الشفعة
وهي حق الشريك في أخذ حصة شريكه إذا أراد بيعها من ثالث بالثمن. فإذا كانت الدار مثلاً مشتركة بين زيد وعمرو، فأراد زيد بيع حصة منها على بكر كان لعمرو أخذ الحصة المذكورة بالثمن الذي يقع الشراء به، فإذا وقع الشراء كان منافياً للحق المذكور، فللشريك إعمال حقه بأخذ المبيع سواء كان قابلاً للقسمة أم لا، وسواء كان منقولاً أم لا. نعم لا تثبت في السفينة والنهر والطريق والرحى والحمّام. وبقية الكلام فيها في ضمن مقامات..
المقام الأول
في تحديد الحق المذكور
المشهور أن حق الشفعة يثبت ببيع الشريك حصته، فقبل البيع لا موضوع للحق المذكور، وإنما يثبت بعد البيع، فهو حق للشريك على المشتري، يقتضي سلطنة الشريك على أخذ الحصة التي اشتراها من شريكه بالثمن الذي دفعه له.
لكن الظاهر أن الحق المذكور سابق على البيع يثبت عند إرادة الشريك بيع حصته من ثالث بثمن معين، فهو حق للشريك على شريكه يقتضي أولوية الشريك بالشراء من غيره. فإن أقدم الشريك على بيع حصته من ثالث كان له انتزاعها منه بالثمن الذي دفعه. وعلى ذلك فإعمال الشريك الحق المذكور يكون بأحد أمرين مترتبين..
الأول: السبق إلى شراء الحصة من شريكه بالثمن الذي يريد بيعه به على الثالث. وذلك من أفراد البيع الذي هو من العقود، ويعتبر فيه ما تقدم في البيع من رضا الطرفين وغيره.
الثاني: انتزاع الحصة من المشتري بالثمن الذي دفعه قهراً عليه، وهو من سنخ الإيقاع الذي يكفي فيه إنشاء المضمون من طرف واحد، وهو الشريك في المقام. ويقع بكل ما يدل على ذلك من قول أو فعل، فيقع بمثل قوله: أخذت المبيع بالثمن، وقوله: شفعت في البيع، كما يقع بمثل دفع الثمن للمشتري، أو الاستقلال بالمبيع مع بذل الثمن، إذا قصد بهما إنشاء المضمون المذكور. ولا يعتبر فيه العلم بقدر الثمن الذي وقع عليه البيع.
(مسألة 1): لما كانت الشفعة من الحقوق فهي تسقط بالإسقاط عند إرادة الشريك البيع، أو بعد تحقق البيع، فإذا أراد الشريك بيع الحصة بثمن خاص وعرض ذلك على شريكه فأسقط حقه كان للشريك البيع على الثالث فإن باع لزم البيع، ولم يكن للشريك بعد ذلك حق الشفعة وانتزاع المبيع بالثمن. وكذلك إذا أسقط الحق المذكور بعد البيع فإنه ليس له الرجوع وانتزاع المبيع.
(مسألة 2): يكفي في إسقاط الحق المذكور كل ما يدل عليه ولو بأن يحضر البيع أو يشهد عليه بنحو يظهر منه إقراره والرضا به.
(مسألة 3): إذا كان المال مشتركاً بين الولي والمولى عليه، فباع الولي حصته من ثالث لم يكن له المطالبة بحق الشفعة في حق المولى عليه، لظهور حاله في إسقاط الحق المذكور. إلا أن يكون غافلاً عن ذلك، أو كان مفرطاً في حق المولى عليه وخارجاً عن مقتضى ولايته، فلا أثر لإسقاطه.
(مسألة 4): الظاهر ابتناء حق الشفعة على الفور العرفي بعد علم الشريك بإرادة شريكه للبيع، أو بإيقاعه له بخصوصياته من الثمن والمشتري ونحوهما مما له دخل في الرغبة في إعمال الحق، وبعد علمه أيضاً بثبوت الحق المذكور له، فإذا لم يبادر مع ذلك للأخذ بالشفعة سقط حقه فيها. نعم إذا كان عاجزاً عن الأخذ بها لحبس أو غيبة أو نحوهما فلا يكون عدم المبادرة مسقطاً لحقه، إلا مع طول المدة بحيث يضر بالشريك أو بمن يشتري منه.
