أشرف أبو جلالة من لندن
بعد موجة الإضطرابات التي اجتاحت العالم العربي مؤخراً، قام السلطان عمان قابوس بن سعيد باستبدال ثلثي المسؤولين في حكومته وأمر بزيادات في الرواتب، وأدخل مخصصات للبطالة، معلناً عن خطط لتوفير فرص العمل.
في وقت يقل فيه عمر أكثر من نصف سكان سلطنة عمان البالغ عددهم 2.8 مليون نسمة عن الـ 20 عاماً، ويقل عمر 83% منهم عن 35 عاماً، ليس من المستغرب بعد ذلك أن تكون الشكوى الرئيسية للمواطنين العمانيين هي نقص الوظائف والتدريب بالنسبة لشباب السلطنة، على حسب ما أكدت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية.
لكن عندما أدت موجة الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي مؤخراً إلى اندلاع تظاهرات عنيفة نهاية شهر شباط / فبراير الماضي في مدينة صحار الساحلية، سرعان ما تراجع هؤلاء الشبان.
حيث قام السلطان قابوس بن سعيد، الذي يحكم عُمَان منذ 40 عاماً، في نهاية المطاف باستبدال ثلثي المسؤولين في حكومته وأمر بزيادات في الرواتب لموظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين الحكوميين. كما رفع الحد الأدنى للأجور إلى 200 ريال عماني شهرياً ( أو ما يعادل 520 دولار )، بعد أن كان 150 ريال؛ وأدخل مخصصات للبطالة بقيمة 150 ريال شهرياً؛ وأعلن في الوقت ذاته أيضاً عن خطط تهدف إلى توفير 50 ألف فرصة عمل في مجالات عدة بالقطاع العام.
وبينما قامت أنظمة استبدادية أخرى تواجه انتفاضات شعبية في المنطقة بعرض تنازلات مماثلة، إلا أنها حققت قدراً أقل من النجاح. وهو ما جعل البعض يتساءل: هل يمكن اعتبار استقرار عمان الواضح، مقارنةً بما يحدث في بعض جيرانها الأكثر اضطراباً، استقراراً حقيقياً ؟ وإن كان الوضع كذلك، فلماذا، وما هي الدروس التي يمكنها أن تقدمها لحكومات المنطقة التي تسعى هي الأخرى وراء تحقيق نفس الخطوة ؟
وقد عرض مسؤولون ورجال أعمال خلال حضورهم مؤتمراً استثمارياً في مسقط الأسبوع الماضي بعض الإجابات الجزئية. فقال أنور علي سلطان، مدير دبليو جي تاول، وهي شركة تجارية في مسقط، إن العنف الذي شهدته صحار كان امتداد تأثير لما حدث في دول أخرى، لكنه لم يؤثر على الصناعات المحلية ولن يحظى بتأثير محتمل على الاستثمار المستقبلي في هذا البلد. وهو الرأي الذي وافق عليه أيضاً سريدهار سريدهاران، الشريك في إرنست ويونغ في عمان، حيث قال " ما حدث في صحار، على وجه الخصوص، كان أمراً شاذاً. كما أنه ليس معيار لهذا البلد".
وهي الرؤية التي عبّر عنها كذلك ما يقرب من 50 مسؤول حكومي ورجل أعمال في المؤتمر. لكن بعيداً عما حدث في المؤتمر، لفتت النيويورك تايمز إلى أن بعضاً من كبار رجال الأعمال كانوا أكثر تشككاً. وأوردت في هذا السياق عن الحارث الخليلي، المدير التنفيذي لشركة رسملة للاستثمار في سلطنة عمان، الذي لم يكن في المؤتمر، قوله " الاستثمارات القادمة إلى عمان مُعلَّقة إلى أن تصبح الظروف أكثر وضوحاً في جميع أنحاء المنطقة. ورغم انتهاء الاحتجاجات في عمان نفسها، إلا أن مستثمرين آخرين مازالوا ينظرون إلى هذا الجزء من العالم على أنه بقعة واحدة".
وأضاف " نحتاج إلى وقت لإعادة بناء جسور الثقة الآن، لكن الثقة لم تُمحَى تماماً. فليس هناك ذعراً. ولم يُفصَل الناس من الشركات ولم يتم إلغاء المشروعات بسبب الاحتجاجات. كل ما هنالك هو أن المستثمرين حذرون، لكنهم مازالوا يرغبون في الاستثمار".
