الحلم العُماني..
كلنا يا عزيزي بقر!
يقال إن البقر هو من ضمن بعض الحيوانات التي لا تحلم أبداً، لا في المنام ولا في اليقظة، لذلك تساس وتحلب ويستفاد منها بكل سلاسة ويسر، وقد ظهرت بعض الإعلانات التلفزيونية، التي تروج لمنتجات غالباً بقرية، تصور البقر على أنه يحلم بأكل الزبدة مثلاً، كتقنية دعائية جاذبة تساهم بمفارقتها تلك في تحبيب الإعلان وبالتالي نجاحه في ترويج المنتج المستهدف للعقلية المستهدفة.
هل يحلم العُماني؟ وما هي أحلامه؟
أحلام العُماني التي أعنيها هي أحلام إنسانية غير إعلانية، متجاوزاً هنا مشهد المُعْلِن السلطوي الذي يصور العماني في إعلامه كالبقرة المرفهة المستلقية بنظارات شمسية وحولها رجال الحكومة يخدمونها ويقدمون لها زبدة لورباك الدنماركية الشهية، وبهذا يكون العماني خلافاً عن البقر يحلم، وأحلامه جميعها قد تحققت حتى أنه لم تعد في أحلامه من بقية!
وبين الحقيقة والواقع اختلافات جوهرية، وبين الحلم الإنساني الطبيعي والمكتسب، والحلم البقري المصنوع مسافة طبيعية بديهية لا جدال فيها في التفكير السليم وليس في التفكير السلطوي البقري المريض بالاستبداد؛ فالشعب الذي لا يملك ولا يسعى إلى حلم جمعي يبدأ من الحلم الفردي النبيل، يستجمع فيه مواهبه وطاقاته وموارده المادية وغير المادية لتحقيقه هو شعب مستسلم وذليل وميت الإحساس والطموح، لا يدرك أنه فرد وأنه شعب في نفس الآن له رسالة وغاية في الحياة، وبالتالي لا يدرك أن الحلم لا يتحقق إلا بالرغبة العميقة التي تستلزم قدراً من الجرأة والمخاطرة والإيمان بالحلم الجمعي المؤدي إلى الحلم الفردي، أو الخارج أصلاً من الحلم الفردي، كما أنه لا يدرك أن مشكلته أو جميع مشاكله ناتجة في الأساس عن غياب الحلم، أي أنه لم يعد يحلم وليست لديه أحلام، وهنا يتعرض لأحكام النفي من المنظمومة التاريخية التي تشكل الوجود على هذه الأرض في حركيتها وديناميتها التي يصنعها الوعي الإنساني الفردي والجمعي.
شعب لا يحلم ليس من حقه أن يشكو، وإن شكا للمُشْتكى فالمعادلة هي بقر يشكو من تجاهل البقار(صاحب البقر) له، لا أكثر ولا أقل!
ليس لدى العماني اليوم حلم جمعي وطني (حلم أمة)، لإن الاستبداد الذي يصوره في الإعلان كبقرة مرفهة قد نجح في أن يجعل حلمه لا يتجاوز حدود أن لا يكون مديوناً لبنك، أو أن يبني بيتاً بأقل تكلفة، أو أن يحصل على دخل أكبر بخمسين ريالاً من وظيفة، أو أن يستلف لتعليم أبنائه، أو أن تجد ابنته عملاً أو ابنه عملاً، وإذا كان أعزباً أن يشتري سيارة بأقساط مخففة وأن يجد زوجة موظفة أو زوجة بأقل تكلفة ممكنة، هذا في مشهد واحد.
وفي مشهد ثان أصبح حلمه أن يجد طعاماً حتى لو لم يجد بيتاً.
وفي مشهد ثالث أصبح حلمه أن يكون مسؤولاً في وظيفة لإثبات فردانيته، أو للتشفي من آخر بامتلاك سلطة وهمية لكنها قادرة على الإيذاء المعنوي والفعلي.
وفي مشهد رابع أصبح حلمه أن يعمل في جهاز الأمن الداخلي أو المكتب السلطاني ليضمن (حياة كريمة متميزة) ويضمن أن يكون نسخة قريبة، في عيون المجتمع، ممن يتصدرون قدوة وقيم المجتمع.
وفي مشهد أكثر تدهوراً ومأساوية أصبح حلمه أن يبقى عُمانياً لثقته بأن لا يصلح لإن يكون في أي مكان أو زمن آخر من العالم، وبالنسبة للنخبة أصبح حلمها الذي تنادي به هو بقاء الحاكم الفرد على قيد الحياة إلى الأبد حتى تطمئن مخاوفها وقلقها من غيابه الذي سيحول جنتها إلى جحيم، أو يحول جنة البعض إلى جنة أقل، أو سيشعر بعضهم باليتم المعنوي والفعلي حيث أنهم لا يعرفون ولا يدينون لغيره.
