إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذات الإنسان العماني المفكرة وإشكالية الإرادة !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذات الإنسان العماني المفكرة وإشكالية الإرادة !

    الذين يدرسون علم النفس لا بد وأن تمر على أذهانهم قصة التجربة التي أجراها بعض العلماء على مجموعة من القرود ، التجربة كانت كالآتي (( تم وضع أربعة قرود في قفص ووضع في أعلى القفص موز ، وضع العلماء سلم داخل القفص حتى تسطيع القرود التسلق لأخذ الموز ، وكان من مقتضيات التجربة أنه حينما يصعد أي قرد باتجاه الموز يقوم العلماء برش بقية القرود بماء بارد ، صعد القرد الأول باتجاه الموز فقام العلماء برش الماء البارد على البقية ، حينما نزل القرد الذي صعد إلى الموز ، هاجمته القرود التي رشت بالماء البارد وضربته ، وضع العلماء مرة اخرى موز في اعلى القفص فحدثت الكرة ذاتها ،أي صعد قرد منهم ثم رشت بقية القرود بالماء البارد ، وحينما نزل القرد ضربوه . حدث بعد ذلك أن صارت القرود تعيق وتضرب أي قرد يحاول الصعود لأخذ الموز . . . بعد ذلك أخرج العلماء أـحد القرود الأربعة وجاءوا بآخر جديد ، القرد الجديد حينما أراد الصعود لأخذ الموز أوقفته القرود الثلاثة وضربته قبل أن يصعد ، لم يعرف القرد الجديد السبب ، كان كلما حاول الصعود لالتقاط الموز ضربته بقيه القرود ، القرد الجديد اعتاد الأمر وتوقف عن الصعود دون ان يعرف السبب ، بعدها قام العلماء وأخرجوا قردا من القرود الثلاثة القديمة ، وادخلوا قردا آخر جديد ، حينما اراد القرد الجديد ألتقاط الموز ، قامت بقية القرود ـــ ومن بينها القرد الذي كان يُضرب كلما حاول الصعود دون ان يعرف السبب ـــ بضرب القرد الذي دخل لتوه )) .


    لماذا شارك القرد الذي لا يعرف سببا للضرب في ضرب القرد الجديد الذي دخل لتوه ؟ أو بمعنى أصح : علينا أن نسأل عن السبب الذي جعله يشاركهم الضرب وهو ينزع إلى الفعل ــ أي يريده ولم يكن مجبرا عليه ــ ؟ ، لعل الجواب الأنسب لهذه الحالة هو أن نقول أن القرد منفعل بالإرادة لا فاعل لها . ببساطة فإن القرد الذي شارك في ضرب القرد الجديد وهو لا يعرف السبب ، قام بما قام به لأنه شعر أن عليه أن يفعل ما تفعله القرود ولا يهم أن يعرف السبب وفيما اذا كان السبب صحيحا أم لا .، بل وحدث أن صار ذاك القرد يعد ( مهاجمة القرود الثلاثة للقرد الجديد ) سببا كافيا حتى يفعل مثلهم ، حلت إرادة الجماعة محل إرادة ذاته المفكرة لتصبح إرادة الجماعة هي الموجه والقائد لأفعاله وأفكاره ، وهذا هو بالضبط أعقد أنواع التقليد الأعمى في حياة البشر ، أي أن تجد الجماعة تفعل أمرا بكامل طاقتها فيعتقد الفرد أن اندفاعهم بهذه الطريقة سبب كاف لأن يخوض معهم يساندهم ويشاركم توجهاتهم وآراهم . يتطور الأمر فيغدو ذلك الفرد مقتنعا في أعماق نفسه أن ما يفعله صحيح وأنه مبني على إرادة نفسه لا إرادة غيره ، وهو في حقيقة الأمر لا يغدوا إلا أن يكون مقلدا حجبت عن عقلة البصيرة وطمست عن عينيه أنوار الحقيقة ، ذابت ذاته المفكرة في ذات الجموع فلم يعد يرى إلا بعيني غيره ولم يعد يفكر ويتحرك إلا بعقل ووجدان من يحيط به .

