كما البر والبحر والجو والفضاء، دخل المجال الإلكتروني على ما يبدو ميادين الحروب، حيث من المتوقع أن تكون الحرب الإلكترونية (Cyberwar) السمة الغالبة إن لم تكن الرئيسة للحروب المستقبلية في القرن الواحد والعشرين.
وتكمن خطورة حروب الإنترنيت والشبكات في كون العالم أصبح يعتمد أكثر فأكثر على الفضاء الإلكتروني (Cyberspace) لا سيما في البنى التحتية المعلوماتية العسكرية والمصرفية والحكومية إضافة إلى المؤسسات والشركات العامة والخاصة. ولا شك أنّ ازدياد الهجمات الإلكترونية والتي نشهد جزءًا بسيطا منها اليوم يرتبط أيضا بازدياد هذا الاعتماد على شبكات الكومبيوتر والإنترنيت في البنية التحتية الوطنية الأساسية، وهو ما يعني إمكانية تطوّر الهجمات الإلكترونية اليوم لتصبح سلاحا حاسما في النزاعات بين الدول في المستقبل، علما أنّ أبعاد مفهوم الحرب الإلكترونية لا تزال غير مفهومة لدى شريحة واسعة من المراقبين وحتى العامة.
نحاول من خلال هذه الورقة التطرق لمفهوم الحرب الإلكترونية من ناحية أنواعها وخصائصها والمجالات التي تستهدفها إضافة إلى مخاطرها والتطورات التي تشهدها الساحة العالمية على هذا الصعيد.
مفهوم الحرب الإلكترونيةليس هناك من إجماع واسع على تعريف محدد ودقيق لمفهوم الحرب الإلكترونية الآن. وعلى الرغم من ذلك، فقد اجتهد عدد من الخبراء من ضمن اختصاصاتهم في تقديم تعريف يحيط بهذا المفهوم، فعرّف كل من “ريتشارك كلارك” و”روبرت كناكي” الحرب إلكترونية على أنها “أعمال تقوم بها دولة تحاول من خلالها اختراق أجهزة الكمبيوتر والشبكات التابعة لدولة أخرى بهدف تحقيق أضرار بالغة أو تعطيلها.
فيما يعرّف آخرون مصطلح الحرب الإلكترونية بأنها “مفهوم يشير إلى أي نزاع يحدث في الفضاء الإلكتروني ويكون له طابع دولي”. ولأن مثل هذه التعريفات فضفاضة ولا تعبّر بدقّة عن فحوى الموضوع، يقترح آخرون أن يتم التركيز بدلا من ذلك على أنواع وأشكال النزاع التي تحصل في الفضاء الإلكتروني، ومنها:
- القرصنة الإلكترونية: أو التخريب الإلكتروني، وتقع في المستوى الأول من النزاع في الفضاء الإلكتروني، وتتضمن هذه العمليات القيام بتعديل أو تخريب أو إلغاء المحتوى. ومن أمثلته القيام بعمليات قرصنة المواقع الإلكترونية أو بتعطيل الحواسيب الخادمة أو ما يعرف باسم الملقّمات (Servers) من خلال إغراقها بالبيانات.
- الجريمة الإلكترونية والتجسس الإلكتروني: ويقعان في المستوى الثاني والثالث وغالبا ما يستهدفان الشركات والمؤسسات وفي حالات نادرة بعض المؤسسات الحكومية.
- الإرهاب الإلكتروني: ويقع في المستوى الرابع من النزاع في الفضاء الإلكتروني. ويستخدم هذا المصطلح لوصف الهجمات غير الشرعية التي تنفّّذها مجموعات أو فاعلون غير حكوميون (Non-State Actors) ضد أجهزة الكمبيوتر والشبكات والمعلومات المخزّنة. ولا يمكن تعريف أي هجوم إلكتروني بأنه إرهاب إلكتروني إلا إذا انطوى على نتائج تؤدي إلى أذى مادّي للأشخاص أو الممتلكات والى خراب يترك قدرا كبيرا من الخوف.
- الحرب الإلكترونية: وهي المستوى الأخطر للنزاع في الفضاء الإلكتروني، وتعتبر جزءا من الحرب المعلوماتية بمعناها الأوسع، وتهدف إلى التأثير على إرادة الطرف المستهدف السياسية وعلى قدرته في عملية صنع القرار، وكذلك التأثير فيما يتعلق بالقيادة العسكرية و/أو توجهات المدنيين في مسرح العمليات الإلكتروني.
ومن المتوقع أن تصبح الحرب الإلكترونية نموذجا تسعى إليه العديد من الجهات نظرا للخصائص العديدة التي تنطوي عليها، ومنها:
- حروب الإنترنيت هي حروب لا تناظرية (Asymmetric): فالتكلفة المتدنية نسبيا للأدوات اللازمة لشن هكذا حروب يعني أنّه ليس هناك حاجة لدولة ما مثلا أن تقوم بتصنيع أسلحة مكلفة جدا كحاملات الطائرات والمقاتلات المتطورة لتفرض تهديدا خطيرا وحقيقيا على دولة مثل الولايات المتّحدة الأمريكية على سبيل المثال.
- تمتّع المهاجم بأفضلية واضحة: في حروب الإنترنيت يتمتع المهاجم بأفضلية واضحة وكبيرة على المدافع، فهذه الحروب تتميز بالسرعة والمرونة والمراوغة. وفي بيئة مماثلة يتمتّع بها المهاجم بأفضليّة، من الصعب جدا على عقليّة التحصّن لوحدها أن تنجح. فالتحصين بهذا المعنى سيجعل من هذا الطرف عرضة لمزيد من محاولات الاختراق وبالتالي المزيد من الضغط.
- فشل نماذج “الردع” المعروفة: يعد مفهوم الردع الذي تمّ تطبيقه بشكل أساسي في الحرب الباردة غير ذي جدوى في حروب الإنترنيت. فالردع بالانتقام أو العقاب لا ينطبق على سبيل المثال على هذه الحروب. فعلى عكس الحروب التقليدية حيث ينطلق الصاروخ من أماكن يتم رصدها والرد عليها، فإنه من الصعوبة بمكان بل ومن المستحيل في كثير من الأحيان تحديد الهجمات الإلكترونية ذات الزخم العالي. بعض الحالات قد تتطلّب أشهرا لرصدها وهو ما يلغي مفعول الردع بالانتقام وكثير من الحالات لا يمكن تتبع مصدرها في المقابل، وحتى إذا تم تتبع مصدرها وتبين أنها تعود لفاعلين غير حكوميين، فانه في هذه الحالة لن يكون لديهم أصول أو قواعد حتى يتم الرد عليها.
- المخاطر تتعدى استهداف المواقع العسكرية: لا ينحصر إطار حروب الإنترنيت باستهداف المواقع العسكرية، فهناك جهود متزايدة لاستهداف البنى التحتية المدنية والحسّاسة في البلدان المستهدفة، وهو أمر أصبح واقعيا في ظل القدرة على استهداف شبكات الكهرباء والطاقة وشبكات النقل والنظام المالي والمنشآت الحساسة النفطية أو المائية أو الصناعية بواسطة فيروس يمكنه إحداث أضرار مادّية حقيقية تؤدي إلى انفجارات أو دمار هائل.
وتشير العديد من التقارير إلى تزايد أعداد الهجمات الإلكترونية التي تتم في العالم اليوم والتي تقوم بها مجموعات أو حكومات تتدرج في الاستهداف من أبسط المستويات إلى أكثرها تعقيدا وخطورة.
ففي ديسمبر/كانون الأول من العام 2009، أوردت الحكومة الكورية الجنوبية تقريرا عن تعرضها لهجوم نفّّذه قراصنة كوريين شماليين بهدف سرقة خطط دفاعية سريّة تتضمن معلومات عن شكل التحرّك الكوري الجنوبي والأمريكي في حالة حصول حرب في شبه الجزيرة الكورية.
وفي يوليو/ تموز 2010، أعلنت ألمانيا أنّها واجهت عمليات تجسس شديدة التعقيد لكل من الصين وروسيا كانت تستهدف القطاعات الصناعية والبنى التحتية الحساسة في البلاد ومن بينها شبكة الكهرباء التي تغذي الدولة.
ويجمع الخبراء على أنّ الهجوم الإلكتروني الذي استهدف أستونيا في العام 2007، يكاد يكون الهجوم الإلكتروني الأول الذي يتم على هذا المستوى ويستخدم لتعطيل المواقع الإلكترونية الحكومية والتجارية والمصرفية والإعلامية مسببا خسائر بعشرات الملايين من الدولارات إضافة إلى شلل البلاد. وعلى الرغم من أنّ الشكوك كانت تحوم حول موسكو على اعتبار أن الهجوم جاء بعد فترة قصيرة من خلاف أستوني- روسي كبير، إلا أنّ أحدا لم يستطع تحديد هوية الفاعل الحقيقي أو مصدر الهجوم الذي تم، وهي من المصاعب والمشاكل التي ترتبط بحروب الإنترنيت إلى الآن. ــــــــــــــــــــــــــــــالحرب الإلكترونية
الحرب الإلكترونية -الجزء الأول
مقدمة
يُعد ظهور ثورة تكنولوجيا الإلكترونيات واستخدامها في الأغراض العسكرية، نقطة تحول كبيرة؛ سواء في فن الحرب، أوفي إدارة الصراع المسلح، فقد أخذت أسلحة القتال الحديثة ومعداته مكان الصدارة في حسم أي صراع مسلح، وخاصة أسلحة الهجوم الجوي الحديثة؛ لاعتمادها على نظم السيطرة والتوجيه الإلكتروني، التي تمكنها من تنفيذ المهام المطلوبة منها بكفاءة وإصابة أهدافها بدقة عالية؛ نظراً لاستخدامها نظم ووسائل الكشف، والتوجيه، والتحكم، وقيادة النيران وتصحيحها لاسلكياً، ورادارياً، وحرارياً، وليزرياً، وتليفزيونياً، وهي النظم التي يستوي تشغيلها واستخدامها ليلاً ونهاراً. هذا إضافة إلى النظم الحديثة والمتقدمة للتصوير التليفزيوني باستخدام آلات التصوير ذات الحساسية العالية، التي يمكنها العمل في مستوى الضوء المنخفض بكفاءة ودقة عاليتين.
ومع دخول المعدات الإلكترونية الحديثة، واستخدامها بتوسع في الجيوش الحديثة بصفة عامة، وفي القوات الجوية بصفة خاصة؛ سواء في أسلحة الهجوم الحديثة، أو في نظم السيطرة الآلية على القوات ووسائلها من أجهزة وحاسبات آلية. وانطلاقاً من اعتماد أسلحة القتال الحديثة على النظم والوسائل الإلكترونية، فقد أظهرت العمليات الحديثة في حرب فيتنام، وحرب أكتوبر 1973، وحرب فوكلاند، وحرب الخليج الثانية، وحرب البلقان، الدور الذي يمكن أن تؤديه الحرب الإلكترونية؛ بوصفها سلاحاً مضاداً يمكنه التأثير بفاعلية على الحد من إمكانات هذه الأسلحة والمعدات في ساحة القتال؛ لما تتميز به الحرب الإلكترونية من القدرة على تنفيذ أعمال الاستطلاع، والإعاقة الإلكترونية بأنواعها المتعددة، ضد نظم السيطرة ووسائلها، والكشف والتوجيه الإلكترونية لهذه الأسلحة.
ولما كانت إستراتيجية القوات المسلحة، في كل دول العالم، قد تأسست على إمكانية تحقيق النصر على العدو بكل الوسائل المتيسرة لديها، وبما أن الحرب الإلكترونية عُدّت إحدى صور الصراع التكنولوجي، التي تؤدي أعمالها القتالية إلى إيجاد الظروف المناسبة للقوات المسلحة لتحقيق هذا النصر، لذا فإن الحرب الإلكترونية أصبحت في مقدمة تلك الوسائل؛ بل أصبحت في مقدمة الموضوعات التي يعكف العسكريون على دراستها، كما تعكف مراكز البحوث العلمية والفنية على تطويرها، وتحديثها، باستمرار؛ لمواجهة التهديدات الإلكترونية لأسلحة القتال الحالية والمستقبلية.
وانطلاقاً من هذا المفهوم، فقد تعاظم دور الحرب الإلكترونية لتشكل البعد الرابع بين أسلحة القتال البرية، والبحرية، والجوية والدفاع الجوى، في التأثير بفاعلية على كفاءة هذه النظم الإلكترونية. لذلك سارعت دول العالم إلى تسليح مختلف أنواع قواتها بوسائل الحرب الإلكترونية.
