13 فبراير, 2012
رسالة معاوية الرواحي بشأن مقالته [ ميثاق الخلاص ] ..
رسالة معاوية الرواحي بشأن مقالته [ ميثاق الخلاص ] ..
بناءً على رغبةِ معاوية أنشرُ هذه الرسالة التي قام بكتابتها، ويحول عائق تقني بسيط دون نشرها في مدونته ..
وجوه الحق/ والحقيقة ..
العَدالة رحمةً / الرحمة عدالةً
أهلا بكم أيها الأصدقاء:
أكتب لكم هذه المرَّة من الزنزانة التي أقضي فيها فترة حبسٍ على ذمةِ التحقيق على خلفية مخالفات عديدة، أولها أخلاقي وكتابي وإنساني، وآخرها مخالفات صريحة لنصوص عديدة من القانون العُماني في مقالتي [ ميثاق الخلاص ] والتي قمت بنشرها في موقعي الإلكتروني، التصرف الذي كانت له تبعات عديدة كنتُ أنا سببها الرئيسي دون أي إنسان آخر.
أكتب هذه المرَّة، ككل المرَّات السابقة لا أكتبُ مُكرهاً أو مُجبراً، على العكسِ تَماما أكتبُ وأنا مصابٌ بالإحباط والخيبة الشديدة، من نفسي قبل أن تكون خيبةً من أي شيء خارجَها.
في ليلةٍ من الليالي وفي حالةٍ من الانفعال المجنون أقدمت على عدة جرائم مخالفة للنصوص القانونية العُمانية، لم يكفِ أنني تعرضتُ لعدد من الأشخاص بأسمائهم الحقيقية، وزعت صفات وأسندتُ أشياء كثيرة، مقالٌ لا أعتبره إلا سقطة موجعة وفادحة وشائنة وسيئة للغاية لم أكن أتمنى أن أسقطها.
ما حدث قد حدث، والبكاء على المسكوب من الدموع أو المسكوب من الماضي لا فائدة منه.
من أين أبدأ؟
لست الآن في صدد سردِ ما حدث، سأخبركم لاحقاً ما حدث كما حدثَ، دون أن أمسَّ بالآخرين، بخصوصية أفراد الأمن الذين يؤدون واجبهم، أو الشرطة أو الأطباء الذين لم يفعلوا شيئا لم أكن سببه، كنت منفعلا وخائفا ومرعوبا، أصرخ وأهدد، أحمل فكرتي السيئة للغاية عن الأمن والشرطة، وما حدثَ كان عكس توقعي تماماً.
كعادتي السيئة أهرب من مواجهة عواقب أفعالي. أهرب من اعتذارٍ هذه المرَّة أقدمه وأنا غارق في خجلي، أعني طوال الفترة الفائتة وأنا كنت أحسب أنني أكتب عن الوطن، طوال هذه الفترة كنت أحسبُ أن الأمر لا يتجاوز تعبير الفرد عن نفسِه، كنت أتوهم هذا في سياقي الفردي، في حياتي الصغيرة التي لم أكن أعرف أنها قد تمس الآخرين بالسوء.
توقعت الأبشع ولم يحدث منه أي شيء. في حقيقة الأمر لو جئت لقياس الأذى الذي تعرضت له لوجدت أنني تسببت في كله لنفسي بسبب عنادي ورفضي للتعاون، فضلا عن وقاحتي الشديدة مع الشرطة الذين تحملوني كثيراً.
أشعر الآن ــ بعدما هدأت عاصفة الغضب بداخلي ــ بالكثير من الإثم. حتى هذه اللحظة لم أقرأ النسخة الأخيرة من المقال الذي جلبني هُنا، قرأت مقتطفاتٍ منه جعلتني أشعر بالأسى البالغ على الدرك الفادح الذي تمرغت في طينِه، لم أقرأه كلَّه وما أتذكره منه ــ غير حالة الانفعال المجنون ــ أنني رميت فيه بكل شيء غير منطقي، كان سقطةً عَمياء من السقطات التي وإن غفر لي القانون، أو المجتمع، أو الأهم، إن غفر لي مولاي حضرة صاحب الجلالة اقترافي، فلن أغفر لنفسي.