    لو أسقطنا نتائج التجربة التي اجرها العلماء على واقع المجتمع لوجدنا حالات مشابهة في حياة البشر حولنا ، وهي للأسف كثيرة ولا تقتصر على مستوى واحد بل تأخذ أشكالا عدة تختلف بناءً على ما يقتضيه موضوعهم والموضع الذي هم فيه . إن تحدثنا عن نواحي الشعب وعلاقاته بالنواحي الإجتماعية ، السياسية ، أو الدينية تجد حالات مختلفة متعددة أصبحت فيها ذات الفرد المفكرة غائبة مضيعة ، لم تعد المسالة مشكلة أفراد بل أصبحت أحد أهم مشاكل العقل المجتمعي في طريقة تعاطيه ومقتضيات مفهوم الحقيقة . خذ كمثال الحوارات التي تتعلق بمسائل الدين والناحية الإجتماعية ، الناس في مجتمعنا تكاد تكون مجتمعة على منطلق واحد في الفهم لماهية الدين ولنواحينا الإجتماعية ، وهذا ليس بأساس المشكلة ، إنما أساس المشكلة يتمحور في أن افراد المجتمع جعلوا من اجماع الناس على رأي واحد محددا للوصول إلى الحقيقة ، الغالبية من الأفراد صاروا في تفكيرهم ينطلقون من هذه الناحية ، يعني إن طرحت مسألة في الدين ــ والناس كانوا قد تعارفوا على راي المذهب فيها ــ تجد الفرد يبدأ مباشرة بالدفاع عن راي المذهب وراي الناس العام ، أي ان وظيفة الفرد صارت تتمثل في الدفاع عن ما يعتقده المحيط لا أن يعمل عقله ليعتنق ما يمليه عليه فكره . لقد صارت فئات مختلفة تعمل من منطلق قاعدة مفادها ( نريد لنفكر ولا نفكر لنحدد ما نريد ) .

    لنبتعد قليلا عن ما تعلق بامر الدين والنواحي الإجتماعية ، ولنركز في حديثنا على جانب علاقة الشعب بالدولة في ظل مقتضيات هذه الإشكالية ـــ أي في ظل إشكالية ذوبان ذات الفرد المفكرة في محيط إرادة الجموع ـــ ! ، في هذا الجانب نقول أن المجتمع العماني محاط بمؤثرين أساسيين أحدهما خارجي والآخر داخلي : المؤثر الخارجي يتمثل في تيار وعي الربيع العربي الذي ضم أغلب مجتمعات الوطن العربي . ما يحدث هو أن فئات مختلفة من الأفراد حينما تسمع وتطالع ما حدث في مصر وتونس وليبيا وما يحدث في سوريا واليمن ، تنطلق إرادتهم نازعة لتملك الفعل الذي حدث في تلك المجتمعات ، أي انه وبعد أن يرى من نضال الشعوب العربية تجاه حكوماتها تذوب ذاته المفكرة ويبدأ ينزع إلى مشاركتهم الفعل الذي يقومون به ، يحدث بعدها أن ينزع بفكره نحو إحداث عملية كالتي هي حادثه في بقية مجتمعات الوطن العربي ، أي أنه ينزع إلى أن يتوجه الشعب إلى الحكومة بنفس الطريقة التي توجهت بها الشعوب إلى الحكومات في مصر وتونس وسوريا . المشكلة في هذه الجانب لا تتمثل في نشأت النزوع ( اي نزوع الشعب إلى الحكومة لتقويم ما فيها ) ، الإشكالية الحقيقية تتمثل في انهم يريدون أن ينزوعوا إلى الحكومة بنفس الطريقة والماهية التي نزعت بها الشعوب إلى حكوماتهم في بلدان المجتمع العربي من مثل تونس ومصر وسوريا . وهذا تغيب حقيقي لذات الإنسان المفكرة وانفعال واضح لإرادة المحيط لا لإرادة افراد المجتمع ذاتهم . إذ أن الماهية والطريقة التي يجب أن يتوجه بها الشعب إلى الحكومة يجب أن تتشكل من المجتمع نفسه بما يتلائم وتركيبة المجتمع ذاتها ، إن سوريا تختلف عن عمان ، ومصر تختلف عن عمان وكذا تونس وبقية مجتمعات الوطن العربي . وعليه فماهية الإرادة التي نشأت في مجتمعات الوطن العربي المختلفة لا يجب ان ينفعل بها أفراد المجتمع كماهي في شكلها وفي مضمونها ، لأنهم إن فعلوا ذلك كانوا كحال القرد في تجربه علماء النفس المشار إليها في اعلى الموضوع .