المبحث الأول: الحرب الإلكترونية: نشأتها، وتطورها، ومفهومها
عند تتبع تاريخ نشأة الحرب الإلكترونية في العالم، نجد أن جذورها تعود لما قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، فقد بدأت الاتصالات بين أرجاء العالم المختلفة باستخدام المواصلات السلكية مـن طريق المورس “جهاز البرق الصوتي” عام 1837؛ ولم يتحقق أي اتصال آخر في ذلك الوقت إلا من طريق تبادل المراسلات؛ باستخدام السفن في نقل الرسائل بين الموانئ البحرية.
منذ اندلاع الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، في أبريل 1861، كانت خطوط التلغراف هدفاً مهماً للقوات المتحاربة؛ إذ كان عمال الإشارة يتداخلون على خطوط المواصلات السلكية، من طريق توصيل هاتف على التوازي مع كل خط من هذه الخطوط؛ للتنصت على المحادثات؛ ولهذا السبب، كان كل جانب يقطع المواصلات الخطية عند عدم الحاجة إليها، حتى لا يتداخل عليها الطرف الآخر.
ثم كانت بداية استخدام الاتصال اللاسلكي في عام 1888 مع الألماني هرتز Hertz. وفي منتصف عام 1897 استطاع “ماركوني” Guglielmo Marconi المهندس والمخترع الإيطالي من تطوير جهاز لاسلكي يناسب الاستخدام في البحر. ثم استخدم اللاسلكي في أعمال الاتصالات بالمسرح البحري الأوروبي في عام 1901.
ونتيجة لتزايد الاستخدام اللاسلكي، كان طبيعياً أن تظهر الشوشرة على الاتصالات اللاسلكية، وكانت في البداية شوشرة طبيعية، نتيجة لكثرة استخدام الأجهزة اللاسلكية، وهو ما يعرف بالتداخل البيني للموجات الكهرومغناطيسية عند إشعاعها بكثافة عالية في مساحة محددة، أو في مناطق مغلقة، مثل المضايق والممرات الجبلية.
ومن هنا بدأ التدريب على العمل في ظل الشوشرة نتيجة الاستخدام اللاسلكي المكثف، ثم بدأ الاستخدام المتعمد للشوشرة؛ لإعاقة الاتصالات اللاسلكية بين الوحدات العسكرية المعادية؛ لإرباكها وشل سيطرتها على قواتها وأسلحتها.
وفي عام 1904 قصفت السفينتان اليابانيتان الحربيتان “كاسوجا ونيشين” القاعدة البحرية الروسية في ميناء “آرثر” Arthur، وكانت معهما سفينة صغيرة تصحح النيران باستخدام الراديو “اللاسلكي”، وسمع أحد عمال “الإشارة” الروس، بالمصادفة، تعليمات تصحيح النيران، فاستخدم جهاز إرساله اللاسلكي في إعاقة الاتصال الياباني بالضغط على مفتاح الإرسال على تردد الشبكة اليابانية نفسها، مما عطل بلاغات تصحيح النيران من أن تُبّلغ لمدفعية السفينتين؛ وهكذا، لم ينتج عن هذا القصف البحري سوى إصابات طفيفة، لعدم دقة النيران في إصابة أهدافها.
وحتى عام 1905، وخلال المعارك بين السفن اليابانية والروسية، استخدمت السفن الروسية الأسلوب نفسه ضد الشبكات اللاسلكية اليابانية، وانعكس ذلك في أن السفن الروسية استطاعت إخفاء اتصالاتها، قدر الإمكان، من طريق تقليل فترات استخدام اللاسلكي لأقل فترة ممكنة، وبأقل قدرة إشعاع لاسلكي تحقق الاتصال المطلوب، وكانت السفن الروسية تتنصت وتراقب الإرسال اللاسلكي الياباني، ثم تشوّش عليه أثناء القصف بهذا الأسلوب نفسه.
وفي عام 1906 استطاع مكتب معدات البحرية الأمريكية من استحداث جهاز تحديد اتجاه لاسلكي؛ لخدمة الملاحة البحرية في البحر، وهو ما يعرف باسم “المنارة اللاسلكية” لإرشاد السفن، وتحديد مواقعها، وخطوط سيرها، مما كان له أثر كبير في مجالات الحرب الإلكترونية فيما بعد.
1. الحرب الإلكترونية في الحرب العالمية الأولى:
في بداية الحرب العالمية الأولى، في أغسطس 1914، قبل أن تدخل بريطانيا الحرب إلى جانب بلجيكا وفرنسا، ضد ألمانيا، والنمسا، مرت سفينتان حربيتان بريطانيتان، بجوار السفن الألمانية في بحر المانش، ولم تحاولا الاشتباك مع السفن الألمانية. إلا أن أدميرال الأسطول الألماني “إرنست كينج”، أوضح أن هاتين السفينتين البريطانيتين، نفذتا عمليات التنصت اللاسلكي على الاتصالات اللاسلكية للسفن الألمانية، وذلك عندما حاولتا التشويش على الاتصالات اللاسلكية الألمانية، بهدف اختبار كفاءة أعمال الحرب الإلكترونية لديها في التداخل والشوشرة اللاسلكية على الشبكات اللاسلكية الألمانية.
وأثناء العمليات البحرية التالية في الحرب العالمية الأولى، كان التشويش على الاتصالات اللاسلكية يستخدم من حين إلى آخر، ولكن وُجد أنه، لكي تنفذ الشوشرة على أي اتصال لاسلكي، كان لا بد أن تسبق عملية التنصت هذا الاتصال، الأمر الذي تبين منه في أحيان كثيرة، أهمية المعلومات التي يتبادلها الجانب المعادي، والتي يمكن الحصول عليها، معرفة نواياه المستقبلية.
ومن هنا ظهرت أهمية أعمال الاستطلاع اللاسلكي على شبكات العدو اللاسلكية، بهدف الحصول على المعلومات، كما أصبحت الوحدات البحرية على دراية بأن استخدام اللاسلكي أكثر مما ينبغي، يمكن أن يفصح عن حجم كبير من المعلومات المفيدة للعدو، حتى مع استخدام الكود والشفرة في الاتصالات اللاسلكية.
ولهذا السبب، أكد القادة على أهمية بقاء الراديو “اللاسلكي” صامتاً كلما أمكن ذلك، وتقليل تبادل الإشارات إلى الحد الأدنى عندما لا يكون آمناً، أي بمجرد أن تكون السفن الحربية في مرمى بصر العدو، فكان لا يسمح للقادة باستخدام الراديو “اللاسلكي” بِحُرية حتى لا يلتقطه الجانب المعادي، وكان يستعاض عنه، في تحقيق الاتصال، باستخدام الإشارات المرئية “التأشير المنظور”.
بعد ذلك ظهرت أهمية تحديد مواقع المحطات اللاسلكية المعادية، التي تدل على أماكن تمركز القوات المعادية، وبالتالي يمكن التنبؤ المبكر بالتهديد، وكذلك لتوجيه أعمال الشوشرة ضدها بدرجة تركيز مناسبة في التوقيت المناسب، ففي عام 1915، استغلّت البحرية البريطانية الفكرة الأمريكية في إنشاء جهاز تحديد اتجاه الإشعاع اللاسلكي الصادر من جهاز إرسال أي سفينة تستخدم الاتصال اللاسلكي وهي في عرض البحر، والذي يمكن باستقباله تحديد موقع هذه السفينة “نظام المنارة اللاسلكية”، وعلى ضوء ذلك، بدأت البحرية الملكية البريطانية، بتركيب سلسلة من محطات تحديد الاتجاه اللاسلكي بطول الساحل الشرقي لإنجلترا، حيث أمكنها تحديد موقع أي سفينة أو طائرة منطلقة في بحر الشمال. وعندما دخلت أمريكا الصراع في أبريل 1917، انضم الأسطول الحربي الأمريكي مع الأسطول البريطاني، الذي كان يمتلك أجهزة لاسلكية متقدمة، وكانت بعض قطع الأسطول تحمل أجهزة تحديد اتجاه من نوع 995، أثبتت كفاءة كبيرة في تحديد مواقع السفن المعادية التي كانت تتنصت على اتصالاتها اللاسلكية، وتحدد مواقعها، وتتتبعها، ثم تدمرها.
ومع تزايد الاهتمام بالاتصالات اللاسلكية من الجو إلى الأرض من خلال إرسال تقارير الاستطلاع التكتيكي عن أرض المعركة، أو لتصحيح نيران المدفعية في إصابة أهدافها، ولأهمية المعلومات المتبادلة على هذه الشبكات؛ كان غالباً، ما يشوش عليها، لحرمان الجانب المعادى من الحصول على معلومات عن الأهداف المطلوب تدميرها، وكذلك حرمانه من أن يصحح نيران مدفعيته، وإصابة الأهداف بدقة.
2. الحرب الإلكترونية بين الحرب العالمية الأولى والثانية:
أجرت عدة دول تجارب على قيام الطائرات بتوجيه القنابل لاسلكياً. وفي الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي تطورت أجهزة الإرسال بدرجة كبيرة، وأُنتجت أجهزة استقبال ذات حساسية عالية، وهوائيات دقيقة التوجيه، وهو ما أدى إلى التفكير في التداخل اللاسلكي لإفشال أعمال التوجيه.
وفي هذا الوقت، بدأت التطبيقات العملية للظواهر المكتشفة عام 1900، صدى الصوت؛ إذ كان عندما يرفع الصوت، ويسمع صدى في الإجابة، يعرف أن الصوت وصل حائطاً بعيداً، أو حاجزاً، ولا بد أنه انعكس من المكان نفسه. وهكذا، بدأ تطبيق تحديد المكان لأي جسم متحرك، مثل سفينة في البحر، إذ يمكن من تحديد مسافة تحركها في زمن محدد، وحساب سرعتها؛ ففي البداية، يحدد مكان الهدف المتحرك وتوقيته في موقع ما، ثم بعد فترة زمنية محددة، يعاد تحديد مكان الهدف وتوقيته في موقع آخر، وبحساب المسافة التي تحركها الهدف، بين الموقعين الأول والثاني، والزمن الذي استغرقه في قطع هذه المسافة، تحدد سرعة الهدف من المعادلة الآتية:
السرعة = المسافة / الزمن
وقد طبق العاملون في معمل أبحاث البحرية الأمريكية ذلك، خلال تجارب اكتشاف الرادار عام 1922. وفي عام 1934، كان جهاز الرادار الأمريكي، قادراً على اكتشاف الطائرات على مسافة 50 ميلاً؛ وفي هذه الفترة، كان هناك عمل مشابه، ينفذ في بريطانيا وألمانيا. وبحلول شهر يونيه 1935، أُنتج أول رادار نبضي للبحرية البريطانية، يمكنه كشف الأهداف حتى مدى 17 ميلاً. وفي مارس 1936، أُنتج جهاز مماثل معّدل بمدى كشف 75 ميلاً. وهكذا، تطور تصنيع الرادارات على المسرح الأوروبي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية. 3. الحرب الإلكترونية في الحرب العالمية الثانية
وحتى ديسمبر 1938، تمكنت الدول الأوروبية من إنتاج رادارات، ذات مدى كشف راداري 100 ميل عن الطائرات المعادية توفر زمن إنذار لأكثر من نصف ساعة، عن هجوم قاذفات القنابل المعادية، فضلاً عن إنتاج رادار بحري، يوفر مدى كشف راداري 15 ميلاً عن القطع البحرية المعادية.
ومنذ أكتوبر 1935، كلف مسؤول البرنامج البريطاني لتطوير الرادار بدارسة إمكانية التشويش على أجهزة الكشف الراداري؛ إذ بدأت التجارب، وأمكن تحقيق نتائج إيجابية في عام 1938، وفي عام 1939. كما بدأت في إنجلترا دراسة إمكانية تشغيل عمال الرادار على أجهزتهم، في ظل قيام العدو بأعمال الإعاقة والتشويش، على الرادارات الإنجليزية.
ومع تزايد الانتصارات الألمانية في فرنسا وهولندا وبلجيكا، في صيف 1940، والإجلاء السريع للقوات البريطانية من الجزء الرئيسي من أوروبا، وتزايد إمكان دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب إلى جانب الحلفاء؛ بدأت واشنطن، في سرية تامة، بتعبئة الهيئات العسكرية الصناعية والعلمية وتنظيمها، لخدمة الحرب الإلكترونية.