أكتب هذا الكلام الآن من زنزانة السجن التي وضعت فيها نفسي، أكتبه وأنا حائر ولا أعرف من أين يجب أن أبدأً، من أين؟ الأمر صعب للغاية.
لا يغفر لأي إنسانٍ على الإطلاق أن يغضب فيخطئ. أحسب أنني وصفت معالي يوسف بن علوي بصفة سيئة للغاية، أعتذر له أمامَكم على فعلي لذلك، ليس لأن الاعتذار يلغي الزلة الفادحة، ولكن لأنَّ إنسانا ما، أي إنسان لا يستحق أن يخاطب بهذه الطريقة، لقد أقحمتُ قضاياي الشخصية والعائلية في معمعتي تلك، المعمعة العمياء التي أوصلتني أخيراً إلى ما كنت خائفاً منه، إلى السجن الذي لم أعش فيه غير يوم واحد لأجد نفسي منهاراً وفاقدا للأعصاب.
هل تعرفون ما المضحك في الأمر؟ المضحك لأنَّ الأدوار انعكست، هم يخاطبونني بهدوء، وأنا أهدد وأصرخ، لقد أخطأت في حق كل إنسان اقتربَ مني، كنت وقحاً للغاية وشرساً وسيئا، وقاحة لا أغفرها لنفسي وإن غفروها، وسوءاً لا أخلاقياً، في حق أناس كانوا يؤدون واجبهم لا أكثر.
ردة الفعل كانت عكس توقعاتي، فلْأقل أن جميع توقعاتي قد تحققت، ولكن بالمقلوب، هذا هو الشيء الوحيد الذي أنا متأكد منه، في هذه اللحظة.
عندما دخلَ أحدهم حاملاً لي اللاب توب، وقال لي ببساطة: أكتب ما أردت شعرتُ أن ما يحدث لا يحدث فعلاً، أكتب هذه التدوينة وأنشرها دون أية مراجعة من أي مخلوق؟ هل هذا يحدث؟ أم لا يحدث؟
أنا الذي طلبتُ هذا الأمر، أن أعود قليلا للوحة المفاتيح لأكتب هذا الاعتذار عن فعلتي الشنعاء.
كل ما فعلته ومن أسأتُ له في جانب وما تفوهت به من حماقات رعناء في حق جلالة السلطان في جانبٍ آخر، وهذا له حديث طويل للغاية، حديث سأقولُه بعد خروجي واستعادتي لرباطةِ جأشي وقدرتي على التركيز قليلا، وليس الآن.
لم أكن أعتقد أنني سأكون في يومٍ من الأيام ناكرا للجميل وللحق وللحقيقة فأخاطب أي رجل في العالم بذلك الشكل، حالةٌ من الغضب الأعمى ورغبة جنونية في تدمير كل شيء، والحق يقال أن الشيء الوحيد الذي تدمَّر هو غروري الأعمى، والعَجب الذي أخذني بنفسي وكاد أن يوردني المَهالك، ما كنت أنوي عليه، يا إلهي، سأعترف لكم بكل شيء وسأقوله لكم كما كان، لا أنوي الشر ولا السوء، هذه التجربة كانت فوق طاقتي وهي تجربة لم يحدث فيها شيء أصلاً، تحقيق وبقاء على ذمة التحقيق، ومن ثم انفلات أعصابي أمام كل شيء، كل فرد، كل شرطي كان يقوم بواجبه، حتى الممرضين والأطباء، أنتظرُ أن يحدث الذي كنتُ أتوقعه فإذا بالعكس يحدث، والحق يُقال ما حدث يكفي لأشعر بالخجل من نفسي كثيرا وكثيرا لسنواتٍ قادمة.