ورغم ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن قدراً من العصبية لا يزال يهيمن على المشهد بالسلطنة، مع قيام وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بوضع تقييماتها للسلطنة وبعض الشركات العمانية، حيث قالت "إن الانعكاسات المحتملة للصراعات الإقليمية من الممكن أن تزيد المخاطر السياسية في سلطنة عمان، وهو ما قد يؤثر بالسلب أيضاً على النمو الاقتصادي والشؤون المالية العامة". ولم يقتصر الأمر عند ذلك فحسب، بل أكدت الصحيفة أن ثقة المستثمرين الأجانب تبدو معلَّقة إلى الآن.
وهو ما جعل سفير سنغافورة لدى عُمَان، ثينغ دار تينغ، يقول إنه "على الرغم من أن شهية المخاطر قد تكون أقل على المدى القصير، بسبب غموض المناخ السياسي، فإن الشركات السنغافورية ترى فرصاً هائلة للمضي قدماً في التعاون التجاري". وهنا عاود الخليلي ليقول " قبل وقوع الزمن المالية، كان ينظر الناس إلى عُمَان على أنها اقتصاد بحاجة إلى تسريع واللحاق باقتصاديات دول الجوار. لكن لكونها دول محافظة وصغيرة، فقد كانت من أقل الاقتصاديات تأثراً في المنطقة في نهاية الأمر".
وقال أيضاً فيليب دوبا – بانتانتشي، الخبير الاقتصادي الإقليمي البارز في بنك ستاندرد تشارترد في دبي، إن عُمَان تعد واحدة من أفقر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد، إلا أنها نجت من الأزمة المالية بصورة أفضل من بعض جيرانها. وشددت الصحيفة في ختام حديثها أيضاً على ضرورة حل بعض المشاكل الهيكلية الأساسية كي يعرف الاقتصاد طريقه نحو النمو والازدهار.
المصدر موقع إيلاف
خالص الود
رحال عُمان
بعد موجة الإضطرابات التي اجتاحت العالم العربي مؤخراً، قام السلطان عمان قابوس بن سعيد باستبدال ثلثي المسؤولين في حكومته وأمر بزيادات في الرواتب، وأدخل مخصصات للبطالة، معلناً عن خطط لتوفير فرص العمل.
في وقت يقل فيه عمر أكثر من نصف سكان سلطنة عمان البالغ عددهم 2.8 مليون نسمة عن الـ 20 عاماً، ويقل عمر 83% منهم عن 35 عاماً، ليس من المستغرب بعد ذلك أن تكون الشكوى الرئيسية للمواطنين العمانيين هي نقص الوظائف والتدريب بالنسبة لشباب السلطنة، على حسب ما أكدت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية.
لكن عندما أدت موجة الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي مؤخراً إلى اندلاع تظاهرات عنيفة نهاية شهر شباط / فبراير الماضي في مدينة صحار الساحلية، سرعان ما تراجع هؤلاء الشبان.
حيث قام السلطان قابوس بن سعيد، الذي يحكم عُمَان منذ 40 عاماً، في نهاية المطاف باستبدال ثلثي المسؤولين في حكومته وأمر بزيادات في الرواتب لموظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين الحكوميين. كما رفع الحد الأدنى للأجور إلى 200 ريال عماني شهرياً ( أو ما يعادل 520 دولار )، بعد أن كان 150 ريال؛ وأدخل مخصصات للبطالة بقيمة 150 ريال شهرياً؛ وأعلن في الوقت ذاته أيضاً عن خطط تهدف إلى توفير 50 ألف فرصة عمل في مجالات عدة بالقطاع العام.