أما الإنجاز الكبير الذي حدث بعد ذلك، هو أنه، بعد سقوط فرنسا، هرب العالم “موريس دولورين” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومعه ثلاثة من زملائه الذين كانوا يعملون في نوع جديد من أجهزة تحديد الاتجاه ذات التردد العالي للبحرية الفرنسية، وبدءوا العمل في مختبر الاتصالات اللاسلكية الفيدرالي في “أماجا نسيت” بولاية “لونـج أيلاند” Long Island، وسرعان ما قاموا بتشغيل نموذج متطور لتحديد الاتجاه اللاسلكي يعمل على الشواطئ، ثم طوروا جهازاً آخر للعمل بالسفن الحربية، دخل الخدمة في القوات البحرية بعد ذلك.
ومنذ أوائل ديسمبر 1941، وقبل دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب مباشرة، أنتجت رادارات متقدمة منها SCR-270، ثم SCR-271، وذلك بزيادة حيز تردداتها، ركبت فيما بعد، بالسفن الحربية، وحاملات الطائرات، والطرادات، بما أدى إلى التغلب على أعمال الاستطلاع والإعاقة الرادارية.
وفي الوقت نفسه، كانت الإجراءات المضادة للرادارات تسير سيراً حسناً، مثل مستقبل التحذير الرادار( جهاز استقبال راداري، يركب في الطائرة أو في القطعة البحرية، يمكنه استقبال نبضات الرادار المعادي، فيعطي إنذاراً لقائد الطائرة/ القطعة البحرية أنه أصبح مكَتَشفاً رادارياً، وعليه تنفيذ التدابير الإلكترونية لتجنب هذا الكشف.) من الرادارات المعادية Radar Warning Receiver: RWR من نوع P-540، والذي تطوّر، بعد ذلك، إلى ما أطلق عليه P-587، والذي أقر في مختبر الطاقة الإشعاعية.
وهكذا، زاد التنافس بين القوات المتحاربة في المحيط الأطلسي والمحيط الهادي، مما ساعد على التطوير المستمر في معدات الحرب الإلكترونية وأعمالها، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، في ظل التطور الهائل لتكنولوجيا الإلكترونيات.
وهكذا استمر الصراع الدائر للحصول على التكنولوجيا المتقدمة لإنشاء أحدث النظم الإلكترونية اللازمة للسيطرة وإدارة النيران، وللمعاونة في إدارة أعمال القتال. وكان يتبعها دائماً العمل الدائم في مراكز الأبحاث للوصول إلى أكثر المعدات الخاصة بالحرب الإلكترونية تعقيداً من وسائل للاستطلاع والإعاقة على هذه المعدات المتقدمة، التي يتم إنشاؤها. ثم يأتي دور اختبار هذه المعدات الجديدة في مجال الحرب الإلكترونية ليتم إنزالها إلى ساحة القتال، لمعرفة تأثيرها، ثم تجري أعمال التطوير مرة أخرى على ضوء ما يدرس من مزاياها وعيوبها. ظهر ذلك واضحاً في حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية: “كوريا ـ فيتنام ـ حرب 1967 ـ حرب 1973 ـ فوكلاند ـ سهل البقاع ـ خليج سرت ـ حرب تحرير الكويت ـ ثم حرب البلقان.
أولاً: تعريف الحرب الإلكترونية ومفهومها
للحرب الإلكترونية العديد من التعريفات العلمية، إلا أنها بالدرجة الأولى تتوقف على طبيعة الاستخدام القتالي ومفهومه المطلوب تحقيقهما في العمليات الحربية الحديثة التي تتنوع فيها النظم والوسائل الإلكترونية المتطورة لأسلحة القتال؛ تلك الأهداف المطلوب من الحرب الإلكترونية أن تتعامل معها، وتؤثر على فاعليتها، بهدف حرمانها من أداء مهامها الوظيفية بكفاءة، وبالتالي تهيئة الظروف المناسبة للقوات الصديقة من العمل في بيئة إلكترونية مناسبة تسمح بتنفيذ المهام المطلوبة بكفاءة ودقة عاليتين، وفي الزمان والمكان المناسبين.
1. تعريف الحرب الإلكترونية
هي مجموعة الإجراءات الإلكترونية المتضمنة استخدام بعض النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة في استطلاع الإشعاع الكهرومغناطيسي الصادر من نظم، العدو ووسائله ومعداته الإلكترونية المختلفة مع الاستخدام المتعمد للطاقة الكهرومغناطيسية في التأثير على هذه النظم والوسائل؛ لمنع العدو، أو حرمانه، أو تقليل استغلاله للمجال الكهرومغناطيسي، فضلاً عن حماية الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة من استطلاع العدو لها، أو التأثير عليها.
2. مفهوم الحرب الإلكترونية
انطلاقاً من هذا الفكر في تعريف الحرب الإلكترونية، فإن مفهوم الحرب الإلكترونية هو: مجموعة الإجراءات التي تنفذ بهدف الاستطلاع الإلكتروني للنظم والوسائل الإلكترونية المعادية، وإخلال عمل هذه النظم والوسائل الإلكترونية، ومقاومة الاستطلاع الإلكتروني المعادي، وتحقيق استقرار عمل النظم الإلكترونية الصديقة تحت ظروف استخدام العدو أعمال الاستطلاع، والإعاقة الإلكترونية.
ثانياً: الأهداف الإلكترونية المعادية للحرب الإلكترونية
هي الأهداف المطلوب أن تتعامل معها الحرب الإلكترونية بأعمال الاستطلاع، والإعاقة الإلكترونية، ويمكن أن نوجز أهم هذه الأهداف فيما يلي:
1. محطات الاتصال اللاسلكي، واللاسلكي متعدد القنوات، والميكروويف.
2. أنظمة الرادار العسكرية
أ. للإنذار وتوجيه النيران.
ب. للإنذار والمراقبة الساحلية.
ج. للتوجيه لمراكز السيطرة الجوية.
د. لقيادة نيران المدفعية وتصحيحها.
هـ. لمراقبة التحركات الأرضية.
3. نظم الكشف والتوجيه الكهروبصرية “تليفزيوني، وحراري، وليزري، وبصري”. ثالثاً: مسارح الحرب الإلكترونية
إذا كان البر، والبحر، والجو، والفضاء الخارجي، هي المسارح التقليدية للحرب، فيُعَدّ حيز المجال الكهرومغناطيسي ـ مجال انتقال الموجات الترددية بأنواعها، وأطوالها الموجية المختلفة ـ هو المسرح الحقيقي للحرب الإلكترونية؛ إذ تتنازع الأطراف المتحاربة على استغلال هذا المجال لمصلحته.
تمتد مسارح الحرب الإلكترونية من قاع المحيطات حتى الطبقات العليا للفضاء الخارجي؛ إذ يستخدم فيها مختلف النُظُم الإلكترونية: “المراقبة والكشف، والقيادة والسيطرة، والإعاقة والخداع، ورصد الأهداف، وتوجيه الأسلحة”، وجميع هذه النظم تستخدم نُظُم تحليل الإشارات Signal Processing في تحليل الموجات المنعكسة من نبضات التردد الموجي للمجال الكهرومغناطيسي.
1. مسرح العمليات البحرية
بمقدور السفن الحربية، والغواصات إصابة أهدافها خلف الأفق Over The Horizon: OTHبمعاونة نُظُم الاستطلاع الإلكتروني المتطوِّرة المحمولة جواً، وفي الفضاء الخارجي، والمتصلة بوحدات الأسطول، كما أنه بمقدور وحدات مكافحة الغواصات من طائرات، وسفن، وغواصات مسح قاع البحار والمحيطات باستخدام الأجهزة الإلكترونية “السونار”؛ للكشف عن الغواصات، والألغام البحرية المعادية في الأعماق.
2. مسرح العمليات الجوية
طائرات الإنذار المبكر، والتوجيه المحمولة جواً “أواكس” (طائرة الأواكس: هي طائرة ذات أربعة محركات نفاثة، جُهزت بقبة دوارة تشبه قرصاً ضخماً يبلغ قطره تسعة أمتار، ويضم هوائي الرادار والمراقبة، مما يسمح لها بالكشف في أفق 360 درجة. وتحلق الطائرة على ارتفاع 9 كم، وتراقب كل ما يجري حولها حتى مدى 370 كم في كل الاتجاهات. وتزيد قدرتها على المراقبة حتى 650 كم لاكتشاف الطائرات المحلقة على الارتفاع المتوسط أو العالي، بحيث يصعب على أي طائرة معادية الإفلات من مراقبتها.) Airborne Warning and Control System: AWACS تبلغ فوراً عن أي اختراق معادٍ، وتوجه المقاتلات لإصابة أهدافها في الجو بدقة. كما تراقب نُظُم الاستطلاع الإلكتروني المحمولة جواً، الأوضاع والتحركات المعادية في مسرح العمليات الإستراتيجي، وتخطر غرف العمليات المركزية بها أولاً بأول، وهذا المسرح تعمل فيه الحرب الإلكترونية بكل عناصرها.
3. مسرح العمليات البرية
تتركز حالياً أعمال الحرب الإلكترونية المضادة؛ لإرباك عمل مراكز العمليات الرئيسية المعادية التي تضم نُظُم القيادة، والسيطرة، والاتصالات من طريق تعرّف ترددات الإرسال الخاصة بها، والتداخل عليها بأعمال الإعاقة اللاسلكية، الإيجابية، والخداعية، الأمر الذي قد يصعب تحقيقه في حالة استخدام هذه المراكز لنُظُم اتصالات إلكترونية متطورة، وُمؤمنة، ونظام شفرة يجري تغييره باستمرار، فيصعب التداخل عليها، فضلاً عن استخدام مواقع تبادلية يجري التنقل بينها، وفي هذه الحالة يكون من المفضل التعامل معها بأعمال التدمير.
رابعاً: أهمية الحرب الإلكترونية
تحتل أعمال الحرب الإلكترونية، في الوقت الحاضر، مكاناً بارزاً بين الأنشطة العسكرية الأخرى. ويولي كافة الأطراف، من الشرق أو الغرب، الكثير من الاهتمام لتطوير وسائلها وأساليب استخدامها بعد أن أثبتت خبرات الحروب المحدودة التي تلت الحرب العالمية الثانية أهميتها، سواء في الدفاع أو الهجوم. وقد أحدث استخدام معدات الحرب الإلكترونية في الحروب الحديثة تطوراً هائلاً في مجالات هذه الحروب ومراحلها، وأصبح الحسم في المعارك الحديثة لصالح الجيوش والقوات التي تستخدم الحديث منها، وبقدر ما يمتلكه كل طرف من الأطراف المتصارعة، بعد أن كانت تحسم لمصلحة الطرف الذي يمتلك التفوق العددي، أو النوعي، أو يمتلك الأسلحة البعيدة المدى، والدليل على ذلك أن معدات الحرب الإلكترونية المستخدمة في الطائرات المقاتلة يقترب ثمنها من نصف قيمة الطائرة.في مجال أعمال الحرب الإلكترونية الدفاعية Defensive Measur. EW يوفر الاستطلاع الإلكتروني رصيداً من المعلومات عن الأوضاع والتحركات في مسرح العمليات المنتظر، وكذلك خصائص معدات العدو الإلكترونية، لاتخاذ الإجراءات الإلكترونية المضادة؛ لمواجهتها. كما يتيح التعرف على نُظُم المواصلات، وشبكات المعلومات التي تربط مراكز قيادة العدو بتشكيلاته ووحداته، مما يسمح بالتداخل عليها بالشوشرة والإعاقة لإرباكها، وفي الوقت نفسه، اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق أمن السيطرة على المواصلات الصديقة، وعدم تمكين العدو من التداخل عليها. في مجال أعمال الحرب الإلكترونية الهجومية Offensive Measures . EW يركز في بداية العمليات على تدمير مراكز الحرب الإلكترونية المعادية؛ بما يتيح حرية عمل الأسلحة الصديقة الموجهة، وتحقيق الدقة في إصابتها لأهدافها. كما تستخدم نُظُم المعلومات الميدانية المتطورة التي تضم المستشعرات السلبية، والحاسبات الآلية، ونظم التحكم الآلي، لتحديد الأهداف المعادية بدقة، واستخدام نُظُم الذخيرة الدقيقة التوجيه لتدميرها. ويُعَدّ إبطال فاعلية مواصلات مراكز القيادة والسيطرة الآلية المعادية عن طريق الإجراءات الإلكترونية المضادة الصديقة، في مقدمة أولويات الحرب الإلكترونية؛ لذلك يجري التخطيط لذلك مسبقاً قبل بدء العمليات، فإخماد أو إبطال عمل مراكز القيادة والسيطرة المعادية مبكراً يعني النهاية للحرب، وهو ما أثبتته عمليات الحرب الإلكترونية التمهيدية الناجحة للطائرات الحليفة في عملية “عاصفة الصحراء” في حرب الخليج الثانية. خامساً: أهمية تكامل أنظمة الحرب الإلكترونية
أضاف تخصيص طائرات خاصة لأعمال الحرب الإلكترونية بعداً جديداً تمثل في استخدام أنظمة متكاملة للحرب الإلكترونية INEWS Integrated Electronic Warfare System، اشتملت على جانب من عالم الحرب الكهروبصرية؛ إذ يستخدم الليزر، والأشعة تحت الحمراء، والتليفزيونية في النظام “ترام” Target Recognition Attack Multi-Sensors TRAM أي نظام تمييز الأهداف متعدد المستشعرات؛ لأغراض الهجوم. يستخدم النظام ترام المحمول جواً أجهزة للرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء Forward Looking Infrared: FLIR؛ لتظهر الصورة على شاشة تليفزيونية بكابينة الطيار في تكامل مع أنظمة تحديد المدى بأشعة الليزر من طريق إضاءة الهدف ليزرياً، كما يوجد في مقدمة الصاروخ آلة تصوير تليفزيونية تعمل في مستوى الضوء المنخفض Low Light Level TV: LLLTV ترسل صوراً واضحة إلى الطائرة، لتستخدم في أغراض التوجيه التليفزيوني، وذلك مع وجود جهاز تسجيل خاص، تسجل عليه صور الأهداف بالفيديو لاستعادتها فورياً؛ لأغراض المقارنة والتطابق مع الأهداف الحقيقية المطلوب تدميرها، وكذلك لتقدير كفاءة الضرب، وهو ما يسمى”نظام دمج المعلومات” Data Fusion. هكذا، يسمح النظام “ترام” الموجود في الطائرة EA-6B بتمييز الأهداف التي تظهر بالرادار مع إمكانية توجيه ضربة بالأسلحة الموجهة ـ بأشعة الليزر، بالتليفزيون، بالأشعة تحت الحمراء ـ بدقة متناهية، في الوقت الذي تنفذ فيه الطائرة مناورات عالية فوق الهدف، ويؤدي استخدام الأسلحة الذكية Smart Weapons إلى الإصابة الدقيقة من الطلقة الأولى؛ إذ إن الطائرة لا تستطيع، في ظروف الدفاع الجوي بأنظمته الحديثة، أن تتمهل في منطقة الهدف، أو أن تعاود الكرة مرة أخرى؛ إذ يغدو الثمن غالياً.