ما أريده الآن هو الخروج لا أكثر، الخروج من هذه الزنزانة التي وضعت فيها نفسي، التوقف عن قتل النفس وإيذائها، والأهم التوقف عن استغلال هذه الموهبة التي حباني الله إياها مع الكلمات في إيذاء الآخرين.
فقدان الحرية شيء صعب، شيء لا أنوي أن أكرره، والأسوأ هو فقدان الاحترام للذات، وهذا هو الشيء الذي لن أكسبَه مرَّة أخرى.
لن ألوم أي إنسان فقد احترامه لي، فأنا فقدت احترامي لنفسي. قرأتُ المقال الذي قمت بكتابتِه لاحقاً في المستشفى، المستشفى الذي جئت إليه بسبب خوف الشرطة عليّ من نفسي، وأنا الذي كنت أحسب أنهم سيستخدمون كل أنواع التعذيب غير المسموحة في العالم. كنت واهما؟ نعم بلا شك؟ كنت غاضباً؟ نعم ولكن بعد كلِّ هذا أتساءَل فعلا إن كنت أستحق العفو. أتمناه وأريدُه، ولكن هل أستحقه، صدقوني لا أدري. يقولون لي أهدأ، فأهددهم بقتل نفسي، يقول لي الشرطي [ لماذا تفعل هذا بنفسك ؟] أرد عليه بوقاحة وأصرخ في وجهه، كانت التجربة فوق طاقتي، كانوا صبورين للغاية وهادئين. كنت أتوقع فصولا من التعذيب والإهانة لأجدَ أن الأمر لم يكن كما توقعت إطلاقاً.
لا أعتذر لأنني أريد العفو، أعتذر لأنني توسلت أن أمنحَ هذه الفرصة، ولا أعتذر لأنني أريد الخروج، أعتذرُ لأنني أخطأت وقمت بفعلة شائنة سوف تبقى نقطة سوداء في تاريخي الصغير ككاتب، نقطة سأحاول التكفير عنها لاحقاً، بالكتابة، بالحياة، بكل شيء ممكن.
أعتذر لأن هذا واجب وحق .. وأنا أرجو وأنتظر العفو وإن حق القصاص أو إن شاءت الرحمة.
خِتاما إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم.
سأبتعدُ عن كل أنواع التزويق الكتابي، أو التزيين الكلامي الذي يصنعه أو يتصنعه الكتاب، سأقول لك أنني أحد أبنائك المخلصين لك وللوطن، أحد أبناء عُمان الملتزمين بها، وإن كنتُ قد جلبتُ هُنا حقا وعدالةً، فلا تشكيك في عدلِ ما حدثِ، ولا في حق الاقتصاص من أي إنسانٍ يخالف القانون.
ما أقوله لك يا سيدي ويا سيد عُمان أن عفوك أعظمُ، وحلمك أكبر، ما أرجوه منك أن تغفر زلتي، زلتي الشائنة في حقك وفي حق الوطن وفي حقِّ الإنسانية قبل أن تكون في حقك كحاكم وكوالدٍ وكإنسان.
لا يفيك هذا الاعتذار حقَّك، ولا يفيك كتاب كامل قدرك، ما أعدك به أمام الأشهاد يا مولاي أن هذا الدرس أكثر من كافٍ، وهذه التجربة أكثرَ من واضحة لي لأدركَ أننا بخيرٍ، وأن ذلك الخوف والرعب النفسي الذي سبب في النهاية تلك المقالة التي تجنيت فيها على مقامك السامي، ذلك الرعب لا داعي له ما دمت معنا وبيننا.
أعتذر لك بما لا تكفي الكلمات لوصفه، وبما لا أستطيع قولَه، كل ما أرجوه أن تصفح عن هذه الزلة وأن تسامحني على ما أخطأت في حقك، أكتبُ لمقامك السامي هذه التدوينة بلغتي التي أمارسُ، بلغتي كإنسان، وبفهمي الفردي القاصر، وإن كانت اللغة فضّاحة يا سيدي، فإن الفهمَ خائن، ولقد خانني فهمي فخنتُ لغتي، وتلك خيانة لا يجرؤ المرء على غفرانها لنفسه، فما أرجوك يا سيدي أن تغفرَ لي، هذا مطمحي ورغبي ومطمعي، أن تغفر لي لأعود إلى حياتي بعدما [ سفَّتُّ] بحريتي سوء تسفيت، وتعاملتُ معها بطريقة حمقاء، طريقة أدخلتني الحبسَ وستدخلني إياه شهور طويلة إن لم تعف عني.
