الشمس تطل علينا كل يوم لتعلن عن بداية فجرجديد ويوم يضاف إلى هذا الكون المعجز ، (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجونالقديم ) وهذه البحار والمحيطات تجدد دورتها كل يوم في ظاهرتي المد والجزر ، وكذاهي سنة الله في الكون ( التجديد ) ،من أصغر الكائنات الحية على الاطلاق إلى أكبرمجرات الكون ، وكأن التجديد علة الحياة ونقيضه الموت والفناء ، إنها الازلية ،التيتخلع رداءها المهترئ وتستبدله برداء أكثرنضارة وإشراقآ وفاعلية ، ومن أراد أن يعطل سنة الكون في التجديد ، فكأنه قد اغتالروح الحياة وتركها شاحبة يقلبها الدهر كيفما يشاء ، تنتظر ملك الموت ليقبض ماتبقىمنها !!
كنت أراقب يومآ بصمت حياتنا ، أتأملها ،، أدقق النظر فيها ، أحاول أنأشعر بها ، ولكني لم أستطع أن أشعر ، وكأنوقرآ وغشاوة قد اجتاحا قلبي ، قبل مقلتي !! ،، إنها العلل الكثيرة في مجتمعاتنا تلك التي ألقت بأثقالها علينا ، ومابرحنا نداويعلة ، حتى ظهرت لنا علة أخرى ، فكيف أشعر بالحياة في زحمة أمراضنا ؟
إننا ننحدر نحو المستنقع ، سموه كيفما شئتم ،ولكنه انحدار ، والانحدار إما أن يبدأ من القمة حتى نقطة الصفر ، أو أنه في الاصللم يرتفع ليصل إلى أي قمة بكل بساطة !!والاولى أيسر ولكن الثانية أشد ،،
فأخذت أبحث عن جذور المشكلة ، أصل كلصداماتنا ، فماوجدت خيردليل من فقداننا (للتجديد ) في حياتنا ،،
نعم إنه التجديد ، ذاكالذي نفتقره، في خضم صراعات الحياة
،نحن نعيش في خط واحد مستقيم منذ عقود ، مع أن الحياة إعوجاج ومنحنيات ، وتقلباتوإرتفاعات وإنخفاضات ، لقد أصاب مجتمعاتنا الشلل،لانها قررت إغتيال التجديد ، بإسمالمحافظة على الموروث والعادات والتقاليد تارة ، وبإسم الدين تارة أخرى ، وهاهيسميفونية الحياة تعزف وكأنها رجل مريض ، يحاول أن يشفى بعقاقير منومة ،
إن الانسان ، كائن معجز ، قد حمل مسؤولية الخلافة التي أبت السماوات والارض والجبال أنيحملنها وأشفقن منها ، ولكن المصيبة تكمن حينما يتحول هذا الانسان إلى حيوان ماديبحت ، أو كائن ملائكي أسطوري ، فالافراط في الماديات قد حولته مسخآ ، والافراط فيالروحانيات ، قد رفعته مقامآ لم يخلق لاجله أصلآ !!! وهذه مشكلة فكرية بحد ذاتهاقبل أن تكون حرية شخصية ، ولكن المشكلة الاكبر حينما لايحاول هذا الانسان الارتقاءبذاته ونفسه ، والتجديد في حياته ، الفكرية والروحية ، فتراه يهيم هيم البهائم فيالصحاري ، غير مبالي بما كانه في الامس أو ماسيكونه في الغد ، فالحياة لديه ( عيشومشي حالك ) ولكن الامور لاتمشي بهذه البساطة عزيزي !!!
