اعتراف نادر للرئيس بوش
2005/12/16
عبد الباري عطوان
اعترف الرئيس الامريكي جورج بوش علناً امس الاول بالمسؤولية عن الخطأ في المعلومات عن اسلحة الدمار الشامل العراقية التي بني عليها قراره بغزو العراق واحتلاله، وهذا الاعتراف علي درجة كبيرة من الاهمية، لما يمكن ان يترتب عليه من اعتبارات قانونية واخلاقية.
فعندما يعترف المتهم بجريمته دون اكراه، فإن من المنطقي ان ينال العقاب الذي يستحقه، وغزو العراق واحتلاله واحد من اكبر جرائم العصر، ان لم يكن التاريخ الحديث ايضاً.
غزو بلد واحتلاله، وتدميره، ومقتل مئة الف من ابنائه علي الاقل هو جريمة ضد الانسانية خاصة بعد ان تبين، ان الاسباب والذرائع التي جري توظيفها كأساس قانوني لشن هذه الحرب كانت كاذبة وغير صحيحة.
الرئيس بوش، وفي الخطاب نفسه، تطوع بتقديم اعتراف آخر لا يقل خطورة، عندما قال ان ثلاثين الف عراقي قتلوا في هذه الحرب، وهو رقم كبير بكل المقاييس. فهؤلاء الذين قتلوا في هذه الحرب غير القانونية لهم آباء وابناء وزوجات وازواج، وهم يستحقون تعويضات قانونية كاملة.
فاذا اخذنا التعويضات التي فرضتها العدالة الامريكية لضحايا جريمة لوكربي كمقياس، اي عشرة ملايين دولار كتعويض لكل ضحية، فإن هذا يعني ان تدفع الادارة الامريكية 300 مليار دولار علي الاقل ودون اي تأخير، ونحن هنا لا نحسب التعويضات المستحقة للجرحي وهم بمئات الآلاف، والدمار الذي لحق بالعراق بسبب القصف والتدمير.
الادارة الامريكية فرضت، علي نظام البعث العراقي، دفع تعويضات للكويت وصلت الي عشرين مليار دولار عن غزو استمر سبعة اشهر فقط، ولم يمت من جرائه الا بضعة مئات، واقتطعت نصف ميناء ام القصر تحت ذريعة اعادة ترسيم الحدود، وفرضت حصاراً تجويعياً خانقاً ادي الي استشهاد مليون ونصف المليون عراقي.
ومن المفارقة ان ادارة الرئيس بوش تحاكم الرئيس العراقي صدام حسين بتهمة اعدام مئة واربعين من اهالي منطقة الدجيل تورط بعضهم في مؤامرة لاغتياله، والسؤال هو من يحاكم الرئيس الامريكي علي مقتل ثلاثين الف عراقي، حسب اعترافه، في حرب قامت علي معلومات كاذبة؟
الرئيس بوش لم يقل ان الذين قدموا هذه المعلومات الخاطئة للادارة لتحريضها علي الحرب هم حكام العراق الجديد الذين يحظون بدعمه ورعايته، وعلي رأس هؤلاء الدكتور احمد الجلبي الذي يخوض الانتخابات العراقية كزعيم وطني يريد نصرة الفقراء والمحرومين، وتحقيق الرخاء الاقتصادي لابناء العراق جميعاً.
الا يستحق الدكتور الجلبي، وكل رموز المعارضة العراقية سابقاً، مثل الدكتور اياد علاوي الذي يحظي بدعم الادارة الامريكية وسفيرها في بغداد زلماي خليل زاد لكي يصبح رئيساً منتخباً للوزراء في الايام المقبلة، المحاكمة بتهمة تضليل دولة عظمي وتزويدها بمعلومات كاذبة لشن حرب ضد بلد محاصر مجوع، وقتل عشرات الآلاف من ابنائه؟
من هو الاحق بالمحاكمة، رئيس تعرض للاغتيال فحاكم واعدم المتورطين في محاولة اغتياله، ام رئيس قرر الانتقام لمحاولة فاشلة مزعومة لاغتيال والده في الكويت، فشن حربا دموية حولت منطقة الشرق الاوسط بكاملها الي منطقة غير مستقرة، يعمها التطرف، وجعل من العراق دولة فاشلة تصدر العنف والارهاب لمحيطها؟
الحكومة العراقية المنتخبة الجديدة لن تطالب الادارة الامريكية بتعويضات للعراقيين الضحايا، سواء الذين سقطوا تحت حصار تبين انه، وباعتراف الرئيس بوش، لم يكن شرعياً، او ضحايا الحرب الاخيرة، لانها لا تضع مصلحة العراق والعراقيين علي قمة اولوياتها، وانما مصلحة الولايات المتحدة الامريكية.
