الادعاء العام يكشف ملابسات قضية جريدة الزمن
Sat, 01 أكتوبر 2011
المادة «29» من النظام الأساسي تؤكد أن حريـــــــة التعبير مكفولة في حدود القانون
احترام القضاء وهيبته هو الضمانة الحقيقية لممارسة حرية مســــــــؤولة لا يتعدى في ظلها أحد على حقوق الآخرين
يؤمن الادعاء العام بأن حرية الصحافة والتعبير عن الرأي هي عصب الحريات العامة ومكونها الرئيسي وهي حق لكل مواطن إلا أن هذه الحرية لابد أن تكون مسؤولة وفي حدود القانون وبما يمليه الضمير المهني السليم؛ لأن إطلاق الحريات خارج المنظومة القانونية من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية تقود حتماً إلى فوضى مطلقة، وكما أن الادعاء العام وضع حرية التعبير عن الرأي أساساً في التعامل مع قضايا الرأي فإنه كذلك يعمل على التوفيق بين الحق في التعبير عن الرأي من خلال الصحافة وحق المتضرر في اللجوء إلى القضاء لرفع الضرر عنه، ومن منطلق مبدأ الشفافية التي انتهجها الادعاء العام في طرحه للموضوعات
وخلافاً لما ورد في صحيفة الزمن وما تناقلته المواقع الالكترونية، وتأويلاتها حول الواقعة من جانب واحد دون الرجوع إلى الجهة المختصة ودون أن يكون لديهم العلم التام بالتفاصيل الدقيقة للموضوع فإن الادعاء العام يعرض تفاصيل وملابسات الدعوى والإجراءات التي تمت بشأنها.
غير أنه في البداية يجب الإشارة إلى أن هذه الدعوى ليست الأولى التي رفعت ضد جريدة الزمن، حيث تلقى الادعاء العام مجموعة من البلاغات ضد الجريدة قبل هذه الدعوى وقد أصدر الادعاء العام بشأنها قرارات حفظ لصالح جريدة الزمن على اعتبار أنها لا تشكل مخالفات للقانون وكانت إحدى هذه الدعاوى مقدمة من وزارة العدل، كما توجد في الوقت الحالي دعوى مرفوعة من أحد الموظفين تتضمن نشر الجريدة معلومات غير صحيحة وقد تم التحقيق فيها وحالياً بصدد إحالتها إلى عدالة المحكمة الإبتدائية بمسقط، ودعوى أخرى تظلم المجني عليه من قرار الحفظ الصادر أمام محكمة الإستئناف وسوف ينظر فيه بتاريخ 8/ 10/ 2011.
القضايا المرفوعة ضد جريدة الزمن
1- القضية رقم 9/ 2009 مرفوعة من وزارة العدل بتاريخ 21/ 4/ 2009، حُفظت لصالح الجريدة.
2- القضية رقم 11/ 2010م مرفوعة من أحد المواطنين بتاريخ 6/ 2/ 2010م، حُفظت لصالح الجريدة.
3- القضية رقم 16/ 2010م مرفوعة من أحد المواطنين بتاريخ 12 /4/ 2010م، حُفظت لصالح الجريدة.
4- القضية رقم 137 /2011م مرفوعة من أحد المواطنين بتاريخ 31/ 5/ 2011م، حُفظت لعدم قيام الجرم، وقد تظلم المجني عليه أمام محكمة الاستئناف بمسقط وقد حدد لها جلسة للنظر بتاريخ 8 /10/ 2011م.
5- القضية رقم 174/ 2011م مرفوعة من أحد الموظفين بتاريخ 17/ 7/ 2011م، قد صدر بها قرار بالإحالة وهي قيد الإحالة إلى المحكمة الابتدائية.
وتتلخص وقائع الدعوى في أنه بتاريخ 14 مايو 2011م تلقى الادعاء العام بلاغاً من وزير العدل ضد جريدة الزمن مضمونه أن الجريدة نشرت مقالاً بذات التاريخ أساء إليه وعلى ضوء ذلك فقد باشر الادعاء العام إجراءات التحقيق بعد التثبت من صحة الواقعة حيث تم استدعاء (الموظف/هارون المقيبلي) لسماع أقواله:
أقوال الموظف (هارون المقيبلي)
أفاد أنه الموظف المقصود في موضوع المقال المنشور في جريدة الزمن بتاريخ 14 مايو 2011م وكان قد قدم مجموعة من المستندات إلى يوسف البلوشي وطلب منه نشر مقال عن قضيته التي رفعها أمام محكمة القضاء الإداري، وأنه طلب منه مراجعة المقال قبل نشره إلا أن الكاتب رفض ذلك بحجة أن المقال ليس منشوراً على حسابه بل ستتكفل الصحيفة بنشر الموضوع دون مقابل ومن ثم لا داعي لمراجعة المقال مؤكداً أنه لم يتهم وزير العدل (نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء) بأنه تدخل في تعطيل سير الدعوى في المحكمة ولم يكرهه أو يطلب منه التنازل عن مستحقاته المالية مقابل توقيع القرار حيث ورد على لسانه حرفياً في محضر الاستجواب: (فيما يخص نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء فإنه حاشاه ثم حاشاه أن يتدخل في دعواي أو أي دعوى أخرى بهدف تعطيل سيرها كما أنني لم التقِ معه بشأن موضوع الدعوى كما أنني لا أخضع لإشراف نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وما ساقه الكاتب في مطلع الجريدة أمر يخصه هو)، وأن غاية ما في الأمر أن وكيل وزارة العدل أخبره بأن الوزير اتصل برئيس محكمة القضاء الإداري لحل القضايا المتعلقة بالموظفين في الوزارة، وأنه تم بالفعل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسكينه في الدرجة التي يستحقها وعلى ذلك ترك دعواه، إلا أنه تفاجأ بعد ذلك بعدم اهتمام وكيل وزارة العدل بموضوعه وامتناعه عن إصدار القرار الكاشف للتسوية التي تمت بينه ووزارة العدل، وأنه لا علم له عن الاتهامات التي نشرتها الجريدة ضد نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وأن كاتب الموضوع هو من يتحمل مسؤولية الاتهامات التي نشرت، كما أضاف إنه شعر أن هناك مواقف شخصية بين يوسف «كاتب المقال» ووزير العدل حيث قال له يوسف عبارة (أنا هذا الوزير أدوره)، مما دعاه إلى تكثيف الاتصالات به والإلحاح على مراجعة المقال من الناحية القانونية إلا أنه رفض ذلك.
وفي ضوء تلك الأقوال قرر الادعاء العام استدعاء كاتب المقال (يوسف بن خميس البلوشي) المعروف بيوسف الحاج لسماع أقواله حول الواقعة.
أقوال كاتب المقال (يوسف الحاج)
أفاد أنه منذ عام 2008م يعمل كمسؤول للتحرير في مؤسسة الزمن للصحافة والإعلان دون تصريح من الجهة المختصة يمنحه الصلاحية القانونية لمزاولة العمل الصحفي، وبتاريخ 14مايو 2011م نشَر في جريدة الزمن موضوعاً عن وزير العدل ووكيل الوزارة وكان مصدره في ذلك صاحب الموضوع الموظف في وزارة العدل (هارون المقيبلي) والذي كان قد حضر إلى مؤسسة الزمن ومعه مستندات رسمية وأخرى خاصة تتعلق بموضوع دعوى رفعها ضد وزارة العدل أمام محكمة القضاء الإداري بشأن عدم منحه الدرجة المالية التي يستحقها، وأنه تقابل مع الموظف (هارون المقيبلي) وعلم منه أنه ينوي بمحض إرادته نشر موضوعه عبر الصحافة لما لاقاه - حسب قوله - من إهدار لحقه الوظيفي واتهم في ذلك وزير العدل ووكيل الوزارة بمساومته على مستحقاته المالية ومراوغته والتدخل في تعطيل دعواه أثناء نظرها فقام بالنشر دون أن يتبنى رأياً أو اتهاماً ضد وزير العدل ووكيل الوزارة ودون أن يتحقق من المعلومات الواردة على لسان الموظف، لأن ذلك - حسب رأيه - ليس من اختصاصه وغير معني بالبحث عن الحقيقة وإنما يختص بالنشر فقط، وأضاف: إنه بصفته مسؤول التحرير وافق على نشر الموضوع بعد موافقة رئيس التحرير، كما أقر بأنه هو من قام بوضع عناوين الموضوع وأن صورة الميزان التي نشرت ضمن الموضوع قام بتصميمها مخرج الصفحة المدعو (يسري)، وقد وافق على نشرها مع الخبر خاتماً أقواله بأن الموضوع الذي نشره كان بموافقة صاحبه (هارون المقيبلي) الكتابية وهو في حقيقته اتهام من موظف إلى آخر ولا يشكل خرقاً لقانون المطبوعات والنشر حسب رأيه مؤكداً أن الموظف هارون اطلع على موضوع المقال قبل نشره، لكنه لم يطلع على عناوين المقال التي ورد فيها اتهام نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بتعطيل سير الدعوى في محكمة القضاء الإداري.
