**
تاريخ الدولة البوليسية ( 2 )
الفـــَــاشــيّة ؛
لم تكن فكرة (الحزب السياسي) أو الحزب الواحد مما خطر في بال نابليون الثالث، الذي يعتبر مؤسس الدولة البوليسية الحديثة. ما أن صار الأمر إلى كل من موسوليني وهتلر حتى سارعا إلى استكمال حلقات السيطرة كل على شعبه لتوظيف جهد هذين الشعبين في إطار إيديولوجي مستقر يخدم أهدافهما. ربما كانت الشخصية (الكازمية) لكل من هتلر وموسوليني قد عززت استقطاب دائرة واسعة من الجماهير.
في تاريخ الدولة البوليسية نتوقف في السياق الذي نحن فيه عند (الفاشية) كتجربة سياسية حذت المدرسة البعثوية في كل من العراق وسورية حذوها طوال نصف قرن. لن نتدخل لإجراء أي مقارنة تاركين هذا الدور للقارئ مباشرة.
طرحت الفاشية نفسها بجرأة، بديلاً دكتاتورياً للديمقراطية. وفذلكت ذلك على أساس (أن الأمة ليست هي مجموعة الأفراد الأحياء فحسب، ولا هي آلة للأحزاب ولكنها بنية تدخل فيها سلسلة من الأجيال التي لا نهاية فيها، ولا يعد الأفراد إلا أجزاء عارضة منها. من هذه الحقيقة استنبط الفاشيون الحقيقة التالية (وتأمل).
الحكومة هي كل شيء. ولا يصح أن تتألف في الأمة هيئة مجتمعة خارجة عن السلطة الحاكمة حزباً كانت هذه الهيئة أو نقابة عمال أو جماعة تتولى العمل للمصلحة العامة. ورغم العداء الظاهر بين الفاشية والشيوعية، فقد كانت الفاشية في جوهرها صنو الشيوعية في الجوهر والأساس حيث تقومان على (محو الفرد) واستغراق حريته وحقوقه في سلطة الحكومة.
شعر موسوليني / المضطرب بنيوياً / وعقلياً بحاجته إلى حزب سياسي، يرتفع على أكتاف قواعده، ويخدم أهدافه ويروح مبادئه. كانت جميع الأحزاب السياسية حتى ذلك الوقت ممن يؤمن بالديمقراطية، وبتبادل السلطة، ويدعو إليها، ولكن مبادرة موسوليني إلى تطويع بعض المثقفين لخدمة فكرة مناقضة للدكتاتورية قد نجحت.. ومع قليل من الفلسفة الخرقاء أصبح للدكتاتورية منطق تدافع به عن نفسها.
وهكذا كان (الحزب الواحد) أول منطلقات الفاشية لبناء الدولة البوليسية.
ثم ابتدع موسوليني وسيلة جديدة للسيطرة، فأنشأ ميليشيا خاصة، لا تنتمي للجيش المعد للدفاع الخارجي، ولا للشرطة المخصصة لمكافحة الجريمة.
ميليشيا ذات ولاء سياسي، وتدريب خاص تتفرغ لمحاربة المعارضة السياسية. وبخطوة ثالثة في طريق محو أي وجود سياسي خارج دائرة الدكتاتور أنشأ موسوليني إلى جانب الميليشيا الخاصة المحاكم الخاصة وهي أي هذه المحاكم صناعة فاشية ذات علامة مسجلة. وكانت هذه المحاكم تلعب دورها في تصفية الخصوم والحكم عليهم بما يخدم إرادة الحاكم الفرد دون الالتفات إلى حقوق المتهم، أو إلى القوانين المعمول بها، أو إلى أصول المرافعات.. وأسند القضاء في هذه المحاكم إلى حزبين فاشيين كانت مهمتهم الأساسية إسباغ الشرعية على إرادة الدكتاتور في تصفية خصومهم.
كانت العبارة المنقوشة فوق رأس القضاة تعبر عن المهزلة التي آل إليها أمر العدالة في العالم.
( الفاشية دائماً على حق وتحيل جميع أعدائها إلى تراب )
وقارن ( أنا بعث وليمت أعداؤه.. ) وهكذا كان الموت والتغييب مصير كل مخالف للبعث حين اعتبر كل مخالف عدواً.
وعبارة كانت مكتوبة على الجدران وفي اللافتات في بغداد:
( البعث نور لمن يهتدي .. ونار لمن يعتدي ..)
