لا أحد يستطيع أن ينكر أبداً أنّ الشباب هم من أشعل فتيل الثورات في كل البلدان العربية الثائرة دون استثناء.
وأبرز أولئك الشباب طبعاً الشاب محمد بوعزيزي الذي فجّر الثورة التونسية على حكم الطاغية بن علي.
وقد شاهدنا الحاج الشهير أحمد الحفناوي وهو يخاطب شباب تونس بجملته «التاريخية»
التي انتشرت إعلامياً كانتشار النار في الهشيم: «فرصتكم أيها الشباب التونسي، تستطيعون أن تقدموا لتونس ما لم نقدم لها نحن لأننا هرمنا، هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية». وفي مصر ما كان للثورة المصرية العظيمة أن تندلع وتنجح لولا جموع الشباب بالملايين في ساحات مصر وميادينها، وقد أصبح بعض شباب وشابات الثورة أشهر من نار على علم عربياً، فالكل سمع بوائل غنيم الذي أبدع هو ورفاقه في إدارة الثورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر، وكلنا يتذكّر أسماء محفوظ ونواره نجم ابنة الشاعر الثائر أحمد فؤاد نجم وغيرها. ولولا سواعد الشباب الليبي المجاهد لما سقط القذافي. ولا يمكن أن ننسى أبداً شباب الثورة في اليمن حيث كانوا وما زالوا سادة الساحات والميادين التي أطاحت أخيراً بمن يسمى شاويش اليمن علي عبد الله صالح. وفي سوريا يتصدّر الشاب الثورة من درعا حتى إدلب، وهم من يديرها لوجستياً وإعلامياً. وتفيد التقارير بأنّ عشرات الألوف من اليافعين يقبعون الآن في السجون والمعتقلات السورية بسبب مشاركتهم النشطة في المظاهرات. ناهيك عن أنّ من يدير صفحات التواصل الاجتماعي ويقود الثورة إعلامياً شباب صغار، وقد أطلق البعض على الثورات العربية اسم «الربيع العربي»، لأن هذا الفصل هو فصل التألق والنضارة والجمال الذي يتصف به جيل الشباب دون غيره من الأجيال الأخرى.
لكن المثير للسخرية والتهكم في آن معاً أنّ الشباب الذين أنجزوا الثورات العربية يبدون وكأنّهم أكبر الخاسرين، فبدل أن تكون الحكومات والمؤسسات الجديدة التي انبثقت عن الثورات من الجيل الشاب، نجد أنّ الذين مسكوا زمام الأمور بعد سقوط الطواغيت في مصر وتونس وليبيا واليمن هم ليسوا فقط من المسنين بل أيضاً من العجائز الذين يزيد عمر بعضهم عن الثمانين عاماً، كما كان الحال مع رئيس الوزراء التونسي قائد السبسي، الذي تم اختياره للمنصب خلفا لمحمد الغنوشي رئيس الوزراء في عهد بن علي. وقد بدا تعيين السبسي وقتها وكأنه بمثابة استفزاز أو انقلاب على الثورة الشبابية. والمضحك في الأمر أنّ السبسي لم يكن من حقبة زين العابدين بن علي المخلوع، بل من الحقبة التي سبقته ألا وهي حقبة الحبيب بورقيبة. هل يعقل أن يؤتى بأشخاص من الحقب التي أوصلت الشعب التونسي إلى ما هو عليه من بؤس وديكتاتورية وجعلته يثور على جلاديه؟ لا تثريب أبداً على اختيار المناضل الكبير منصف المرزوقي رئيساً للجمهورية، أو مناضلي حزب النهضة لتولي مناصب قيادية، فهم جاؤوا بمباركة شعبية عبر صناديق الاقتراع، وهم من الشخصيات التاريخية التي لعبت دوراً كبيراً في اقتلاع الطغيان وتثوير الجيل الشاب على الواقع المزري في البلاد.