فالعبد لا يمكن ان يحاكم سيده، او يجرؤ علي مطالبته بالتعويض، لان التعاقد بين الطرفين، سواء كان مكتوباً او غير مكتوب، هو السمــــع والطاعة والرضوخ، وهذا هو ما حاصل في العراق حالياً. فالحاكم الفعلي هو السفير الامريكي، والرعايا هم ابناء العراق بغض النظر عــــن طوائفـــهم واعراقهم.
الاوضاع في العراق لن تستمر علي حالها، وستأتي في يوم من الايام، حكومة وطنية منتخبة ذات سيادة، تلاحق كل من الحق الأذي بالعراقيين من خلال القانون الدولي واحكامه، وعبر المحاكم الدولية، تماماً مثلما لاحق اليهود الالمان، وحصلوا منهم علي اكثر من مئة وخمسين مليار دولار كتعويض لضحايا النازية ومحارقها.
محاولات الادارة الامريكية بتغطية عورتها بالاشادة بالانتخابات التي جرت امس، ومشاركة نسبة كبيرة من العراقيين فيها لن تعمر طويلاً، ولن يكتب لها النجاح. فالحرب الامريكية في العراق حولت البلد الي مقبرة جماعية، واعطبت الاجيال المقبلة، باستخدامها اسلحة دمار شامل في الفلوجة وسامراء والرمادي والقائم، مثل الفوسفور الابيض، واليورانيوم المنضب.
الديمقراطية التي تتغني بها الادارة الامريكية في العراق هي الاكثر فداحة والاغلي ثمناً في التاريخ، فقد جاءت علي جثث مئة الف شهيد عراقي علي الاقل، وعبر بوابات التعذيب والمعتقلات السرية، وطمس هوية البلاد، وتمزيق وحدتها الوطنية، وتعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية.
العراق يعيش مجازر يومية باسم الديمقراطية واكاذيب الادارة الامريكية حول اسلحة الدمار الشامل. ومثلما جري تشكيل محاكم جـــــرائم الحرب بعد الحرب العالمية الثانية، فانه بات من المحتم تشكيل محاكم يمثل امامها كل الذين تورطوا في حرب العراق، من امريكان وبريطانيين وعرب وعراقيين، انصافاً للضحايا الابرياء الذين خسروا حياتهم بسبب اكاذيب
2005/12/16
عبد الباري عطوان
اعترف الرئيس الامريكي جورج بوش علناً امس الاول بالمسؤولية عن الخطأ في المعلومات عن اسلحة الدمار الشامل العراقية التي بني عليها قراره بغزو العراق واحتلاله، وهذا الاعتراف علي درجة كبيرة من الاهمية، لما يمكن ان يترتب عليه من اعتبارات قانونية واخلاقية.
فعندما يعترف المتهم بجريمته دون اكراه، فإن من المنطقي ان ينال العقاب الذي يستحقه، وغزو العراق واحتلاله واحد من اكبر جرائم العصر، ان لم يكن التاريخ الحديث ايضاً.
غزو بلد واحتلاله، وتدميره، ومقتل مئة الف من ابنائه علي الاقل هو جريمة ضد الانسانية خاصة بعد ان تبين، ان الاسباب والذرائع التي جري توظيفها كأساس قانوني لشن هذه الحرب كانت كاذبة وغير صحيحة.
الرئيس بوش، وفي الخطاب نفسه، تطوع بتقديم اعتراف آخر لا يقل خطورة، عندما قال ان ثلاثين الف عراقي قتلوا في هذه الحرب، وهو رقم كبير بكل المقاييس. فهؤلاء الذين قتلوا في هذه الحرب غير القانونية لهم آباء وابناء وزوجات وازواج، وهم يستحقون تعويضات قانونية كاملة.
فاذا اخذنا التعويضات التي فرضتها العدالة الامريكية لضحايا جريمة لوكربي كمقياس، اي عشرة ملايين دولار كتعويض لكل ضحية، فإن هذا يعني ان تدفع الادارة الامريكية 300 مليار دولار علي الاقل ودون اي تأخير، ونحن هنا لا نحسب التعويضات المستحقة للجرحي وهم بمئات الآلاف، والدمار الذي لحق بالعراق بسبب القصف والتدمير.
الادارة الامريكية فرضت، علي نظام البعث العراقي، دفع تعويضات للكويت وصلت الي عشرين مليار دولار عن غزو استمر سبعة اشهر فقط، ولم يمت من جرائه الا بضعة مئات، واقتطعت نصف ميناء ام القصر تحت ذريعة اعادة ترسيم الحدود، وفرضت حصاراً تجويعياً خانقاً ادي الي استشهاد مليون ونصف المليون عراقي.