(مسألة 5): تختص الشفعة بالبيع، ولا تجزي في غيره من أسباب التمليك لحصة الشريك المشاعة، كما لو جعلت مهراً في النكاح أو ملكت للغير بهبة أو صلح أو غيرهما.
المقام الثاني
في الشفيع
وهو الشريك الذي له حق الشفعة. ويعتبر فيه اُمور..
الأول: الإسلام، فلا شفعة للكافر إذا كان كل من البائع والمشتري مسلماً، بل الأحوط وجوباً ذلك إذا كان أحدهما مسلماً. نعم تثبت الشفعة للكافر إذا كان البائع والمشتري معاً كافرين.
الثاني: أن يكون أحد شريكين لا أكثر، فإذا كان الشركاء أكثر من واحد لم يكن لأحدهم شفعة، سواء باع الكل وبقي واحد أم باع البعض وبقي أكثر من واحد. ويستثنى من ذلك ما يأتي فيما لو اشترك جماعة في الطريق.
(مسألة 6): إذا باع أحد الشريكين بعض حصته ففي ثبوت الشفعة للشريك إشكال. وكذا إذا باع تمام حصته من شخصين على نحو التعاقب. نعم إذا باع تمام حصته من شخصين أو أكثر دفعة واحدة كان للشريك الأخذ بالشفعة. وكذا إذا باعه من شخص واحد ولو تدريجاً.
(مسألة 7): إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والملك فلا شفعة فيها، سواء كان المبيع هو الملك أم الوقف في مورد جواز بيعه.
(مسألة 8): لا تثبت الشفعة بالجوار من دون شركة، فإذا باع أحد الجارين داره أو محل عمله المختص به فليس لجاره حق الشفعة، من دون فرق بين اختصاص كل منهما بماله من أول الأمر وسبق الشركة بينهما إذا وقع البيع من الجار بعد القسمة وتعيين حصة كل منهما.
(مسألة 9): إذا كانت داران أو أكثر كل منها مختصة بشخص، وكان لها جميعاً طريق واحد يشترك فيه كلهم ففي المقام صورتان..
الاُولى: أن يبيع أحدهم داره دون حصته من الطريق المشترك. ولا شفعة للآخرين حينئذٍ، لا في الدار ولا في الطريق، نعم يبقى للبائع حصته من الطريق، فله الانتفاع به بالمرور فيه والجلوس على باب الدار التي باعها، وعلى المشتري أن يتجنب المرور في الطريق بغير إذنهم، بل يفتح باباً اُخرى في طريق آخر أو تبقى داره بلا باب. وفي جواز دخوله لداره في الطريق بإذن البائع بلحاظ حصته منه إشكال، وكذا الإشكال في جواز تصرفه فيه لو ملكه من قبله بغير البيع. نعم ليس لهم الشفعة في الطريق حينئذٍ.
الثانية: أن يبيع أحدهم داره مع حصته من الطريق. وحينئذٍ تثبت لهم الشفعة في مجموع الدار والطريق. ولكل منهم الأخذ بها، ومع تشاحهم ـ إذا كانوا أكثر من واحد ـ يتعين اشتراكهم في حق الشفعة المذكور، فتكون الدار والحصة التابعة لها من الطريق لهم جميعاً.
(مسألة 10): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالدور ولا يجري في غيرها كالمحلات التجارية ونحوها. إلا إذا صدق عليها أنها دور.
(مسألة 11): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالاشتراك في الطريق، ولا يعم غيره كالنهر والبئر ونحوها. نعم للشريك الشفعة في الأمر المشترك فقط إذا كان بين شريكين لا أكثر، على نحو ما تقدم. فيأخذه بحصته من الثمن بعد توزيع الثمن عليه وعلى الدار.
(مسألة 12): إذا اشترك شخصان أو أكثر في طريق دور فباع أحدهم حصته منه دون الدار كان للآخرين الشفعة. وأما إذا كان الطريق لغير الدور فتختص الشفعة بالشريكين، ولا تعم الأكثر، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.
الثالث: أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عن الثمن ولا للمماطل به. وإذا بذل الرهن أو أتى بضامن يضمنه عنه من دون أن يؤديه لم تجب إجابته.
