المسئولية هذه الكلمة التي عدّت مصدر جدل الإنسان مع كل ما حوله، (الأمر) الذي راهن الإله ملائكته التي خافت فيه وراء قراره في خلق الإنسان، أنزله الله خليفة كاملا حرا، وسخر له كل شيء لينشر كلمته التي هي قبس من نوره وروحه، وتلك الخلافة الحرة أساسها المسئولية والوعي اللذان ميز الله الإنسان عن سائر خلقه، فبدونهما لا يستحق الإنسان اسمه، فهي مناط عظمته، وكلمة المسئولية آتية من (سئل) و(السؤال)؛ أي هي مصدر الإجابة واتخاذ القرار وترجع إليه المسائلة في حال حدوث أي حدث سلبا أو إيجابا، فيتحمل نتيجته، فهي تكليف ناتج عن التوفيق بين حرية الإنسان وبين ما يترتب عليها من نتائج: موازنة بين ما يبتغيه الإنسان وبين التزاماته نحوها، فهي كالأمانة التي يحملها الإنسان على كتفه ومقياس عظمته في (قدرته) على حمل تلك الأمانات و(كمها)، لا في مدى تخلصه منها والتملص من مسائلاتها.
كانت نقطة المسئولية أهم جدل وّلد الصراع والتآلف بين الشعوب عبر التاريخ، حيث أننا نعيش حياتنا اليوم وفقا لتراكمات حدثية سابقة يكمن إيجابها في إخلاص بعض السابقين والحاضرين في حمل أماناتهم وتحملهم المسئولية ، ويكمن سلبها في تخلّف بعض السابقين في حمل تلك الأمانات، أو في تخلّف بعض الحاضرين في إكمال مسيرة من صلحوا سابقا وألقوا أحمالهم تتراكم، فهربوا منها وألقوها على الآخرين، فسببت الظلم والكبت والقهر للآخرين لتظهر رواسبها في مواقف أخرى وفي زمان آخر عن حدوثها، فها نحن نعيش بما كسبت أيدي سابقينا و(أيدينا) في كافة المجالات علميا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ما زلنا نعيش إيجابا لجهود إخلاص السابقين في العلم والاجتماع والاقتصاد والسياسة فأكملنا مسيرتهم، وما زلنا نعيش سلبا وفقا لتراكمات ثقافية سابقة تخزّنت في العقل الباطن للشعوب نتيجة إخلاء المسئولية والتملّص منها، لتظهر اليوم على هيئة فساد، وظلم، ودمار للطبيعة والبشر في كافة المجالات.
وفي صدد ضرب الأمثلة، سياسيا هانحن نعيش أزمة تراكمات ظلم الفراعنة للعبرانيين، وعدم تحمّلهم مسئولية عيشهم بكرامة في مصر، وتراكمات السبي البابلي وتراكمات محرقة الهولوكوست (بعض النظر عن جدلية حدوثها من عدم حدوثها) إلى اليوم، تُترجم في تصرفات اليهود اليوم في العالم، واقتصاديا نلاحظ أن تراكمات عدم تحمّل مسئولية حكام الدول النامية لاقتصادياتها وتخبطها في توزيع الثروات وتصريفها واستثمار طاقاتها وإيثارها للتبعية، مما أدى إلى وقوعها في الديون العالمية، مما جعلها تفرغ ذلك باستغلال الطبقات الوسطى والفقيرة في مجتمعاتها، لإرضاء غرورها وإلقاء عاتق مسئولية تكفير أخطاءها وعجزهاعلى حساب جيوب الشعب، وانعكس ذلك أفقيا في العلاقات الاقتصادية في التعامل الشعب مع بعضه، واجتماعيا نرى أن امتداد المشكلات الكبرى في السياسة والاقتصاد وانعاكسها على تعاملات المجتمع مع بعضهم البعض، فنرى أرباب الأسر يتخلون عن مسئولية بيوتهم، فينتج عن ذلك من تخلي أفراد البيت الآخرين عن واجباتهم مما يتنج مشكلات أكبر.
يمكن اعتبار ذلك كالخيط في نسيج متراكم، إن فلت ذلك الخيط أدى إلى انفلات النسيج كاملا، فتأثيره امتد من العامل الاقتصادي مرورا بالسياسة والمجتمع إلى الثقافة والفكر، الذي يحرّك كل تلك المجالات ليبدأ دورة أخرى من التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فحتى الثقافة والفكر لم يسلما من إخلاء المسئولية، فقد لحقهم الضّر، فنرى غالب المثقفين والعلماء والمفكرين تخلّوا عن مسألة الإبداع والتجديد الذي يرتبط بحمل مسئولية الفكر الجديد وتحمّل الأذى والنقد والصعوبات التي قد يواجهونها في طرح أفكارهم، لهذا يلجمون أفكارهم، وأحيانا يلجمون الحقائق عن الظهور؛ لكي يُخلو نفسهم من المسئولية، فتضيع الحقائق والحقوق ويصبح الإنسان تائها معلقا لا يعرف ما هي واجباته، وما له وما عليه، وليس أدل على ذلك سوى حال أوروبا في عصور الظلام، ووضع الاجتهاد اليوم في الإسلام (اجتهد ولا تخالف)!