يداي أوكتا، وفمي نفخ. وكما قال لي أحدهم ذات يوم: [ مولاي كلمة ثقيلة ] أقولُها الآن للجميع [ مولاي كلمة ثقيلة للغاية ] وعلى من يقولَها أن يكون لها. يؤسفني أنني خذلت كثيرين، ويؤسفني أنني خذلت نفسي، ويؤسفني وأنني وإن كنت ممن قالوها، إلا أنني لم أكن ممن التزموا به، تلك جريمة في حق الصدق مع الذات قبل أن تكون جريمة في حق الوطن، وإن كان الوطن غفور فلعل النفس لن تغفرَ، ولا أظن أنها ستفعل.
هذا ما أقولَه طامعا في العفو، فإن حدثَ فذلك كرمٌ وحلم فوق ما أستحق، وإن اقتصَّ منِّي فذلك وجه من وجوه الحق، لا أقول إلا أنَّه أقل ما أستحق وأكثر ما يجب.
ختاما أيها الأصدقاء، يجب أن يكون المرء رجلا بما فيه الكفاية ليواجه أخطاءَه، لم أدخل سجناً من قبل، ولم أحبس على ذمة تحقيق أو حتى لسبب مروري، كان تعاملي مع حريتي ومع حرية الكتابة التي كنت أعيشها غبياً وأحمق، غبياً عندما خالفت القانون، وأحمق عندما قدمت حريتي أضحيةً بلا سببٍ حكيم، حماقة عبثية موغلة في الغباء.
لقد أخطأتُ خطأً فادحاً، ألّبتُ وتجنيت وفعلتُ كلَّ ما كنت أعتقد أنني لن أفعلَه.
أما الآن وقد حدث ما حدث، لا أعدكم إلا بشيء واحد، وهو أنني سأتحرى الإنصاف فيما أكتب من الآن فصاعدا، الإنصاف قبل كل شيء، إنصاف الخصوم قبل الأصدقاء، وإنصاف الوطن قبل إنصاف الذات، هذا الذي أعدكم به.
أما عن هذا الاعتذار، فلا أكتبه قسرا أو جبرا، أكتبه وأنا أتقاطر خجلاً من نفسي، أتقاطر وأتمنى لو تنشق الأرض وتبلعني للأبد لكي لا أواجه المرآة مرَّة أخرى لأجد نفسي بسبب انفعالٍ أحمق وقد كسرت القانون، والأخلاق، والمنطق، والأهم الإنصاف الذي كان يجب أن ألتزمَ به قبل أن ألزم به غيري.
أعتذر لكم أجمعين، قراءً، عُمانيين، معالي يوسف بن علوي، ناصر البدري، بسمة الكيومية، سعيد الهاشمي، كل إنسان ذكرتُه في ذلك المقال، أعتذر لكم صادقاً ومن قلبي وأتمنى أن تقبلوا اعتذاري، ولو ألقيتموه في وجهي لما لمتُكم صدقوني لما لمتكم إطلاقاً بالنظر إلى فعلتي الشائنة، وسقطتي الفادحة، وليت الأيام تقدّرني على فعل شيء يعوض خطئي في حقكم، حق ألزمُ نفسي به قبل أن يلزمني به قانون أو منطق أو صديق أو خصم، أخطأتُ ويحق لكم ألا تغفروا لي، كما يحقُ للدولة الاقتصاص مني، أقف موقفَ الراجي في العفو والراغب في الصفح والطامع في حلم القادر المقتدر، عدا ذلك ..