ولا شك في أن حمل الطائرة للأسلحة الذكية باستخدام أسلوب “أطلق وانسَ”Fire and Forget يحميها ويساعدها على تفادي الأسلحة المعادية. وهكذا، يساعد النظام “ترام” على تحسين الأداء، وزيادة القدرة على العمل بكفاءة في ظل وجود التهديدات الكثيفة والمعقدة.
من أشكال الدعم بالحرب الإلكترونية في الحروب الحديثة، أنه يمكن لطائرات القتال المجهّزة بمعدات الحرب الإلكترونية، أن تعمل مصاحبة للطائرات المقاتلة القاذفة أثناء قيامها بالاختراق العميق؛ لستر تقدمها بأعمال الإعاقة الإلكترونية المصاحبة Escort Jamming ضد رادارات الدفاع الجوي المعادي، وهي ما تعرف بالمساندة الإلكترونية القريبة، أو من خلال المساندة بالإعاقة الإلكترونية البعيدة باستخدام طائرات الحرب الإلكترونية من مظلات بعيدة عن مرمى الدفاع الجوي المعادى، يطلق عليها Stand-Off Jamming، ويتوقف ذلك على متطلبات تحقيق المهمة، ففي الوقت الذي تفضل فيه القوات البحرية النوع الثاني Stand-Off Jamming فإن القوات الجوية تفضل النوع الأول من أعمال المساندة الإلكترونية Escort Jamming، وهي مهمة الحراسة، والمرافقة بأعمال الدعم الإلكتروني.
سادساً: أقسام الحرب الإلكترونية
تعتمد تكتيكات الحرب الإلكترونية على استخدام وسائل ونظم إلكترونية تتيح استغلال الحيز الكهرومغناطيسي لصالح طرف وحرمان الطرف الآخر أو خداعه عن استغلال هذا الحيز، وهو ما أدى إلى تقسيم الحرب الإلكترونية إلى الأقسام التالية:
1. الإجراءات الإلكترونية المضادة Electronic Counter Measures ECM:
وهي تعني تنفيذ الأعمال الآتية:
أ. أعمال الإعاقة الإلكترونية الإيجابية والسلبية.
ب. أعمال التدمير للنظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية المعادية.
2. أعمال الاستطلاع الإلكتروني Electronic Reconnaissance
وهو ما يطلق عليه اسم “المساندة الإلكترونية” Electronic Support Measures ESM.
ويُطلق عليه الاستطلاع الإلكتروني للنظم الإلكترونية المعادية أو أعمال المساندة الإلكترونية، إذ يؤدي الاستطلاع الإلكتروني دوراً إستراتيجياً في تحديد تكتيكات العدو، وإمكاناته، وأهدافه، وينفذ خلال السلم والحرب، وقبل العمليات وأثناءها من خلال النظم والمعدات الإلكترونية ذات التقنية العالية التي تزود بها الطائرات، والسفن، والأقمار الصناعية. ويكشف الاستطلاع الإلكتروني، على المستوى التكتيكي، نوع دفاعات العدو، وإمكاناته، وقدراته من الأسلحة، ومعدات القتال، فضلاً عن تقويم النظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية؛ بما يساعد على تطوير معدات الحرب الإلكترونية الصديقة وإعادة برمجتها؛ لمواجهة النشاط الإلكتروني المعادي.
لا شك أن الاستطلاع الإلكتروني، يُعد حالياً، من أهم مصادر الحصول على المعلومات وأحدثها في معظم جيوش العالم، وقد تطور بشكل كبير جداً؛ نتيجة للتطور الهائل في تكنولوجيا الإلكترونيات، واعتماده على الخصائص الفنية للموجات الكهرومغناطيسية، التي يسهل متابعتها، فضلاً عن أن المعدّات الإلكترونية أصبحت إحدى السمات المميزة للحروب الحديثة، كما أن الاستطلاع الإلكتروني يُعد كذلك إحدى سمات هذه الحروب في مجال الحصول على المعلومات.
3. الأعمال الإلكترونية المضادة لإجراءات الحرب الإلكترونية المعادية
Electronic Counter Counter Measures ECCM
تعني التأمين الإلكتروني للنظم، والوسائل الإلكترونية الصديقة من أعمال الحرب الإلكترونية المعادية، وتشتمل على ما يلي:
أ. إجراءات مقاومة الاستطلاع الإلكتروني المعادي.
ب. وقاية النظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية الصديقة من الإعاقة الإلكترونية المعادية.
ج. وقاية النظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية الصديقة من وسائل التدمير المعادية الموجهة إلكترونياً، أو المضادة لمصادر الإشعاع الكهرومغناطيسي.
د. المراقبة الإلكترونية للإشعاعات الكهرومغناطيسية الصديقة، وهي تعني الآتي:
(1) منع التعارض الكهرومغناطيسي للنظم، والوسائل الإلكترونية الصديقة من التداخل الصديق الذي يحدث نتيجة لسببين رئيسيين:
(أ) أن عددا كبيراً من النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة يعمل في مساحات محددة في وقت واحد، وبكثافة عالية.
(ب) عدم التزام بعض القوات، بتعليمات التأمين الإلكتروني في تشغيل النظم والوسائل الإلكترونية، مثل استخدام إحدى الوحدات ترددات لاسلكية مخصصة لوحدة أخرى؛ فيحدث التداخل الكهرومغناطيسي.
(2) أدى ذلك إلى إضافة مهمة جديدة للقادة والقيادات على مختلف المستويات، هي:
(أ) التنظيم الفني والتكتيكي للنظم والوسائل الإلكترونية، لضمان منع هذا التعارض الكهرومغناطيسي أثناء تشغيل الوسائل الإلكترونية الصديقة.
(ب) تشكيل عناصر مراقبة إلكترونية مهمتها التأكد الدائم من التزام القوات بتعليمات التشغيل الفني والتكتيكي من خلال استخدام معدات إلكترونية؛ لقياس النشاط الإشعاعي الصديق ومراقبته، في منطقة عمل القوات، إضافة إلى اكتشاف أي إشعاع أجنبي يبث داخل المنطقة.
المبحث الثاني : الأعمال الإلكترونية المضادة ECM
الأعمال أو الإجراءات الإلكترونية المضادة ECM Electronic Counter Measures تعني اكتشاف النظم الإلكترونية؛ لسيطرة العدو على قواته، وأسلحته، ومعداته؛ لتحديد حجم، قواته وأوضاعها، ووسائل إنتاج النيران، بهدف شلّه، أو إفقاده سيطرته على قواته، وأسلحته، بأعمال الإعاقة الإلكترونية، أو بأعمال التدمير لهذه النظم، وذلك لتقليل فاعلية الاستخدام القتالي لقواته، وتقليل كفاءة أسلحته التدميرية في إصابة أهدافها من خلال الأعمال أو الإجراءات الإلكترونية الآتية: الإعاقة الإلكترونية للنظم الإلكترونية اللاسلكية/ الرادارية/ والكهروبصرية/ والصوتية/ والحاسبات الآلية المعادية. تدمير النظم الإلكترونية المعادية باستخدام النبضة الكهرومغناطيسية EMP، أو أسلحة الطاقة الموجهة DEW.
أولاً: مفهوم الإعاقة الإلكترونية
تُعد إعاقة نظم العدو ووسائله الإلكترونية، أحد الإجراءات الإلكترونية المضادة Electronic Counter-Measures: ECM المهمة التي تقوم على فكرة إعاقة تشغيل النظم، والوسائل الإلكترونية المعادية بأنواعها المختلفة من خلال التأثير على كفاءتها في أداء مهامها الوظيفية بأساليب الإعاقة الإلكترونية الآتية:
الإعاقة الإلكترونية الإيجابية: وتعتمد في إعاقة تشغيل النظم والوسائل الإلكترونية المعادية المختلفة (لاسلكية، رادارية، كهروبصرية… إلخ) على خاصية التقاط أجهزة الاستقبال للإشارات المرغوبة، والإشارات الأخرى غير المرغوبة التي تكون على التردد نفسه.
الإعاقة الإلكترونية السلبية: تعتمد الإعاقة السلبية في إعاقة تشغيل النظم والوسائل الإلكترونية المعادية المختلفة على خاصية انعكاس الإشعاعات الكهرومغناطيسية؛ سواء من الأجسام المرغوبة، أو غير المرغوبة التي تصطدم بها لترتد مرة أخرى إلى أجهزة استقبال هذه النظم والوسائل.
1. الإعاقة الإلكترونية الإيجابية
أ. تعريف الإعاقة الإلكترونية الإيجابية
هي عملية توجيه حزمة من الأشعة الكهرومغناطيسية المتعمدة إلى مستقبلات النظم والوسائل الإلكترونية المعادية؛ للتأثير على أدائها بتعميتها، أو خداعها بهدف شل، عملها وإرباكه. وببساطة شديدة، يمكن القول، بأن الإعاقة الإلكترونية الإيجابية هي عملية إرسال إشعاع متعمد لموجات كهرومغناطيسية يتم إصداره من جهاز ما ـ لاسلكي، راداري،… الخ ـ وتوجيهه في اتجاه جهاز استقبال معين؛ بغرض فرض هذا الشعاع دون سواه على هذا المستقبل.