ومن المفارقة ان ادارة الرئيس بوش تحاكم الرئيس العراقي صدام حسين بتهمة اعدام مئة واربعين من اهالي منطقة الدجيل تورط بعضهم في مؤامرة لاغتياله، والسؤال هو من يحاكم الرئيس الامريكي علي مقتل ثلاثين الف عراقي، حسب اعترافه، في حرب قامت علي معلومات كاذبة؟
الرئيس بوش لم يقل ان الذين قدموا هذه المعلومات الخاطئة للادارة لتحريضها علي الحرب هم حكام العراق الجديد الذين يحظون بدعمه ورعايته، وعلي رأس هؤلاء الدكتور احمد الجلبي الذي يخوض الانتخابات العراقية كزعيم وطني يريد نصرة الفقراء والمحرومين، وتحقيق الرخاء الاقتصادي لابناء العراق جميعاً.
الا يستحق الدكتور الجلبي، وكل رموز المعارضة العراقية سابقاً، مثل الدكتور اياد علاوي الذي يحظي بدعم الادارة الامريكية وسفيرها في بغداد زلماي خليل زاد لكي يصبح رئيساً منتخباً للوزراء في الايام المقبلة، المحاكمة بتهمة تضليل دولة عظمي وتزويدها بمعلومات كاذبة لشن حرب ضد بلد محاصر مجوع، وقتل عشرات الآلاف من ابنائه؟
من هو الاحق بالمحاكمة، رئيس تعرض للاغتيال فحاكم واعدم المتورطين في محاولة اغتياله، ام رئيس قرر الانتقام لمحاولة فاشلة مزعومة لاغتيال والده في الكويت، فشن حربا دموية حولت منطقة الشرق الاوسط بكاملها الي منطقة غير مستقرة، يعمها التطرف، وجعل من العراق دولة فاشلة تصدر العنف والارهاب لمحيطها؟
الحكومة العراقية المنتخبة الجديدة لن تطالب الادارة الامريكية بتعويضات للعراقيين الضحايا، سواء الذين سقطوا تحت حصار تبين انه، وباعتراف الرئيس بوش، لم يكن شرعياً، او ضحايا الحرب الاخيرة، لانها لا تضع مصلحة العراق والعراقيين علي قمة اولوياتها، وانما مصلحة الولايات المتحدة الامريكية.
فالعبد لا يمكن ان يحاكم سيده، او يجرؤ علي مطالبته بالتعويض، لان التعاقد بين الطرفين، سواء كان مكتوباً او غير مكتوب، هو السمــــع والطاعة والرضوخ، وهذا هو ما حاصل في العراق حالياً. فالحاكم الفعلي هو السفير الامريكي، والرعايا هم ابناء العراق بغض النظر عــــن طوائفـــهم واعراقهم.
الاوضاع في العراق لن تستمر علي حالها، وستأتي في يوم من الايام، حكومة وطنية منتخبة ذات سيادة، تلاحق كل من الحق الأذي بالعراقيين من خلال القانون الدولي واحكامه، وعبر المحاكم الدولية، تماماً مثلما لاحق اليهود الالمان، وحصلوا منهم علي اكثر من مئة وخمسين مليار دولار كتعويض لضحايا النازية ومحارقها.
محاولات الادارة الامريكية بتغطية عورتها بالاشادة بالانتخابات التي جرت امس، ومشاركة نسبة كبيرة من العراقيين فيها لن تعمر طويلاً، ولن يكتب لها النجاح. فالحرب الامريكية في العراق حولت البلد الي مقبرة جماعية، واعطبت الاجيال المقبلة، باستخدامها اسلحة دمار شامل في الفلوجة وسامراء والرمادي والقائم، مثل الفوسفور الابيض، واليورانيوم المنضب.
الديمقراطية التي تتغني بها الادارة الامريكية في العراق هي الاكثر فداحة والاغلي ثمناً في التاريخ، فقد جاءت علي جثث مئة الف شهيد عراقي علي الاقل، وعبر بوابات التعذيب والمعتقلات السرية، وطمس هوية البلاد، وتمزيق وحدتها الوطنية، وتعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية.
العراق يعيش مجازر يومية باسم الديمقراطية واكاذيب الادارة الامريكية حول اسلحة الدمار الشامل. ومثلما جري تشكيل محاكم جـــــرائم الحرب بعد الحرب العالمية الثانية، فانه بات من المحتم تشكيل محاكم يمثل امامها كل الذين تورطوا في حرب العراق، من امريكان وبريطانيين وعرب وعراقيين، انصافاً للضحايا الابرياء الذين خسروا حياتهم بسبب اكاذيب
تعليق