إن كان مدحنا لحاكم أو نظام ما لأننا أصبنا خيرا منه، فذمنا لآخر لعكس ذلك، بالتالي، عملية الانتقاد لا تنبني على أسس سليمة، وكل الجهود المبذولة في بناء الرأي والرأي الآخر، مصيرها دائما الفشل، لأن المصالح الشخصية وكما قال توفيق الحكيم: هي الصخرة التي تصطدم بها أقوى المبادئ. وهذا سبب ضياع “خط مسار” الكثير من الثورات والمظاهرات. وحينما تقوم أيّة مظاهرة أو ثورة على مطالب ما، يجب أن تكون جملة المطالب هي “أولويات” أي لا يصح أبدا تحقيق جزءٍ منها، والنظر في جزء آخر لما بعد ذلك.
الخدعة الكبرى التي تعيشها الأوطان العربية، هي رسم وتوصيف أي تحرك احتجاجي في هيئة أشخاص ما بعينهم، وتجاهل الحقيقة التي كان من المفروض أن يبنون عليها فرضياتهم، وهي المقصد والغاية من قيام المظاهرات والاحتجاجات، الغاية من وجود الثورات، لا أن نُكرّم فلانا ونُقدس آخر، وكأن الله ما خلق الشعوب جميعها إلا لأجل أن تمضي كالقطيع خلف رجلا ما بعينه.
الأمر الذي من شأنه دائما وأبدا، إدخال أي مرحلة سياسية جديدة -سواء التي تأتي على شكل إصلاحات تحت ظل نظام سابق، أو التي تأتي على شكل نظام جديد بأكلمه، مع جزمة من الأهداف- في نفق ضيّق غائب الملامح، يشوبه القلق والارتباك الأمني، والاهتزاز الاقتصادي، بسبب، أن العاملين على القيادة في هذه المرحلة، بدأت وسائلهم تتجه بصورة أو بأخرى إلى الأفراد بعينهم لا الغايات، والمغزى هنا : ترك العمل الذي من أجله قامت الثورة أو الاحتجاجات، والانشغال بأمور واهية لا تقدم وتزيد.
ما يشهده الشارع المصريّ، ليس وليد “صدفة”، ولا تراكمات نظام فاسد ل 3 عقود، ولا تعنّت طرف وخيانة طرف ومصالح طرف آخر، بل تضييع “جهود” عمل شاق كالثورة، وتشتيت أهدافها، فهل كانت مطالبا كــ محاسبة الرئيس وتخلي العسكري عن السلطة وتوقيت “وضع” الدستور، هي المطالب التي سالت لأجلها دماء الشباب في الميدان؟؟ أين ذهبت الكرامة والعيش الحر والمساواة والعدل. أين ذهبت الأمن والأمان، وأين ذهبت أسس الحياة السليمة المعافاة؟؟؟؟
تحوّلت الوِجهة كلها، إلى من يحكم البلد، ملتحين أم معتدلين أم ليبراليين، وتلخصت مطالب الثورة في محاكمة مبارك من عدمه!!
الانتقاد، يتبعه إحضار البدائل، فإن انتقد المرء عملا، فإنه ينتقد عيوب تطبيق هذا العمل، بالتالي، طرح المشكلات والحلول لهذه المشكلات، لا أن يتم طرح المشكلة وكأنها تمثل وجهة نظر أكثر ما أنها تُمثل قياسا للأداء، وفحصا للإجراء. فماذا كان العمل الذي انتقد في مصر.. وما البدائل؟؟؟
ليس هناك انتقادا أصعب في الوقت الراهن من انتقاد الأداء السياسي، خاصة في الدول العربية، لأنك حينما تنتقد عمل مسؤول ما، أو مؤسسة ما، فكأنك تنتقد النظام بأكمله، لأن غياب خطة العمل الواضحة، واستراتيجية العمل المنظم، والوسائل التي تُوضّح آلية الوصول للغاية، كافية لأن تُشكل الضباب على المشهد السياسي، الأمر الذي يتطلب الدقة في تحديد الانتقاد، طالما أنّ النظام يتعمد الضبابية في أداءه.
ولعل ما تُتقن هذه الأنظمة عادة فعله، هو التشكيك حول جدوى انتقادها، وبرهنة أن لا “بديل” عن عملها السياسيّ مهما تعددت أخطاءه وتكررت، وأن القيادات القائمة على عملها في هذا النظام هي أفضل الكفاءات المتوفرة. وبعمل فرديّ للقيادات أو منظم للنظام نفسه، يتم الوقوف خلف الذين يطالبون بالتغيير، وينتقدون العمل السياسي، ويقترحون كذلك البديل، فتارة يتم امتصاص غضبهم بإشراكهم في العملية السياسية بحجة توحيد الجهود والاستفادة من الرأي الآخ، وتارة يتم شراء الذمة مقابل مبلغا ما، وتارة، وهنا الأخطر: شراء الذمة، وتسليط القلم المنتقد إلى مُخبر!!!.