ونظراً لما لاحظه الادعاء العام من قيام كلا الطرفين بإلقاء اللوم على الطرف الآخر والسعي للتنصل من المسؤولية فقد قرر عقد جلسة مواجهة بين الطرفين حيث تمسك كل منهما بأقواله، فبمواجهة المتهم الثاني الموظف هارون بما أفاد به المتهم الأول كاتب المقال في محضر التحقيق فقد أجاب حرفياً (كل ما ذكره يوسف غير صحيح).
أما المتهم الأول (كاتب المقال) فقد نفى كذلك ما أفاد به المتهم الثاني (الموظف) من أنه رفض طلبه بمراجعة المقال من الناحية القانونية ونفى أنه ذكر له وجود خلاف شخصي بينه وبين الوزير.
وكون المسؤولية لا تنحسر وفقاً لنص المادة (42) من قانون المطبوعات والنشر على كاتب المقال بل تمتد لتشمل رئيس تحرير الصحيفة حيث نصت على أن (يكون لكل صحيفة رئيس تحرير مسؤول يشرف إشرافاً فعلياً عن كل محتوياتها ويكون مسؤولاً عن ما ينشر اتجاه السلطنة واتجاه الغير)، فقد تم استدعاء رئيس تحرير الجريدة.
أقوال رئيس التحرير (ابراهيم المعمري)
أفاد في جلسة التحقيق معه بأنه رئيس مجلس إدارة جريدة الزمن بالإضافة إلى عمله كرئيس تحرير لها، وأنه يقوم بالإشراف الكامل على التحرير والنشر في الجريدة، ولا يتم نشر أي مقال أو تحقيق دون موافقته، وأنه اطلع على موضوع المقال الذي أعده يوسف البلوشي ووافق على نشره بعد أن أكد له الأخير بأن مصدره في ذلك صاحب الشكوى (هارون المقيبلي) أما بالنسبة للصحفيين الذين يعملون في الجريدة وعددهم سبعة من بينهم الكاتب يوسف البلوشي ليس لديهم تراخيص لمزاولة العمل الصحفي عدا واحد فقط، وفيما يتعلق بمعايير النشر وكتابة المقالات والتحقيقات الصحفية فقد أفاد بأن الكاتب يجب أن يتحقق من مدى صحة المعلومة وأن تتوافر الأدلة قبل نشرها وأن تتوافق مع المعايير التي على الكاتب أن يتبعها وهي دقة المعلومات ووجود الإثباتات وقوة المصدر وصياغة الموضوع، أما بالنسبة لإخراج الصورة فإنه يرى بأن المخرج لم يقدر أبعاد تفسير الصورة، وختم أقواله بأنه هو المسؤول عما يكتب وينشر حتى وإن كان لا يتفق مع الكاتب في العناوين التي وضعها أو في طريقة إخراج الصورة، وقد أنكر الاتهام الموجه إليه.
وحيث ثبت من التحقيقات أن كاتب المقال يعمل في المجال الصحفي دون الحصول على الترخيص المنصوص عليه في المادة (60) من قانون المطبوعات والنشر والتي تنص على أنه ((لا يجوز لأي محرر أو كاتب أن يعمل في أية صحيفة ما لم يكن حاصلا على ترخيص بمزاولة المهنة من دائرة المطبوعات والنشر وعلى أصحاب ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء أن لا يعيّنوا في أعمالهم الصحفية بصفة دائمة أو مؤقتة محررين أو كتاباً قبل حصولهم على هذا الترخيص))، فقد تمت مخاطبة وزارة الإعلام لوقف الكاتب عن ممارسة العمل الصحفي.
وبعد انتهاء إجراء التحقيق قام الادعاء العام بدراسة الشكوى دراسة مستفيضة وانتهى بأن الدعوى صالحة للإحالة إلى المحكمة، وذلك لثبوت جريمة إهانة الموظفين والافتراء المؤثمتين بالمادتين (173 و182/2) من قانون الجزاء بحق جميع المتهمين، وتهمة مخالفة الأنظمة الإدارية بحق كاتب المقال ورئيس التحرير، وقد أحيل المتهمون تنفيذاً لقرار الإحالة الصادر من الادعاء العام إلى محكمة مسقط الابتدائية باعتبارها المحكمة المختصة بنظر الدعوى وقد باشرت المحكمة إجراءات المحاكمة في أولى جلساتها المنعقدة بتاريخ 14أغسطس 2011م والتي طلب فيها محامي المتهمين من عدالة المحكمة الاطلاع على ملف الدعوى، وقد أجابت المحكمة ذلك الطلب تكريساً لحقهم القانوني في الدفاع عن المتهمين وقررت المحكمة تحديد جلسة 28 أغسطس 2011م لتمكين المحامين من الاطلاع على ملف الدعوى وإعداد مذكرات الدفاع، وفي يوم الجلسة قدم محامي كاتب المقال ورئيس التحرير جملة من الدفوع الشفوية التي جاءت شرحاً للدفوع الواردة في مذكرتهم، حيث ارتكز دفاع وكيل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة على جملة من الأسباب حاصل الأول منها بطلان إجراءات التحقيق، حيث دفع محامي الدفاع بشأن بطلان إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية وذلك لقيام الادعاء العام بجمع الاستدلالات والتحقيق معاً واستند في ذلك البطلان إلى المادة (208) من ذات القانون، إلا أن ذلك مردود عليه بالمادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أن لمأموري الضبط القضائي أن يستعملوا أثناء قيامهم بجمع الاستدلالات وسائل البحث والاستقصاء التي لا تضر بالأفراد ولا تقيد حرياتهم وليس لأحدهم مباشرة إجراءات التحقيق، فإن هذه المادة تخاطب مأموري الضبط القضائي من غير الادعاء العام ويفهم ذلك أولاً من خلال المواد السابقة (32 و33 و35 و36) من ذات القانون، فضلاً عن أن الادعاء العام هو ممثل المجتمع وهو صاحب الدعوى الأصيلة إذ أن من يملك الكل يملك الجزء وبالتالي فإن الادعاء العام يجوز له اتخاذ كافة الإجراءات من جمع استدلالات واستجواب وغيرها، علما بأن الادعاء العام باشر التحقيق فيها مباشرة لعدم الحاجة إلى جمع الاستدلالات كون طبيعة الجريمة ليست بحاجة إلى بحث واستقصاء لوضوح التهمة ومرتكبيها.
كما دفع المحامي بأن الادعاء العام قام باستجواب المتهمين دون المجني عليهم فضلاً على أنه لم يقدم ما يفيد وجود شكوى كتابية من المجني عليهم الأمر الذي يشوب تلك التحقيقات بالقصور المبطل، وحيث إن هذا الدفع غير سديد ذلك أن الثابت بالأوراق أن الادعاء العام أحال المتهمين إلى عدالة المحكمة لأنهم ارتكبوا جنحتي إهانة موظف عام والافتراء المؤثمتين بالمادتين (173 و281/2) من قانون الجزاء. وقباحة مخالفة الأنظمة الإدارية والمؤثمة بالمادة (312) من قانون الجزاء وجميعها من الدعاوى العمومية التي لم يشترط القانون وجود شكوى من المجني عليه للسير في إجراءات التحقيق، إنما يكفي الإبلاغ عنها سواءً من المجني عليه أو من أي شخص مهما كانت صفته وبأي طريقة أو وسيلة تهدف إلى علم السلطات المختصة بوقوعها، ولكون الجرائم المنسوبة إلى المتهمين في مجملها ليست من الدعاوى الشخصية التي علق المشرع رفعها على شكوى من الفريق المتضرر، ومن ثم فإنها تكون بمنأى عن القيد الوارد في المادة (5) من قانون الإجراءات الجزائية، وللادعاء العام تحريك الدعوى العمومية باسم المجتمع طالما تم الإبلاغ عن جريمة حتى وإن تنازل المجني عليه عن دعواه فللإدعاء العام السير في إجراءات التحقيق والتقرير بشأنها سواءً بالحفظ أو الإحالة وفقاً للأدلة المتوافرة، فضلاً عن أن المجني عليه الأول قد أبلغ الادعاء العام أنهى فيه إلى علمه بأمر الواقعة محل البحث وطالب بتحريك الدعوى العمومية قبل المتهمين، فقد أثبت الادعاء العام ذلك في ديباجة محاضر الاستجواب وقيدت برقم (125/ 2011 ) في السجل المعد لذلك.