كل نفس بما كسبت رهينة
أخوكم في عُمان ــ قبل أي شيء آخر ــ
معاوية بن سالم بن حميد الرواحي
http://hartaqaat.blogspot.com/2012/02/blog-post_13.html
وجوه الحق/ والحقيقة ..
العَدالة رحمةً / الرحمة عدالةً
أهلا بكم أيها الأصدقاء:
أكتب لكم هذه المرَّة من الزنزانة التي أقضي فيها فترة حبسٍ على ذمةِ التحقيق على خلفية مخالفات عديدة، أولها أخلاقي وكتابي وإنساني، وآخرها مخالفات صريحة لنصوص عديدة من القانون العُماني في مقالتي [ ميثاق الخلاص ] والتي قمت بنشرها في موقعي الإلكتروني، التصرف الذي كانت له تبعات عديدة كنتُ أنا سببها الرئيسي دون أي إنسان آخر.
أكتب هذه المرَّة، ككل المرَّات السابقة لا أكتبُ مُكرهاً أو مُجبراً، على العكسِ تَماما أكتبُ وأنا مصابٌ بالإحباط والخيبة الشديدة، من نفسي قبل أن تكون خيبةً من أي شيء خارجَها.
في ليلةٍ من الليالي وفي حالةٍ من الانفعال المجنون أقدمت على عدة جرائم مخالفة للنصوص القانونية العُمانية، لم يكفِ أنني تعرضتُ لعدد من الأشخاص بأسمائهم الحقيقية، وزعت صفات وأسندتُ أشياء كثيرة، مقالٌ لا أعتبره إلا سقطة موجعة وفادحة وشائنة وسيئة للغاية لم أكن أتمنى أن أسقطها.
ما حدث قد حدث، والبكاء على المسكوب من الدموع أو المسكوب من الماضي لا فائدة منه.
من أين أبدأ؟
لست الآن في صدد سردِ ما حدث، سأخبركم لاحقاً ما حدث كما حدثَ، دون أن أمسَّ بالآخرين، بخصوصية أفراد الأمن الذين يؤدون واجبهم، أو الشرطة أو الأطباء الذين لم يفعلوا شيئا لم أكن سببه، كنت منفعلا وخائفا ومرعوبا، أصرخ وأهدد، أحمل فكرتي السيئة للغاية عن الأمن والشرطة، وما حدثَ كان عكس توقعي تماماً.
كعادتي السيئة أهرب من مواجهة عواقب أفعالي. أهرب من اعتذارٍ هذه المرَّة أقدمه وأنا غارق في خجلي، أعني طوال الفترة الفائتة وأنا كنت أحسب أنني أكتب عن الوطن، طوال هذه الفترة كنت أحسبُ أن الأمر لا يتجاوز تعبير الفرد عن نفسِه، كنت أتوهم هذا في سياقي الفردي، في حياتي الصغيرة التي لم أكن أعرف أنها قد تمس الآخرين بالسوء.
توقعت الأبشع ولم يحدث منه أي شيء. في حقيقة الأمر لو جئت لقياس الأذى الذي تعرضت له لوجدت أنني تسببت في كله لنفسي بسبب عنادي ورفضي للتعاون، فضلا عن وقاحتي الشديدة مع الشرطة الذين تحملوني كثيراً.
أشعر الآن ــ بعدما هدأت عاصفة الغضب بداخلي ــ بالكثير من الإثم. حتى هذه اللحظة لم أقرأ النسخة الأخيرة من المقال الذي جلبني هُنا، قرأت مقتطفاتٍ منه جعلتني أشعر بالأسى البالغ على الدرك الفادح الذي تمرغت في طينِه، لم أقرأه كلَّه وما أتذكره منه ــ غير حالة الانفعال المجنون ــ أنني رميت فيه بكل شيء غير منطقي، كان سقطةً عَمياء من السقطات التي وإن غفر لي القانون، أو المجتمع، أو الأهم، إن غفر لي مولاي حضرة صاحب الجلالة اقترافي، فلن أغفر لنفسي.