تاريخ الدولة البوليسية ( 2 )
الفـــَــاشــيّة ؛
لم تكن فكرة (الحزب السياسي) أو الحزب الواحد مما خطر في بال نابليون الثالث، الذي يعتبر مؤسس الدولة البوليسية الحديثة. ما أن صار الأمر إلى كل من موسوليني وهتلر حتى سارعا إلى استكمال حلقات السيطرة كل على شعبه لتوظيف جهد هذين الشعبين في إطار إيديولوجي مستقر يخدم أهدافهما. ربما كانت الشخصية (الكازمية) لكل من هتلر وموسوليني قد عززت استقطاب دائرة واسعة من الجماهير.
في تاريخ الدولة البوليسية نتوقف في السياق الذي نحن فيه عند (الفاشية) كتجربة سياسية حذت المدرسة البعثوية في كل من العراق وسورية حذوها طوال نصف قرن. لن نتدخل لإجراء أي مقارنة تاركين هذا الدور للقارئ مباشرة.
طرحت الفاشية نفسها بجرأة، بديلاً دكتاتورياً للديمقراطية. وفذلكت ذلك على أساس (أن الأمة ليست هي مجموعة الأفراد الأحياء فحسب، ولا هي آلة للأحزاب ولكنها بنية تدخل فيها سلسلة من الأجيال التي لا نهاية فيها، ولا يعد الأفراد إلا أجزاء عارضة منها. من هذه الحقيقة استنبط الفاشيون الحقيقة التالية (وتأمل).
الحكومة هي كل شيء. ولا يصح أن تتألف في الأمة هيئة مجتمعة خارجة عن السلطة الحاكمة حزباً كانت هذه الهيئة أو نقابة عمال أو جماعة تتولى العمل للمصلحة العامة. ورغم العداء الظاهر بين الفاشية والشيوعية، فقد كانت الفاشية في جوهرها صنو الشيوعية في الجوهر والأساس حيث تقومان على (محو الفرد) واستغراق حريته وحقوقه في سلطة الحكومة.
شعر موسوليني / المضطرب بنيوياً / وعقلياً بحاجته إلى حزب سياسي، يرتفع على أكتاف قواعده، ويخدم أهدافه ويروح مبادئه. كانت جميع الأحزاب السياسية حتى ذلك الوقت ممن يؤمن بالديمقراطية، وبتبادل السلطة، ويدعو إليها، ولكن مبادرة موسوليني إلى تطويع بعض المثقفين لخدمة فكرة مناقضة للدكتاتورية قد نجحت.. ومع قليل من الفلسفة الخرقاء أصبح للدكتاتورية منطق تدافع به عن نفسها.
وهكذا كان (الحزب الواحد) أول منطلقات الفاشية لبناء الدولة البوليسية.
ثم ابتدع موسوليني وسيلة جديدة للسيطرة، فأنشأ ميليشيا خاصة، لا تنتمي للجيش المعد للدفاع الخارجي، ولا للشرطة المخصصة لمكافحة الجريمة.
ميليشيا ذات ولاء سياسي، وتدريب خاص تتفرغ لمحاربة المعارضة السياسية. وبخطوة ثالثة في طريق محو أي وجود سياسي خارج دائرة الدكتاتور أنشأ موسوليني إلى جانب الميليشيا الخاصة المحاكم الخاصة وهي أي هذه المحاكم صناعة فاشية ذات علامة مسجلة. وكانت هذه المحاكم تلعب دورها في تصفية الخصوم والحكم عليهم بما يخدم إرادة الحاكم الفرد دون الالتفات إلى حقوق المتهم، أو إلى القوانين المعمول بها، أو إلى أصول المرافعات.. وأسند القضاء في هذه المحاكم إلى حزبين فاشيين كانت مهمتهم الأساسية إسباغ الشرعية على إرادة الدكتاتور في تصفية خصومهم.
كانت العبارة المنقوشة فوق رأس القضاة تعبر عن المهزلة التي آل إليها أمر العدالة في العالم.
( الفاشية دائماً على حق وتحيل جميع أعدائها إلى تراب )
وقارن ( أنا بعث وليمت أعداؤه.. ) وهكذا كان الموت والتغييب مصير كل مخالف للبعث حين اعتبر كل مخالف عدواً.
وعبارة كانت مكتوبة على الجدران وفي اللافتات في بغداد:
( البعث نور لمن يهتدي .. ونار لمن يعتدي ..)
تعليق