وحيث فيما يتعلق بالنعي ببطلان إجراءات التحقيق لخلوها مما يفيد سماع أقوال المجني عليهم فإن هذا الدفع مردود عليه بأن لعضو الادعاء العام سلطة في تقدير الإجراءات المنتجة في الدعوى من سماع لأقوال المجني عليهم أو الشهود أو الانتقال والمعاينة، وأن المادة التي استند عليها الدفاع إنما تخاطب مأموري الضبط القضائي من غير أعضاء الادعاء العام الذين يصل إلى علمهم أمر وقوع الجريمة وليس لهم سلطة تقديرية في الإجراءات المنتجة في الدعوى، وآية ذلك أن المادة (33) نصت في نهايتها على أن (... ويرسل هذا المحضر إلى الادعاء العام مع الأشياء المضبوطة) ولما كان ذلك وكان موضوع الدعوى هو المقال المنشور في جريدة الزمن وقد تضمن عنوان المقال عبارات تشكل إهانة للمجني عليه الأول والثاني والافتراء وأن المتهمين هم كاتب المقال ورئيس تحرير الصحيفة والموظف موضوع المقال، فإن توافر تلك المعلومات يجعل من سماع أقوال المجني عليهما لا تضيف شيئاً، الأمر الذي رأى معه عضو الادعاء العام الاكتفاء بالبلاغ المقدم بحالته مستخدماً في ذلك سلطته التقديرية في تقدير الإجراءات المنتجة في الدعوى والواجب اتخاذها.
وحاصل السبب الثاني إنتفاء جريمة إهانة موظف عام، وقال في بيان ذلك أن الاتهام إن صح جدلاً فإنه لم يصدر من موكليه كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة إذ لم تصدر منهما أي عبارات تمس بكرامة المجني عليهما وإنما اقتصر دورهما على نشر الواقعة التي سردها الموظف فضلاً على توافر سبب من أسباب الإباحة الوارد في نهاية المادة (173) وهو (... إذا ما انطوت الإهانة على إسناد واقعة تستوجب عقاب الموظف أو تؤذي سمعته فيبرأ الظنين إذا كان موضوع ما أسند لهذا الموظف عملاً ذا علاقة بوظيفته وثبت صحته).
وأضاف: إن موكليه كانا يمارسان حقهما في نشر الأخبار طبقاً للمادتين (35 و36) من قانون الجزاء، إلا أن هذا الدفع مردود عليه بأن الجريمة المنسوبة إلى المتهمين جميعاً هي (إهانة موظف عام بطريق النشر) ومن ثم فإن الركن المادي في هذه الجريمة هي نشر العبارات المهينة والمسيئة للمجني عليهما في الصحيفة وهو ما قام به كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة باعتبارهما مسؤولين عن التحرير في الصحيفة ولا يقبل التنصل من المسؤولية الجزائية بحجة أنهما قاما بنشر المعلومات التي أدلى بها الموظف، وحيث فيما يتعلق بتوافر سبب من أسباب الإباحة فلما كانت المادة نصت على أن (... إذا ما انطوت الإهانة على إسناد واقعة تستوجب عقاب الموظف أو تؤذي سمعته فيبرأ الظنين إذا كان موضوع ما أسند لهذا الموظف عملاً ذا علاقة بوظيفته وثبت صحته) فإن مفاد ذلك وجوب ثبوت صحة الاتهام الموجه إلى المجني عليهما، وحيث إن الألفاظ والعبارات محل الدعوى إنما تتهم نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بتعطيل سير دعوى في محكمة القضاء الإداري وخداع الموظف وهو ما لا يجد سنده في الأوراق ولم تثبت صحته ليس ذلك فحسب بل إن الموظف أنكر في محضر استجوابه أن يكون قد اتهم نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بتعطيل سير الدعوى أو أكرهه ولا يعد اعتقاد الموظف أو الصحفي بارتكاب المجني عليهما للفعل ثبوتاً بصحته طالما لم يقم الدليل الجازم على صحة ارتكاب المجني عليهما للفعل الأمر الذي لا تنطبق معه المادة (173).
أما بالنسبة للدفع بانتفاء الأركان القانونية لجريمة الافتراء على سند أن جريمة التدخل لسير الدعاوى لم ينص القانون على عقوبة لها مما يعني عدم توافر الجريمة كونها تتطلب التجريم والعقاب.
ويرد على هذا الدفع بأن جريمة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة المنصوص عليها في المادة (61) من النظام الأساسي التي تعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون فإنه وإن كان القانون لم يفرض لها عقوبة على ارتكابها كنص صريح إلا أن لها صوراً عديدة في قانون الجزاء حيث يعد ذلك من قبيل إساءة استعمال الوظيفة، وفي معرض الجريمة التي قدم بها المتهمون أنهم عزوا للمجني عليهما جريمة (إساءة استعمال الوظيفة ) كونهما تدخلا في سير الدعاوى لاتصالهما اتصالاً مباشراً بالعدالة وشؤون الدعاوى بحكم وظيفتها وهي أحد الأركان المادية لجريمة (التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة) الواردة بالنظام الأساسي.
وحيث فيما يتعلق بدفع وكيل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة بأن فعلهما ما كان إلا استعمالاً لحقهما في نشر الأخبار إعمالاً لأحكام المادتين (35 و36) من قانون الجزاء والمادة (31) من النظام الأساسي للدولة.
فإن ذلك مردود عليه في ذات المادة (31) من النظام الأساسي للدولة إذ تنص على أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ويحضر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه» ومفاد ذلك أن النظام الأساسي أقر حق حرية الصحافة والنشر لكنه ليس مطلقاً إذ لا بد أن تكون ممارسة هذا الحق وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، وبما لا يمس أمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان ومن ثم فلما كان فعل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة يعد إهانة للمجني عليهما فإنه بذلك يخرج عن نطاق الحماية الذي تبسطه المادة (31) من النظام الأساسي للدولة، وحيث فيما يتعلق باستناد الدفاع على المادتين (35 و36) من قانون الجزاء فإن هذا الإستناد في غير محله ذلك أن المادة (35) حددت أسباب التبرير وهي: 1- الدفاع المشروع. 2-إطاعة القانون وأمر السلطة المشروعة وإجازة القانون. 3- حالة الضرورة وليس من بين هذه الحالات حق نشر الأخبار.
أما بالنسبة للمادة (36) التي نصت على أنه لا يعد جريمة الفعل المرتكب في ممارسة حق بغير تجاوز، يعد ممارسة للحق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مثار عن النفس أو الملك أو نفس الغير وملكه، فإن هذا التوظيف غير موفق إذ أن الأوراق قد خلت مما يثبت وجود ضرورة ملحة على التعدي على كرامة المجني عليهما واتهامهما بزعزعة المنشأة القضائية في السلطنة، فضلاً عن أن المادة اشترطت في إباحة الفعل عدم تجاوز حدود استعمال الحق وفي التعدي على كرامة المجني عليهما تجاوز للحدود التي رسمها القانون.
وأضاف وكيل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة أنهما يستعملان حقهما في النقد وبيان ذلك أنهما يعملان لإظهار الأخطاء وإصلاحها ذلك أن النقد هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته.
ويرد على هذا الدفع بأنه في حقيقته دفع لصالح المجني عليهما لا لكاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة، إذ أن البين أن وكيل المتهمين قد وقع في لبس بين ما هو نقد وبين ما هو مساس بكرامة المجني عليهما، فكان من الممكن استعمال الحق في النقد دون استعمال الألفاظ المهينة للمجني عليهما.
وحاصل السبب الرابع هو حسن نية المتهمين الأول (كاتب المقال) والثالث(رئيس التحرير) ذلك أن هذه الجريمة إن صحت فإنما تكون على الموظف أما كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة فقد اقتصر فعلهما على نشر الواقعة فقط، والأصل أن المقال الصحفي وأن قسّ عباراته لا يعتبر قذفاً أو سباً أو إهانة.
وهذا الدفع في غير محله ذلك أن الثابت بالمادة 31 من النظام الأساسي أنها أعطت حرية الصحافة والنشر في حدود القانون وبما لا يمس بكرامة الناس، فضلاً عن أن الفارق شاسع بين النقد وحرية الصحافة وبين إهانة الأشخاص فالناقد والمفكر يسمو بفكره ونقده وتسمو مع هذا السمو ألفاظه وعباراته ومن ثم لا يصح المساواة بين ما هو نقد وبين ما هو مساس بكرامة المجني عليه.