وماهلكنا وهلكت مجتمعاتنا العربية إلا أنهاقد رفعت هذا الشعار طوال عقود ، وأعجبها العيش في نغمة واحدة ، فقط ، ولو أن عبارة(عيش ومشي حالك ) كانت تعني ، التفاؤل والبساطة في الحياة ، لباركنا هذه العبارة ولجاهدنا لنكونمن أصحابها ،ولكن مفهومها كما أعلم وكما تحاورت مع العديد يعني ( عش حياتك ، مندون تجديد ،لان التجديد متعب ويجبرك على الدخول في متاهات كثيرة ، لذا من الافضل أنتعيش وفق نغمة واحدة ، )، فهنيئآ لنا بهذهالعبقرية التي توصلنا إليها ،
بينما وكالة ناسا تبحث اليوم إمكانية صنعغلاف جوي للمريخ ، مايزال العرب قابعون تحت عبارات مميتة إغتالت العقل والحياةطوال عقود طويلة
يظهر هذا الاغتيال جليآ في أمور متعددة وكلهامترابطة ومتشابكة وتؤدي إلى ماقد أدت به من مشاكل كثيرة ،والسبب هو أننا لم نحاولأن نجدد في حياتنا ، التي تبدأ بتجديدالفكر ، إنطلاقآ بالقراءة والبحث والتأمل والحوار وتنتهي بالخروج بمفهوم أوسع وأعمق للانسانية وسر الوجود الاعظم ،،
إن الانسان الذي لايريد أن يرتقي بفكره ويحبسنفسه في أسوار سجن واحد ، هو ليس إلا ميت يحمل نعشه بيديه !!!،
لايهمني حقيقة أن أعرف طريقة تجديدك لفكرك كما يهمني أن أعرفأنك بالفعل تفكر أن تبدأ من الآن في الدخول إلى الحياة من جديد ، والتعود على العيشكإنسان وليس كائنآ غريبآ لاينسجم ومنظومة الكون ،، قد تكون القراءة أحد أهم الوسائل الفعالة منوجهة نظري ، وقد يكون الحوار مع الآخرين أو السفر ورؤية عالم آخر وأناس آخرين طريقتك أنت ، وستتعدد الطرق ، ياسيدي ولكنهاستوصلنا إلى روما حتمآ إن ملكنا الارادة والرغبة في المعرفة ، وما أجمل حفرالمعرفة ، تلك التي تغوص في إحداها حتى تنكشف لك حفرة أخرى أشد عمقآ ،،
إن مجال الفكر يطول ، وأحاديثه لاتنتهي ، بيدأنه لايجعلك تشعر بالاحباط كما يجعلك تشعر حينما تراقب عن كثب أين وصلنا بالدينالاسلامي ،
فالنص القرآني و الفكر الديني قد جمدناه ،بحجج واهية ،فهو العقل المحرم إستخدامه والمؤطر بحدود عديدة أخرجته من سياقه ووظيفتهتارة ، وهي الكهنوتية التي ارتدى لباسهابعض رجالات الدين تارة أخرى ، وهو المسلم الذي يعيش وهو غير مسلم حقيقة في أحيانأخرى ،و في كل سنة تسقط من أمام أعيننا هذه الحجج ، بل إنها على وشك الوصول إلى مفترقطرق في القرن الواحد والعشرين ، بين أنصار التجديد ودعاة المحافظة ،وكلاهما يشد منكل جانب ، غير مدركين أن الشد والجذب ، لن يخرجا أي تصورواقعي عميق منسجم مع هذا الدين العظيم ، ومازلنا نعيش للآن في إطار الدين وليس عمقه أيها السيادة الكرام ، فكم هي الحوارات التياستنفدت طاقتنا وجلبت على أهلها المصائب والتعصب والانشقاق ، وكلها تدور حولأحاديث اللحية والعمامة ،، والرؤية ، والجنة والنار ، فإما أن تجد مجددين لايملكونالادوات والدعم الكافي للتجديد ، أو دعاة المحافظة والتقاليد والجمود ، ولكن الحقيقال ، فهناك أسماء لمعت في هذه الامة ، وهي تحاول أن تنتشل هذا الدين العظيملتخرجه من دائرته الضيقة والمسار الواحد إلى فضاء التنوع والتسامح ،