ب. العوامل المؤثرة على مدى فاعلية الإعاقة الإلكترونية الإيجابية
(1) العلاقة بين قدرة محطة الإعاقة، وقدرة جهاز الإرسال المعادي. (2) العلاقة بين مسافة محطة الإعاقة، ومسافة جهاز الإرسال المعادي، بالنسبة لجهاز الاستقبال المعادي. (3) العلاقة بين قوة الإشارة المستقبلة من محطة الإعاقة، وقوة الإشارة المستقبلة من جهاز الإرسال المعادي عند نقطة التقاط هوائي جهاز الاستقبال المعادي. (4) نوع الهوائيات المستخدمة في كل من محطة الإعاقة، وجهاز الاستقبال المعادي ـ استخدام هوائيات موجهة/ غير موجهة. وهذه العوامل تعني أنه كلما زادت قدرة الإعاقة بالنسبة لقدرة إشارة جهاز الإرسال المعادي الواصلة لجهاز الاستقبال، ازداد تشويه هذه الإشارة، وعندما تصل قدرة الإعاقة إلى حد معين، تضيع الإشارة نهائياً، ولا يمكن تمييزها
وتكمن خطورة حروب الإنترنيت والشبكات في كون العالم أصبح يعتمد أكثر فأكثر على الفضاء الإلكتروني (Cyberspace) لا سيما في البنى التحتية المعلوماتية العسكرية والمصرفية والحكومية إضافة إلى المؤسسات والشركات العامة والخاصة. ولا شك أنّ ازدياد الهجمات الإلكترونية والتي نشهد جزءًا بسيطا منها اليوم يرتبط أيضا بازدياد هذا الاعتماد على شبكات الكومبيوتر والإنترنيت في البنية التحتية الوطنية الأساسية، وهو ما يعني إمكانية تطوّر الهجمات الإلكترونية اليوم لتصبح سلاحا حاسما في النزاعات بين الدول في المستقبل، علما أنّ أبعاد مفهوم الحرب الإلكترونية لا تزال غير مفهومة لدى شريحة واسعة من المراقبين وحتى العامة.
نحاول من خلال هذه الورقة التطرق لمفهوم الحرب الإلكترونية من ناحية أنواعها وخصائصها والمجالات التي تستهدفها إضافة إلى مخاطرها والتطورات التي تشهدها الساحة العالمية على هذا الصعيد.
مفهوم الحرب الإلكترونيةليس هناك من إجماع واسع على تعريف محدد ودقيق لمفهوم الحرب الإلكترونية الآن. وعلى الرغم من ذلك، فقد اجتهد عدد من الخبراء من ضمن اختصاصاتهم في تقديم تعريف يحيط بهذا المفهوم، فعرّف كل من “ريتشارك كلارك” و”روبرت كناكي” الحرب إلكترونية على أنها “أعمال تقوم بها دولة تحاول من خلالها اختراق أجهزة الكمبيوتر والشبكات التابعة لدولة أخرى بهدف تحقيق أضرار بالغة أو تعطيلها.
فيما يعرّف آخرون مصطلح الحرب الإلكترونية بأنها “مفهوم يشير إلى أي نزاع يحدث في الفضاء الإلكتروني ويكون له طابع دولي”. ولأن مثل هذه التعريفات فضفاضة ولا تعبّر بدقّة عن فحوى الموضوع، يقترح آخرون أن يتم التركيز بدلا من ذلك على أنواع وأشكال النزاع التي تحصل في الفضاء الإلكتروني، ومنها:
- القرصنة الإلكترونية: أو التخريب الإلكتروني، وتقع في المستوى الأول من النزاع في الفضاء الإلكتروني، وتتضمن هذه العمليات القيام بتعديل أو تخريب أو إلغاء المحتوى. ومن أمثلته القيام بعمليات قرصنة المواقع الإلكترونية أو بتعطيل الحواسيب الخادمة أو ما يعرف باسم الملقّمات (Servers) من خلال إغراقها بالبيانات.
- الجريمة الإلكترونية والتجسس الإلكتروني: ويقعان في المستوى الثاني والثالث وغالبا ما يستهدفان الشركات والمؤسسات وفي حالات نادرة بعض المؤسسات الحكومية.
- الإرهاب الإلكتروني: ويقع في المستوى الرابع من النزاع في الفضاء الإلكتروني. ويستخدم هذا المصطلح لوصف الهجمات غير الشرعية التي تنفّّذها مجموعات أو فاعلون غير حكوميون (Non-State Actors) ضد أجهزة الكمبيوتر والشبكات والمعلومات المخزّنة. ولا يمكن تعريف أي هجوم إلكتروني بأنه إرهاب إلكتروني إلا إذا انطوى على نتائج تؤدي إلى أذى مادّي للأشخاص أو الممتلكات والى خراب يترك قدرا كبيرا من الخوف.
- الحرب الإلكترونية: وهي المستوى الأخطر للنزاع في الفضاء الإلكتروني، وتعتبر جزءا من الحرب المعلوماتية بمعناها الأوسع، وتهدف إلى التأثير على إرادة الطرف المستهدف السياسية وعلى قدرته في عملية صنع القرار، وكذلك التأثير فيما يتعلق بالقيادة العسكرية و/أو توجهات المدنيين في مسرح العمليات الإلكتروني.
ومن المتوقع أن تصبح الحرب الإلكترونية نموذجا تسعى إليه العديد من الجهات نظرا للخصائص العديدة التي تنطوي عليها، ومنها:
- حروب الإنترنيت هي حروب لا تناظرية (Asymmetric): فالتكلفة المتدنية نسبيا للأدوات اللازمة لشن هكذا حروب يعني أنّه ليس هناك حاجة لدولة ما مثلا أن تقوم بتصنيع أسلحة مكلفة جدا كحاملات الطائرات والمقاتلات المتطورة لتفرض تهديدا خطيرا وحقيقيا على دولة مثل الولايات المتّحدة الأمريكية على سبيل المثال.
- تمتّع المهاجم بأفضلية واضحة: في حروب الإنترنيت يتمتع المهاجم بأفضلية واضحة وكبيرة على المدافع، فهذه الحروب تتميز بالسرعة والمرونة والمراوغة. وفي بيئة مماثلة يتمتّع بها المهاجم بأفضليّة، من الصعب جدا على عقليّة التحصّن لوحدها أن تنجح. فالتحصين بهذا المعنى سيجعل من هذا الطرف عرضة لمزيد من محاولات الاختراق وبالتالي المزيد من الضغط.
- فشل نماذج “الردع” المعروفة: يعد مفهوم الردع الذي تمّ تطبيقه بشكل أساسي في الحرب الباردة غير ذي جدوى في حروب الإنترنيت. فالردع بالانتقام أو العقاب لا ينطبق على سبيل المثال على هذه الحروب. فعلى عكس الحروب التقليدية حيث ينطلق الصاروخ من أماكن يتم رصدها والرد عليها، فإنه من الصعوبة بمكان بل ومن المستحيل في كثير من الأحيان تحديد الهجمات الإلكترونية ذات الزخم العالي. بعض الحالات قد تتطلّب أشهرا لرصدها وهو ما يلغي مفعول الردع بالانتقام وكثير من الحالات لا يمكن تتبع مصدرها في المقابل، وحتى إذا تم تتبع مصدرها وتبين أنها تعود لفاعلين غير حكوميين، فانه في هذه الحالة لن يكون لديهم أصول أو قواعد حتى يتم الرد عليها.
- المخاطر تتعدى استهداف المواقع العسكرية: لا ينحصر إطار حروب الإنترنيت باستهداف المواقع العسكرية، فهناك جهود متزايدة لاستهداف البنى التحتية المدنية والحسّاسة في البلدان المستهدفة، وهو أمر أصبح واقعيا في ظل القدرة على استهداف شبكات الكهرباء والطاقة وشبكات النقل والنظام المالي والمنشآت الحساسة النفطية أو المائية أو الصناعية بواسطة فيروس يمكنه إحداث أضرار مادّية حقيقية تؤدي إلى انفجارات أو دمار هائل.
وتشير العديد من التقارير إلى تزايد أعداد الهجمات الإلكترونية التي تتم في العالم اليوم والتي تقوم بها مجموعات أو حكومات تتدرج في الاستهداف من أبسط المستويات إلى أكثرها تعقيدا وخطورة.
ففي ديسمبر/كانون الأول من العام 2009، أوردت الحكومة الكورية الجنوبية تقريرا عن تعرضها لهجوم نفّّذه قراصنة كوريين شماليين بهدف سرقة خطط دفاعية سريّة تتضمن معلومات عن شكل التحرّك الكوري الجنوبي والأمريكي في حالة حصول حرب في شبه الجزيرة الكورية.
وفي يوليو/ تموز 2010، أعلنت ألمانيا أنّها واجهت عمليات تجسس شديدة التعقيد لكل من الصين وروسيا كانت تستهدف القطاعات الصناعية والبنى التحتية الحساسة في البلاد ومن بينها شبكة الكهرباء التي تغذي الدولة.
ويجمع الخبراء على أنّ الهجوم الإلكتروني الذي استهدف أستونيا في العام 2007، يكاد يكون الهجوم الإلكتروني الأول الذي يتم على هذا المستوى ويستخدم لتعطيل المواقع الإلكترونية الحكومية والتجارية والمصرفية والإعلامية مسببا خسائر بعشرات الملايين من الدولارات إضافة إلى شلل البلاد. وعلى الرغم من أنّ الشكوك كانت تحوم حول موسكو على اعتبار أن الهجوم جاء بعد فترة قصيرة من خلاف أستوني- روسي كبير، إلا أنّ أحدا لم يستطع تحديد هوية الفاعل الحقيقي أو مصدر الهجوم الذي تم، وهي من المصاعب والمشاكل التي ترتبط بحروب الإنترنيت إلى الآن. ــــــــــــــــــــــــــــــالحرب الإلكترونية
الحرب الإلكترونية -الجزء الأول
مقدمة
يُعد ظهور ثورة تكنولوجيا الإلكترونيات واستخدامها في الأغراض العسكرية، نقطة تحول كبيرة؛ سواء في فن الحرب، أوفي إدارة الصراع المسلح، فقد أخذت أسلحة القتال الحديثة ومعداته مكان الصدارة في حسم أي صراع مسلح، وخاصة أسلحة الهجوم الجوي الحديثة؛ لاعتمادها على نظم السيطرة والتوجيه الإلكتروني، التي تمكنها من تنفيذ المهام المطلوبة منها بكفاءة وإصابة أهدافها بدقة عالية؛ نظراً لاستخدامها نظم ووسائل الكشف، والتوجيه، والتحكم، وقيادة النيران وتصحيحها لاسلكياً، ورادارياً، وحرارياً، وليزرياً، وتليفزيونياً، وهي النظم التي يستوي تشغيلها واستخدامها ليلاً ونهاراً. هذا إضافة إلى النظم الحديثة والمتقدمة للتصوير التليفزيوني باستخدام آلات التصوير ذات الحساسية العالية، التي يمكنها العمل في مستوى الضوء المنخفض بكفاءة ودقة عاليتين.
ومع دخول المعدات الإلكترونية الحديثة، واستخدامها بتوسع في الجيوش الحديثة بصفة عامة، وفي القوات الجوية بصفة خاصة؛ سواء في أسلحة الهجوم الحديثة، أو في نظم السيطرة الآلية على القوات ووسائلها من أجهزة وحاسبات آلية. وانطلاقاً من اعتماد أسلحة القتال الحديثة على النظم والوسائل الإلكترونية، فقد أظهرت العمليات الحديثة في حرب فيتنام، وحرب أكتوبر 1973، وحرب فوكلاند، وحرب الخليج الثانية، وحرب البلقان، الدور الذي يمكن أن تؤديه الحرب الإلكترونية؛ بوصفها سلاحاً مضاداً يمكنه التأثير بفاعلية على الحد من إمكانات هذه الأسلحة والمعدات في ساحة القتال؛ لما تتميز به الحرب الإلكترونية من القدرة على تنفيذ أعمال الاستطلاع، والإعاقة الإلكترونية بأنواعها المتعددة، ضد نظم السيطرة ووسائلها، والكشف والتوجيه الإلكترونية لهذه الأسلحة.
ولما كانت إستراتيجية القوات المسلحة، في كل دول العالم، قد تأسست على إمكانية تحقيق النصر على العدو بكل الوسائل المتيسرة لديها، وبما أن الحرب الإلكترونية عُدّت إحدى صور الصراع التكنولوجي، التي تؤدي أعمالها القتالية إلى إيجاد الظروف المناسبة للقوات المسلحة لتحقيق هذا النصر، لذا فإن الحرب الإلكترونية أصبحت في مقدمة تلك الوسائل؛ بل أصبحت في مقدمة الموضوعات التي يعكف العسكريون على دراستها، كما تعكف مراكز البحوث العلمية والفنية على تطويرها، وتحديثها، باستمرار؛ لمواجهة التهديدات الإلكترونية لأسلحة القتال الحالية والمستقبلية.
وانطلاقاً من هذا المفهوم، فقد تعاظم دور الحرب الإلكترونية لتشكل البعد الرابع بين أسلحة القتال البرية، والبحرية، والجوية والدفاع الجوى، في التأثير بفاعلية على كفاءة هذه النظم الإلكترونية. لذلك سارعت دول العالم إلى تسليح مختلف أنواع قواتها بوسائل الحرب الإلكترونية.