وحيث فيما أشار إليه الدفاع من أن الموظف كان في وضع دفاع شرعي عن ماله ووظيفته فإنه دفعٌ غير موفق فالدفاع الشرعي يكون ضد الخطر الحالّ الذي يهدد حقاً يحميه القانون كالنفس أو المال أو نفس ومال الغير ومعنى الخطر الحالّ أن يكون الخطر وشيك الوقوع أو أنه بدأ ولم ينتهِ ولا سبيل للجوء إلى السلطات العامة لدفع الخطر، ولما كان ذلك وكان الثابت أن الموظف قد لجأ لمحكمة القضاء الإداري وهي المحكمة المختصة للمطالبة بحقه في الدرجة المالية فإنه كذلك له الحق في اللجوء إلى ذات المحكمة مرة أخرى حتى بعد تركه للدعوى.
أما بالنسبة للدفع الذي دفع به المحامي من أن المتهمين رئيس التحرير وكاتب المقال لم ينسبا لنائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء تدخله وتعطيله لسير الدعوى وإنما كان ذلك وفق ما كشفت عنه رسالة الموظف (المتهم الثاني) لرئيس مجلس الشورى.
فإن هذا الدفع مخالف لما هو ثابت بمحاضر التحقيق، ذلك أن الموظف (المتهم الثاني) أنكر منذ فجر التحقيقات أنه تعرض لنائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالتدخل وتعطيل سير الدعوى أو أن يكون قد أكرهه على التنازل عن حقه مؤكداً أنه لم يلتقِ بالوزير بشأن موضوع الدعوى إلا مرة واحدة قبل نشر الموضوع وتظلم أمامه شفاهةً إلا أن الوزير خرج في إجازة، وإنما كان حديثه ودعواه ضد وزارة العدل ووكيل العدل وإن ما ورد في عناوين المقال كان من قبل الكاتب نفسه.
وحيث فيما يتعلق بالدفع الذي أبداه وكيلهما بانقضاء الدعوى العمومية في مخالفة الموظف للأنظمة الإدارية على سند من أن المتهم الأول قد عين في الصحيفة في عام (2008م) وكانت الدعوى تنقضي بمضي سنة من تاريخ ارتكابها.
فإن هذا الدفع مردود عليه بأن جريمة ممارسة العمل الصحفي دون ترخيص من الجرائم المستمرة طالما أن المتهم مازال يمارس العمل الصحفي دون الحصول على ترخيص بذلك ولا تنقضي إلا بمضي المدة القانونية على انقطاع حالة الاستمرار، ولما كان ذلك وكان الثابت بالتحقيق أن الكاتب كان يمارس العمل الصحفي حتى كتابة المقال فإنه بذلك تكون الدعوى قائمة غير منقضية بمضي المدة، ولا يؤثر في ذلك علم وزارة الإعلام بأن المتهم يمارس العمل الصحفي دون ترخيص باعتبارها جهة إشرافا وضبطا.
وبجلسة 21 سبتمبر 2011م أصدرت عدالة المحكمة حكمها في الدعوى الذي قضى بإدانة المتهمين جميعاً بالتهم المنسوبة إليهم ومعاقبتهم بالسجن لمدة خمسة أشهر وإغلاق الجريدة لمدة شهر وتغريم الكاتب ورئيس التحرير مبلغ خمسة ريالات.
و في هذا الإطار يؤكد الادعاء العام بأن المحاكمة تمت وفق إجراءات قانونية صحيحة وقد روعيت جميع حقوق المتهمين من تمكينهم من الاطلاع على ملفات الدعوى وتعيينهم لمحامي الدفاع وإعطائهم مهلة للرد على الاتهامات الموجهة إليهم والدفاع عن أنفسهم، فضلاً عن أن الحكم الصادر في الدعوى ليس نهائياً، ذلك أن الدعوى سوف تنظر أمام محكمة الاستئناف وهي ثاني درجة من درجات التقاضي وقد حددت جلسة 15/ 10/ 2011م لنظر الاستئناف المقدم من المحكوم عليهم.
ويؤكد الادعاء العام على أن الدعوى الجزائية المرفوعة ضد الموظف منفصلة تماماً عن حقه في الدرجة المالية التي ينازع الوزارة عليها في محكمة القضاء الإداري ولا رابط بينهما فذاك حق مكفول له وعليه اللجوء إلى القضاء المختص.
إن أخلاقيات مهنة الصحافة ترافق الصحفي أينما ذهب وتقيده طالما كتب فإن كان التزام الصحفي بالبحث عن الحقيقة احتراماً لحق المواطن فإنه يتوجب عليه كذلك اجتناب المعطيات غير الدقيقة التي تمس شرف الأشخاص أو المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وأن يتفادى القذف والتجريح، كما أن أخلاقيات مهنة الصحافة توجب على الصحفي تحري الدقة وتحمل مسؤولية الرسالة الصادقة والالتزام بأمانة المهمة وشرف المهنة وتحكيم الضمير المهني واحترام القانون العادل وأحكام القضاء النزيه وعدم التدليس على الرأي العام بهدف إثارة الفتن أو المتاجرة والتربح، فالشخص غير المؤهل لممارسة عمل الصحافة يضر بسمعة الصحفيين المهنيين الممارسين لهذه المهنة فالصحفي يجب أن يتلقى تكويناً أكاديمياً أو مهنياً لا سيما التكوين القانوني، ولا يقبل القول بأن ليس على الصحفي السعي للتحقق من المعلومات التي يكتبها وإن دوره يقتصر على مجرد الكتابة والنشر، وعلى من يعترض على مقالاته الرد عليها عبر الصحيفة، لأن ذلك لا يتفق مع المنطق السليم ومع أساسيات العمل الصحفي الذي يسعى إلى إظهار الحقائق وليس إلى المهاترات عبر الصحف.
كما يؤكد الادعاء العام بأن القضاء له هيبته ولا يجوز المساس به فلقد أكد النظام الأساسي للدولة في المواد (59 و60 و61) على استقلاله ووجوب احترام أحكامه، ومن ثم فإن احترام أحكام القضاء أياً كانت واجب باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق العدالة ومنع الفوضى والتعدي على الآخرين، والعكس صحيح فما لم يُحترم القضاة والقضاء ويحفظ لهم هيبتهم فإن الفوضى هي التي سوف تسود وسيؤدي ذلك إلى خلل خطير في ميزان العدالة، فمحاولة النيل من سمعة القضاة والتشكيك في نزاهتهم هو تقويضاً لأسس النظام والقانون.
أن القضاء هو الضمانة الحقيقية لممارسة حرية مسؤولة لا يتعدى في ظلها أحد على حقوق الآخرين، وعلى الذين يطالبون بالحقوق والحريات وبسيادة القانون أن يحترموا أحكام القضاء وأن لا يتعاملوا معها بمعايير مزدوجة فإن جاءت لصالحهم وضد خصومهم فهي العدالة والإنصاف، أما إن كانت ضدهم فإنها التعسف والظلم والأحكام الجائرة والتي ينبغي رفضها ووصفها بأبشع الأوصاف والإساءة والتطاول على القضاة الذين أصدروها، وحيث أن ذلك يعد إخلالاً بالنظام العام والآداب العامة ويثير البغضاء ويبث روح الشقاق بين أفراد المجتمع فقد جرمت المادة (31) من قانون المطبوعات والنشر ذلك ونصت على أنه ((لا يجوز نشر كل ما من شأنه التحريض على إرتكاب الجرائم أو إثارة البغضاء أو إشاعة الفحشاء أو بث روح الشقاق بين أفراد المجتمع))، كما أن المادتان (16) و(19) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالنسبة للذين يقومون بالكتابة في المنتديات الكترونية نصتا على أنه ((يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال ولا تزيد عن خمسة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهواتف النقالة المزودة بآلة تصوير في الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد وذلك بالتقاط صور أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئية تتصل بها ولو كانت صحيحة، أو في التعدي على الغير بالسب أو القذف))، ((يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال ولا تزيد ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أستخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل ما من شأنه أو ينطوي على المساس بالقيم الدينية أو بالنظام العام)).