    المؤثر الداخلي : يتمثل في الشكل الذي اتخذته الإرادة لدى بعض أفراد المجتمع العماني ، مجموعة كبيرة من الناس كانت تنادي بإقالة الوزير الفلاني وبإلغاء القانون الفلاني وبإلغاء الوزارة الفلانية ، مجموعة كبيرة اخرى كانت تنادي بزيادة لرواتب وبتعديل قانون العمل . .. الخ من المطالب ، فئات أخرى روجت لمواضيع ان الدولة فاشلة في سياستها ، وأن التعليم فاشل ، وأن الحرية مسلوبة ، وأن الحكومة تتقصد الإقصاء وهدم الوعي . . . . الخ ؟ ، السؤال المحوري الآن لا يتعلق في أن نحكم فيما أذا كانت تلك المطالب والتوجهات صحيحة أم لا ؟ السؤال الحقيقي يتمحور في أن نسال عن السبب الذي اجتمع الناس بناء عليه في مطالبهم تلك ؟ ، المأساة الحقيقة التي تحدث في مجتمعنا تتمثل في انك إن أردت ان تستميل عقل الشعب اذكر له كلمة فساد وحرك حميته على أن الفساد نتيجة للإستبداد ، ثم زده بقولك ان وزاء عمان سرقوا وأكلوا خيرات الدولة ، وان الحكومة حتى تحافظ على سيطرتها حجرت الشعب عن الوعي السياسي وعشعشت الجهل في خلده ، بل وقامت بتعطيل مسيرة التعليم عن قصد ووجهت الإعلام إلى ناحية معتلة . وعليه علينا كشعب ان نبدأ بتغيير الحكومة وتهيج الشعب عليها ، علينا ان نستعيد حقوقنا ، علينا ان نحاسب الدولة . . . الخ من الكلام . بعد ان يعطى الشعب هذه الجرعة النفسية على هيئة آراء ( والبعض يقول ويدعي انها حقائق ومعظمها بحاجة للبحث والتحقيق ) ، تأكد ان فئات مختلفة من الشعب ستنقاد لك ، فئة معظمة من الشعب ستعتقد أن هذا هو النضال الحق الذي عليهم ان يعملوا بناءً عليه ، فئة عظمى منهم سيؤمنون تمام الإيمان ان ما سمعوه صحيح وكلهم سيبدأون بالحركة نحو هدف ( غيروا شكل الدولة ، ابدلوا هذا بذاك ، أضيفوا هذا وأحذفوا هذا ) .


    بالكلام أعلاه أوضح انني لا أريد ان بين وجهة نظري فيما اذا كانت حريتنا مسلوبة أو غير مسلوبة ، بل اريد ان نأخذ بالحوار الحالة الفكرية لدى الناس في تعاطيهم ومفهوم الحقيقة ( اي ان نستوضح موقع ذات الإنسان العماني المفكرة من إرادته التي ينزع بها ) ؟ ، أو بالمعنى الأصح علينا أن نتباحث شكل الإرادة المتكونة ، تلك الإرادة التي على أساسها ينزع الشعب إلى التغيير والثورة ، ما عدد الأفراد الذين قاسوا التغيير من منطلق الحقيقة ومنفعة المجتمع ( أي وفق منهج يستوضح عبره ما هو كائن وما يجب أن يكون بعيدا عن الآهواء والطيش ) وما عدد الأفراد الذين يشاركون إرادة التغيير وإرادتهم للتغير كإرادة ذاك القرد الذي شارك في ضرب القرد الذي دخل لتوه دون أن يعرف السبب ؟