المبحث الأول: الحرب الإلكترونية: نشأتها، وتطورها، ومفهومها
عند تتبع تاريخ نشأة الحرب الإلكترونية في العالم، نجد أن جذورها تعود لما قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، فقد بدأت الاتصالات بين أرجاء العالم المختلفة باستخدام المواصلات السلكية مـن طريق المورس “جهاز البرق الصوتي” عام 1837؛ ولم يتحقق أي اتصال آخر في ذلك الوقت إلا من طريق تبادل المراسلات؛ باستخدام السفن في نقل الرسائل بين الموانئ البحرية.
منذ اندلاع الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، في أبريل 1861، كانت خطوط التلغراف هدفاً مهماً للقوات المتحاربة؛ إذ كان عمال الإشارة يتداخلون على خطوط المواصلات السلكية، من طريق توصيل هاتف على التوازي مع كل خط من هذه الخطوط؛ للتنصت على المحادثات؛ ولهذا السبب، كان كل جانب يقطع المواصلات الخطية عند عدم الحاجة إليها، حتى لا يتداخل عليها الطرف الآخر.
ثم كانت بداية استخدام الاتصال اللاسلكي في عام 1888 مع الألماني هرتز Hertz. وفي منتصف عام 1897 استطاع “ماركوني” Guglielmo Marconi المهندس والمخترع الإيطالي من تطوير جهاز لاسلكي يناسب الاستخدام في البحر. ثم استخدم اللاسلكي في أعمال الاتصالات بالمسرح البحري الأوروبي في عام 1901.
ونتيجة لتزايد الاستخدام اللاسلكي، كان طبيعياً أن تظهر الشوشرة على الاتصالات اللاسلكية، وكانت في البداية شوشرة طبيعية، نتيجة لكثرة استخدام الأجهزة اللاسلكية، وهو ما يعرف بالتداخل البيني للموجات الكهرومغناطيسية عند إشعاعها بكثافة عالية في مساحة محددة، أو في مناطق مغلقة، مثل المضايق والممرات الجبلية.
ومن هنا بدأ التدريب على العمل في ظل الشوشرة نتيجة الاستخدام اللاسلكي المكثف، ثم بدأ الاستخدام المتعمد للشوشرة؛ لإعاقة الاتصالات اللاسلكية بين الوحدات العسكرية المعادية؛ لإرباكها وشل سيطرتها على قواتها وأسلحتها.
وفي عام 1904 قصفت السفينتان اليابانيتان الحربيتان “كاسوجا ونيشين” القاعدة البحرية الروسية في ميناء “آرثر” Arthur، وكانت معهما سفينة صغيرة تصحح النيران باستخدام الراديو “اللاسلكي”، وسمع أحد عمال “الإشارة” الروس، بالمصادفة، تعليمات تصحيح النيران، فاستخدم جهاز إرساله اللاسلكي في إعاقة الاتصال الياباني بالضغط على مفتاح الإرسال على تردد الشبكة اليابانية نفسها، مما عطل بلاغات تصحيح النيران من أن تُبّلغ لمدفعية السفينتين؛ وهكذا، لم ينتج عن هذا القصف البحري سوى إصابات طفيفة، لعدم دقة النيران في إصابة أهدافها.
وحتى عام 1905، وخلال المعارك بين السفن اليابانية والروسية، استخدمت السفن الروسية الأسلوب نفسه ضد الشبكات اللاسلكية اليابانية، وانعكس ذلك في أن السفن الروسية استطاعت إخفاء اتصالاتها، قدر الإمكان، من طريق تقليل فترات استخدام اللاسلكي لأقل فترة ممكنة، وبأقل قدرة إشعاع لاسلكي تحقق الاتصال المطلوب، وكانت السفن الروسية تتنصت وتراقب الإرسال اللاسلكي الياباني، ثم تشوّش عليه أثناء القصف بهذا الأسلوب نفسه.
وفي عام 1906 استطاع مكتب معدات البحرية الأمريكية من استحداث جهاز تحديد اتجاه لاسلكي؛ لخدمة الملاحة البحرية في البحر، وهو ما يعرف باسم “المنارة اللاسلكية” لإرشاد السفن، وتحديد مواقعها، وخطوط سيرها، مما كان له أثر كبير في مجالات الحرب الإلكترونية فيما بعد.
1. الحرب الإلكترونية في الحرب العالمية الأولى:
في بداية الحرب العالمية الأولى، في أغسطس 1914، قبل أن تدخل بريطانيا الحرب إلى جانب بلجيكا وفرنسا، ضد ألمانيا، والنمسا، مرت سفينتان حربيتان بريطانيتان، بجوار السفن الألمانية في بحر المانش، ولم تحاولا الاشتباك مع السفن الألمانية. إلا أن أدميرال الأسطول الألماني “إرنست كينج”، أوضح أن هاتين السفينتين البريطانيتين، نفذتا عمليات التنصت اللاسلكي على الاتصالات اللاسلكية للسفن الألمانية، وذلك عندما حاولتا التشويش على الاتصالات اللاسلكية الألمانية، بهدف اختبار كفاءة أعمال الحرب الإلكترونية لديها في التداخل والشوشرة اللاسلكية على الشبكات اللاسلكية الألمانية.
وأثناء العمليات البحرية التالية في الحرب العالمية الأولى، كان التشويش على الاتصالات اللاسلكية يستخدم من حين إلى آخر، ولكن وُجد أنه، لكي تنفذ الشوشرة على أي اتصال لاسلكي، كان لا بد أن تسبق عملية التنصت هذا الاتصال، الأمر الذي تبين منه في أحيان كثيرة، أهمية المعلومات التي يتبادلها الجانب المعادي، والتي يمكن الحصول عليها، معرفة نواياه المستقبلية.
ومن هنا ظهرت أهمية أعمال الاستطلاع اللاسلكي على شبكات العدو اللاسلكية، بهدف الحصول على المعلومات، كما أصبحت الوحدات البحرية على دراية بأن استخدام اللاسلكي أكثر مما ينبغي، يمكن أن يفصح عن حجم كبير من المعلومات المفيدة للعدو، حتى مع استخدام الكود والشفرة في الاتصالات اللاسلكية.
ولهذا السبب، أكد القادة على أهمية بقاء الراديو “اللاسلكي” صامتاً كلما أمكن ذلك، وتقليل تبادل الإشارات إلى الحد الأدنى عندما لا يكون آمناً، أي بمجرد أن تكون السفن الحربية في مرمى بصر العدو، فكان لا يسمح للقادة باستخدام الراديو “اللاسلكي” بِحُرية حتى لا يلتقطه الجانب المعادي، وكان يستعاض عنه، في تحقيق الاتصال، باستخدام الإشارات المرئية “التأشير المنظور”.
بعد ذلك ظهرت أهمية تحديد مواقع المحطات اللاسلكية المعادية، التي تدل على أماكن تمركز القوات المعادية، وبالتالي يمكن التنبؤ المبكر بالتهديد، وكذلك لتوجيه أعمال الشوشرة ضدها بدرجة تركيز مناسبة في التوقيت المناسب، ففي عام 1915، استغلّت البحرية البريطانية الفكرة الأمريكية في إنشاء جهاز تحديد اتجاه الإشعاع اللاسلكي الصادر من جهاز إرسال أي سفينة تستخدم الاتصال اللاسلكي وهي في عرض البحر، والذي يمكن باستقباله تحديد موقع هذه السفينة “نظام المنارة اللاسلكية”، وعلى ضوء ذلك، بدأت البحرية الملكية البريطانية، بتركيب سلسلة من محطات تحديد الاتجاه اللاسلكي بطول الساحل الشرقي لإنجلترا، حيث أمكنها تحديد موقع أي سفينة أو طائرة منطلقة في بحر الشمال. وعندما دخلت أمريكا الصراع في أبريل 1917، انضم الأسطول الحربي الأمريكي مع الأسطول البريطاني، الذي كان يمتلك أجهزة لاسلكية متقدمة، وكانت بعض قطع الأسطول تحمل أجهزة تحديد اتجاه من نوع 995، أثبتت كفاءة كبيرة في تحديد مواقع السفن المعادية التي كانت تتنصت على اتصالاتها اللاسلكية، وتحدد مواقعها، وتتتبعها، ثم تدمرها.
ومع تزايد الاهتمام بالاتصالات اللاسلكية من الجو إلى الأرض من خلال إرسال تقارير الاستطلاع التكتيكي عن أرض المعركة، أو لتصحيح نيران المدفعية في إصابة أهدافها، ولأهمية المعلومات المتبادلة على هذه الشبكات؛ كان غالباً، ما يشوش عليها، لحرمان الجانب المعادى من الحصول على معلومات عن الأهداف المطلوب تدميرها، وكذلك حرمانه من أن يصحح نيران مدفعيته، وإصابة الأهداف بدقة.
2. الحرب الإلكترونية بين الحرب العالمية الأولى والثانية:
أجرت عدة دول تجارب على قيام الطائرات بتوجيه القنابل لاسلكياً. وفي الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي تطورت أجهزة الإرسال بدرجة كبيرة، وأُنتجت أجهزة استقبال ذات حساسية عالية، وهوائيات دقيقة التوجيه، وهو ما أدى إلى التفكير في التداخل اللاسلكي لإفشال أعمال التوجيه.
وفي هذا الوقت، بدأت التطبيقات العملية للظواهر المكتشفة عام 1900، صدى الصوت؛ إذ كان عندما يرفع الصوت، ويسمع صدى في الإجابة، يعرف أن الصوت وصل حائطاً بعيداً، أو حاجزاً، ولا بد أنه انعكس من المكان نفسه. وهكذا، بدأ تطبيق تحديد المكان لأي جسم متحرك، مثل سفينة في البحر، إذ يمكن من تحديد مسافة تحركها في زمن محدد، وحساب سرعتها؛ ففي البداية، يحدد مكان الهدف المتحرك وتوقيته في موقع ما، ثم بعد فترة زمنية محددة، يعاد تحديد مكان الهدف وتوقيته في موقع آخر، وبحساب المسافة التي تحركها الهدف، بين الموقعين الأول والثاني، والزمن الذي استغرقه في قطع هذه المسافة، تحدد سرعة الهدف من المعادلة الآتية:
السرعة = المسافة / الزمن
وقد طبق العاملون في معمل أبحاث البحرية الأمريكية ذلك، خلال تجارب اكتشاف الرادار عام 1922. وفي عام 1934، كان جهاز الرادار الأمريكي، قادراً على اكتشاف الطائرات على مسافة 50 ميلاً؛ وفي هذه الفترة، كان هناك عمل مشابه، ينفذ في بريطانيا وألمانيا. وبحلول شهر يونيه 1935، أُنتج أول رادار نبضي للبحرية البريطانية، يمكنه كشف الأهداف حتى مدى 17 ميلاً. وفي مارس 1936، أُنتج جهاز مماثل معّدل بمدى كشف 75 ميلاً. وهكذا، تطور تصنيع الرادارات على المسرح الأوروبي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية. 3. الحرب الإلكترونية في الحرب العالمية الثانية
وحتى ديسمبر 1938، تمكنت الدول الأوروبية من إنتاج رادارات، ذات مدى كشف راداري 100 ميل عن الطائرات المعادية توفر زمن إنذار لأكثر من نصف ساعة، عن هجوم قاذفات القنابل المعادية، فضلاً عن إنتاج رادار بحري، يوفر مدى كشف راداري 15 ميلاً عن القطع البحرية المعادية.
ومنذ أكتوبر 1935، كلف مسؤول البرنامج البريطاني لتطوير الرادار بدارسة إمكانية التشويش على أجهزة الكشف الراداري؛ إذ بدأت التجارب، وأمكن تحقيق نتائج إيجابية في عام 1938، وفي عام 1939. كما بدأت في إنجلترا دراسة إمكانية تشغيل عمال الرادار على أجهزتهم، في ظل قيام العدو بأعمال الإعاقة والتشويش، على الرادارات الإنجليزية.
ومع تزايد الانتصارات الألمانية في فرنسا وهولندا وبلجيكا، في صيف 1940، والإجلاء السريع للقوات البريطانية من الجزء الرئيسي من أوروبا، وتزايد إمكان دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب إلى جانب الحلفاء؛ بدأت واشنطن، في سرية تامة، بتعبئة الهيئات العسكرية الصناعية والعلمية وتنظيمها، لخدمة الحرب الإلكترونية.
أما الإنجاز الكبير الذي حدث بعد ذلك، هو أنه، بعد سقوط فرنسا، هرب العالم “موريس دولورين” إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومعه ثلاثة من زملائه الذين كانوا يعملون في نوع جديد من أجهزة تحديد الاتجاه ذات التردد العالي للبحرية الفرنسية، وبدءوا العمل في مختبر الاتصالات اللاسلكية الفيدرالي في “أماجا نسيت” بولاية “لونـج أيلاند” Long Island، وسرعان ما قاموا بتشغيل نموذج متطور لتحديد الاتجاه اللاسلكي يعمل على الشواطئ، ثم طوروا جهازاً آخر للعمل بالسفن الحربية، دخل الخدمة في القوات البحرية بعد ذلك.