ويهيب الادعاء العام إلى أن ممارسة حق حرية التعبير عن الرأي لابد أن يكون مبنيا على معرفة المعلومات الدقيقة وعلى فهم صحيح للواقع فإذا بني ذلك الرأي على غير معرفة فإن آثاره على المجتمع حتماً ستكون سلبية، ومن منطلق الأمانة القانونية نود أن نشير الى أنه ليس بالضرورة أن تكون الدفوع المثارة من قبل المحاميين بشكل عام أو الذين يدلون بآرائهم القانونية أن تكون هي الصحيحة وواجبة التطبيق وإنما وفقاً لغايات المشرع والأحكام القضائية التي تطبق القوانين بما يحقق العدالة بين أفراد المجتمع بعيداً عن التأثر بما يتداوله الرأي العام
Sat, 01 أكتوبر 2011
المادة «29» من النظام الأساسي تؤكد أن حريـــــــة التعبير مكفولة في حدود القانون
احترام القضاء وهيبته هو الضمانة الحقيقية لممارسة حرية مســــــــؤولة لا يتعدى في ظلها أحد على حقوق الآخرين
يؤمن الادعاء العام بأن حرية الصحافة والتعبير عن الرأي هي عصب الحريات العامة ومكونها الرئيسي وهي حق لكل مواطن إلا أن هذه الحرية لابد أن تكون مسؤولة وفي حدود القانون وبما يمليه الضمير المهني السليم؛ لأن إطلاق الحريات خارج المنظومة القانونية من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية تقود حتماً إلى فوضى مطلقة، وكما أن الادعاء العام وضع حرية التعبير عن الرأي أساساً في التعامل مع قضايا الرأي فإنه كذلك يعمل على التوفيق بين الحق في التعبير عن الرأي من خلال الصحافة وحق المتضرر في اللجوء إلى القضاء لرفع الضرر عنه، ومن منطلق مبدأ الشفافية التي انتهجها الادعاء العام في طرحه للموضوعات
وخلافاً لما ورد في صحيفة الزمن وما تناقلته المواقع الالكترونية، وتأويلاتها حول الواقعة من جانب واحد دون الرجوع إلى الجهة المختصة ودون أن يكون لديهم العلم التام بالتفاصيل الدقيقة للموضوع فإن الادعاء العام يعرض تفاصيل وملابسات الدعوى والإجراءات التي تمت بشأنها.
غير أنه في البداية يجب الإشارة إلى أن هذه الدعوى ليست الأولى التي رفعت ضد جريدة الزمن، حيث تلقى الادعاء العام مجموعة من البلاغات ضد الجريدة قبل هذه الدعوى وقد أصدر الادعاء العام بشأنها قرارات حفظ لصالح جريدة الزمن على اعتبار أنها لا تشكل مخالفات للقانون وكانت إحدى هذه الدعاوى مقدمة من وزارة العدل، كما توجد في الوقت الحالي دعوى مرفوعة من أحد الموظفين تتضمن نشر الجريدة معلومات غير صحيحة وقد تم التحقيق فيها وحالياً بصدد إحالتها إلى عدالة المحكمة الإبتدائية بمسقط، ودعوى أخرى تظلم المجني عليه من قرار الحفظ الصادر أمام محكمة الإستئناف وسوف ينظر فيه بتاريخ 8/ 10/ 2011.
القضايا المرفوعة ضد جريدة الزمن
1- القضية رقم 9/ 2009 مرفوعة من وزارة العدل بتاريخ 21/ 4/ 2009، حُفظت لصالح الجريدة.
2- القضية رقم 11/ 2010م مرفوعة من أحد المواطنين بتاريخ 6/ 2/ 2010م، حُفظت لصالح الجريدة.
3- القضية رقم 16/ 2010م مرفوعة من أحد المواطنين بتاريخ 12 /4/ 2010م، حُفظت لصالح الجريدة.
4- القضية رقم 137 /2011م مرفوعة من أحد المواطنين بتاريخ 31/ 5/ 2011م، حُفظت لعدم قيام الجرم، وقد تظلم المجني عليه أمام محكمة الاستئناف بمسقط وقد حدد لها جلسة للنظر بتاريخ 8 /10/ 2011م.
5- القضية رقم 174/ 2011م مرفوعة من أحد الموظفين بتاريخ 17/ 7/ 2011م، قد صدر بها قرار بالإحالة وهي قيد الإحالة إلى المحكمة الابتدائية.
وتتلخص وقائع الدعوى في أنه بتاريخ 14 مايو 2011م تلقى الادعاء العام بلاغاً من وزير العدل ضد جريدة الزمن مضمونه أن الجريدة نشرت مقالاً بذات التاريخ أساء إليه وعلى ضوء ذلك فقد باشر الادعاء العام إجراءات التحقيق بعد التثبت من صحة الواقعة حيث تم استدعاء (الموظف/هارون المقيبلي) لسماع أقواله:
أقوال الموظف (هارون المقيبلي)
أفاد أنه الموظف المقصود في موضوع المقال المنشور في جريدة الزمن بتاريخ 14 مايو 2011م وكان قد قدم مجموعة من المستندات إلى يوسف البلوشي وطلب منه نشر مقال عن قضيته التي رفعها أمام محكمة القضاء الإداري، وأنه طلب منه مراجعة المقال قبل نشره إلا أن الكاتب رفض ذلك بحجة أن المقال ليس منشوراً على حسابه بل ستتكفل الصحيفة بنشر الموضوع دون مقابل ومن ثم لا داعي لمراجعة المقال مؤكداً أنه لم يتهم وزير العدل (نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء) بأنه تدخل في تعطيل سير الدعوى في المحكمة ولم يكرهه أو يطلب منه التنازل عن مستحقاته المالية مقابل توقيع القرار حيث ورد على لسانه حرفياً في محضر الاستجواب: (فيما يخص نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء فإنه حاشاه ثم حاشاه أن يتدخل في دعواي أو أي دعوى أخرى بهدف تعطيل سيرها كما أنني لم التقِ معه بشأن موضوع الدعوى كما أنني لا أخضع لإشراف نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وما ساقه الكاتب في مطلع الجريدة أمر يخصه هو)، وأن غاية ما في الأمر أن وكيل وزارة العدل أخبره بأن الوزير اتصل برئيس محكمة القضاء الإداري لحل القضايا المتعلقة بالموظفين في الوزارة، وأنه تم بالفعل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسكينه في الدرجة التي يستحقها وعلى ذلك ترك دعواه، إلا أنه تفاجأ بعد ذلك بعدم اهتمام وكيل وزارة العدل بموضوعه وامتناعه عن إصدار القرار الكاشف للتسوية التي تمت بينه ووزارة العدل، وأنه لا علم له عن الاتهامات التي نشرتها الجريدة ضد نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وأن كاتب الموضوع هو من يتحمل مسؤولية الاتهامات التي نشرت، كما أضاف إنه شعر أن هناك مواقف شخصية بين يوسف «كاتب المقال» ووزير العدل حيث قال له يوسف عبارة (أنا هذا الوزير أدوره)، مما دعاه إلى تكثيف الاتصالات به والإلحاح على مراجعة المقال من الناحية القانونية إلا أنه رفض ذلك.
وفي ضوء تلك الأقوال قرر الادعاء العام استدعاء كاتب المقال (يوسف بن خميس البلوشي) المعروف بيوسف الحاج لسماع أقواله حول الواقعة.
أقوال كاتب المقال (يوسف الحاج)
أفاد أنه منذ عام 2008م يعمل كمسؤول للتحرير في مؤسسة الزمن للصحافة والإعلان دون تصريح من الجهة المختصة يمنحه الصلاحية القانونية لمزاولة العمل الصحفي، وبتاريخ 14مايو 2011م نشَر في جريدة الزمن موضوعاً عن وزير العدل ووكيل الوزارة وكان مصدره في ذلك صاحب الموضوع الموظف في وزارة العدل (هارون المقيبلي) والذي كان قد حضر إلى مؤسسة الزمن ومعه مستندات رسمية وأخرى خاصة تتعلق بموضوع دعوى رفعها ضد وزارة العدل أمام محكمة القضاء الإداري بشأن عدم منحه الدرجة المالية التي يستحقها، وأنه تقابل مع الموظف (هارون المقيبلي) وعلم منه أنه ينوي بمحض إرادته نشر موضوعه عبر الصحافة لما لاقاه - حسب قوله - من إهدار لحقه الوظيفي واتهم في ذلك وزير العدل ووكيل الوزارة بمساومته على مستحقاته المالية ومراوغته والتدخل في تعطيل دعواه أثناء نظرها فقام بالنشر دون أن يتبنى رأياً أو اتهاماً ضد وزير العدل ووكيل الوزارة ودون أن يتحقق من المعلومات الواردة على لسان الموظف، لأن ذلك - حسب رأيه - ليس من اختصاصه وغير معني بالبحث عن الحقيقة وإنما يختص بالنشر فقط، وأضاف: إنه بصفته مسؤول التحرير وافق على نشر الموضوع بعد موافقة رئيس التحرير، كما أقر بأنه هو من قام بوضع عناوين الموضوع وأن صورة الميزان التي نشرت ضمن الموضوع قام بتصميمها مخرج الصفحة المدعو (يسري)، وقد وافق على نشرها مع الخبر خاتماً أقواله بأن الموضوع الذي نشره كان بموافقة صاحبه (هارون المقيبلي) الكتابية وهو في حقيقته اتهام من موظف إلى آخر ولا يشكل خرقاً لقانون المطبوعات والنشر حسب رأيه مؤكداً أن الموظف هارون اطلع على موضوع المقال قبل نشره، لكنه لم يطلع على عناوين المقال التي ورد فيها اتهام نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بتعطيل سير الدعوى في محكمة القضاء الإداري.