إنكم لن تنقذوا القرآن والسنة حينما تحاولونتجميدهما ، فالقرآن وحده يحتوي على أسرار عظيمة لايعلمها سوى الاولياء العارفونوكلما تعمقت فيه ، خرجت برؤية جديدة أوضح وأعمق ـ، وإن مايدهشني حقآ ،، هو آيةلاتتعدى سطورها كلمات ، لكنها تحمل من المعاني ما الله بها عليم ،وإن السنةالشريفة بحاجة إلى من يطهرها من أحاديث قد جلبت الويل والسواد على هذه الامة حقيقة، وساهمت في التفرقة وشل حركة الحياة أكثر مما ساهم به أي مجال آخر ،
وإذا انطلقنا لرؤية زاوية أخرى من حياتناالمشلولة فإنك ستجد السياسة تتصدر قائمة الجمود ، فنحن مازلنا نعيش منذ أكثر منأربعين عامآ ونحن في القرن الواحد والعشرون وفي عصر العولمة في نظامشمولي بحت ، ومركزية تشد قبضتها في كل مرة ،، ومازلت ترى الآن من يصفق لها ويطبلويزمر ليل نهار، وإني لاعجب من بعض الاصلاحات ،فبالامس كان وزيرآ للتجارة واليوم أصبح وزيرآ للرياضة ،وهناكمن يمسك مناصب غير مهيئ لها ، ولكن الكارثة تكمن حينما يوجد رجل واحد قد شد قبضتهواصبح يتقلد كل السلطات ، ولكن الحق يقال، إن الحكومة أذكى بكثير من الشعب ، وهي لم تجد للآن من يصلح ليخلفها ، سوى الذينيحرقون إطارات السيارات لاجل الاصلاح وليس لديهم مفهوم لثقافة الاعتصامات ، ، ومن ينادي بالاصلاح وما إن يصطدم بحجرة حتىيسقط ولايعاود النهوض أو هؤلاء الذين ما إن يتقلدوا منصبآ حتى يودعوا الاصلاح وأهلالاصلاح ، لكن لا للتعميم ، فالحق يقال ،مايزال المصلحون الحقيقيون المخلصون لله قبلالوطن موجودون لدينا ولكنهم قلة في هذا الوطن ورب قلة أخرجت ثمرة ، و إذا أردنا أن نصلح الوضع السياسي ياسيدي ،فلنصلح من أنفسنا ومفاهيمنا وفكرنا أولآ ، حينها سينصلح كل شي بالتدريج ، صدقني ، لقد كنت أشن الهجمات تلوى الاخرى علىالحكومة والحكومة، مع أني لازلت لا أنكر أخطائها ، ولكني أيقنت أن هذه الحكومة نحن من صنعناهابأنفسنا، نحن من صنعنا هذه الفزاعة وألبسناها حلل مختلفة ، وهي في النهاية لم تأتي من المريخ ، ارتقي كإنسان وسترى كيفسيتغير الاستبداد وأصحاب الاستبداد ، ولن يكون لهم دار هنا ولا مسكن ، فزمانهم قدطال والجراح التي زرعوها في ثكنات هذا الوطن ، لابد أن تشفى .. ،
وقائمة مشاكلنا ، تطول ، سواء أكان في الفكرأم الدين أم السياسة ، أم غيرها ، ولكنالحلقة المفقدودة والتي من شأنها إصلاح جميع مجالات الحياة تكمن في التجديد ، الذي يبدأ من البحث عن ذواتنا وتجديد فكرنا ، وصولآ إلى هدف إنساني مشترك يجمعنا ،والانسانهو الارتقاء والتجاوز إلى إنسانآ أعلى كما قال أحد الفلاسفة ،