عليه، فإن العمل الذي يظهر للناس، مهما كان خيره أو شره، إن كان واضح الوجهة والهدف والغاية، فلا خوغ عليه بعدها من تداخل الأمور واختلاط الأوراق، ولا خوف عليه من أيّ إلهاء سياسي، تتعمد السلطة تحريك أحجاره لشغل الرأي العام عن المشاكل الحقيقية التي تحدق به، أو لتحويل أنظارهم بعيدا عن أهمية الانتقاد الذي يطالها، وهذا عادة ما نراه دائما يتكرر في أي بلد عربيّ.
قل لي ماذا تنتقد، وما هي البدائل والحلول التي تحملها لكي تُقدمها أو تتناقش حولها فيما يهدف فعلا للتغيير أو علاج الخلل، أقول لك حينها، هل انتقادك جاد أم لا. وهل انتقادك قائم على مصلحة أم لا؟ وهل مدحك لخير أصبته فقط أو انتقادك لشر أصابك!! غير ذلك، لا يعدو انتقادك إلا مجرد “تطبيل” ولكن من نوع آخر، فمثلما تعوّدنا صحفيون وكتّاب يبرعون في التكبيل والتصفيق للسلطات دائما، وتبرير أفعالها، كذلك هناك مطبلون، يدّعون التغيير، ويدّعون “جرأتهم” على الانتقاد، ولكن الحصيلة: طلبا للشهرة أو المنفعة الخاصة، أو مخبرين، يملأون قاعدة بيانات الأجهزة الاستخباراتية بتحركات غيرهم من النشطاء والفاعلين الساعيين للتغيير.
الانتقاد عملية تستدعي الجرأة والتضحية، بل تتطلب التخطيط كذلك، والتدرج حسب ما تُتيحه الظروف السياسية نفسها، ونِتاج كل مرحلة ومدى توافق السلطات مع الطرح، وحجّتها في عدم الأخذ بمضمون الانتقاد البدائل المصاحبة له، أو مراقبتها في مدى الأخذ به وآلية تنفيذ بنوده أو تفعيله على العملية السياسية برمّتها، وهذا يتطلب وعي ومتابعة من قِبل القائمين على عملية الانتقاد، وعدم الالتفات لأي إلهاء سياسي تفتعله السلطات عن طريق مؤسساتها مباشرة، أو عن طريق أحداث المجتمع، بالتالي الإنشغال عن الخطأ الحقيقي بأحداث ثانوية، لا يُقدم حلّها ولا يُغيّر من المشهد السياسي شيئا.
الخدعة الكبرى التي تعيشها الأوطان العربية، هي رسم وتوصيف أي تحرك احتجاجي في هيئة أشخاص ما بعينهم، وتجاهل الحقيقة التي كان من المفروض أن يبنون عليها فرضياتهم، وهي المقصد والغاية من قيام المظاهرات والاحتجاجات، الغاية من وجود الثورات، لا أن نُكرّم فلانا ونُقدس آخر، وكأن الله ما خلق الشعوب جميعها إلا لأجل أن تمضي كالقطيع خلف رجلا ما بعينه.
الأمر الذي من شأنه دائما وأبدا، إدخال أي مرحلة سياسية جديدة -سواء التي تأتي على شكل إصلاحات تحت ظل نظام سابق، أو التي تأتي على شكل نظام جديد بأكلمه، مع جزمة من الأهداف- في نفق ضيّق غائب الملامح، يشوبه القلق والارتباك الأمني، والاهتزاز الاقتصادي، بسبب، أن العاملين على القيادة في هذه المرحلة، بدأت وسائلهم تتجه بصورة أو بأخرى إلى الأفراد بعينهم لا الغايات، والمغزى هنا : ترك العمل الذي من أجله قامت الثورة أو الاحتجاجات، والانشغال بأمور واهية لا تقدم وتزيد.
ما يشهده الشارع المصريّ، ليس وليد “صدفة”، ولا تراكمات نظام فاسد ل 3 عقود، ولا تعنّت طرف وخيانة طرف ومصالح طرف آخر، بل تضييع “جهود” عمل شاق كالثورة، وتشتيت أهدافها، فهل كانت مطالبا كــ محاسبة الرئيس وتخلي العسكري عن السلطة وتوقيت “وضع” الدستور، هي المطالب التي سالت لأجلها دماء الشباب في الميدان؟؟ أين ذهبت الكرامة والعيش الحر والمساواة والعدل. أين ذهبت الأمن والأمان، وأين ذهبت أسس الحياة السليمة المعافاة؟؟؟؟
تحوّلت الوِجهة كلها، إلى من يحكم البلد، ملتحين أم معتدلين أم ليبراليين، وتلخصت مطالب الثورة في محاكمة مبارك من عدمه!!