ومنذ أوائل ديسمبر 1941، وقبل دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب مباشرة، أنتجت رادارات متقدمة منها SCR-270، ثم SCR-271، وذلك بزيادة حيز تردداتها، ركبت فيما بعد، بالسفن الحربية، وحاملات الطائرات، والطرادات، بما أدى إلى التغلب على أعمال الاستطلاع والإعاقة الرادارية.
وفي الوقت نفسه، كانت الإجراءات المضادة للرادارات تسير سيراً حسناً، مثل مستقبل التحذير الرادار( جهاز استقبال راداري، يركب في الطائرة أو في القطعة البحرية، يمكنه استقبال نبضات الرادار المعادي، فيعطي إنذاراً لقائد الطائرة/ القطعة البحرية أنه أصبح مكَتَشفاً رادارياً، وعليه تنفيذ التدابير الإلكترونية لتجنب هذا الكشف.) من الرادارات المعادية Radar Warning Receiver: RWR من نوع P-540، والذي تطوّر، بعد ذلك، إلى ما أطلق عليه P-587، والذي أقر في مختبر الطاقة الإشعاعية.
وهكذا، زاد التنافس بين القوات المتحاربة في المحيط الأطلسي والمحيط الهادي، مما ساعد على التطوير المستمر في معدات الحرب الإلكترونية وأعمالها، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، في ظل التطور الهائل لتكنولوجيا الإلكترونيات.
وهكذا استمر الصراع الدائر للحصول على التكنولوجيا المتقدمة لإنشاء أحدث النظم الإلكترونية اللازمة للسيطرة وإدارة النيران، وللمعاونة في إدارة أعمال القتال. وكان يتبعها دائماً العمل الدائم في مراكز الأبحاث للوصول إلى أكثر المعدات الخاصة بالحرب الإلكترونية تعقيداً من وسائل للاستطلاع والإعاقة على هذه المعدات المتقدمة، التي يتم إنشاؤها. ثم يأتي دور اختبار هذه المعدات الجديدة في مجال الحرب الإلكترونية ليتم إنزالها إلى ساحة القتال، لمعرفة تأثيرها، ثم تجري أعمال التطوير مرة أخرى على ضوء ما يدرس من مزاياها وعيوبها. ظهر ذلك واضحاً في حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية: “كوريا ـ فيتنام ـ حرب 1967 ـ حرب 1973 ـ فوكلاند ـ سهل البقاع ـ خليج سرت ـ حرب تحرير الكويت ـ ثم حرب البلقان.
أولاً: تعريف الحرب الإلكترونية ومفهومها
للحرب الإلكترونية العديد من التعريفات العلمية، إلا أنها بالدرجة الأولى تتوقف على طبيعة الاستخدام القتالي ومفهومه المطلوب تحقيقهما في العمليات الحربية الحديثة التي تتنوع فيها النظم والوسائل الإلكترونية المتطورة لأسلحة القتال؛ تلك الأهداف المطلوب من الحرب الإلكترونية أن تتعامل معها، وتؤثر على فاعليتها، بهدف حرمانها من أداء مهامها الوظيفية بكفاءة، وبالتالي تهيئة الظروف المناسبة للقوات الصديقة من العمل في بيئة إلكترونية مناسبة تسمح بتنفيذ المهام المطلوبة بكفاءة ودقة عاليتين، وفي الزمان والمكان المناسبين.
1. تعريف الحرب الإلكترونية
هي مجموعة الإجراءات الإلكترونية المتضمنة استخدام بعض النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة في استطلاع الإشعاع الكهرومغناطيسي الصادر من نظم، العدو ووسائله ومعداته الإلكترونية المختلفة مع الاستخدام المتعمد للطاقة الكهرومغناطيسية في التأثير على هذه النظم والوسائل؛ لمنع العدو، أو حرمانه، أو تقليل استغلاله للمجال الكهرومغناطيسي، فضلاً عن حماية الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة من استطلاع العدو لها، أو التأثير عليها.
2. مفهوم الحرب الإلكترونية
انطلاقاً من هذا الفكر في تعريف الحرب الإلكترونية، فإن مفهوم الحرب الإلكترونية هو: مجموعة الإجراءات التي تنفذ بهدف الاستطلاع الإلكتروني للنظم والوسائل الإلكترونية المعادية، وإخلال عمل هذه النظم والوسائل الإلكترونية، ومقاومة الاستطلاع الإلكتروني المعادي، وتحقيق استقرار عمل النظم الإلكترونية الصديقة تحت ظروف استخدام العدو أعمال الاستطلاع، والإعاقة الإلكترونية.
ثانياً: الأهداف الإلكترونية المعادية للحرب الإلكترونية
هي الأهداف المطلوب أن تتعامل معها الحرب الإلكترونية بأعمال الاستطلاع، والإعاقة الإلكترونية، ويمكن أن نوجز أهم هذه الأهداف فيما يلي:
1. محطات الاتصال اللاسلكي، واللاسلكي متعدد القنوات، والميكروويف.
2. أنظمة الرادار العسكرية
أ. للإنذار وتوجيه النيران.
ب. للإنذار والمراقبة الساحلية.
ج. للتوجيه لمراكز السيطرة الجوية.
د. لقيادة نيران المدفعية وتصحيحها.
هـ. لمراقبة التحركات الأرضية.
3. نظم الكشف والتوجيه الكهروبصرية “تليفزيوني، وحراري، وليزري، وبصري”. ثالثاً: مسارح الحرب الإلكترونية
إذا كان البر، والبحر، والجو، والفضاء الخارجي، هي المسارح التقليدية للحرب، فيُعَدّ حيز المجال الكهرومغناطيسي ـ مجال انتقال الموجات الترددية بأنواعها، وأطوالها الموجية المختلفة ـ هو المسرح الحقيقي للحرب الإلكترونية؛ إذ تتنازع الأطراف المتحاربة على استغلال هذا المجال لمصلحته.
تمتد مسارح الحرب الإلكترونية من قاع المحيطات حتى الطبقات العليا للفضاء الخارجي؛ إذ يستخدم فيها مختلف النُظُم الإلكترونية: “المراقبة والكشف، والقيادة والسيطرة، والإعاقة والخداع، ورصد الأهداف، وتوجيه الأسلحة”، وجميع هذه النظم تستخدم نُظُم تحليل الإشارات Signal Processing في تحليل الموجات المنعكسة من نبضات التردد الموجي للمجال الكهرومغناطيسي.
1. مسرح العمليات البحرية
بمقدور السفن الحربية، والغواصات إصابة أهدافها خلف الأفق Over The Horizon: OTHبمعاونة نُظُم الاستطلاع الإلكتروني المتطوِّرة المحمولة جواً، وفي الفضاء الخارجي، والمتصلة بوحدات الأسطول، كما أنه بمقدور وحدات مكافحة الغواصات من طائرات، وسفن، وغواصات مسح قاع البحار والمحيطات باستخدام الأجهزة الإلكترونية “السونار”؛ للكشف عن الغواصات، والألغام البحرية المعادية في الأعماق.
2. مسرح العمليات الجوية
طائرات الإنذار المبكر، والتوجيه المحمولة جواً “أواكس” (طائرة الأواكس: هي طائرة ذات أربعة محركات نفاثة، جُهزت بقبة دوارة تشبه قرصاً ضخماً يبلغ قطره تسعة أمتار، ويضم هوائي الرادار والمراقبة، مما يسمح لها بالكشف في أفق 360 درجة. وتحلق الطائرة على ارتفاع 9 كم، وتراقب كل ما يجري حولها حتى مدى 370 كم في كل الاتجاهات. وتزيد قدرتها على المراقبة حتى 650 كم لاكتشاف الطائرات المحلقة على الارتفاع المتوسط أو العالي، بحيث يصعب على أي طائرة معادية الإفلات من مراقبتها.) Airborne Warning and Control System: AWACS تبلغ فوراً عن أي اختراق معادٍ، وتوجه المقاتلات لإصابة أهدافها في الجو بدقة. كما تراقب نُظُم الاستطلاع الإلكتروني المحمولة جواً، الأوضاع والتحركات المعادية في مسرح العمليات الإستراتيجي، وتخطر غرف العمليات المركزية بها أولاً بأول، وهذا المسرح تعمل فيه الحرب الإلكترونية بكل عناصرها.
3. مسرح العمليات البرية
تتركز حالياً أعمال الحرب الإلكترونية المضادة؛ لإرباك عمل مراكز العمليات الرئيسية المعادية التي تضم نُظُم القيادة، والسيطرة، والاتصالات من طريق تعرّف ترددات الإرسال الخاصة بها، والتداخل عليها بأعمال الإعاقة اللاسلكية، الإيجابية، والخداعية، الأمر الذي قد يصعب تحقيقه في حالة استخدام هذه المراكز لنُظُم اتصالات إلكترونية متطورة، وُمؤمنة، ونظام شفرة يجري تغييره باستمرار، فيصعب التداخل عليها، فضلاً عن استخدام مواقع تبادلية يجري التنقل بينها، وفي هذه الحالة يكون من المفضل التعامل معها بأعمال التدمير.
رابعاً: أهمية الحرب الإلكترونية
تحتل أعمال الحرب الإلكترونية، في الوقت الحاضر، مكاناً بارزاً بين الأنشطة العسكرية الأخرى. ويولي كافة الأطراف، من الشرق أو الغرب، الكثير من الاهتمام لتطوير وسائلها وأساليب استخدامها بعد أن أثبتت خبرات الحروب المحدودة التي تلت الحرب العالمية الثانية أهميتها، سواء في الدفاع أو الهجوم. وقد أحدث استخدام معدات الحرب الإلكترونية في الحروب الحديثة تطوراً هائلاً في مجالات هذه الحروب ومراحلها، وأصبح الحسم في المعارك الحديثة لصالح الجيوش والقوات التي تستخدم الحديث منها، وبقدر ما يمتلكه كل طرف من الأطراف المتصارعة، بعد أن كانت تحسم لمصلحة الطرف الذي يمتلك التفوق العددي، أو النوعي، أو يمتلك الأسلحة البعيدة المدى، والدليل على ذلك أن معدات الحرب الإلكترونية المستخدمة في الطائرات المقاتلة يقترب ثمنها من نصف قيمة الطائرة.في مجال أعمال الحرب الإلكترونية الدفاعية Defensive Measur. EW يوفر الاستطلاع الإلكتروني رصيداً من المعلومات عن الأوضاع والتحركات في مسرح العمليات المنتظر، وكذلك خصائص معدات العدو الإلكترونية، لاتخاذ الإجراءات الإلكترونية المضادة؛ لمواجهتها. كما يتيح التعرف على نُظُم المواصلات، وشبكات المعلومات التي تربط مراكز قيادة العدو بتشكيلاته ووحداته، مما يسمح بالتداخل عليها بالشوشرة والإعاقة لإرباكها، وفي الوقت نفسه، اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق أمن السيطرة على المواصلات الصديقة، وعدم تمكين العدو من التداخل عليها. في مجال أعمال الحرب الإلكترونية الهجومية Offensive Measures . EW يركز في بداية العمليات على تدمير مراكز الحرب الإلكترونية المعادية؛ بما يتيح حرية عمل الأسلحة الصديقة الموجهة، وتحقيق الدقة في إصابتها لأهدافها. كما تستخدم نُظُم المعلومات الميدانية المتطورة التي تضم المستشعرات السلبية، والحاسبات الآلية، ونظم التحكم الآلي، لتحديد الأهداف المعادية بدقة، واستخدام نُظُم الذخيرة الدقيقة التوجيه لتدميرها. ويُعَدّ إبطال فاعلية مواصلات مراكز القيادة والسيطرة الآلية المعادية عن طريق الإجراءات الإلكترونية المضادة الصديقة، في مقدمة أولويات الحرب الإلكترونية؛ لذلك يجري التخطيط لذلك مسبقاً قبل بدء العمليات، فإخماد أو إبطال عمل مراكز القيادة والسيطرة المعادية مبكراً يعني النهاية للحرب، وهو ما أثبتته عمليات الحرب الإلكترونية التمهيدية الناجحة للطائرات الحليفة في عملية “عاصفة الصحراء” في حرب الخليج الثانية. خامساً: أهمية تكامل أنظمة الحرب الإلكترونية
أضاف تخصيص طائرات خاصة لأعمال الحرب الإلكترونية بعداً جديداً تمثل في استخدام أنظمة متكاملة للحرب الإلكترونية INEWS Integrated Electronic Warfare System، اشتملت على جانب من عالم الحرب الكهروبصرية؛ إذ يستخدم الليزر، والأشعة تحت الحمراء، والتليفزيونية في النظام “ترام” Target Recognition Attack Multi-Sensors TRAM أي نظام تمييز الأهداف متعدد المستشعرات؛ لأغراض الهجوم. يستخدم النظام ترام المحمول جواً أجهزة للرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء Forward Looking Infrared: FLIR؛ لتظهر الصورة على شاشة تليفزيونية بكابينة الطيار في تكامل مع أنظمة تحديد المدى بأشعة الليزر من طريق إضاءة الهدف ليزرياً، كما يوجد في مقدمة الصاروخ آلة تصوير تليفزيونية تعمل في مستوى الضوء المنخفض Low Light Level TV: LLLTV ترسل صوراً واضحة إلى الطائرة، لتستخدم في أغراض التوجيه التليفزيوني، وذلك مع وجود جهاز تسجيل خاص، تسجل عليه صور الأهداف بالفيديو لاستعادتها فورياً؛ لأغراض المقارنة والتطابق مع الأهداف الحقيقية المطلوب تدميرها، وكذلك لتقدير كفاءة الضرب، وهو ما يسمى”نظام دمج المعلومات” Data Fusion. هكذا، يسمح النظام “ترام” الموجود في الطائرة EA-6B بتمييز الأهداف التي تظهر بالرادار مع إمكانية توجيه ضربة بالأسلحة الموجهة ـ بأشعة الليزر، بالتليفزيون، بالأشعة تحت الحمراء ـ بدقة متناهية، في الوقت الذي تنفذ فيه الطائرة مناورات عالية فوق الهدف، ويؤدي استخدام الأسلحة الذكية Smart Weapons إلى الإصابة الدقيقة من الطلقة الأولى؛ إذ إن الطائرة لا تستطيع، في ظروف الدفاع الجوي بأنظمته الحديثة، أن تتمهل في منطقة الهدف، أو أن تعاود الكرة مرة أخرى؛ إذ يغدو الثمن غالياً.