لكن العيب يكمن في بلد عربي آخر ألا وهو مصر، حيث تم قبل أيام فقط اختيار شخص من حقبة مبارك الفاسدة في مصر ألا وهو كمال الجنزوري لمنصب رئاسة الوزراء، كما لو أنّ المجلس العسكري يحاول أيضاً الاستهانة بثورة الشباب وازدرائها. والمضحك في الأمر أنّ الوزارة الجديدة التي جاءت بعد سلسلة من المظاهرات المليونية الشبابية المتكررة لم تشرك الشباب في صفوفها، فأوكلت معظم الوزارات إلى أشخاص أكل عليهم الدهر وشرب، ولم يساهموا أبداً في إنجاز الثورة. ولا شك أنّ الكثيرين ضحكوا عندما سمعوا الجنزوري يعلن أنّه عيّن أحد الشبان وكيلاً لوزارة الرياضة والشباب، لا يا شيخ، كان ناقصاً أن تعيّن في تلك الوزارة واحداً من ديناصورات حقبة الملك فاروق! وقد علّق الشاب المصري على هذه الوزارة العجوز بطريقته الظريفة المعروفة عندما قال: «أتعرفون لماذا لم يعيّنوا الستيني محمد البرادعي رئيساً للوزراء؟ لأنّه ما زال «صغنن»، يعني ربما يحصل على المنصب عندما يتجاوز الثمانين من العمر.وفي ليبيا واضح تماماً أنّ كل الذين تولوا مقاليد الأمور بعد الثورة هم من العهود القديمة، وبعضهم أمضى حياته خارج البلاد، مما جعل شباب الثورة الذي لولاه لما نجحت الثورة أصلاً يثور ثانية لإيجاد محط قدم له في النظام الجديد. وقد شاهدنا كيف اضطر رئيس الوزراء الليبي الجديد إلى الرضوخ لمطالب الثوار الشباب واستيعابهم في وزارتي الدفاع والداخلية.
ولا يختلف الأمر في اليمن، حيث تم تهميش شباب الثورة في المبادرة الخليجية التي لم تكن أكثر من تقاسم لمغانم الثورة الشبابية بين حزب الرئيس المخلوع وبعض أحزاب المعارضة المزمنة ووجهاء القبائل. وقد ظهر التهميش بجلاء في حكومة باسندوة المنبثقة عن المبادرة، علماً أنّ العالم أجمع يعترف بأنّ الثورة اليمنية أنجزها شباب الساحات والميادين اليمنية ببسالتهم وعنفوانهم، بدليل منح جائزة نوبل العالمية لإحدى ناشطات الثورة الشابة الشهيرة توكل كارمان.صحيح أنّ الثورة السورية لم تحسم بعد، لكن الذين يتصدّرون ما يسمى بالمجلس الوطني السوري معظمهم من ديناصورات المعارضة المزمنة، وبدلاً من تطعيم المجلس ببعض الوجوه الشابة التي تواجه الرصاص بصدور عارية، تم استبعاد الناشط الشاب محمد العبد الله من عضوية المجلس، حيث كان من المفترض أن يكون متحدثاً باسمه.
أيها الشباب العربي، يا من أنجزتم الثورات وحررتم أولئك الديناصورات الذين يتزعمون الحكومات الجديدة من الطغيان والعبودية، لا تقبلوا إلاّ أن يكون لكم نصيب الأسد في الأنظمة الجديدة، فأنتم سادة العالم الجديد. كيف تقبلون أن يقودكم معارضون هرمون لا يعرفون كيف يستخدمون الكومبيوتر، وربما لا يعرفون حتى فتح حساب فيس بوك على الانترنت، بينما أنتم من أدرتم الثورات وأنجحتموها ببراعتكم وحذاقتكم الالكترونية الرائعة؟ صحيح أنّ «الدسم في العتاقي» كما يقول المثل، لكن الثورات ثوراتكم والمستقبل مستقبلكم، فلا تتركوها للديناصورات، ولا تنسوا كلمات الحفناوي الشهيرة آنفة الذكر: «تستطيعون أيها الشباب أن تقدموا لبلدانكم ما لم نقدم لها نحن هرمنا، هرمنا..»