وبينما قامت أنظمة استبدادية أخرى تواجه انتفاضات شعبية في المنطقة بعرض تنازلات مماثلة، إلا أنها حققت قدراً أقل من النجاح. وهو ما جعل البعض يتساءل: هل يمكن اعتبار استقرار عمان الواضح، مقارنةً بما يحدث في بعض جيرانها الأكثر اضطراباً، استقراراً حقيقياً ؟ وإن كان الوضع كذلك، فلماذا، وما هي الدروس التي يمكنها أن تقدمها لحكومات المنطقة التي تسعى هي الأخرى وراء تحقيق نفس الخطوة ؟
وقد عرض مسؤولون ورجال أعمال خلال حضورهم مؤتمراً استثمارياً في مسقط الأسبوع الماضي بعض الإجابات الجزئية. فقال أنور علي سلطان، مدير دبليو جي تاول، وهي شركة تجارية في مسقط، إن العنف الذي شهدته صحار كان امتداد تأثير لما حدث في دول أخرى، لكنه لم يؤثر على الصناعات المحلية ولن يحظى بتأثير محتمل على الاستثمار المستقبلي في هذا البلد. وهو الرأي الذي وافق عليه أيضاً سريدهار سريدهاران، الشريك في إرنست ويونغ في عمان، حيث قال " ما حدث في صحار، على وجه الخصوص، كان أمراً شاذاً. كما أنه ليس معيار لهذا البلد".
وهي الرؤية التي عبّر عنها كذلك ما يقرب من 50 مسؤول حكومي ورجل أعمال في المؤتمر. لكن بعيداً عما حدث في المؤتمر، لفتت النيويورك تايمز إلى أن بعضاً من كبار رجال الأعمال كانوا أكثر تشككاً. وأوردت في هذا السياق عن الحارث الخليلي، المدير التنفيذي لشركة رسملة للاستثمار في سلطنة عمان، الذي لم يكن في المؤتمر، قوله " الاستثمارات القادمة إلى عمان مُعلَّقة إلى أن تصبح الظروف أكثر وضوحاً في جميع أنحاء المنطقة. ورغم انتهاء الاحتجاجات في عمان نفسها، إلا أن مستثمرين آخرين مازالوا ينظرون إلى هذا الجزء من العالم على أنه بقعة واحدة".
وأضاف " نحتاج إلى وقت لإعادة بناء جسور الثقة الآن، لكن الثقة لم تُمحَى تماماً. فليس هناك ذعراً. ولم يُفصَل الناس من الشركات ولم يتم إلغاء المشروعات بسبب الاحتجاجات. كل ما هنالك هو أن المستثمرين حذرون، لكنهم مازالوا يرغبون في الاستثمار".
ورغم ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن قدراً من العصبية لا يزال يهيمن على المشهد بالسلطنة، مع قيام وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بوضع تقييماتها للسلطنة وبعض الشركات العمانية، حيث قالت "إن الانعكاسات المحتملة للصراعات الإقليمية من الممكن أن تزيد المخاطر السياسية في سلطنة عمان، وهو ما قد يؤثر بالسلب أيضاً على النمو الاقتصادي والشؤون المالية العامة". ولم يقتصر الأمر عند ذلك فحسب، بل أكدت الصحيفة أن ثقة المستثمرين الأجانب تبدو معلَّقة إلى الآن.
وهو ما جعل سفير سنغافورة لدى عُمَان، ثينغ دار تينغ، يقول إنه "على الرغم من أن شهية المخاطر قد تكون أقل على المدى القصير، بسبب غموض المناخ السياسي، فإن الشركات السنغافورية ترى فرصاً هائلة للمضي قدماً في التعاون التجاري". وهنا عاود الخليلي ليقول " قبل وقوع الزمن المالية، كان ينظر الناس إلى عُمَان على أنها اقتصاد بحاجة إلى تسريع واللحاق باقتصاديات دول الجوار. لكن لكونها دول محافظة وصغيرة، فقد كانت من أقل الاقتصاديات تأثراً في المنطقة في نهاية الأمر".
وقال أيضاً فيليب دوبا – بانتانتشي، الخبير الاقتصادي الإقليمي البارز في بنك ستاندرد تشارترد في دبي، إن عُمَان تعد واحدة من أفقر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد، إلا أنها نجت من الأزمة المالية بصورة أفضل من بعض جيرانها. وشددت الصحيفة في ختام حديثها أيضاً على ضرورة حل بعض المشاكل الهيكلية الأساسية كي يعرف الاقتصاد طريقه نحو النمو والازدهار.
المصدر موقع إيلاف
خالص الود
رحال عُمان
تعليق