الانتقاد، يتبعه إحضار البدائل، فإن انتقد المرء عملا، فإنه ينتقد عيوب تطبيق هذا العمل، بالتالي، طرح المشكلات والحلول لهذه المشكلات، لا أن يتم طرح المشكلة وكأنها تمثل وجهة نظر أكثر ما أنها تُمثل قياسا للأداء، وفحصا للإجراء. فماذا كان العمل الذي انتقد في مصر.. وما البدائل؟؟؟
ليس هناك انتقادا أصعب في الوقت الراهن من انتقاد الأداء السياسي، خاصة في الدول العربية، لأنك حينما تنتقد عمل مسؤول ما، أو مؤسسة ما، فكأنك تنتقد النظام بأكمله، لأن غياب خطة العمل الواضحة، واستراتيجية العمل المنظم، والوسائل التي تُوضّح آلية الوصول للغاية، كافية لأن تُشكل الضباب على المشهد السياسي، الأمر الذي يتطلب الدقة في تحديد الانتقاد، طالما أنّ النظام يتعمد الضبابية في أداءه.
ولعل ما تُتقن هذه الأنظمة عادة فعله، هو التشكيك حول جدوى انتقادها، وبرهنة أن لا “بديل” عن عملها السياسيّ مهما تعددت أخطاءه وتكررت، وأن القيادات القائمة على عملها في هذا النظام هي أفضل الكفاءات المتوفرة. وبعمل فرديّ للقيادات أو منظم للنظام نفسه، يتم الوقوف خلف الذين يطالبون بالتغيير، وينتقدون العمل السياسي، ويقترحون كذلك البديل، فتارة يتم امتصاص غضبهم بإشراكهم في العملية السياسية بحجة توحيد الجهود والاستفادة من الرأي الآخ، وتارة يتم شراء الذمة مقابل مبلغا ما، وتارة، وهنا الأخطر: شراء الذمة، وتسليط القلم المنتقد إلى مُخبر!!!.
عليه، فإن العمل الذي يظهر للناس، مهما كان خيره أو شره، إن كان واضح الوجهة والهدف والغاية، فلا خوغ عليه بعدها من تداخل الأمور واختلاط الأوراق، ولا خوف عليه من أيّ إلهاء سياسي، تتعمد السلطة تحريك أحجاره لشغل الرأي العام عن المشاكل الحقيقية التي تحدق به، أو لتحويل أنظارهم بعيدا عن أهمية الانتقاد الذي يطالها، وهذا عادة ما نراه دائما يتكرر في أي بلد عربيّ.
قل لي ماذا تنتقد، وما هي البدائل والحلول التي تحملها لكي تُقدمها أو تتناقش حولها فيما يهدف فعلا للتغيير أو علاج الخلل، أقول لك حينها، هل انتقادك جاد أم لا. وهل انتقادك قائم على مصلحة أم لا؟ وهل مدحك لخير أصبته فقط أو انتقادك لشر أصابك!! غير ذلك، لا يعدو انتقادك إلا مجرد “تطبيل” ولكن من نوع آخر، فمثلما تعوّدنا صحفيون وكتّاب يبرعون في التكبيل والتصفيق للسلطات دائما، وتبرير أفعالها، كذلك هناك مطبلون، يدّعون التغيير، ويدّعون “جرأتهم” على الانتقاد، ولكن الحصيلة: طلبا للشهرة أو المنفعة الخاصة، أو مخبرين، يملأون قاعدة بيانات الأجهزة الاستخباراتية بتحركات غيرهم من النشطاء والفاعلين الساعيين للتغيير.
الانتقاد عملية تستدعي الجرأة والتضحية، بل تتطلب التخطيط كذلك، والتدرج حسب ما تُتيحه الظروف السياسية نفسها، ونِتاج كل مرحلة ومدى توافق السلطات مع الطرح، وحجّتها في عدم الأخذ بمضمون الانتقاد البدائل المصاحبة له، أو مراقبتها في مدى الأخذ به وآلية تنفيذ بنوده أو تفعيله على العملية السياسية برمّتها، وهذا يتطلب وعي ومتابعة من قِبل القائمين على عملية الانتقاد، وعدم الالتفات لأي إلهاء سياسي تفتعله السلطات عن طريق مؤسساتها مباشرة، أو عن طريق أحداث المجتمع، بالتالي الإنشغال عن الخطأ الحقيقي بأحداث ثانوية، لا يُقدم حلّها ولا يُغيّر من المشهد السياسي شيئا.