1.وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَالضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْأَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَااللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَامِن مَّحِيصٍ
2. وَقالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُإِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَاكَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِيفَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَاأَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّالظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمدالله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
لطالما ارتبطت صورة الشيطان في أذهان الناسبالخلقة الدميمة والشكل المقبوح والانف الطويل والقرنان الخارجان من رأسه ..والاسنان الكبيرة .. هكذا دأب الناس على مر العصور بالاعتقاد الجازم بأن الشيطانذو خلقة شائهة وقبيحة .. ويحكى أن أحدهم قد رأى في المنام حلمآ .. رأى أن إبليس قدتصور له بصورة أحسن مايكون .. قد كالصنوبر ونظر كالحور العين ووجه كالشمس ، فقالله : أأنت هو ؟ متعجبآ .. فلما صوروك قبيح الهيئة والصورة؟ .. فأجابه : مالحيلةوالقلم في يد غيري ..
ولكن هل هناك من مصادر لدينا في القرآن والسنة ..على أن الشيطان قبيح الصورة ؟.. لايوجد في القرآن ولا في السنة مايؤكدان هذا ، سوىآية واحدة فقط في سورة الصافات " أَذَلِكَخَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ 62 إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ 63إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيم ِ64 طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُالشَّيَاطِينِ"
يقول أحد الملحدين : إن من الخطأتشبيه طلع شجرة برؤوس الشياطين ، فالناس لايعرفون أصلآ كيف هي الشياطين ؟ ولكن أحدالمشايخ الافاضل رد على قوله : بأن صورة الشيطان لدى البشر لطالما ارتبطت بالقبح.. وهذا تشبيه وارد لاخطأ فيه .. تمامآ كما يقول البعض " فلان كالعنقاء" وكما نعلم أن العنقاء طائر فينيقي أسطوري .. ولكن لا أحد لايفهم تشبيه فلانبالعنقاء . فالمشبه به مرتبط بأذهاننا .. معلوم .. حتى لو جهلناه في الواقع !
لكن الجبائي أحد كبار المعتزلة ..ذكر في أحد كتبه أنمعنى طلعها كأنه رؤوس الشياطين ، أي أنه شياطين الانس والجن .. سوف تمسخ صورهموهذا سيكون في يوم القيامة .. واختلف العلماء في ما ذكره الجبائي .. ولكن السؤالالذي يطرح نفسه هنا :
لو كان إبليس شائه الخلقة .. لما استكبروأبى السجود لآدم وقال ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ! .. فلو كانشائه الخلقة والفظاعة كما نتصور نحن .. لما تكبر وقال ( أنا خير منه ) .. فأتىبعضهم .. وقال .. بأنه قد تشوه بعد معصيته .. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كذلك ..لما لانرى طغاة العالم مشوهي الخلقة .. بل بالعكس .. قد تجد بعضهم شديدي الجمالوطويلي القامة .. معتدلي الجسم .. قال تعالى "{ وإذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْوإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَكُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُأَنَّى يُؤْفَكُونَ"
فلما لايكون جميع الطغاة شائهي الخلقة ؟
يبدو أن صورة الشيطان القبيح أتت من قصود طيبةلدى رجال الدين والتربويين كما يقول الدكتور المفكر (عدنان إبراهيم ) .. فلم يستطعهؤلاء أن يتصوروا إمكانية أن يكون الشيطان غير قبيحآ .. وإلى هذا اليوم .. لايزالالكثير من البشر يفضلون الجمال الخارجي .. وينبهرون به على حساب الجمال الداخلي ..وكم من جميل قد نال أرفع الرتب وكم من قبيح .ظلم .. مع تحفظي لكلمة قبيح .. كونيلا أؤمن أن هناك إنسانآ قبيحآ .. ولكن لنقل كم إنسانآ ذو جمال قليل تم ظلمه بسببشكله ! .. وإذا ما بحثنا عن دور الشيطان في الديانات التوحيدية الثلاث سنجد ..
أنه في الديانة العبرانية : يلعب الشيطان دورالنكرة كما يقول الشيخ عباس محمود العقاد .. فكل نكرة يمكن أن تؤدي هذا الدور ..بيد أننا نجد في الديانة المسيحية .. أن دور الشيطان دور محوري مركزي ، ابتداءآ منقصة الخلق والاغواء حتى السقوط كما ذكر في التعبير النصراني . فلو لم يغوي الشيطانآدم وحواء .. لما سقطا على الارض ولما كانت هناك خطيئة وكفارة وغفران ! .. ولذلكينعته النصارى ( بالشرير) .. ولكن أتى الاسلام .. ليعيد التوازن في دور الشيطان ..في القرآن والسنة .. فكان دوره إستثنائي غير محوري ، هامشي ، دور متلصص مخادع ..ولطالما وصف الله تعالى كيد الشيطان (بالضعف ) .. ( وكان كيد الشيطان ضعيفآ)..
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌوَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً..
فلايملك الشيطان سلطانآ .. على عباد اللهالصالحين .. سوى لضعاف النفوس فقط .. وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : وَقالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُإِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَاكَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِيفَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَاأَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّالظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
فكل مايفعله الشيطان هو الوسوسة وتزيين المعاصي .. وحتى في الوسوسة .. ستجد أن هناك صنفان ..
فقد ذكر أبو حازم في الفرق بينوسوسة النفس والشيطان ، فقال : " ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطانفاستعذ بالله منه ، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه " .
وستجد أن أغلب المعاصي والآثام تقعبسبب حب النفس لما حرمه الله ... ولذلك كان دور جبل النفس عن الشهوات والمحرماتأكبر بكثير من دور الشيطان نفسه ..
ولقد ذكر الله تعالى في كتابه أيضآشياطين الانس والجن فقال في محكم تنزيله"]وَكَذَلِكَجَعَلْنا لِكُلِ نَبِيٍ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِوَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً وَلوْشَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ~ 112[
لكن الحاصل هنا .. وواقع الكثير منالمسلمين للاسف .. هو إلقاء اللوم والملامة في كل شي على الشيطان نفسه .. ولاننكرأن الشيطان قبيح الباطن والسريرة .. يوسوس للانسان .. لكن كما تبين لنا أن دورالشيطان ليس بذلك الدور الخيالي والمحوري في الاسلام .. لكن بعض العاجزين ، حينمايجزع عن تفسير ضعفه .. ألقى باللوم مباشرة على الشيطان . وكأنه نسي بأن دور النفسأكبر .. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حينما يعود من الجهاد .. يقول .(عدنا من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الاكبر ) .. وحينما سأل عن الجهاد الاكبر قال (مجاهدة النفس ومغالبة الهوى ) ..
فلما أضحى الشيطان مسببآ لكل المهالكوالمعاصي ؟ ولاعبآ دورآ مركزيآ في أذهاننا ؟ هذا إنما حدث ، لاننا عجزنا أن نسيطرعلى أنفسنا وأن نفهم ماحولنا .. فكان من اليسير أن نلقى المسؤولية على الشيطانبأكملها وهذا هو دأبنا في الحياة كذلك .. إلقاء المسؤولية على الآخرين وعدم تحملنالها ,,,
وأخيرآ : أسأل الله تعالى أنيجنبنا الهوى .. والوقوع فيه .. وأن يرزقنا نفسآ نقية طاهرة خالصة لوجه الله ..
تعليق