(مسألة 13): إذا ادّعى حضور الثمن في البلد واحتياج تهيئته إلى مدة أجّل ثلاثة أيام من حين إرادة الشريك البيع بعد إعلانه بذلك، فإن جاء بالثمن، وإلا فلا شفعة له. والمراد بالأيام الثلاثة ما سبق في الأيام الثلاثة التي يثبت فيها خيار الحيوان.
(مسألة 14): إذا ادّعى الشفيع أن الثمن في بلد آخر انتظر به مدة ذهابه لذلك البلد ورجوعه وزيادة ثلاثة أيام، فإن جاء بالثمن وإلا فلا شفعة له. والمراد بمدة الذهاب والرجوع مدة قطع الطريق فقط، لا ما يعم مدة تهيئة جواز السفر والحصول على بطاقته ونحو ذلك مما تعارف في عصورنا.
(مسألة 15): إذا كان الشريك غائباً عن البلد وقت البيع ثبت له حق الشفعة إذا علم بإرادة الشريك للبيع أو بإيقاعه وله في غيبته، مع قدرته على الأخذ بها بالتوكيل أو بالاتصال المباشر بالمشتري، وله تأجيل الثمن ـ إن كان الثمن في البلد ـ ثلاثة أيام، وإن كان في غيره كان له التأجيل بمقدار وصوله للبلد مع زيادة ثلاثة أيام، على نحو ما تقدم. ولو تعذر عليه الأخذ بها في غيبته كان له الأخذ إذا رجع. وكذا إذا لم يعلم بالبيع حتى رجع.
(مسألة 16): تثبت الشفعة للمحجور عليه ويأخذ بها عنه وليه، أو يأذن له في الأخذ بها إن كان يحسن معناها والأخذ بها. فإن أسقطها الولي أو لم يبادر للأخذ بها سقط حق المولى عليه فيها، إلا أن يكون ذلك من الولي للتفريط في حق المولى عليه والخروج عن مقتضى ولايته.
المقام الثالث
في الأخذ بالشفعة
(مسألة 17): ليس للشفيع التبعيض في المبيع، بل إما أن يأخذه بتمامه أو يدع.
(مسألة 18): الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأقل منه ولا بأكثر، سواء كان البيع غبنياً للبائع أو المشتري أم لم يكن. وإذا تنازل البائع للمشتري عن بعض الثمن لم يكن للشفيع تنقيصه.
(مسألة 19): إذا غرم المشتري شيئاً زائداً على الثمن ـ كأجرة الدلال ومصارف التسجيل ـ لم يجب على الشفيع تداركه. نعم ليس للشفيع إلزام المشتري ولا البايع بالاعتراف له رسمياً.
(مسألة 20): لابد في ثبوت الشفعة من كون الثمن مثلياً، ولا تثبت إذا كان قيمياً.
(مسألة 21): يشكل ثبوت الشفعة إذا اشتمل البيع على شرط للبائع على المشتري، كما لو باع الشريك حصته بألف دينار واشترط على المشتري أن يخيط ثوبه.
(مسألة 22): إذا اشترط المشتري على البائع شيئاً لم يجب مثله على المشتري للشفيع، فإذا باع الشريك حصته بألف دينار واشترط المشتري على البائع أن يخيط ثوبه فأخذ الشفيع بالشفعة لم يجب على المشترى أن يخيط له ثوباً ولا أن يعوضه بأجرته.
(مسألة 23): إذا تصرف المشتري في الحصة مع ثبوت حق الشفعة تصرفاً منافياً للحق المذكور ـ كما لو أوقفها أو وهبها أو جعلها صداقاً ـ لم يبطل حق الشفيع بالشفعة، بل له الأخذ بها فيبطل التصرف المذكور.
(مسألة 24): إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني، وله الأخذ من المشتري الثاني بالثمن الثاني فيسقط حقه من الشفعة في الأول. وهكذا لو تعاقبت البيوع، فإنه يكون له الأخذ بالشفعة في السابق فيبطل ما بعده وله الأخذ بها في اللاحق فيسقط حقه في الشفعة من السابق. هذا ولو وقع بعضها بإذنه سقط حقه من الشفعة فيها وفيما قبلها إذا كان يعلم به.
(مسألة 25): إذا باع أحد الشريكين نصيبه وكان للآخر الشفعة، فإذا باع الآخر حصته قبل أن يأخذ بالشفعة سقط حقه فيها، وإن كان جاهلاً بالبيع الأول.