"معظم الناس لا يريدون الحرية، لأنها تتضمن المسئولية، وذلك لأنهم يرتعبون من المسئولية" قالها سجموند فرويد، وهذا نجده جليا في تعاملاتنا في غالب الأمكنة في بلادنا، في الجهات البيروقراطية لإنجاز المعاملات إن حدثت مشكلة ما يقوم غالبا الموظفين والمسئولين يسعون لإخلاء المسئولية وإلقاء اللوم على غيره(لهذا يتنقل المراجع من فلان إلى علان إلى علتان)، وكأنما المسئولية قنبلة موقوتة يرميها المسئولين لبعضهم حتى يسلمون من التعب أو التورّط فتنفجر فجأة في يد شخص ليس له علاقة بالمسألة ، فيُظلم ويُكسر ظهره بحمل مسئولية فوق التزاماته فيصبح حال هذا الشخص كالبركان الذي يهدد حال البلاد، وهذا ينطبق علينا كلنا من قاعدة الهرم السياسي في بلادنا إلى قمته، وكذلك في حياتنا الشخصية البسيطة في علاقة الزوج مع زوجته، وعلاقة الأبوين مع أبناءهما، لهذا نادر ما نرى في حياتنا الشخصية والعملية من يعترف بخطأه أو تقصيره، غالب همه العار الذي سيلحقه في حال اعترافه، والتهرب من المسئولية التي سيتكبدها في حال اعترافه، وكذلك نادرا من يبادر في حل المشكلات أو يقول: "دعوا الموضوع علي".
ولو أردنا الرجوع إلى جذور هذه المسألة، لرأينا أنها تراكمات لتاريخ شبه الجزيرة العربية، والرواسب التي مازالت إلى اليوم عالقة في اللاوعي العربي ووعيه، والتي شكّلت قيمه، والتي تشكّل وعي المجتمع وتصرفاته، والتي تضخّم من قيم الشرف ونبذ العار والتبعية والتعصب والجماعية، وتقزيم الإحساس بالذنب وتحمّل مسئولية التقصير، فهو يرى نفسه ذلك الأبي المعصوم الذي لا يجوز تخطيئه، وكذلك قيم الإبداع والتجديد والانفتاح والفردية والخصوصية التي قُتلت بسبب قيم نبذ العار والتبعية الذي نتج عنه إلقاء المسئوليات ونبذ الإحساس بالذنب، وكذلك ساهمت البنية التحية المتمثلة - في الأوضاع الاقتصادية- في تردي أوضاع الثقافية للمجتمع، فأصبح يسود اللامبالاة في طبقات المجتمع، أصحاب الطبقة المتوسطة والفقيرة لا يهمهم الاجتهاد ويخافون من المسئولية؛ لأن الوساطة سوف تنتصر لخصمهم، والمترف لا يهمه الاجتهاد ويغالي في اللامبالاة في تصرفاته؛ لأن هناك من يتكل عليه في حمايته من أصحاب فيتامين"و".
وغالبا عندما نذكر مصطلح (إخلاء المسئولية) فإن آثار هذه الكلمة غالبا ما يلتصق بها الفساد الأخلاقي في استباحة حقوق الناس وكرامتهم أو الفساد المالي والإداري الذي قد يضيّع - بغرور البعض ونرجسيته وأمراضه النفسية - حقوق الناس، ويصبّهم في كفة الحاجة والعجز، الذي قد ينعكس على المجتمع بجرائم السرقة والرشوة والاختلاس والاغتصاب والتحرش والانحراف خلسة هربا من المسئولية، أو العجز عن تأديتها بسبب عوائق كبرى تتمثل في منظومة لا يحمل الصلاحية الشرعية في تغييرها أدت إلى حدوث خلل في مجالات فرعية في شبكة تعاملاته، إذن المسألة ليست فقط فردية متعلقة بأخلاق (س) من الناس بل هي نتيجة اختلال ورواسب تترتب من خلال عوامل كبرى التي تتشكل من العوامل الصغيرة، ومن العوامل الصغرى التي تتشكل من العوامل الكبرى، وهنا لابد المزامنة في تنمية قيمة تحمل المسئولية من الطرفين، وإلا تراكمت مسئوليات اليوم للغد، وستكفل لغير أصحابها، وسيكون التقصير علامة في تسييرها، فكما يقول إبراهام لينكولن الذي صاغ قانون تحرير العبيد: "لن تستطيع الهروب من مسئوليات الغد بالتملّص منها اليوم".