أكتب هذا الكلام الآن من زنزانة السجن التي وضعت فيها نفسي، أكتبه وأنا حائر ولا أعرف من أين يجب أن أبدأً، من أين؟ الأمر صعب للغاية.
لا يغفر لأي إنسانٍ على الإطلاق أن يغضب فيخطئ. أحسب أنني وصفت معالي يوسف بن علوي بصفة سيئة للغاية، أعتذر له أمامَكم على فعلي لذلك، ليس لأن الاعتذار يلغي الزلة الفادحة، ولكن لأنَّ إنسانا ما، أي إنسان لا يستحق أن يخاطب بهذه الطريقة، لقد أقحمتُ قضاياي الشخصية والعائلية في معمعتي تلك، المعمعة العمياء التي أوصلتني أخيراً إلى ما كنت خائفاً منه، إلى السجن الذي لم أعش فيه غير يوم واحد لأجد نفسي منهاراً وفاقدا للأعصاب.
هل تعرفون ما المضحك في الأمر؟ المضحك لأنَّ الأدوار انعكست، هم يخاطبونني بهدوء، وأنا أهدد وأصرخ، لقد أخطأت في حق كل إنسان اقتربَ مني، كنت وقحاً للغاية وشرساً وسيئا، وقاحة لا أغفرها لنفسي وإن غفروها، وسوءاً لا أخلاقياً، في حق أناس كانوا يؤدون واجبهم لا أكثر.
ردة الفعل كانت عكس توقعاتي، فلْأقل أن جميع توقعاتي قد تحققت، ولكن بالمقلوب، هذا هو الشيء الوحيد الذي أنا متأكد منه، في هذه اللحظة.
عندما دخلَ أحدهم حاملاً لي اللاب توب، وقال لي ببساطة: أكتب ما أردت شعرتُ أن ما يحدث لا يحدث فعلاً، أكتب هذه التدوينة وأنشرها دون أية مراجعة من أي مخلوق؟ هل هذا يحدث؟ أم لا يحدث؟
أنا الذي طلبتُ هذا الأمر، أن أعود قليلا للوحة المفاتيح لأكتب هذا الاعتذار عن فعلتي الشنعاء.
كل ما فعلته ومن أسأتُ له في جانب وما تفوهت به من حماقات رعناء في حق جلالة السلطان في جانبٍ آخر، وهذا له حديث طويل للغاية، حديث سأقولُه بعد خروجي واستعادتي لرباطةِ جأشي وقدرتي على التركيز قليلا، وليس الآن.
لم أكن أعتقد أنني سأكون في يومٍ من الأيام ناكرا للجميل وللحق وللحقيقة فأخاطب أي رجل في العالم بذلك الشكل، حالةٌ من الغضب الأعمى ورغبة جنونية في تدمير كل شيء، والحق يقال أن الشيء الوحيد الذي تدمَّر هو غروري الأعمى، والعَجب الذي أخذني بنفسي وكاد أن يوردني المَهالك، ما كنت أنوي عليه، يا إلهي، سأعترف لكم بكل شيء وسأقوله لكم كما كان، لا أنوي الشر ولا السوء، هذه التجربة كانت فوق طاقتي وهي تجربة لم يحدث فيها شيء أصلاً، تحقيق وبقاء على ذمة التحقيق، ومن ثم انفلات أعصابي أمام كل شيء، كل فرد، كل شرطي كان يقوم بواجبه، حتى الممرضين والأطباء، أنتظرُ أن يحدث الذي كنتُ أتوقعه فإذا بالعكس يحدث، والحق يُقال ما حدث يكفي لأشعر بالخجل من نفسي كثيرا وكثيرا لسنواتٍ قادمة.
ما أريده الآن هو الخروج لا أكثر، الخروج من هذه الزنزانة التي وضعت فيها نفسي، التوقف عن قتل النفس وإيذائها، والأهم التوقف عن استغلال هذه الموهبة التي حباني الله إياها مع الكلمات في إيذاء الآخرين.