(مسألة 26): إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت، وإذا تلف بعضه أو تعيب لم تسقط وجاز للشفيع الأخذ لكن بتمام الثمن من دون أرش النقص، ولا ضمان على المشتري.
(مسألة 27): إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة مع تأجيل الثمن للأجل الذي أخذ في البيع. وليس للمشتري إلزامه بالرهن أو الكفيل أو نحوهما مما يوجب التوثق على الثمن. نعم لو لم يكن مقدماً على الضرر المذكور لجهله بثبوت حق الشفعة ـ للشبهة الحكمية أو الموضوعية ـ كان له خيار تخلف الوصف في البيع، كما تثبت سائر الخيارات، ومع الفسخ ترجع العين للبائع بالثمن، ويبطل حق الشفعة.
(مسألة 28): الظاهر أن حق الشفعة لا يورث، فإذا باع أحد الشريكين حصته من ثالث، فمات الشريك قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه ـ واحداً كان أو متعدداً ـ أن يأخذ بالشفعة. نعم لو مات قبل البيع وكان وارثه واحداً كان له الأخذ بالشفعة لو بقي الشريك على إرادة البيع أو باع، لكنه حينئذٍ يكون شفيعاً بالأصل لا وارثاً للشفعة. كما أنه لو مات الشريك بعد الأخذ بالشفعة كانت الحصة لورثته وإن تعددوا، لكنه من إرث المال، لا من إرث حق الشفعة.
(مسألة 29): إذا تقايل الشريك البائع والمشتري قبل أخذ الشريك الآخر بالشفعة ففي بقاء حق الشفعة بحيث يكون للشريك الآخر الأخذ بها المستلزم لبطلان الإقالة إشكال، فالأحوط وجوباً التصالح.
(مسألة 30): الظاهر عدم ثبوت خيار العيب للشفيع إذا أخذ المبيع من المشتري. وفي ثبوت الأرش له إذا أخذه المشتري من الشريك إشكال، فالأحوط وجوباً التصالح.
والحمد لله رب العالمين
وهي حق الشريك في أخذ حصة شريكه إذا أراد بيعها من ثالث بالثمن. فإذا كانت الدار مثلاً مشتركة بين زيد وعمرو، فأراد زيد بيع حصة منها على بكر كان لعمرو أخذ الحصة المذكورة بالثمن الذي يقع الشراء به، فإذا وقع الشراء كان منافياً للحق المذكور، فللشريك إعمال حقه بأخذ المبيع سواء كان قابلاً للقسمة أم لا، وسواء كان منقولاً أم لا. نعم لا تثبت في السفينة والنهر والطريق والرحى والحمّام. وبقية الكلام فيها في ضمن مقامات..
المقام الأول
في تحديد الحق المذكور
المشهور أن حق الشفعة يثبت ببيع الشريك حصته، فقبل البيع لا موضوع للحق المذكور، وإنما يثبت بعد البيع، فهو حق للشريك على المشتري، يقتضي سلطنة الشريك على أخذ الحصة التي اشتراها من شريكه بالثمن الذي دفعه له.
لكن الظاهر أن الحق المذكور سابق على البيع يثبت عند إرادة الشريك بيع حصته من ثالث بثمن معين، فهو حق للشريك على شريكه يقتضي أولوية الشريك بالشراء من غيره. فإن أقدم الشريك على بيع حصته من ثالث كان له انتزاعها منه بالثمن الذي دفعه. وعلى ذلك فإعمال الشريك الحق المذكور يكون بأحد أمرين مترتبين..
الأول: السبق إلى شراء الحصة من شريكه بالثمن الذي يريد بيعه به على الثالث. وذلك من أفراد البيع الذي هو من العقود، ويعتبر فيه ما تقدم في البيع من رضا الطرفين وغيره.
الثاني: انتزاع الحصة من المشتري بالثمن الذي دفعه قهراً عليه، وهو من سنخ الإيقاع الذي يكفي فيه إنشاء المضمون من طرف واحد، وهو الشريك في المقام. ويقع بكل ما يدل على ذلك من قول أو فعل، فيقع بمثل قوله: أخذت المبيع بالثمن، وقوله: شفعت في البيع، كما يقع بمثل دفع الثمن للمشتري، أو الاستقلال بالمبيع مع بذل الثمن، إذا قصد بهما إنشاء المضمون المذكور. ولا يعتبر فيه العلم بقدر الثمن الذي وقع عليه البيع.