"معظم الناس لا يريدون الحرية، لأنها تتضمن المسئولية، وذلك لأنهم يرتعبون من المسئولية" قالها سجموند فرويد، وهذا نجده جليا في تعاملاتنا في غالب الأمكنة في بلادنا، في الجهات البيروقراطية لإنجاز المعاملات إن حدثت مشكلة ما يقوم غالبا الموظفين والمسئولين يسعون لإخلاء المسئولية وإلقاء اللوم على غيره(لهذا يتنقل المراجع من فلان إلى علان إلى علتان)، وكأنما المسئولية قنبلة موقوتة يرميها المسئولين لبعضهم حتى يسلمون من التعب أو التورّط فتنفجر فجأة في يد شخص ليس له علاقة بالمسألة ، فيُظلم ويُكسر ظهره بحمل مسئولية فوق التزاماته فيصبح حال هذا الشخص كالبركان الذي يهدد حال البلاد، وهذا ينطبق علينا كلنا من قاعدة الهرم السياسي في بلادنا إلى قمته، وكذلك في حياتنا الشخصية البسيطة في علاقة الزوج مع زوجته، وعلاقة الأبوين مع أبناءهما، لهذا نادر ما نرى في حياتنا الشخصية والعملية من يعترف بخطأه أو تقصيره، غالب همه العار الذي سيلحقه في حال اعترافه، والتهرب من المسئولية التي سيتكبدها في حال اعترافه، وكذلك نادرا من يبادر في حل المشكلات أو يقول: "دعوا الموضوع علي".
ولو أردنا الرجوع إلى جذور هذه المسألة، لرأينا أنها تراكمات لتاريخ شبه الجزيرة العربية، والرواسب التي مازالت إلى اليوم عالقة في اللاوعي العربي ووعيه، والتي شكّلت قيمه، والتي تشكّل وعي المجتمع وتصرفاته، والتي تضخّم من قيم الشرف ونبذ العار والتبعية والتعصب والجماعية، وتقزيم الإحساس بالذنب وتحمّل مسئولية التقصير، فهو يرى نفسه ذلك الأبي المعصوم الذي لا يجوز تخطيئه، وكذلك قيم الإبداع والتجديد والانفتاح والفردية والخصوصية التي قُتلت بسبب قيم نبذ العار والتبعية الذي نتج عنه إلقاء المسئوليات ونبذ الإحساس بالذنب، وكذلك ساهمت البنية التحية المتمثلة - في الأوضاع الاقتصادية- في تردي أوضاع الثقافية للمجتمع، فأصبح يسود اللامبالاة في طبقات المجتمع، أصحاب الطبقة المتوسطة والفقيرة لا يهمهم الاجتهاد ويخافون من المسئولية؛ لأن الوساطة سوف تنتصر لخصمهم، والمترف لا يهمه الاجتهاد ويغالي في اللامبالاة في تصرفاته؛ لأن هناك من يتكل عليه في حمايته من أصحاب فيتامين"و".
وغالبا عندما نذكر مصطلح (إخلاء المسئولية) فإن آثار هذه الكلمة غالبا ما يلتصق بها الفساد الأخلاقي في استباحة حقوق الناس وكرامتهم أو الفساد المالي والإداري الذي قد يضيّع - بغرور البعض ونرجسيته وأمراضه النفسية - حقوق الناس، ويصبّهم في كفة الحاجة والعجز، الذي قد ينعكس على المجتمع بجرائم السرقة والرشوة والاختلاس والاغتصاب والتحرش والانحراف خلسة هربا من المسئولية، أو العجز عن تأديتها بسبب عوائق كبرى تتمثل في منظومة لا يحمل الصلاحية الشرعية في تغييرها أدت إلى حدوث خلل في مجالات فرعية في شبكة تعاملاته، إذن المسألة ليست فقط فردية متعلقة بأخلاق (س) من الناس بل هي نتيجة اختلال ورواسب تترتب من خلال عوامل كبرى التي تتشكل من العوامل الصغيرة، ومن العوامل الصغرى التي تتشكل من العوامل الكبرى، وهنا لابد المزامنة في تنمية قيمة تحمل المسئولية من الطرفين، وإلا تراكمت مسئوليات اليوم للغد، وستكفل لغير أصحابها، وسيكون التقصير علامة في تسييرها، فكما يقول إبراهام لينكولن الذي صاغ قانون تحرير العبيد: "لن تستطيع الهروب من مسئوليات الغد بالتملّص منها اليوم".
احترام الذات واحترام الآخر ينبع من الاستعداد تقبل المسئولية الناتجة من الاختيار، فإن أخترنا الإصلاح من حالنا وانكسار القيود، لابد أن نكون جادين في ذلك بتحمل المسئولية و(المبادرة الفردية) قبل الجماعية، وكما يقول الرسول محمد: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ولا يقصد فيها الحاكم أو ولي الأمر فقط، بل قال: "كلكم"، أي جمعينا مسئولين، فأي خلل يحصل في مجتمعنا فهو بسببنا، نعم! أنا مسئولة عن كل خلل في مجتمعي ولا أبرئ نفسي؛ لأني لم أبادر بالتخطيط لتحمل بعض المسئوليات الاجتماعية، فهي مختلة؛ لأنها تفقد مبادرتي، ولأني أبعدت نفسي عنها أو قد لم أكترث لها، نعم! فصلاح قمة الهرم الاجتماعي لأي مجتمع في صلاح قاعدتها، والعكس صحيح.
ابتهاج يونس
تعليق