    البعض ومن الكلام الذي نقوله قد يفهم اننا نحاول ان نمجد الدولة ونستر عيوبها ، وأيضا قد يفهمون أننا نبرر اخطاء الدولة ونقف في صف الفساد وأنها محاولة لإلجام الأفواه عن الحديث والتغير ، فقط العاقل المنصف وحده من سيعي النقطة الجوهرية التي نتحدث عنها ، هو وحده من سيعي ان نقطة الموضوع المحورية تتمثل في أننا في موضوعنا نأخذ في الحسبان نقطة مهمة هي أننا وقبل ان نفكر في أن نحمي الشعب من الدولة ومن القوى الخارجية ، علينا ان نحميه من نفسه ( من طريقته في التفكير ، من عاداته السلبية ، من أبتعاده عن ميزان الحق والعقل ) ، إن الدور الذي يجب ان يشغله العقلاء يجب ان يتمحور خلال الفترة الراهنة في أن نحقق للعقل المجتمعي فاعليته ، علينا ان نعلم الفرد الطريقة التي يلتزم بها منهج عقله وميزان عقله ، علينا ان نهيئ له الطريق للوصول إلى أرادته الحقة التي تنبع من ذاته هو لا من ذوات غيره ، لسنا مسؤولون عن أمر تخليص الفرد من مشاكله لأننا إن اعتبرنا أنفسنا أوصياء على الناس نخلصهم من مشاكلهم ومن الذي سبب له مشاكلهم ، كنا اظلم ممن ظلمهم وسنوقعهم في ظلم أعتى وأشد ، أحيوا العقل والحق في عقل ووجدان الفرد ، ثم اتركوا للفرد طريقة والغاية التي يريد ؟

    (( بي نزوع إلى الكمال ، ولا أعرف معنى الكمال والإنتهاء ، كلما أنتهي إلى غاية أرفع منها دعامة الإبتداء ، لست أدري متى وإلى أين أشيد البناء فوق البناء ، فحياة الوجود رهن حياتي ، وفناء الوجود قيد فنائي "لطفي جعفر" ))


  • #2
    بعد ان طرحت موضوعي وبالصدفة ، نشر أحد الأخوة الأعزاء مقالا يرتبط إرتباطا وثيقا بفكرة الموضوع المطروح هاهنا ، احببت ان أن انقل لكم مقال الأخ ( فضائي ) . حتى تتضح الفكرة وتعزز في الأذهان .