(مسألة 1): لما كانت الشفعة من الحقوق فهي تسقط بالإسقاط عند إرادة الشريك البيع، أو بعد تحقق البيع، فإذا أراد الشريك بيع الحصة بثمن خاص وعرض ذلك على شريكه فأسقط حقه كان للشريك البيع على الثالث فإن باع لزم البيع، ولم يكن للشريك بعد ذلك حق الشفعة وانتزاع المبيع بالثمن. وكذلك إذا أسقط الحق المذكور بعد البيع فإنه ليس له الرجوع وانتزاع المبيع.
(مسألة 2): يكفي في إسقاط الحق المذكور كل ما يدل عليه ولو بأن يحضر البيع أو يشهد عليه بنحو يظهر منه إقراره والرضا به.
(مسألة 3): إذا كان المال مشتركاً بين الولي والمولى عليه، فباع الولي حصته من ثالث لم يكن له المطالبة بحق الشفعة في حق المولى عليه، لظهور حاله في إسقاط الحق المذكور. إلا أن يكون غافلاً عن ذلك، أو كان مفرطاً في حق المولى عليه وخارجاً عن مقتضى ولايته، فلا أثر لإسقاطه.
(مسألة 4): الظاهر ابتناء حق الشفعة على الفور العرفي بعد علم الشريك بإرادة شريكه للبيع، أو بإيقاعه له بخصوصياته من الثمن والمشتري ونحوهما مما له دخل في الرغبة في إعمال الحق، وبعد علمه أيضاً بثبوت الحق المذكور له، فإذا لم يبادر مع ذلك للأخذ بالشفعة سقط حقه فيها. نعم إذا كان عاجزاً عن الأخذ بها لحبس أو غيبة أو نحوهما فلا يكون عدم المبادرة مسقطاً لحقه، إلا مع طول المدة بحيث يضر بالشريك أو بمن يشتري منه.
(مسألة 5): تختص الشفعة بالبيع، ولا تجزي في غيره من أسباب التمليك لحصة الشريك المشاعة، كما لو جعلت مهراً في النكاح أو ملكت للغير بهبة أو صلح أو غيرهما.
المقام الثاني
في الشفيع
وهو الشريك الذي له حق الشفعة. ويعتبر فيه اُمور..
الأول: الإسلام، فلا شفعة للكافر إذا كان كل من البائع والمشتري مسلماً، بل الأحوط وجوباً ذلك إذا كان أحدهما مسلماً. نعم تثبت الشفعة للكافر إذا كان البائع والمشتري معاً كافرين.
الثاني: أن يكون أحد شريكين لا أكثر، فإذا كان الشركاء أكثر من واحد لم يكن لأحدهم شفعة، سواء باع الكل وبقي واحد أم باع البعض وبقي أكثر من واحد. ويستثنى من ذلك ما يأتي فيما لو اشترك جماعة في الطريق.
(مسألة 6): إذا باع أحد الشريكين بعض حصته ففي ثبوت الشفعة للشريك إشكال. وكذا إذا باع تمام حصته من شخصين على نحو التعاقب. نعم إذا باع تمام حصته من شخصين أو أكثر دفعة واحدة كان للشريك الأخذ بالشفعة. وكذا إذا باعه من شخص واحد ولو تدريجاً.
(مسألة 7): إذا كانت العين مشتركة بين الوقف والملك فلا شفعة فيها، سواء كان المبيع هو الملك أم الوقف في مورد جواز بيعه.
(مسألة 8): لا تثبت الشفعة بالجوار من دون شركة، فإذا باع أحد الجارين داره أو محل عمله المختص به فليس لجاره حق الشفعة، من دون فرق بين اختصاص كل منهما بماله من أول الأمر وسبق الشركة بينهما إذا وقع البيع من الجار بعد القسمة وتعيين حصة كل منهما.
(مسألة 9): إذا كانت داران أو أكثر كل منها مختصة بشخص، وكان لها جميعاً طريق واحد يشترك فيه كلهم ففي المقام صورتان..