ونظراً لما لاحظه الادعاء العام من قيام كلا الطرفين بإلقاء اللوم على الطرف الآخر والسعي للتنصل من المسؤولية فقد قرر عقد جلسة مواجهة بين الطرفين حيث تمسك كل منهما بأقواله، فبمواجهة المتهم الثاني الموظف هارون بما أفاد به المتهم الأول كاتب المقال في محضر التحقيق فقد أجاب حرفياً (كل ما ذكره يوسف غير صحيح).
أما المتهم الأول (كاتب المقال) فقد نفى كذلك ما أفاد به المتهم الثاني (الموظف) من أنه رفض طلبه بمراجعة المقال من الناحية القانونية ونفى أنه ذكر له وجود خلاف شخصي بينه وبين الوزير.
وكون المسؤولية لا تنحسر وفقاً لنص المادة (42) من قانون المطبوعات والنشر على كاتب المقال بل تمتد لتشمل رئيس تحرير الصحيفة حيث نصت على أن (يكون لكل صحيفة رئيس تحرير مسؤول يشرف إشرافاً فعلياً عن كل محتوياتها ويكون مسؤولاً عن ما ينشر اتجاه السلطنة واتجاه الغير)، فقد تم استدعاء رئيس تحرير الجريدة.
أقوال رئيس التحرير (ابراهيم المعمري)
أفاد في جلسة التحقيق معه بأنه رئيس مجلس إدارة جريدة الزمن بالإضافة إلى عمله كرئيس تحرير لها، وأنه يقوم بالإشراف الكامل على التحرير والنشر في الجريدة، ولا يتم نشر أي مقال أو تحقيق دون موافقته، وأنه اطلع على موضوع المقال الذي أعده يوسف البلوشي ووافق على نشره بعد أن أكد له الأخير بأن مصدره في ذلك صاحب الشكوى (هارون المقيبلي) أما بالنسبة للصحفيين الذين يعملون في الجريدة وعددهم سبعة من بينهم الكاتب يوسف البلوشي ليس لديهم تراخيص لمزاولة العمل الصحفي عدا واحد فقط، وفيما يتعلق بمعايير النشر وكتابة المقالات والتحقيقات الصحفية فقد أفاد بأن الكاتب يجب أن يتحقق من مدى صحة المعلومة وأن تتوافر الأدلة قبل نشرها وأن تتوافق مع المعايير التي على الكاتب أن يتبعها وهي دقة المعلومات ووجود الإثباتات وقوة المصدر وصياغة الموضوع، أما بالنسبة لإخراج الصورة فإنه يرى بأن المخرج لم يقدر أبعاد تفسير الصورة، وختم أقواله بأنه هو المسؤول عما يكتب وينشر حتى وإن كان لا يتفق مع الكاتب في العناوين التي وضعها أو في طريقة إخراج الصورة، وقد أنكر الاتهام الموجه إليه.
وحيث ثبت من التحقيقات أن كاتب المقال يعمل في المجال الصحفي دون الحصول على الترخيص المنصوص عليه في المادة (60) من قانون المطبوعات والنشر والتي تنص على أنه ((لا يجوز لأي محرر أو كاتب أن يعمل في أية صحيفة ما لم يكن حاصلا على ترخيص بمزاولة المهنة من دائرة المطبوعات والنشر وعلى أصحاب ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية ووكالات الأنباء أن لا يعيّنوا في أعمالهم الصحفية بصفة دائمة أو مؤقتة محررين أو كتاباً قبل حصولهم على هذا الترخيص))، فقد تمت مخاطبة وزارة الإعلام لوقف الكاتب عن ممارسة العمل الصحفي.
وبعد انتهاء إجراء التحقيق قام الادعاء العام بدراسة الشكوى دراسة مستفيضة وانتهى بأن الدعوى صالحة للإحالة إلى المحكمة، وذلك لثبوت جريمة إهانة الموظفين والافتراء المؤثمتين بالمادتين (173 و182/2) من قانون الجزاء بحق جميع المتهمين، وتهمة مخالفة الأنظمة الإدارية بحق كاتب المقال ورئيس التحرير، وقد أحيل المتهمون تنفيذاً لقرار الإحالة الصادر من الادعاء العام إلى محكمة مسقط الابتدائية باعتبارها المحكمة المختصة بنظر الدعوى وقد باشرت المحكمة إجراءات المحاكمة في أولى جلساتها المنعقدة بتاريخ 14أغسطس 2011م والتي طلب فيها محامي المتهمين من عدالة المحكمة الاطلاع على ملف الدعوى، وقد أجابت المحكمة ذلك الطلب تكريساً لحقهم القانوني في الدفاع عن المتهمين وقررت المحكمة تحديد جلسة 28 أغسطس 2011م لتمكين المحامين من الاطلاع على ملف الدعوى وإعداد مذكرات الدفاع، وفي يوم الجلسة قدم محامي كاتب المقال ورئيس التحرير جملة من الدفوع الشفوية التي جاءت شرحاً للدفوع الواردة في مذكرتهم، حيث ارتكز دفاع وكيل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة على جملة من الأسباب حاصل الأول منها بطلان إجراءات التحقيق، حيث دفع محامي الدفاع بشأن بطلان إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية وذلك لقيام الادعاء العام بجمع الاستدلالات والتحقيق معاً واستند في ذلك البطلان إلى المادة (208) من ذات القانون، إلا أن ذلك مردود عليه بالمادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أن لمأموري الضبط القضائي أن يستعملوا أثناء قيامهم بجمع الاستدلالات وسائل البحث والاستقصاء التي لا تضر بالأفراد ولا تقيد حرياتهم وليس لأحدهم مباشرة إجراءات التحقيق، فإن هذه المادة تخاطب مأموري الضبط القضائي من غير الادعاء العام ويفهم ذلك أولاً من خلال المواد السابقة (32 و33 و35 و36) من ذات القانون، فضلاً عن أن الادعاء العام هو ممثل المجتمع وهو صاحب الدعوى الأصيلة إذ أن من يملك الكل يملك الجزء وبالتالي فإن الادعاء العام يجوز له اتخاذ كافة الإجراءات من جمع استدلالات واستجواب وغيرها، علما بأن الادعاء العام باشر التحقيق فيها مباشرة لعدم الحاجة إلى جمع الاستدلالات كون طبيعة الجريمة ليست بحاجة إلى بحث واستقصاء لوضوح التهمة ومرتكبيها.
كما دفع المحامي بأن الادعاء العام قام باستجواب المتهمين دون المجني عليهم فضلاً على أنه لم يقدم ما يفيد وجود شكوى كتابية من المجني عليهم الأمر الذي يشوب تلك التحقيقات بالقصور المبطل، وحيث إن هذا الدفع غير سديد ذلك أن الثابت بالأوراق أن الادعاء العام أحال المتهمين إلى عدالة المحكمة لأنهم ارتكبوا جنحتي إهانة موظف عام والافتراء المؤثمتين بالمادتين (173 و281/2) من قانون الجزاء. وقباحة مخالفة الأنظمة الإدارية والمؤثمة بالمادة (312) من قانون الجزاء وجميعها من الدعاوى العمومية التي لم يشترط القانون وجود شكوى من المجني عليه للسير في إجراءات التحقيق، إنما يكفي الإبلاغ عنها سواءً من المجني عليه أو من أي شخص مهما كانت صفته وبأي طريقة أو وسيلة تهدف إلى علم السلطات المختصة بوقوعها، ولكون الجرائم المنسوبة إلى المتهمين في مجملها ليست من الدعاوى الشخصية التي علق المشرع رفعها على شكوى من الفريق المتضرر، ومن ثم فإنها تكون بمنأى عن القيد الوارد في المادة (5) من قانون الإجراءات الجزائية، وللادعاء العام تحريك الدعوى العمومية باسم المجتمع طالما تم الإبلاغ عن جريمة حتى وإن تنازل المجني عليه عن دعواه فللإدعاء العام السير في إجراءات التحقيق والتقرير بشأنها سواءً بالحفظ أو الإحالة وفقاً للأدلة المتوافرة، فضلاً عن أن المجني عليه الأول قد أبلغ الادعاء العام أنهى فيه إلى علمه بأمر الواقعة محل البحث وطالب بتحريك الدعوى العمومية قبل المتهمين، فقد أثبت الادعاء العام ذلك في ديباجة محاضر الاستجواب وقيدت برقم (125/ 2011 ) في السجل المعد لذلك.