فقدان الحرية شيء صعب، شيء لا أنوي أن أكرره، والأسوأ هو فقدان الاحترام للذات، وهذا هو الشيء الذي لن أكسبَه مرَّة أخرى.
لن ألوم أي إنسان فقد احترامه لي، فأنا فقدت احترامي لنفسي. قرأتُ المقال الذي قمت بكتابتِه لاحقاً في المستشفى، المستشفى الذي جئت إليه بسبب خوف الشرطة عليّ من نفسي، وأنا الذي كنت أحسب أنهم سيستخدمون كل أنواع التعذيب غير المسموحة في العالم. كنت واهما؟ نعم بلا شك؟ كنت غاضباً؟ نعم ولكن بعد كلِّ هذا أتساءَل فعلا إن كنت أستحق العفو. أتمناه وأريدُه، ولكن هل أستحقه، صدقوني لا أدري. يقولون لي أهدأ، فأهددهم بقتل نفسي، يقول لي الشرطي [ لماذا تفعل هذا بنفسك ؟] أرد عليه بوقاحة وأصرخ في وجهه، كانت التجربة فوق طاقتي، كانوا صبورين للغاية وهادئين. كنت أتوقع فصولا من التعذيب والإهانة لأجدَ أن الأمر لم يكن كما توقعت إطلاقاً.
لا أعتذر لأنني أريد العفو، أعتذر لأنني توسلت أن أمنحَ هذه الفرصة، ولا أعتذر لأنني أريد الخروج، أعتذرُ لأنني أخطأت وقمت بفعلة شائنة سوف تبقى نقطة سوداء في تاريخي الصغير ككاتب، نقطة سأحاول التكفير عنها لاحقاً، بالكتابة، بالحياة، بكل شيء ممكن.
أعتذر لأن هذا واجب وحق .. وأنا أرجو وأنتظر العفو وإن حق القصاص أو إن شاءت الرحمة.
خِتاما إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم.
سأبتعدُ عن كل أنواع التزويق الكتابي، أو التزيين الكلامي الذي يصنعه أو يتصنعه الكتاب، سأقول لك أنني أحد أبنائك المخلصين لك وللوطن، أحد أبناء عُمان الملتزمين بها، وإن كنتُ قد جلبتُ هُنا حقا وعدالةً، فلا تشكيك في عدلِ ما حدثِ، ولا في حق الاقتصاص من أي إنسانٍ يخالف القانون.
ما أقوله لك يا سيدي ويا سيد عُمان أن عفوك أعظمُ، وحلمك أكبر، ما أرجوه منك أن تغفر زلتي، زلتي الشائنة في حقك وفي حق الوطن وفي حقِّ الإنسانية قبل أن تكون في حقك كحاكم وكوالدٍ وكإنسان.
لا يفيك هذا الاعتذار حقَّك، ولا يفيك كتاب كامل قدرك، ما أعدك به أمام الأشهاد يا مولاي أن هذا الدرس أكثر من كافٍ، وهذه التجربة أكثرَ من واضحة لي لأدركَ أننا بخيرٍ، وأن ذلك الخوف والرعب النفسي الذي سبب في النهاية تلك المقالة التي تجنيت فيها على مقامك السامي، ذلك الرعب لا داعي له ما دمت معنا وبيننا.
أعتذر لك بما لا تكفي الكلمات لوصفه، وبما لا أستطيع قولَه، كل ما أرجوه أن تصفح عن هذه الزلة وأن تسامحني على ما أخطأت في حقك، أكتبُ لمقامك السامي هذه التدوينة بلغتي التي أمارسُ، بلغتي كإنسان، وبفهمي الفردي القاصر، وإن كانت اللغة فضّاحة يا سيدي، فإن الفهمَ خائن، ولقد خانني فهمي فخنتُ لغتي، وتلك خيانة لا يجرؤ المرء على غفرانها لنفسه، فما أرجوك يا سيدي أن تغفرَ لي، هذا مطمحي ورغبي ومطمعي، أن تغفر لي لأعود إلى حياتي بعدما [ سفَّتُّ] بحريتي سوء تسفيت، وتعاملتُ معها بطريقة حمقاء، طريقة أدخلتني الحبسَ وستدخلني إياه شهور طويلة إن لم تعف عني.