الاُولى: أن يبيع أحدهم داره دون حصته من الطريق المشترك. ولا شفعة للآخرين حينئذٍ، لا في الدار ولا في الطريق، نعم يبقى للبائع حصته من الطريق، فله الانتفاع به بالمرور فيه والجلوس على باب الدار التي باعها، وعلى المشتري أن يتجنب المرور في الطريق بغير إذنهم، بل يفتح باباً اُخرى في طريق آخر أو تبقى داره بلا باب. وفي جواز دخوله لداره في الطريق بإذن البائع بلحاظ حصته منه إشكال، وكذا الإشكال في جواز تصرفه فيه لو ملكه من قبله بغير البيع. نعم ليس لهم الشفعة في الطريق حينئذٍ.
الثانية: أن يبيع أحدهم داره مع حصته من الطريق. وحينئذٍ تثبت لهم الشفعة في مجموع الدار والطريق. ولكل منهم الأخذ بها، ومع تشاحهم ـ إذا كانوا أكثر من واحد ـ يتعين اشتراكهم في حق الشفعة المذكور، فتكون الدار والحصة التابعة لها من الطريق لهم جميعاً.
(مسألة 10): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالدور ولا يجري في غيرها كالمحلات التجارية ونحوها. إلا إذا صدق عليها أنها دور.
(مسألة 11): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالاشتراك في الطريق، ولا يعم غيره كالنهر والبئر ونحوها. نعم للشريك الشفعة في الأمر المشترك فقط إذا كان بين شريكين لا أكثر، على نحو ما تقدم. فيأخذه بحصته من الثمن بعد توزيع الثمن عليه وعلى الدار.
(مسألة 12): إذا اشترك شخصان أو أكثر في طريق دور فباع أحدهم حصته منه دون الدار كان للآخرين الشفعة. وأما إذا كان الطريق لغير الدور فتختص الشفعة بالشريكين، ولا تعم الأكثر، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.
الثالث: أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عن الثمن ولا للمماطل به. وإذا بذل الرهن أو أتى بضامن يضمنه عنه من دون أن يؤديه لم تجب إجابته.
(مسألة 13): إذا ادّعى حضور الثمن في البلد واحتياج تهيئته إلى مدة أجّل ثلاثة أيام من حين إرادة الشريك البيع بعد إعلانه بذلك، فإن جاء بالثمن، وإلا فلا شفعة له. والمراد بالأيام الثلاثة ما سبق في الأيام الثلاثة التي يثبت فيها خيار الحيوان.
(مسألة 14): إذا ادّعى الشفيع أن الثمن في بلد آخر انتظر به مدة ذهابه لذلك البلد ورجوعه وزيادة ثلاثة أيام، فإن جاء بالثمن وإلا فلا شفعة له. والمراد بمدة الذهاب والرجوع مدة قطع الطريق فقط، لا ما يعم مدة تهيئة جواز السفر والحصول على بطاقته ونحو ذلك مما تعارف في عصورنا.
(مسألة 15): إذا كان الشريك غائباً عن البلد وقت البيع ثبت له حق الشفعة إذا علم بإرادة الشريك للبيع أو بإيقاعه وله في غيبته، مع قدرته على الأخذ بها بالتوكيل أو بالاتصال المباشر بالمشتري، وله تأجيل الثمن ـ إن كان الثمن في البلد ـ ثلاثة أيام، وإن كان في غيره كان له التأجيل بمقدار وصوله للبلد مع زيادة ثلاثة أيام، على نحو ما تقدم. ولو تعذر عليه الأخذ بها في غيبته كان له الأخذ إذا رجع. وكذا إذا لم يعلم بالبيع حتى رجع.
(مسألة 16): تثبت الشفعة للمحجور عليه ويأخذ بها عنه وليه، أو يأذن له في الأخذ بها إن كان يحسن معناها والأخذ بها. فإن أسقطها الولي أو لم يبادر للأخذ بها سقط حق المولى عليه فيها، إلا أن يكون ذلك من الولي للتفريط في حق المولى عليه والخروج عن مقتضى ولايته.
المقام الثالث
في الأخذ بالشفعة
(مسألة 17): ليس للشفيع التبعيض في المبيع، بل إما أن يأخذه بتمامه أو يدع.