وأبرز أولئك الشباب طبعاً الشاب محمد بوعزيزي الذي فجّر الثورة التونسية على حكم الطاغية بن علي.
وقد شاهدنا الحاج الشهير أحمد الحفناوي وهو يخاطب شباب تونس بجملته «التاريخية»
التي انتشرت إعلامياً كانتشار النار في الهشيم: «فرصتكم أيها الشباب التونسي، تستطيعون أن تقدموا لتونس ما لم نقدم لها نحن لأننا هرمنا، هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية». وفي مصر ما كان للثورة المصرية العظيمة أن تندلع وتنجح لولا جموع الشباب بالملايين في ساحات مصر وميادينها، وقد أصبح بعض شباب وشابات الثورة أشهر من نار على علم عربياً، فالكل سمع بوائل غنيم الذي أبدع هو ورفاقه في إدارة الثورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر، وكلنا يتذكّر أسماء محفوظ ونواره نجم ابنة الشاعر الثائر أحمد فؤاد نجم وغيرها. ولولا سواعد الشباب الليبي المجاهد لما سقط القذافي. ولا يمكن أن ننسى أبداً شباب الثورة في اليمن حيث كانوا وما زالوا سادة الساحات والميادين التي أطاحت أخيراً بمن يسمى شاويش اليمن علي عبد الله صالح. وفي سوريا يتصدّر الشاب الثورة من درعا حتى إدلب، وهم من يديرها لوجستياً وإعلامياً. وتفيد التقارير بأنّ عشرات الألوف من اليافعين يقبعون الآن في السجون والمعتقلات السورية بسبب مشاركتهم النشطة في المظاهرات. ناهيك عن أنّ من يدير صفحات التواصل الاجتماعي ويقود الثورة إعلامياً شباب صغار، وقد أطلق البعض على الثورات العربية اسم «الربيع العربي»، لأن هذا الفصل هو فصل التألق والنضارة والجمال الذي يتصف به جيل الشباب دون غيره من الأجيال الأخرى.
لكن المثير للسخرية والتهكم في آن معاً أنّ الشباب الذين أنجزوا الثورات العربية يبدون وكأنّهم أكبر الخاسرين، فبدل أن تكون الحكومات والمؤسسات الجديدة التي انبثقت عن الثورات من الجيل الشاب، نجد أنّ الذين مسكوا زمام الأمور بعد سقوط الطواغيت في مصر وتونس وليبيا واليمن هم ليسوا فقط من المسنين بل أيضاً من العجائز الذين يزيد عمر بعضهم عن الثمانين عاماً، كما كان الحال مع رئيس الوزراء التونسي قائد السبسي، الذي تم اختياره للمنصب خلفا لمحمد الغنوشي رئيس الوزراء في عهد بن علي. وقد بدا تعيين السبسي وقتها وكأنه بمثابة استفزاز أو انقلاب على الثورة الشبابية. والمضحك في الأمر أنّ السبسي لم يكن من حقبة زين العابدين بن علي المخلوع، بل من الحقبة التي سبقته ألا وهي حقبة الحبيب بورقيبة. هل يعقل أن يؤتى بأشخاص من الحقب التي أوصلت الشعب التونسي إلى ما هو عليه من بؤس وديكتاتورية وجعلته يثور على جلاديه؟ لا تثريب أبداً على اختيار المناضل الكبير منصف المرزوقي رئيساً للجمهورية، أو مناضلي حزب النهضة لتولي مناصب قيادية، فهم جاؤوا بمباركة شعبية عبر صناديق الاقتراع، وهم من الشخصيات التاريخية التي لعبت دوراً كبيراً في اقتلاع الطغيان وتثوير الجيل الشاب على الواقع المزري في البلاد.
