة والجهل وغياب المعايير العقلية علي معتقدات الشارع الدينية الذي تحكمه غوغائية مخيفة يحسن أن يتكاتف الجميع لدرء مخاطرها!, إضافة الي عدم قدرتها علي وضع الخط الفاصل بين ما يمثل مصلحة وطنية تتطلب مساندة الجميع وما يدخل في نطاق المعارضة المشروعة لنظام الحكم والأمثلة كثيرة ومتنوعة.
* نقلا عن صحيفة "الأهرام" المصرية
وفصد عن الحكم قوي اجتماعية عديدة لم تعد تتعاطف مع آيات الله, تضم المهنيين والمثقفين وأساتذة الجامعات وتجار البازار وجموع هائلة الحجم من النساء الإيرانيات, أبدين شجاعة كبيرة زادت من عمق الاهتمام بما يجري في إيران, ضاقت صدورهم جميعا بالقيود الصارمة التي يفرضها الملالي علي حرية التعبير وحق الاختلاف وتضييقهم الخناق علي الحريات العامة والشخصية, في ظل أزمة اقتصادية أرهقت الجميع بسبب فشل حكومة أحمدي نجاد علي امتداد السنوات الأربع الأولي من حكمه في معالجة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة برغم الطفرة الهائلة في دخل إيران نتيجة ارتفاع عائدات النفط الي أرقام قياسية.
وبرغم نجاح الحرس الثوري والباسيج في إنهاء موجة التظاهر التي تواصلت لأكثر من أسبوع, يكاد يجمع المراقبون علي أن الوضع في إيران قد اختلف علي نجو جذري بظهور تيار معارض واسع, تهيأت له قيادة قوية خرجت من داخل النظام وكسرت حاجز الصمت والخوف ورفضت الانصياع لمطالب مرشد الثورة, وتصاعدت مطالبها بضرورة التغيير الي حد الهتاف بسقوط الديكتاتور, وإنهاء السطوة الفردية لمرشد الثورة ممثلة في ولاية الفقيه, الذي يسيطر وحده علي الأمن والجيش والمخابرات والإعلام, ويملك القول الفصل في كل شئون إيران الداخلية والخارجية.
وما يدفع المراقبين الي الاعتقاد بأن ما حدث يمكن أن يتكرر بصورة أشد عنفا, أن الحكم في طهران أخفق أكثر من مرة في أن يدرك الحاجة المتزايدة داخل فئات عديدة في المجتمع الإيراني الي أن تتنفس بعض الحرية, وتتلمس بعض التغيير, ويتنبه الي أن الأجيال الإيرانية الجديدة استطاعت برغم أسوار العزلة المفروضة عليها, أن تصبح جزءا من موجة عالمية جديدة تطالب باحترام حقها في حرية التعبير والاختلاف, وأن ما حدث عام1999 عندما تمكن نظام الحكم من قمع تمرد طلاب جامعة طهران بصورة جد قاسية, لم يدفن أحلام هؤلاء تحت جنح الخوف والاستسلام للأمر الواقع, لأن غضبهم تفجر في الأحداث الأخيرة علي نحو أكثر اتساعا ضم الي جوار طلاب الجامعات فئات عديدة من المجتمع الإيراني خرجت لأول مرة في مسيرات ضخمة جاوزت المليون في طهران وأصفهان وشيراز وعدد آخر من المدن الإيرانية.
وربما كان يمكن أن تكون فترة حكم الرئيس محمد خاتمي بداية صحيحة لانفتاح الثورة الإيرانية علي عالمها, وأن تجد صيغة أكثر ايجابية للتعامل مع جيرانها العرب, وأن تطلق بعض البخار المكتوم والمختزن داخل مجتمع مغلق يغلي بالمشكلات, لكن المحافظين لم يطيقوا صبرا علي خاتمي, برغم تواضع خطواته الإصلاحية وتدرجها, وبرغم أنه يعمل من داخل الحوزة والنظام وليس من خارجه.. أقصوه عن الحكم وعاودوا إغلاق الأبواب والنوافذ وأصروا علي قمع كل صوت مخالف.
ويبدو من لجوئهم الأخير الي أساليب القمع التي يستخدمها كل نظام استبدادي, وإصرارهم علي أن ما حدث كان مجرد مؤامرة خارجية دبرها الأمريكيون والانجليز, أن الرسالة لم تصل بعد الي حكام طهران, وأن أسوار العزلة التي تحمي نظام الحكم لم تعد تملك آذانا تسمع أو عيونا تري, ولهذا السبب فإن ما حدث سوف يتكرر!, مهما تكن أساليب القمع, مادام الشارع الإيراني قد عرف طريقه الي المظاهرة المليونية, التي أعادت الي الذاكرة خروج الإيرانيين الي الشوارع في أعقاب ثورة خميني.