    عنوان المقال : سيكولوجية المظاهرات

    في العام المنصرم شهدت عدة ولايات عمانية مظاهرات إتسمت أحياناً بالعنف والخروج عن القانون في مشهد أثار الدهشة وخصوصا لمن يعرف وداعة وتسامح العمانيين، المظاهرات العنيفة والسليمة كظاهرة من الممكن أن تنشأ في أي مجتمع إذا توافرت الظروف المناسبه لها، وحتى اكون منصفاً فالمظاهرات والتجمعات لست دائما ظاهرة سلبية، ولا تؤدي بالضرورة إلى إحداث فوضى وشغب، فحق التظاهر هو أحد الحقوق الأساسية المكفولة في جميع النظم الديمقراطية والناس تتجمهر وتنتظم في مسيرات في المناسبات والأفراح وفي الملمات والمصائب، ومثلما شاهدنا تلك الأعمال التخريبه شاهدنا كذلك كيف تجمع العمانيون ونظموا صفوفهم بالمئات لمساندة أخوانهم المنكوبين في إعصار "جونو" الذي شهدتها السلطنة عام 2007 وشاهدنا كذلك الإعتصامات والمسيرات الحضارية المطالبة بالإصلاحات، وحتى نفرق بين النوعيين من التجمعات فعلينا أن نفهم تأثير الجماعة على الفرد ونفهم تلك الحالة النفسية التي تتولد في تلك الجماعة او ذلك الحشد.
    في علم النفس الإجتماعي يوجد فرع يسمى بعلم نفس الحشود يعنى بالحالات النفسية التي تجتاح مجموعة من الناس المحتشدين في مكان ما، ففي عام 1895 ألف الطبيب والمؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون كتاب بعنوان "نفسية الحشود" وقد أشار في كتابة هذا إلى أن الأفراد يفقدون ذاتيتهم في المجموعة وبالتالي السيطرة على النفس، موجهين فقط بالعواطف والغريزة والقوى الأولية والتي أسماها باللاوعي العرقي، إن الإنسان يفقد جزء من هويته الذاتية عندما يقرر الإنضمام لمجموعة من الناس لذلك فقطعاً سيتأثر سلوكه بتلك المجموعة سواء بالسلب أو بالإيجاب، ولدراسة التغييرات التي تتطرا على الفرد عند إنضمامه لمجموعة ما قام العالم فليب جي. زمباردو في عام 1970 بإجراء تجربة نفسية شهيره (إقتبست منها برامج تلفزيون الواقع فكرتها) حيث تم إختيار عدد من طلبة الجامعة للمشاركة في هذه التجربة وهذه التجربة كانت مصممة من قبل علماء النفس والباحثين في جامعة ستاندفورد حيث قاموا بتوزيع مجموعات من الطلبة (الأصحاء عقلياً) بشكل عشوائي إلى مجوعات من "الحراس" وأخرى من "السجناء" والذين سوف يقطنون في مبنى شبيه تماما بالسجن, زمباردو أوقف التجربة بعد مرور ستة إيام فقط من بدا التجربة لأن الحراس أصبحوا ساديين ومتوحشين ويسيئون للسجناء نفسيا وجسديا، كيف يمكن لإنسان وديع ومسالم ان يتحول إلى إنسان شرير بهذا الشكل السريع والمريع ؟! في ذلك الوقت قدم زمباردو إجابة بسيطة ومباشرة لتفسير نتيجة تلك التجربة: عندما يختبئ الإنسان وسط مجموعة أو حشد من البشر فأنه بكل بساطة يفقد كل الموانع والقيم الأخلاقية الذاتية، فالبشر عندما يكونون ضمن حشد فأنهم يصبحون كقطيع بدون سيطرة ذاتية أو شفقة، اليوم تلك الدراسة تذكر كمثال كلاسيكي للتدليل على الكيفية التي يتبدل فيها سلوك الإنسان عندما يكون تحت تاثير الجماعة المحيطة به حيث يفقد الكثير من حسه الفردي للإخلاق ولمعايير الصواب والخطأ .
    في عام 1980 قام كل من عالمي النفس هنري تاجفل و وجون سي. تيرنر بصياغة نظرية تعرف ب "الهوية الجماعية" والتي تنص على أن الإنتماء للمجموعة يخلق ما يعرف بشعور الــ "نحن" حيث أن ذلك الشعور يولد الإحساس "بالذات الجماعية". وكلما أرتبط الفرد أكثر بالمجموعة كلما تميز بصفاتها وكان أكثر قبولا لقيم المجموعة ومعاييرها، تلك الهوية الجماعية التي يتقمصها الفرد هي التي تؤدي لسيطرة سلوك المجموعة على تصرفاته الفردية فينسق لاشعورياً مع الأخرين ويصبح أكثر ميل لمجارات الأغلبية.
    من أهم العوامل التي تحفز إنتشر السلوك العدواني في المجموعة هو غيب الهدف و الإطار سليم لتلك المجموعة، فعند قيام شخص يمتيز بإظهار إنتماء شديد للمجموعة من خلال اللباس أو الشعارات بالبدأ في عمل تخريبي سيندفع خلفه الأخرون مدفوعين فقط بولائهم لتلك المجموعة وربما قد يأخذ ذلك الشخص وضع القائد في تلك المجموعة وسيقوم الأخرون بتقليد سلوك ذلك القائد، مثل ذلك السلوك المعدي يمكن أن ينفجر بسهولة ضمن المجموعات التي ليس لديها أهداف ثابته ومحدده حيث ستنجرف إلى الفوضى والعنف وسيقودها أسوأ الأشخاص الموجودين فيها حينها ستصبح القوانين والمعايير إرتجاليه وعبثية، إذاً الأهداف الثابته والواضحة للمجموعة هي المعيار الأساسي الذي يميز الجماعة العقلانية عن الجماعة الفوضوية، إن إنتماء الأفراد للمجموعة الفوضوية العبثية يجعلهم أقل إحساس بالمسؤولية إتجاه التصرفات العدونية التي تصدر منهم، ويعطيهم الشعور بغطاء يحميهم ويبرر سلوكهم، وفي هذه الحالات نكتشف عيب قاتل في النظام الاخلاقي الذي أُسِّسَ فقط على العواطف، فالنظام الاخلاقي الحقيقي يجب أن يؤسس على قاعدة فكرية سليمة في المقام الأول ومن ثم تأتي العواطف لتدعيم هذا النظام، لأن العواطف عرضه للتبدل والتغيير وخصوصاً بتأثير من الأخرين.
    يمكن أن نلخص الفكرة بأن المظاهرات أو التجمعات الحضارية السلمية هي التي تنظمها مجموعة عقلانية من الأشخاص من خلال أهداف خيره وواضحه بعكس المظاهرات الفوضية العنيفة التي تكون مدفوعة بالعواطف والإنفعالات، لذلك فنحن بحاجة شديدة لفهم الكيفية التي تأثر فيها الجماعة على إستقلالية تفكير الفرد فكلما تمتع الإنسان بإستقلالية عقلية أكبر كلما كان ذلك حصانه له من الإنجرار العاطفي خلف الأخرين، أن تحصين مبدأ وسلوك الإنسان ضد الإنجرار لمثل تلك المزالق المدمرة للمجتمع يبدأ من الطفوله من خلال تعزيز رغبة الطفل في الإستقلالية العقلية وتعويده على تكوين آراء وقناعات شخصية بعيد عن التأثير العاطفي للآخرين وتعزيز إحترام التفكير المنطقي و النزعة العقلانية لدى طلبة المدارس من خلال تحفيزهم على طرح تساؤلاتهم حول كافة مناحي الحياة وتشجيعهم على البحث عن أجوبة جديدة لتلك الأسئلة وتكوين آراء خاصة بهم.