حلمهم الكابوسي هذا أصبح ملحاحاً حتى لو كان ضد قوانين الطبيعة البشرية التي تمرض وتهرم وتموت، وضد أن تكون إنساناً تفكر وتختار وتمتلك حقوقاً، وترغب في حرية، لم تكن يوماً من مكونات الحلم العماني اليوم، ولن تكون بمثل رغبات هذه النخبة التي تتصدر التفكير والتعبير.
اختزل الاستبداد الحلم وصادره ليصبح هو الحلم نفسه؛ لم تعد هناك أحلام ذات أبعاد جمعية ووطنية إنسانية كالعدالة الإجتماعية ومكانة الوطن التي تقرر مكانة الفرد ونوعيتها. ولعل أقصى تجل للحلم الجمعي كان هو فوز المنتخب بكأس دورة الخليج في مسقط، طوال نحو أربعة عقود، من الفشل المؤسسي الحكومي لا الفردي في تحقيقه، وعندما تحقق تم أهداءه إلى فضل قابوس بجنون من اللاعبين الحبسي وكانو(كمثال- بالمناسبة هذين الإثنين ضمن أفضل المواهب الكروية في القائمة العمانية) لإنهما كانا واثقين بأن الفوز ما كان ليتحقق لولاه وليس لولاهما مع زملائهم.
ليس لدى الشعب العماني اليوم أي حلم جمعي ووطني، فالحلم ممنوع لإنه أداة للتفوق وطريق للحرية وهو ما لا يتوافق مع حكم استبدادي يرى أن هو نفسه الحلم الذي تحقق للعمانيين، وأن أحلام الشعب لا تكون مشروعة ووطنية ما لم تكن أحلاماً به هو لا بشيء آخر غيره.
الحلم يعني رؤى وانفعالات وطموحات، يعني حماساً واعتزازاً والتزاماً، يعني حافزاً وطاقة، وهذا كله يعني النجاح، لذلك النجاح ممنوع على الشعب، ومحجوز لنظام الاستبداد فقط.
لا حلم يعني لا غد لا أمل أو وجود مختلف عن وجود الشهيق والزفير وهو وجود جمعي طبيعي نتمتع به كما تتمتع به البقر.
قل لي أيها العُماني بماذا تحلم، أيتها العمانية بماذا تحلمين؟
حتى لا نكون يا عزيزي وعزيزتي كلنا بقر!
منقول من مدونة أحد الكتاب العمانيين
كلنا يا عزيزي بقر!
يقال إن البقر هو من ضمن بعض الحيوانات التي لا تحلم أبداً، لا في المنام ولا في اليقظة، لذلك تساس وتحلب ويستفاد منها بكل سلاسة ويسر، وقد ظهرت بعض الإعلانات التلفزيونية، التي تروج لمنتجات غالباً بقرية، تصور البقر على أنه يحلم بأكل الزبدة مثلاً، كتقنية دعائية جاذبة تساهم بمفارقتها تلك في تحبيب الإعلان وبالتالي نجاحه في ترويج المنتج المستهدف للعقلية المستهدفة.
هل يحلم العُماني؟ وما هي أحلامه؟
أحلام العُماني التي أعنيها هي أحلام إنسانية غير إعلانية، متجاوزاً هنا مشهد المُعْلِن السلطوي الذي يصور العماني في إعلامه كالبقرة المرفهة المستلقية بنظارات شمسية وحولها رجال الحكومة يخدمونها ويقدمون لها زبدة لورباك الدنماركية الشهية، وبهذا يكون العماني خلافاً عن البقر يحلم، وأحلامه جميعها قد تحققت حتى أنه لم تعد في أحلامه من بقية!
وبين الحقيقة والواقع اختلافات جوهرية، وبين الحلم الإنساني الطبيعي والمكتسب، والحلم البقري المصنوع مسافة طبيعية بديهية لا جدال فيها في التفكير السليم وليس في التفكير السلطوي البقري المريض بالاستبداد؛ فالشعب الذي لا يملك ولا يسعى إلى حلم جمعي يبدأ من الحلم الفردي النبيل، يستجمع فيه مواهبه وطاقاته وموارده المادية وغير المادية لتحقيقه هو شعب مستسلم وذليل وميت الإحساس والطموح، لا يدرك أنه فرد وأنه شعب في نفس الآن له رسالة وغاية في الحياة، وبالتالي لا يدرك أن الحلم لا يتحقق إلا بالرغبة العميقة التي تستلزم قدراً من الجرأة والمخاطرة والإيمان بالحلم الجمعي المؤدي إلى الحلم الفردي، أو الخارج أصلاً من الحلم الفردي، كما أنه لا يدرك أن مشكلته أو جميع مشاكله ناتجة في الأساس عن غياب الحلم، أي أنه لم يعد يحلم وليست لديه أحلام، وهنا يتعرض لأحكام النفي من المنظمومة التاريخية التي تشكل الوجود على هذه الأرض في حركيتها وديناميتها التي يصنعها الوعي الإنساني الفردي والجمعي.