لكن ماتراه تجديدآ يراه غيرك إنحدارآ وتقليدآ، وكم هم هؤلاء الذين حاولوا التجديد لكن تبين لنافيما بعد أنهم مقلدين لغيرهم من الثقافات لا اكثر ...وليس العيب أن تأخذ مايفيدكمن الغير لكن العيب يكمن في تقديم نسخة مقلدة من الآخرين لاتتناسب وطبيعة مجتمعك ، فكيفنصيغ مفهوم مشترك منسجم مع تطلعاتنا للتجديد الذي ندعوا إليه مع اختلاف أفكارناوبيئاتنا وربما الثقافة التي خرجنا منها ،؟
إنه لسؤال صعب وحله ليس باليسير ولكنه ممكنبكل تأكيد ، والحضارات التي ازدهرت في عصور غابرة ، أخذت من التجديد ، منبرآ لهاوصوتآ يصدح في كل مرافقها .. إنني لا أدعوا إلى التجديد الذي لاينتج سوى فوضى ،فكرية ومجتمعية وأخلاقية وغيرها ، ذاكالذي يكون الفرد فيه ،يفكر من زاويته ومصلحته فقط ،ولايحمل معه نظرة شمولية للمسألة ككل ، فإن آمنا بالفوضى فلن نخلق سوى الفوضى ،كما أنني لا أدعوا إلى التجديد الذي يقنن كل شي بنظام واحد ، فقط ، فإن آمنابالنظام ، فسنعود إلى الخط المستقيمالواحد الذي نبهت على خطورته في المجتمعات في بداية مقالي ، إنه التجديد الذي يجد حلقة وصل بين الفردوإستقلاليته وروح الحس بالجماعة والضمير ، والانسانية
ونظرةعن كثب حول مفهومنا للذات الفردية والجماعة ، ستجعلنا ندرك ، كم همشنا الفردوقدسنا الجماعة ، وماهلكت أمم إلا أنها جعلت من الفرد آلة وتابعآ ، وبينما يئنالغرب اليوم وفي هذه الايام من جعلهم للفرد إله نفسه ، تئن مجتمعاتنا العربيةوالاسلامية ، لانها جعلت من الجماعة إلهآ، لايجب العصيان عليه ، والحل ، هو إيجاد حلقة توافق ، لن تكون يسيرة وسهلة ولكنهاليست مستحيلة ، تربط بين الاستقلال الفردي والاحساس بروح الجماعة ، كما دعا لهذاالفيلسوف الفرنسي (إدغار موران ) الذي كان يتحدث عن الكوارث الاجتماعية في الغربالتي كانت نتاج تهميشهم للجماعة ، وطغيانالمصلحة الذاتية على كل شي بيد ان هذا المسكين لم يأتي ليشاهد ماحل بمجتمعاتناكذلك ، حينما همشت الفرد ، وعبدت الجماعة ،،ومفهوم الاتزان بين الفرد والجماعة هومن صلب الدين الاسلامي الوسطي،والامثلةعلى هذا تطول والقرآن الكريم خير شاهد على هذا ،ولكن حملة هذا القرآن قد وقعوا في مزالقالافراط والتفريط ، ،
.
إن نظرةشمولية لاتهمل الجزء(الفرد ) على حسابالكل (الجماعة ) ،أو الكل على حساب الجزء ، كفيلة ، بإخراج تصور راقي في مفهومنا للتجديد وآليات عمله ،،وإن أي خطوة في التجديدبدون إرادة قوية ، فهي خطوة ناقصة لن تستمر ـ فحينما نملك الارادة ، نكون قد قطعنابهذا نصف الطريق ومتبقى من النصف الآخر هو محاولتنا لتطبيق التجديد في واقع حياتنا...
أخي الانسان ، خلقت إنسانآ ، ولم تخلق حيوانآأو ملاكآ ، فمتى سنعيش كإنسان بالفعل ؟
إيمان الحوسني