    (( بي نزوع إلى الكمال ، ولا أعرف معنى الكمال والإنتهاء ، كلما أنتهي إلى غاية أرفع منها دعامة الإبتداء ، لست أدري متى وإلى أين أشيد البناء فوق البناء ، فحياة الوجود رهن حياتي ، وفناء الوجود قيد فنائي "لطفي جعفر" ))

    تعليق


    • #3
      مرحبا ناقد الأقلام..

      لا أود أن أكرر ما ذكرين في المقالين السابقين فهما يشملان جوانب القضية التي تتحدث عنها.... لكني أردت أن أطرح هنا وجهة نظري...

      أفراد مجتمعاتنا بشكل عام عاطفيين وهذه صفة غالبة على المجتمع... لا نتعامل والقضايا بموضوعية.... أو قد تجد آخرين ينقادون بعاطفتهم وراء العلة مذعنين لها وتاركين الدليل ، وهم ليسوا أسرى للعلل بل منقادين بإرادتهم السائدة ... لأنهم لم يحركوا سوى العاطفة وتركوا العقلانية بعيدا.... في حين أنهم مطالبين بالحرية وهم لم يطبقوها على مستواهم الشخصي... أو على مستواهم التفكيري على الأقل..... وهنا لا يمكنك أن تواجههم بالدليل لأنه ببساطة خاطئ بالنسبة لهم ... فالفكرة المقبولة و الخاطئة هي الشائعة... وهي قائمة على علة لا على دليل... ومنها ترى فئات الدوغمائية تسعى لتبث أفكارها العاطفية بين الناس بأشكال مختلفة مغيبة للعقل ، كأن تنادي بمواقف وفساد أو غيره لتؤثر على العاطفة.....
      تبني هذه الأفكار تُشعر الأفراد أو المجموعة بأنها فوق النقد واالتساؤل والمطالبة بدليل، لذلك لا تتعب نفسك من أجل إفهام الناس بالإستدلال العقلي ، بل بإزالة العلل التي قامت عليها أفكارهم.... والتي ستطرح عليك لاحقا أنك واقف مع الفساد وتصبح من فئة المغضوب عليهم...





      ..... يجب على الإنسان أن يعيش بوصفه موجودا لذاته ، ذلك أنه مدفوع إلى أن يجد ذاته ويتعرف عليها فيما يلقاه مباشرة ويعرض عليه من الخارج.....

      تعليق

      يعمل...
      X