(مسألة 18): الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأقل منه ولا بأكثر، سواء كان البيع غبنياً للبائع أو المشتري أم لم يكن. وإذا تنازل البائع للمشتري عن بعض الثمن لم يكن للشفيع تنقيصه.
(مسألة 19): إذا غرم المشتري شيئاً زائداً على الثمن ـ كأجرة الدلال ومصارف التسجيل ـ لم يجب على الشفيع تداركه. نعم ليس للشفيع إلزام المشتري ولا البايع بالاعتراف له رسمياً.
(مسألة 20): لابد في ثبوت الشفعة من كون الثمن مثلياً، ولا تثبت إذا كان قيمياً.
(مسألة 21): يشكل ثبوت الشفعة إذا اشتمل البيع على شرط للبائع على المشتري، كما لو باع الشريك حصته بألف دينار واشترط على المشتري أن يخيط ثوبه.
(مسألة 22): إذا اشترط المشتري على البائع شيئاً لم يجب مثله على المشتري للشفيع، فإذا باع الشريك حصته بألف دينار واشترط المشتري على البائع أن يخيط ثوبه فأخذ الشفيع بالشفعة لم يجب على المشترى أن يخيط له ثوباً ولا أن يعوضه بأجرته.
(مسألة 23): إذا تصرف المشتري في الحصة مع ثبوت حق الشفعة تصرفاً منافياً للحق المذكور ـ كما لو أوقفها أو وهبها أو جعلها صداقاً ـ لم يبطل حق الشفيع بالشفعة، بل له الأخذ بها فيبطل التصرف المذكور.
(مسألة 24): إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني، وله الأخذ من المشتري الثاني بالثمن الثاني فيسقط حقه من الشفعة في الأول. وهكذا لو تعاقبت البيوع، فإنه يكون له الأخذ بالشفعة في السابق فيبطل ما بعده وله الأخذ بها في اللاحق فيسقط حقه في الشفعة من السابق. هذا ولو وقع بعضها بإذنه سقط حقه من الشفعة فيها وفيما قبلها إذا كان يعلم به.
(مسألة 25): إذا باع أحد الشريكين نصيبه وكان للآخر الشفعة، فإذا باع الآخر حصته قبل أن يأخذ بالشفعة سقط حقه فيها، وإن كان جاهلاً بالبيع الأول.
(مسألة 26): إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت، وإذا تلف بعضه أو تعيب لم تسقط وجاز للشفيع الأخذ لكن بتمام الثمن من دون أرش النقص، ولا ضمان على المشتري.
(مسألة 27): إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة مع تأجيل الثمن للأجل الذي أخذ في البيع. وليس للمشتري إلزامه بالرهن أو الكفيل أو نحوهما مما يوجب التوثق على الثمن. نعم لو لم يكن مقدماً على الضرر المذكور لجهله بثبوت حق الشفعة ـ للشبهة الحكمية أو الموضوعية ـ كان له خيار تخلف الوصف في البيع، كما تثبت سائر الخيارات، ومع الفسخ ترجع العين للبائع بالثمن، ويبطل حق الشفعة.
(مسألة 28): الظاهر أن حق الشفعة لا يورث، فإذا باع أحد الشريكين حصته من ثالث، فمات الشريك قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه ـ واحداً كان أو متعدداً ـ أن يأخذ بالشفعة. نعم لو مات قبل البيع وكان وارثه واحداً كان له الأخذ بالشفعة لو بقي الشريك على إرادة البيع أو باع، لكنه حينئذٍ يكون شفيعاً بالأصل لا وارثاً للشفعة. كما أنه لو مات الشريك بعد الأخذ بالشفعة كانت الحصة لورثته وإن تعددوا، لكنه من إرث المال، لا من إرث حق الشفعة.
(مسألة 29): إذا تقايل الشريك البائع والمشتري قبل أخذ الشريك الآخر بالشفعة ففي بقاء حق الشفعة بحيث يكون للشريك الآخر الأخذ بها المستلزم لبطلان الإقالة إشكال، فالأحوط وجوباً التصالح.
(مسألة 30): الظاهر عدم ثبوت خيار العيب للشفيع إذا أخذ المبيع من المشتري. وفي ثبوت الأرش له إذا أخذه المشتري من الشريك إشكال، فالأحوط وجوباً التصالح.
والحمد لله رب العالمين
تعليق