يداي أوكتا، وفمي نفخ. وكما قال لي أحدهم ذات يوم: [ مولاي كلمة ثقيلة ] أقولُها الآن للجميع [ مولاي كلمة ثقيلة للغاية ] وعلى من يقولَها أن يكون لها. يؤسفني أنني خذلت كثيرين، ويؤسفني أنني خذلت نفسي، ويؤسفني وأنني وإن كنت ممن قالوها، إلا أنني لم أكن ممن التزموا به، تلك جريمة في حق الصدق مع الذات قبل أن تكون جريمة في حق الوطن، وإن كان الوطن غفور فلعل النفس لن تغفرَ، ولا أظن أنها ستفعل.
هذا ما أقولَه طامعا في العفو، فإن حدثَ فذلك كرمٌ وحلم فوق ما أستحق، وإن اقتصَّ منِّي فذلك وجه من وجوه الحق، لا أقول إلا أنَّه أقل ما أستحق وأكثر ما يجب.
ختاما أيها الأصدقاء، يجب أن يكون المرء رجلا بما فيه الكفاية ليواجه أخطاءَه، لم أدخل سجناً من قبل، ولم أحبس على ذمة تحقيق أو حتى لسبب مروري، كان تعاملي مع حريتي ومع حرية الكتابة التي كنت أعيشها غبياً وأحمق، غبياً عندما خالفت القانون، وأحمق عندما قدمت حريتي أضحيةً بلا سببٍ حكيم، حماقة عبثية موغلة في الغباء.
لقد أخطأتُ خطأً فادحاً، ألّبتُ وتجنيت وفعلتُ كلَّ ما كنت أعتقد أنني لن أفعلَه.
أما الآن وقد حدث ما حدث، لا أعدكم إلا بشيء واحد، وهو أنني سأتحرى الإنصاف فيما أكتب من الآن فصاعدا، الإنصاف قبل كل شيء، إنصاف الخصوم قبل الأصدقاء، وإنصاف الوطن قبل إنصاف الذات، هذا الذي أعدكم به.
أما عن هذا الاعتذار، فلا أكتبه قسرا أو جبرا، أكتبه وأنا أتقاطر خجلاً من نفسي، أتقاطر وأتمنى لو تنشق الأرض وتبلعني للأبد لكي لا أواجه المرآة مرَّة أخرى لأجد نفسي بسبب انفعالٍ أحمق وقد كسرت القانون، والأخلاق، والمنطق، والأهم الإنصاف الذي كان يجب أن ألتزمَ به قبل أن ألزم به غيري.
أعتذر لكم أجمعين، قراءً، عُمانيين، معالي يوسف بن علوي، ناصر البدري، بسمة الكيومية، سعيد الهاشمي، كل إنسان ذكرتُه في ذلك المقال، أعتذر لكم صادقاً ومن قلبي وأتمنى أن تقبلوا اعتذاري، ولو ألقيتموه في وجهي لما لمتُكم صدقوني لما لمتكم إطلاقاً بالنظر إلى فعلتي الشائنة، وسقطتي الفادحة، وليت الأيام تقدّرني على فعل شيء يعوض خطئي في حقكم، حق ألزمُ نفسي به قبل أن يلزمني به قانون أو منطق أو صديق أو خصم، أخطأتُ ويحق لكم ألا تغفروا لي، كما يحقُ للدولة الاقتصاص مني، أقف موقفَ الراجي في العفو والراغب في الصفح والطامع في حلم القادر المقتدر، عدا ذلك ..
كل نفس بما كسبت رهينة
أخوكم في عُمان ــ قبل أي شيء آخر ــ
معاوية بن سالم بن حميد الرواحي
http://hartaqaat.blogspot.com/2012/02/blog-post_13.html
تعليق