شعب لا يحلم ليس من حقه أن يشكو، وإن شكا للمُشْتكى فالمعادلة هي بقر يشكو من تجاهل البقار(صاحب البقر) له، لا أكثر ولا أقل!
ليس لدى العماني اليوم حلم جمعي وطني (حلم أمة)، لإن الاستبداد الذي يصوره في الإعلان كبقرة مرفهة قد نجح في أن يجعل حلمه لا يتجاوز حدود أن لا يكون مديوناً لبنك، أو أن يبني بيتاً بأقل تكلفة، أو أن يحصل على دخل أكبر بخمسين ريالاً من وظيفة، أو أن يستلف لتعليم أبنائه، أو أن تجد ابنته عملاً أو ابنه عملاً، وإذا كان أعزباً أن يشتري سيارة بأقساط مخففة وأن يجد زوجة موظفة أو زوجة بأقل تكلفة ممكنة، هذا في مشهد واحد.
وفي مشهد ثان أصبح حلمه أن يجد طعاماً حتى لو لم يجد بيتاً.
وفي مشهد ثالث أصبح حلمه أن يكون مسؤولاً في وظيفة لإثبات فردانيته، أو للتشفي من آخر بامتلاك سلطة وهمية لكنها قادرة على الإيذاء المعنوي والفعلي.
وفي مشهد رابع أصبح حلمه أن يعمل في جهاز الأمن الداخلي أو المكتب السلطاني ليضمن (حياة كريمة متميزة) ويضمن أن يكون نسخة قريبة، في عيون المجتمع، ممن يتصدرون قدوة وقيم المجتمع.
وفي مشهد أكثر تدهوراً ومأساوية أصبح حلمه أن يبقى عُمانياً لثقته بأن لا يصلح لإن يكون في أي مكان أو زمن آخر من العالم، وبالنسبة للنخبة أصبح حلمها الذي تنادي به هو بقاء الحاكم الفرد على قيد الحياة إلى الأبد حتى تطمئن مخاوفها وقلقها من غيابه الذي سيحول جنتها إلى جحيم، أو يحول جنة البعض إلى جنة أقل، أو سيشعر بعضهم باليتم المعنوي والفعلي حيث أنهم لا يعرفون ولا يدينون لغيره.
حلمهم الكابوسي هذا أصبح ملحاحاً حتى لو كان ضد قوانين الطبيعة البشرية التي تمرض وتهرم وتموت، وضد أن تكون إنساناً تفكر وتختار وتمتلك حقوقاً، وترغب في حرية، لم تكن يوماً من مكونات الحلم العماني اليوم، ولن تكون بمثل رغبات هذه النخبة التي تتصدر التفكير والتعبير.
اختزل الاستبداد الحلم وصادره ليصبح هو الحلم نفسه؛ لم تعد هناك أحلام ذات أبعاد جمعية ووطنية إنسانية كالعدالة الإجتماعية ومكانة الوطن التي تقرر مكانة الفرد ونوعيتها. ولعل أقصى تجل للحلم الجمعي كان هو فوز المنتخب بكأس دورة الخليج في مسقط، طوال نحو أربعة عقود، من الفشل المؤسسي الحكومي لا الفردي في تحقيقه، وعندما تحقق تم أهداءه إلى فضل قابوس بجنون من اللاعبين الحبسي وكانو(كمثال- بالمناسبة هذين الإثنين ضمن أفضل المواهب الكروية في القائمة العمانية) لإنهما كانا واثقين بأن الفوز ما كان ليتحقق لولاه وليس لولاهما مع زملائهم.
ليس لدى الشعب العماني اليوم أي حلم جمعي ووطني، فالحلم ممنوع لإنه أداة للتفوق وطريق للحرية وهو ما لا يتوافق مع حكم استبدادي يرى أن هو نفسه الحلم الذي تحقق للعمانيين، وأن أحلام الشعب لا تكون مشروعة ووطنية ما لم تكن أحلاماً به هو لا بشيء آخر غيره.
الحلم يعني رؤى وانفعالات وطموحات، يعني حماساً واعتزازاً والتزاماً، يعني حافزاً وطاقة، وهذا كله يعني النجاح، لذلك النجاح ممنوع على الشعب، ومحجوز لنظام الاستبداد فقط.
لا حلم يعني لا غد لا أمل أو وجود مختلف عن وجود الشهيق والزفير وهو وجود جمعي طبيعي نتمتع به كما تتمتع به البقر.
قل لي أيها العُماني بماذا تحلم، أيتها العمانية بماذا تحلمين؟
حتى لا نكون يا عزيزي وعزيزتي كلنا بقر!
منقول من مدونة أحد الكتاب العمانيين