وحيث فيما يتعلق بالنعي ببطلان إجراءات التحقيق لخلوها مما يفيد سماع أقوال المجني عليهم فإن هذا الدفع مردود عليه بأن لعضو الادعاء العام سلطة في تقدير الإجراءات المنتجة في الدعوى من سماع لأقوال المجني عليهم أو الشهود أو الانتقال والمعاينة، وأن المادة التي استند عليها الدفاع إنما تخاطب مأموري الضبط القضائي من غير أعضاء الادعاء العام الذين يصل إلى علمهم أمر وقوع الجريمة وليس لهم سلطة تقديرية في الإجراءات المنتجة في الدعوى، وآية ذلك أن المادة (33) نصت في نهايتها على أن (... ويرسل هذا المحضر إلى الادعاء العام مع الأشياء المضبوطة) ولما كان ذلك وكان موضوع الدعوى هو المقال المنشور في جريدة الزمن وقد تضمن عنوان المقال عبارات تشكل إهانة للمجني عليه الأول والثاني والافتراء وأن المتهمين هم كاتب المقال ورئيس تحرير الصحيفة والموظف موضوع المقال، فإن توافر تلك المعلومات يجعل من سماع أقوال المجني عليهما لا تضيف شيئاً، الأمر الذي رأى معه عضو الادعاء العام الاكتفاء بالبلاغ المقدم بحالته مستخدماً في ذلك سلطته التقديرية في تقدير الإجراءات المنتجة في الدعوى والواجب اتخاذها.
وحاصل السبب الثاني إنتفاء جريمة إهانة موظف عام، وقال في بيان ذلك أن الاتهام إن صح جدلاً فإنه لم يصدر من موكليه كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة إذ لم تصدر منهما أي عبارات تمس بكرامة المجني عليهما وإنما اقتصر دورهما على نشر الواقعة التي سردها الموظف فضلاً على توافر سبب من أسباب الإباحة الوارد في نهاية المادة (173) وهو (... إذا ما انطوت الإهانة على إسناد واقعة تستوجب عقاب الموظف أو تؤذي سمعته فيبرأ الظنين إذا كان موضوع ما أسند لهذا الموظف عملاً ذا علاقة بوظيفته وثبت صحته).
وأضاف: إن موكليه كانا يمارسان حقهما في نشر الأخبار طبقاً للمادتين (35 و36) من قانون الجزاء، إلا أن هذا الدفع مردود عليه بأن الجريمة المنسوبة إلى المتهمين جميعاً هي (إهانة موظف عام بطريق النشر) ومن ثم فإن الركن المادي في هذه الجريمة هي نشر العبارات المهينة والمسيئة للمجني عليهما في الصحيفة وهو ما قام به كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة باعتبارهما مسؤولين عن التحرير في الصحيفة ولا يقبل التنصل من المسؤولية الجزائية بحجة أنهما قاما بنشر المعلومات التي أدلى بها الموظف، وحيث فيما يتعلق بتوافر سبب من أسباب الإباحة فلما كانت المادة نصت على أن (... إذا ما انطوت الإهانة على إسناد واقعة تستوجب عقاب الموظف أو تؤذي سمعته فيبرأ الظنين إذا كان موضوع ما أسند لهذا الموظف عملاً ذا علاقة بوظيفته وثبت صحته) فإن مفاد ذلك وجوب ثبوت صحة الاتهام الموجه إلى المجني عليهما، وحيث إن الألفاظ والعبارات محل الدعوى إنما تتهم نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بتعطيل سير دعوى في محكمة القضاء الإداري وخداع الموظف وهو ما لا يجد سنده في الأوراق ولم تثبت صحته ليس ذلك فحسب بل إن الموظف أنكر في محضر استجوابه أن يكون قد اتهم نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بتعطيل سير الدعوى أو أكرهه ولا يعد اعتقاد الموظف أو الصحفي بارتكاب المجني عليهما للفعل ثبوتاً بصحته طالما لم يقم الدليل الجازم على صحة ارتكاب المجني عليهما للفعل الأمر الذي لا تنطبق معه المادة (173).
أما بالنسبة للدفع بانتفاء الأركان القانونية لجريمة الافتراء على سند أن جريمة التدخل لسير الدعاوى لم ينص القانون على عقوبة لها مما يعني عدم توافر الجريمة كونها تتطلب التجريم والعقاب.
ويرد على هذا الدفع بأن جريمة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة المنصوص عليها في المادة (61) من النظام الأساسي التي تعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون فإنه وإن كان القانون لم يفرض لها عقوبة على ارتكابها كنص صريح إلا أن لها صوراً عديدة في قانون الجزاء حيث يعد ذلك من قبيل إساءة استعمال الوظيفة، وفي معرض الجريمة التي قدم بها المتهمون أنهم عزوا للمجني عليهما جريمة (إساءة استعمال الوظيفة ) كونهما تدخلا في سير الدعاوى لاتصالهما اتصالاً مباشراً بالعدالة وشؤون الدعاوى بحكم وظيفتها وهي أحد الأركان المادية لجريمة (التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة) الواردة بالنظام الأساسي.
وحيث فيما يتعلق بدفع وكيل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة بأن فعلهما ما كان إلا استعمالاً لحقهما في نشر الأخبار إعمالاً لأحكام المادتين (35 و36) من قانون الجزاء والمادة (31) من النظام الأساسي للدولة.
فإن ذلك مردود عليه في ذات المادة (31) من النظام الأساسي للدولة إذ تنص على أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ويحضر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه» ومفاد ذلك أن النظام الأساسي أقر حق حرية الصحافة والنشر لكنه ليس مطلقاً إذ لا بد أن تكون ممارسة هذا الحق وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، وبما لا يمس أمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان ومن ثم فلما كان فعل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة يعد إهانة للمجني عليهما فإنه بذلك يخرج عن نطاق الحماية الذي تبسطه المادة (31) من النظام الأساسي للدولة، وحيث فيما يتعلق باستناد الدفاع على المادتين (35 و36) من قانون الجزاء فإن هذا الإستناد في غير محله ذلك أن المادة (35) حددت أسباب التبرير وهي: 1- الدفاع المشروع. 2-إطاعة القانون وأمر السلطة المشروعة وإجازة القانون. 3- حالة الضرورة وليس من بين هذه الحالات حق نشر الأخبار.
أما بالنسبة للمادة (36) التي نصت على أنه لا يعد جريمة الفعل المرتكب في ممارسة حق بغير تجاوز، يعد ممارسة للحق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق ولا مثار عن النفس أو الملك أو نفس الغير وملكه، فإن هذا التوظيف غير موفق إذ أن الأوراق قد خلت مما يثبت وجود ضرورة ملحة على التعدي على كرامة المجني عليهما واتهامهما بزعزعة المنشأة القضائية في السلطنة، فضلاً عن أن المادة اشترطت في إباحة الفعل عدم تجاوز حدود استعمال الحق وفي التعدي على كرامة المجني عليهما تجاوز للحدود التي رسمها القانون.
وأضاف وكيل كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة أنهما يستعملان حقهما في النقد وبيان ذلك أنهما يعملان لإظهار الأخطاء وإصلاحها ذلك أن النقد هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته.
ويرد على هذا الدفع بأنه في حقيقته دفع لصالح المجني عليهما لا لكاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة، إذ أن البين أن وكيل المتهمين قد وقع في لبس بين ما هو نقد وبين ما هو مساس بكرامة المجني عليهما، فكان من الممكن استعمال الحق في النقد دون استعمال الألفاظ المهينة للمجني عليهما.
وحاصل السبب الرابع هو حسن نية المتهمين الأول (كاتب المقال) والثالث(رئيس التحرير) ذلك أن هذه الجريمة إن صحت فإنما تكون على الموظف أما كاتب المقال ورئيس تحرير الجريدة فقد اقتصر فعلهما على نشر الواقعة فقط، والأصل أن المقال الصحفي وأن قسّ عباراته لا يعتبر قذفاً أو سباً أو إهانة.
وهذا الدفع في غير محله ذلك أن الثابت بالمادة 31 من النظام الأساسي أنها أعطت حرية الصحافة والنشر في حدود القانون وبما لا يمس بكرامة الناس، فضلاً عن أن الفارق شاسع بين النقد وحرية الصحافة وبين إهانة الأشخاص فالناقد والمفكر يسمو بفكره ونقده وتسمو مع هذا السمو ألفاظه وعباراته ومن ثم لا يصح المساواة بين ما هو نقد وبين ما هو مساس بكرامة المجني عليه.