لكن العيب يكمن في بلد عربي آخر ألا وهو مصر، حيث تم قبل أيام فقط اختيار شخص من حقبة مبارك الفاسدة في مصر ألا وهو كمال الجنزوري لمنصب رئاسة الوزراء، كما لو أنّ المجلس العسكري يحاول أيضاً الاستهانة بثورة الشباب وازدرائها. والمضحك في الأمر أنّ الوزارة الجديدة التي جاءت بعد سلسلة من المظاهرات المليونية الشبابية المتكررة لم تشرك الشباب في صفوفها، فأوكلت معظم الوزارات إلى أشخاص أكل عليهم الدهر وشرب، ولم يساهموا أبداً في إنجاز الثورة. ولا شك أنّ الكثيرين ضحكوا عندما سمعوا الجنزوري يعلن أنّه عيّن أحد الشبان وكيلاً لوزارة الرياضة والشباب، لا يا شيخ، كان ناقصاً أن تعيّن في تلك الوزارة واحداً من ديناصورات حقبة الملك فاروق! وقد علّق الشاب المصري على هذه الوزارة العجوز بطريقته الظريفة المعروفة عندما قال: «أتعرفون لماذا لم يعيّنوا الستيني محمد البرادعي رئيساً للوزراء؟ لأنّه ما زال «صغنن»، يعني ربما يحصل على المنصب عندما يتجاوز الثمانين من العمر.وفي ليبيا واضح تماماً أنّ كل الذين تولوا مقاليد الأمور بعد الثورة هم من العهود القديمة، وبعضهم أمضى حياته خارج البلاد، مما جعل شباب الثورة الذي لولاه لما نجحت الثورة أصلاً يثور ثانية لإيجاد محط قدم له في النظام الجديد. وقد شاهدنا كيف اضطر رئيس الوزراء الليبي الجديد إلى الرضوخ لمطالب الثوار الشباب واستيعابهم في وزارتي الدفاع والداخلية.
ولا يختلف الأمر في اليمن، حيث تم تهميش شباب الثورة في المبادرة الخليجية التي لم تكن أكثر من تقاسم لمغانم الثورة الشبابية بين حزب الرئيس المخلوع وبعض أحزاب المعارضة المزمنة ووجهاء القبائل. وقد ظهر التهميش بجلاء في حكومة باسندوة المنبثقة عن المبادرة، علماً أنّ العالم أجمع يعترف بأنّ الثورة اليمنية أنجزها شباب الساحات والميادين اليمنية ببسالتهم وعنفوانهم، بدليل منح جائزة نوبل العالمية لإحدى ناشطات الثورة الشابة الشهيرة توكل كارمان.صحيح أنّ الثورة السورية لم تحسم بعد، لكن الذين يتصدّرون ما يسمى بالمجلس الوطني السوري معظمهم من ديناصورات المعارضة المزمنة، وبدلاً من تطعيم المجلس ببعض الوجوه الشابة التي تواجه الرصاص بصدور عارية، تم استبعاد الناشط الشاب محمد العبد الله من عضوية المجلس، حيث كان من المفترض أن يكون متحدثاً باسمه.
أيها الشباب العربي، يا من أنجزتم الثورات وحررتم أولئك الديناصورات الذين يتزعمون الحكومات الجديدة من الطغيان والعبودية، لا تقبلوا إلاّ أن يكون لكم نصيب الأسد في الأنظمة الجديدة، فأنتم سادة العالم الجديد. كيف تقبلون أن يقودكم معارضون هرمون لا يعرفون كيف يستخدمون الكومبيوتر، وربما لا يعرفون حتى فتح حساب فيس بوك على الانترنت، بينما أنتم من أدرتم الثورات وأنجحتموها ببراعتكم وحذاقتكم الالكترونية الرائعة؟ صحيح أنّ «الدسم في العتاقي» كما يقول المثل، لكن الثورات ثوراتكم والمستقبل مستقبلكم، فلا تتركوها للديناصورات، ولا تنسوا كلمات الحفناوي الشهيرة آنفة الذكر: «تستطيعون أيها الشباب أن تقدموا لبلدانكم ما لم نقدم لها نحن هرمنا، هرمنا..»
تعليق