ولا شك في أن حمل الطائرة للأسلحة الذكية باستخدام أسلوب “أطلق وانسَ”Fire and Forget يحميها ويساعدها على تفادي الأسلحة المعادية. وهكذا، يساعد النظام “ترام” على تحسين الأداء، وزيادة القدرة على العمل بكفاءة في ظل وجود التهديدات الكثيفة والمعقدة.
من أشكال الدعم بالحرب الإلكترونية في الحروب الحديثة، أنه يمكن لطائرات القتال المجهّزة بمعدات الحرب الإلكترونية، أن تعمل مصاحبة للطائرات المقاتلة القاذفة أثناء قيامها بالاختراق العميق؛ لستر تقدمها بأعمال الإعاقة الإلكترونية المصاحبة Escort Jamming ضد رادارات الدفاع الجوي المعادي، وهي ما تعرف بالمساندة الإلكترونية القريبة، أو من خلال المساندة بالإعاقة الإلكترونية البعيدة باستخدام طائرات الحرب الإلكترونية من مظلات بعيدة عن مرمى الدفاع الجوي المعادى، يطلق عليها Stand-Off Jamming، ويتوقف ذلك على متطلبات تحقيق المهمة، ففي الوقت الذي تفضل فيه القوات البحرية النوع الثاني Stand-Off Jamming فإن القوات الجوية تفضل النوع الأول من أعمال المساندة الإلكترونية Escort Jamming، وهي مهمة الحراسة، والمرافقة بأعمال الدعم الإلكتروني.
سادساً: أقسام الحرب الإلكترونية
تعتمد تكتيكات الحرب الإلكترونية على استخدام وسائل ونظم إلكترونية تتيح استغلال الحيز الكهرومغناطيسي لصالح طرف وحرمان الطرف الآخر أو خداعه عن استغلال هذا الحيز، وهو ما أدى إلى تقسيم الحرب الإلكترونية إلى الأقسام التالية:
1. الإجراءات الإلكترونية المضادة Electronic Counter Measures ECM:
وهي تعني تنفيذ الأعمال الآتية:
أ. أعمال الإعاقة الإلكترونية الإيجابية والسلبية.
ب. أعمال التدمير للنظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية المعادية.
2. أعمال الاستطلاع الإلكتروني Electronic Reconnaissance
وهو ما يطلق عليه اسم “المساندة الإلكترونية” Electronic Support Measures ESM.
ويُطلق عليه الاستطلاع الإلكتروني للنظم الإلكترونية المعادية أو أعمال المساندة الإلكترونية، إذ يؤدي الاستطلاع الإلكتروني دوراً إستراتيجياً في تحديد تكتيكات العدو، وإمكاناته، وأهدافه، وينفذ خلال السلم والحرب، وقبل العمليات وأثناءها من خلال النظم والمعدات الإلكترونية ذات التقنية العالية التي تزود بها الطائرات، والسفن، والأقمار الصناعية. ويكشف الاستطلاع الإلكتروني، على المستوى التكتيكي، نوع دفاعات العدو، وإمكاناته، وقدراته من الأسلحة، ومعدات القتال، فضلاً عن تقويم النظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية؛ بما يساعد على تطوير معدات الحرب الإلكترونية الصديقة وإعادة برمجتها؛ لمواجهة النشاط الإلكتروني المعادي.
لا شك أن الاستطلاع الإلكتروني، يُعد حالياً، من أهم مصادر الحصول على المعلومات وأحدثها في معظم جيوش العالم، وقد تطور بشكل كبير جداً؛ نتيجة للتطور الهائل في تكنولوجيا الإلكترونيات، واعتماده على الخصائص الفنية للموجات الكهرومغناطيسية، التي يسهل متابعتها، فضلاً عن أن المعدّات الإلكترونية أصبحت إحدى السمات المميزة للحروب الحديثة، كما أن الاستطلاع الإلكتروني يُعد كذلك إحدى سمات هذه الحروب في مجال الحصول على المعلومات.
3. الأعمال الإلكترونية المضادة لإجراءات الحرب الإلكترونية المعادية
Electronic Counter Counter Measures ECCM
تعني التأمين الإلكتروني للنظم، والوسائل الإلكترونية الصديقة من أعمال الحرب الإلكترونية المعادية، وتشتمل على ما يلي:
أ. إجراءات مقاومة الاستطلاع الإلكتروني المعادي.
ب. وقاية النظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية الصديقة من الإعاقة الإلكترونية المعادية.
ج. وقاية النظم، والوسائل، والمعدات الإلكترونية الصديقة من وسائل التدمير المعادية الموجهة إلكترونياً، أو المضادة لمصادر الإشعاع الكهرومغناطيسي.
د. المراقبة الإلكترونية للإشعاعات الكهرومغناطيسية الصديقة، وهي تعني الآتي:
(1) منع التعارض الكهرومغناطيسي للنظم، والوسائل الإلكترونية الصديقة من التداخل الصديق الذي يحدث نتيجة لسببين رئيسيين:
(أ) أن عددا كبيراً من النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة يعمل في مساحات محددة في وقت واحد، وبكثافة عالية.
(ب) عدم التزام بعض القوات، بتعليمات التأمين الإلكتروني في تشغيل النظم والوسائل الإلكترونية، مثل استخدام إحدى الوحدات ترددات لاسلكية مخصصة لوحدة أخرى؛ فيحدث التداخل الكهرومغناطيسي.
(2) أدى ذلك إلى إضافة مهمة جديدة للقادة والقيادات على مختلف المستويات، هي:
(أ) التنظيم الفني والتكتيكي للنظم والوسائل الإلكترونية، لضمان منع هذا التعارض الكهرومغناطيسي أثناء تشغيل الوسائل الإلكترونية الصديقة.
(ب) تشكيل عناصر مراقبة إلكترونية مهمتها التأكد الدائم من التزام القوات بتعليمات التشغيل الفني والتكتيكي من خلال استخدام معدات إلكترونية؛ لقياس النشاط الإشعاعي الصديق ومراقبته، في منطقة عمل القوات، إضافة إلى اكتشاف أي إشعاع أجنبي يبث داخل المنطقة.
المبحث الثاني : الأعمال الإلكترونية المضادة ECM
الأعمال أو الإجراءات الإلكترونية المضادة ECM Electronic Counter Measures تعني اكتشاف النظم الإلكترونية؛ لسيطرة العدو على قواته، وأسلحته، ومعداته؛ لتحديد حجم، قواته وأوضاعها، ووسائل إنتاج النيران، بهدف شلّه، أو إفقاده سيطرته على قواته، وأسلحته، بأعمال الإعاقة الإلكترونية، أو بأعمال التدمير لهذه النظم، وذلك لتقليل فاعلية الاستخدام القتالي لقواته، وتقليل كفاءة أسلحته التدميرية في إصابة أهدافها من خلال الأعمال أو الإجراءات الإلكترونية الآتية: الإعاقة الإلكترونية للنظم الإلكترونية اللاسلكية/ الرادارية/ والكهروبصرية/ والصوتية/ والحاسبات الآلية المعادية. تدمير النظم الإلكترونية المعادية باستخدام النبضة الكهرومغناطيسية EMP، أو أسلحة الطاقة الموجهة DEW.
أولاً: مفهوم الإعاقة الإلكترونية
تُعد إعاقة نظم العدو ووسائله الإلكترونية، أحد الإجراءات الإلكترونية المضادة Electronic Counter-Measures: ECM المهمة التي تقوم على فكرة إعاقة تشغيل النظم، والوسائل الإلكترونية المعادية بأنواعها المختلفة من خلال التأثير على كفاءتها في أداء مهامها الوظيفية بأساليب الإعاقة الإلكترونية الآتية:
الإعاقة الإلكترونية الإيجابية: وتعتمد في إعاقة تشغيل النظم والوسائل الإلكترونية المعادية المختلفة (لاسلكية، رادارية، كهروبصرية… إلخ) على خاصية التقاط أجهزة الاستقبال للإشارات المرغوبة، والإشارات الأخرى غير المرغوبة التي تكون على التردد نفسه.
الإعاقة الإلكترونية السلبية: تعتمد الإعاقة السلبية في إعاقة تشغيل النظم والوسائل الإلكترونية المعادية المختلفة على خاصية انعكاس الإشعاعات الكهرومغناطيسية؛ سواء من الأجسام المرغوبة، أو غير المرغوبة التي تصطدم بها لترتد مرة أخرى إلى أجهزة استقبال هذه النظم والوسائل.
1. الإعاقة الإلكترونية الإيجابية
أ. تعريف الإعاقة الإلكترونية الإيجابية
هي عملية توجيه حزمة من الأشعة الكهرومغناطيسية المتعمدة إلى مستقبلات النظم والوسائل الإلكترونية المعادية؛ للتأثير على أدائها بتعميتها، أو خداعها بهدف شل، عملها وإرباكه. وببساطة شديدة، يمكن القول، بأن الإعاقة الإلكترونية الإيجابية هي عملية إرسال إشعاع متعمد لموجات كهرومغناطيسية يتم إصداره من جهاز ما ـ لاسلكي، راداري،… الخ ـ وتوجيهه في اتجاه جهاز استقبال معين؛ بغرض فرض هذا الشعاع دون سواه على هذا المستقبل.
ب. العوامل المؤثرة على مدى فاعلية الإعاقة الإلكترونية الإيجابية
(1) العلاقة بين قدرة محطة الإعاقة، وقدرة جهاز الإرسال المعادي. (2) العلاقة بين مسافة محطة الإعاقة، ومسافة جهاز الإرسال المعادي، بالنسبة لجهاز الاستقبال المعادي. (3) العلاقة بين قوة الإشارة المستقبلة من محطة الإعاقة، وقوة الإشارة المستقبلة من جهاز الإرسال المعادي عند نقطة التقاط هوائي جهاز الاستقبال المعادي. (4) نوع الهوائيات المستخدمة في كل من محطة الإعاقة، وجهاز الاستقبال المعادي ـ استخدام هوائيات موجهة/ غير موجهة. وهذه العوامل تعني أنه كلما زادت قدرة الإعاقة بالنسبة لقدرة إشارة جهاز الإرسال المعادي الواصلة لجهاز الاستقبال، ازداد تشويه هذه الإشارة، وعندما تصل قدرة الإعاقة إلى حد معين، تضيع الإشارة نهائياً، ولا يمكن تمييزها
تعليق