وحيث فيما أشار إليه الدفاع من أن الموظف كان في وضع دفاع شرعي عن ماله ووظيفته فإنه دفعٌ غير موفق فالدفاع الشرعي يكون ضد الخطر الحالّ الذي يهدد حقاً يحميه القانون كالنفس أو المال أو نفس ومال الغير ومعنى الخطر الحالّ أن يكون الخطر وشيك الوقوع أو أنه بدأ ولم ينتهِ ولا سبيل للجوء إلى السلطات العامة لدفع الخطر، ولما كان ذلك وكان الثابت أن الموظف قد لجأ لمحكمة القضاء الإداري وهي المحكمة المختصة للمطالبة بحقه في الدرجة المالية فإنه كذلك له الحق في اللجوء إلى ذات المحكمة مرة أخرى حتى بعد تركه للدعوى.
أما بالنسبة للدفع الذي دفع به المحامي من أن المتهمين رئيس التحرير وكاتب المقال لم ينسبا لنائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء تدخله وتعطيله لسير الدعوى وإنما كان ذلك وفق ما كشفت عنه رسالة الموظف (المتهم الثاني) لرئيس مجلس الشورى.
فإن هذا الدفع مخالف لما هو ثابت بمحاضر التحقيق، ذلك أن الموظف (المتهم الثاني) أنكر منذ فجر التحقيقات أنه تعرض لنائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالتدخل وتعطيل سير الدعوى أو أن يكون قد أكرهه على التنازل عن حقه مؤكداً أنه لم يلتقِ بالوزير بشأن موضوع الدعوى إلا مرة واحدة قبل نشر الموضوع وتظلم أمامه شفاهةً إلا أن الوزير خرج في إجازة، وإنما كان حديثه ودعواه ضد وزارة العدل ووكيل العدل وإن ما ورد في عناوين المقال كان من قبل الكاتب نفسه.
وحيث فيما يتعلق بالدفع الذي أبداه وكيلهما بانقضاء الدعوى العمومية في مخالفة الموظف للأنظمة الإدارية على سند من أن المتهم الأول قد عين في الصحيفة في عام (2008م) وكانت الدعوى تنقضي بمضي سنة من تاريخ ارتكابها.
فإن هذا الدفع مردود عليه بأن جريمة ممارسة العمل الصحفي دون ترخيص من الجرائم المستمرة طالما أن المتهم مازال يمارس العمل الصحفي دون الحصول على ترخيص بذلك ولا تنقضي إلا بمضي المدة القانونية على انقطاع حالة الاستمرار، ولما كان ذلك وكان الثابت بالتحقيق أن الكاتب كان يمارس العمل الصحفي حتى كتابة المقال فإنه بذلك تكون الدعوى قائمة غير منقضية بمضي المدة، ولا يؤثر في ذلك علم وزارة الإعلام بأن المتهم يمارس العمل الصحفي دون ترخيص باعتبارها جهة إشرافا وضبطا.
وبجلسة 21 سبتمبر 2011م أصدرت عدالة المحكمة حكمها في الدعوى الذي قضى بإدانة المتهمين جميعاً بالتهم المنسوبة إليهم ومعاقبتهم بالسجن لمدة خمسة أشهر وإغلاق الجريدة لمدة شهر وتغريم الكاتب ورئيس التحرير مبلغ خمسة ريالات.
و في هذا الإطار يؤكد الادعاء العام بأن المحاكمة تمت وفق إجراءات قانونية صحيحة وقد روعيت جميع حقوق المتهمين من تمكينهم من الاطلاع على ملفات الدعوى وتعيينهم لمحامي الدفاع وإعطائهم مهلة للرد على الاتهامات الموجهة إليهم والدفاع عن أنفسهم، فضلاً عن أن الحكم الصادر في الدعوى ليس نهائياً، ذلك أن الدعوى سوف تنظر أمام محكمة الاستئناف وهي ثاني درجة من درجات التقاضي وقد حددت جلسة 15/ 10/ 2011م لنظر الاستئناف المقدم من المحكوم عليهم.
ويؤكد الادعاء العام على أن الدعوى الجزائية المرفوعة ضد الموظف منفصلة تماماً عن حقه في الدرجة المالية التي ينازع الوزارة عليها في محكمة القضاء الإداري ولا رابط بينهما فذاك حق مكفول له وعليه اللجوء إلى القضاء المختص.
إن أخلاقيات مهنة الصحافة ترافق الصحفي أينما ذهب وتقيده طالما كتب فإن كان التزام الصحفي بالبحث عن الحقيقة احتراماً لحق المواطن فإنه يتوجب عليه كذلك اجتناب المعطيات غير الدقيقة التي تمس شرف الأشخاص أو المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وأن يتفادى القذف والتجريح، كما أن أخلاقيات مهنة الصحافة توجب على الصحفي تحري الدقة وتحمل مسؤولية الرسالة الصادقة والالتزام بأمانة المهمة وشرف المهنة وتحكيم الضمير المهني واحترام القانون العادل وأحكام القضاء النزيه وعدم التدليس على الرأي العام بهدف إثارة الفتن أو المتاجرة والتربح، فالشخص غير المؤهل لممارسة عمل الصحافة يضر بسمعة الصحفيين المهنيين الممارسين لهذه المهنة فالصحفي يجب أن يتلقى تكويناً أكاديمياً أو مهنياً لا سيما التكوين القانوني، ولا يقبل القول بأن ليس على الصحفي السعي للتحقق من المعلومات التي يكتبها وإن دوره يقتصر على مجرد الكتابة والنشر، وعلى من يعترض على مقالاته الرد عليها عبر الصحيفة، لأن ذلك لا يتفق مع المنطق السليم ومع أساسيات العمل الصحفي الذي يسعى إلى إظهار الحقائق وليس إلى المهاترات عبر الصحف.
كما يؤكد الادعاء العام بأن القضاء له هيبته ولا يجوز المساس به فلقد أكد النظام الأساسي للدولة في المواد (59 و60 و61) على استقلاله ووجوب احترام أحكامه، ومن ثم فإن احترام أحكام القضاء أياً كانت واجب باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق العدالة ومنع الفوضى والتعدي على الآخرين، والعكس صحيح فما لم يُحترم القضاة والقضاء ويحفظ لهم هيبتهم فإن الفوضى هي التي سوف تسود وسيؤدي ذلك إلى خلل خطير في ميزان العدالة، فمحاولة النيل من سمعة القضاة والتشكيك في نزاهتهم هو تقويضاً لأسس النظام والقانون.
أن القضاء هو الضمانة الحقيقية لممارسة حرية مسؤولة لا يتعدى في ظلها أحد على حقوق الآخرين، وعلى الذين يطالبون بالحقوق والحريات وبسيادة القانون أن يحترموا أحكام القضاء وأن لا يتعاملوا معها بمعايير مزدوجة فإن جاءت لصالحهم وضد خصومهم فهي العدالة والإنصاف، أما إن كانت ضدهم فإنها التعسف والظلم والأحكام الجائرة والتي ينبغي رفضها ووصفها بأبشع الأوصاف والإساءة والتطاول على القضاة الذين أصدروها، وحيث أن ذلك يعد إخلالاً بالنظام العام والآداب العامة ويثير البغضاء ويبث روح الشقاق بين أفراد المجتمع فقد جرمت المادة (31) من قانون المطبوعات والنشر ذلك ونصت على أنه ((لا يجوز نشر كل ما من شأنه التحريض على إرتكاب الجرائم أو إثارة البغضاء أو إشاعة الفحشاء أو بث روح الشقاق بين أفراد المجتمع))، كما أن المادتان (16) و(19) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالنسبة للذين يقومون بالكتابة في المنتديات الكترونية نصتا على أنه ((يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال ولا تزيد عن خمسة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهواتف النقالة المزودة بآلة تصوير في الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد وذلك بالتقاط صور أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئية تتصل بها ولو كانت صحيحة، أو في التعدي على الغير بالسب أو القذف))، ((يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال ولا تزيد ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أستخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل ما من شأنه أو ينطوي على المساس بالقيم الدينية أو بالنظام العام)).
ويهيب الادعاء العام إلى أن ممارسة حق حرية التعبير عن الرأي لابد أن يكون مبنيا على معرفة المعلومات الدقيقة وعلى فهم صحيح للواقع فإذا بني ذلك الرأي على غير معرفة فإن آثاره على المجتمع حتماً ستكون سلبية، ومن منطلق الأمانة القانونية نود أن نشير الى أنه ليس بالضرورة أن تكون الدفوع المثارة من قبل المحاميين بشكل عام أو الذين يدلون بآرائهم القانونية أن تكون هي الصحيحة وواجبة التطبيق وإنما وفقاً لغايات المشرع والأحكام القضائية التي تطبق القوانين بما يحقق العدالة بين أفراد المجتمع بعيداً عن التأثر بما يتداوله الرأي العام
تعليق