علي أن الأكثر خطورة من ذلك أن الثورة الإيرانية فقدت خلال الأحداث الأخيرة ما تبقي لها من بريق, ولم تعد قادرة علي أن تكون نموذجا ومثالا قابلا للتصدير لكثرة أساليب القمع التي استخدمتها ضد الشعب الإيراني, ولكثرة التناقضات في صفوف نخبتها الحاكمة التي تبادلت خلال الأزمة اتهامات الفساد والعمالة!, ولقصورها عن تحقيق آمال الملايين الذين كانوا ينشدون مجرد بعض التغيير فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام حائط مسدود!, ولأنها عجزت عن أن تقدم صياغة صحيحة تربط بين الحق الديمقراطي للأفراد الذي يسانده الشرع والدين, والسطوة المتفردة للفقيه الذي يملك القول الفصل والأخير لا يستطيع أحد أن ينازعه الرأي أو القرار!, ولأن الثورة تحورت في صورتها الأخيرة الي نظام قمعي يحميه الحرس الثوري والباسيج, يقدم أهل الثقة علي أهل الخبرة, ثم تجيء عملية تزوير صناديق الانتخاب لتكشف جوهر النظام الإيراني برغم أن الترشيح لمنصب الرئيس مقيد منذ البداية بقواعد صارمة, تحكمه مصفاة دقيقة لا تسمح بترشيح أحد من خارج الحوزة الحاكمة.
وما يدعو الي الدهشة والتأمل أن إخفاق الثورة الإيرانية في أن تقدم صياغة جديدة تربط بين الديمقراطية التي أصبحت مطلبا أساسيا للشعوب ونظام الحكم الإسلامي يجيء في أعقاب سلسلة طويلة من فشل حركات الإسلام السياسي في أن تحتفظ بجماهيريتها ابتداء من المغرب, حيث هبطت شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي في انتخابات عام2007 الي حدود النصف, ولم يستطع أن يتحصل سوي علي7 في المائة فقط من أصوات الناخبين بدلا من14% التي حققها في الانتخابات السابقة!, الي الأردن حيث انخفض عدد المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها جبهة العمل الإسلامي من17 مقعدا الي6 مقاعد فقط في أسوأ هزيمة تلحق بالحزب منذ الاعتراف بشرعيته حزبا إسلاميا مشهرا, وهذا ما حدث أيضا في انتخابات مجلس الأمة الكويتي أخيرا, التي فازت فيها مرة واحدة أربع نساء تحديا لفتاوي التيار السلفي الديني الذي أعلن في خضم المعركة الانتخابية أن ولاية المرأة كنائبة في البرلمان أمر يحرمه الشرع والدين!,
كما خسر الإسلاميون تسعة مقاعد مرة واحدة هبطت بتمثيلهم في مجلس الأمة الي النصف, وأظن أن انحسار قوة الأحزاب الدينية يمثل ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل خصوصا بعد هزيمة تحالف حزب الله اللبناني أمام تيار المستقبل, برغم التوقعات التي كانت تؤكد أن حزب الله سوف يحقق فوزا ساحقا.
وأيا كانت الأسباب التي أدت الي هذه النتائج, فالواضح أن قوي الإسلام السياسي تواجه تحديا أساسيا يخلص في عجزها الفادح عن تلبية الحد الأدني من مطالب الديمقراطية, واعتمادها المتزايد علي السلطة المتفردة للفقيه أو المرشد الذي له حق الطاعة, ويملك القول الفصل بصرف النظر عن سخونة الجدل السياسي داخل هذه التيارات, لكن الأخطر من ذلك كله, اعتماد هذه التيارات علي شعارات بسيطة ربما تنجح في جذب بسطاء الناس, لكنها لم تعد قادرة علي مخاطبة المشكلات والاهتمامات المتزايدة لطبقة وسطي جديدة تجد نفسها مضطرة للنزول الي الشارع السياسي دفاعا عن استحقاقاتها, وفضلا عن ذلك الإسراف المتزايد لبعض هذه الجماعات في وقفات احتجاجية لأسباب تافهة تستهدف تصعيد التوتر في الشارع السياسي والمساس باستقراره دون أن تنتج أثرا فاعلا,
وأخيرا يأتي انشغالها المبالغ فيه بقضايا العمل السياسي مع إهمالها الجسيم لتأثير الخرافة والجهل وغياب المعايير العقلية علي معتقدات الشارع الدينية الذي تحكمه غوغائية مخيفة يحسن أن يتكاتف الجميع لدرء مخاطرها!, إضافة الي عدم قدرتها علي وضع الخط الفاصل بين ما يمثل مصلحة وطنية تتطلب مساندة الجميع وما يدخل في نطاق المعارضة المشروعة لنظام الحكم والأمثلة كثيرة ومتنوعة.
* نقلا عن صحيفة "الأهرام" المصرية
تعليق